فعل الأستاذ والصديق محمد عبد الرحمان برادة خيرا عندما تفقد في غمرة الحجر الصحي الناتج عن انتشار وباء كورونا قبل حوالي ثلاث سنوات خزانة كتبه ووثائقه، باحثا في رفوفها عن آثار لكل الأحداث التي بصمت حياته المهنية والشخصية ، ويقول أنه وجد له أثرا في كل بقعة من الوطن وخارجه وأنه عاش حياته بكل الامتلاء والكتابة والتنوع ، على النحو الذي حلم به، ليستقر أخيرا على تدوين سيرته الذاتية في كتاب “شغف وإرادة .

.رهان في الإعلام والثقافة والسياسة”، الذي يغني به المكتبة الوطنية ،ليس فقط بالتعرف على المسار الشخصي للمؤلف ،بل بتسليط الضوء على تجربة مهنية طويلة وثرية كان لها ،طوال أكثر من أربعة عقود ،أثرها الإيجابي في مجال الصحافة والنشر والتوزيع والثقافة في بلادنا.
وحرص المؤلف بتواضعه على التنبيه إلى أن هذا الكتاب يتضمن فقط بعضا من مسيرة حياته ولمحات من مسيرته المهنية والشخصية في ارتباطها بمراحل من التاريخ الحديث للمغرب، بدءا من الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، وصولا إلى بناء المغرب المستقل واستكمال وحدته الترابية، مؤكدا أن الأمر يتعلق بكتاب تاريخ ذاتي ،لكنها الذات في تقاطعها مع ذوات أخرى لسياسيين وقادة وطنيين وكتاب كبار أضفوا على مسيرته بعدا خاصا.
زاوج السي برادة في عنوان كتابه “شغف وإرادة …” بين العاطفة والعقل. ويعني الشغف ذلك الشعور بالحماس الشديد أو الرغبة التي لا تقاوم تجاه شخص أو شيئ ما وتذهب إلى أقصى الحب، بينما الإرادة هي ذلك التصميم الواعي على أداء فعل معين ، يستلزم هدفا ووسائل لتحقيق هذا الهدف.
ويجد الشغف والإرادة منبعهما في أن المؤلف الذي رأى النور في مدينة وجدة تشبع خلال مساره الدراسي فيها بقيم الوطنية والفضيلة وكانت وجدة التي عاش فيها وظل متعلقا بها رمزا للفداء والاستشهاد في معركة التحرير والاستقلال ولم يكن غريبا ،كما يثذكر في كتابه ،أن تكون ثورة الملك والشعب قد انطلقت يوم 16 غشت 1953 منها ومن نواحيها، أي قبل 20 غشت في باقي المدن المغربية.
وسترافق روح الشغف والإرادة المؤلف في أول محطة من حياته المهنية ، بعد نيله شهادة الباكالوريا ودبلوم اللغة العربية من معهد الدراسات العليا بالرباط، باقتحامه مهنة تدريس اللغة العربية وإخلاصه لها ،بحرصه على تحبيب هذه المادة لتلاميذه في البعثة الفرنسية في وجدة.
ويكون الشغف والإرادة عنوان مغامرة العمر في حياة برادة ،الذي يعترف بأنه سواء أراد ذلك أم أبى ،فإن إسمه اقترن في اذهان الناس بميلاد وتطور مؤسسة سبريس، ليس فقط لكونها تختزل أكثر المراحل عطاء في حياته، بل لأنها تعكس أيضا الشكل الرائع الذي اتخذه عشقه لمجال الصحافة والنشر، ثم لأنها كانت أكثر مغامراته المهنية والإنسانية كدا وجهدا وأكثرها مدعاة للارتياح والاعتزاز.
قبل ميلاد سبريس، كانت المؤسسة الوحيدة التي تنفرد بتوزيع الصحف والمجلات والمطبوعات في المغرب هي شركة من مخلفات الحقبة الاستعمارية واشتغل المؤلف في هذه الشركة وأصبح أول مغربي يتقلد منصب مديرها التجاري،وآلمه أن همها هو تحقيق الأرباح وتعزيز الوجود الإعلامي والثقافي الفرنسي ،بالتوزيع الواسع للصحف الفرنسية مع خنق الصحافة الوطنية وهي ظاهرة لم توجد في أي بلد آخر مستقل.
وانطلاقا من مبادئه الوطنية، وظف استفادته كأحد أطر الشركة من دورات للتكوين الصحفي في فرنسا و دورات التكوين في مجالي الاقتصاد و تدبيرالمقاولة الصحفية وانخراطه في عدد من المنظمات المهنية الدولية المتخصصة في النشر والتوزيع واكتسابه خبرة في ميدان إصدار ونشر وتوزيع الصحف، للانتفاض و كسر الاحتكار في هذا القطاع في بلادنا، بتأسيسه شركة سبريس بمعية مديري الصحف الوطنية المتوفرة آنذاك.
وفعلا تبقى مبادرة تأسيس سبريس مغامرة العمر في مسيرة برادة وهو يخوض معركة مغربة قطاع توزيع الصحف ، يوم فاتح دجنبر 1977،في وضع مطبوع بتهديدات وتحرشات الشركة الأجنبية المحتكرة للتوزيع .وكانت انطلاقة المعركة في منطقة مرس السلطان في الدار البيضاء ،من مقر لم يكن سوى مرآب سيارات ،باستعمال الدراجات الهوائية والدراجات النارية في التنقل، قبل التمكن لاحقا من توفير سيارات وشاحنات، لتصبح سبريس بعد سنة من انطلاقتها موزعة لجل الإصدارات المغربية وعدد كبير من المطبوعات العربية وبعض الصحف الفرنسية، التي استاءت من معاملات الشركة الأجنبية.
وتطورت الشركة لتمتلك في أقل من ثلاث سنوات مقرا من خمسة طوابق وتصبح هي الأولى في قطاع التوزيع.
وأورد الراحل عبد الحفيظ القادري الذي كتب مقدمة هذا الكتاب ،قبل أربعة شهور من وفاته أن “أصدقاءه داخل الكتلة الوطنية وحتى داخل الحزب كانوا يعتبرون فكرة سبريس مغامرة غير محسوبة العواقب، لكن الفكرة غيرت من حياتنا الداخلية ومن مشهدنا الإعلامي في اتجاه الأحسن، فتجاوزت الفكرة الأصلية الممثلة في التوزيع والنشر، إلى تنويع الإنتاج الإعلامي ودعم القراءة والثقافة والمثقفين، كما احتضنت أنشطة ثقافية لم تضاهها فيها أية مؤسسة وطنية كبرى،مشيدا بالسي محمد برادة الذي جمع في رأيه “بين حماسة الوطنية وعقلانية التدبير وروح التطوع في خدمة الإعلام والوطن معا”.
ومن أفضال سبريس برئاسة السي محمد برادة على قطاع الصحافة أنها لم تكن فقط مجرد شركة تجارية ،بل قامت بدور كبير في انتشار الصحف وتوسيع قاعدة القراء وقدمت الدعم والمساندة المادية والمهنية ليس فقط لصحف مؤسسيها الذين كانوا في صف المعارضة السياسية بل شملت رعايتها كل الصحف الأخرى وكانت البيت الحاضن لرموز الصحافة وملتقى تجاربها والورش الذي تبلورت فيه كثير من الإنجازات والمشاريع الصحفية الناجحة، مثل ما كانت بيتا لتقديم المشورة والتوجيه والنصح للجسم الصحفي،على قاعدة أن الصحافة هي قبل كل شيئ رسالة إعلامية وإنسانية وثقافية وحضارية ووسيلة للدفاع عن الرأي وعن حرية التعبير والالتزام بخدمة القارئ ومده بإعلام شامل يحقق له متعة الإخبار و التثقيف و الترفيه .
ويؤكد برادة بكل تواضع أن صحفا كثيرة لم تكن لترى النور وتصمد لولا الدعم المادي الذي قدمته لها سبريس التي فتحت الأبواب مشرعة أمام الصحافة غير الحزبية، برهانها عليها في إغناء المشهد الصحفي وتنمية القراءة في المجتمع.
وفي هذا الشأن يذكر الصديق نورالدين مفتاح في شهادته ضمن هذا الكتاب أن برادة واصل رعاية المشاريع الواعدة وتغذية التعددية ودعم المواهب التي كانت له براعة في اكتشافها، قائلا أن السي محمد أقرضه قرضا حسنا عند تأسيس أسبوعية الأيام ،اقتطعه تدريجيا من مبيعاتها وفعل هذا مع كثيرين .
في هذا الكتاب ،كان المؤلف شاهدا على عدة عقود من العمل الصحفي في بلادنا ،الذي كان مطبوعا بالجانب النضالي والحزبي قبل أن يشهد ميلاد مقاولات غير حزبية، ظهرت في أشكال مشاريع اقتصادية وتجارية تخضع لقوانين السوق، معبرا عن أسفه لانحدار المبيعات اليومية للصحف الورقية من أكثر من 500 ألف خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى 35 ألف نسخة يوميا ل 20 صحيفة في سنة 2020، لكنه ينادي بمواجهة هذا الانحدار في مجتمع ذكر الراحل محمد الأشهب أن القراءة فيه تستعصي حتى على المتعلمين ،بدعوته الصحافة الورقية إلى التكيف مع انتشار الانترنيت ووسائل الإعلام الرقمي والإلكتروني وتطوير أدائها بتسخير الإمكانيات التقنية الجديدة.
وستظهر روح الشغف والإرادة والابتكار مرة أخرى في أن برادة الذي عاش برادة قريبا من عالم الكتابة الفكرية والأدبية والسياسية بكل تفاصيلها وشارك بحماس وكثافة في الحركية الثقافية، جعل الكتاب من خلال سبريس توأما للجريدة والمجلة بتوزيعه في أكبر عدد ممكن من نقاط بيع الصحف في مختلف المدن المغربية ووجد عدد من روائع الإصدارات في الأدب والفكر والسياسة والاقتصاد والاجتماع لكتاب مغاربة وعرب طريقه للتوزيع في المغرب.
ويتطرق المؤلف في هذا الشأن بتفصيل إلى حصول سبريس على شرف توزيع كتاب “ذاكرة ملك”، الذي يهم جزءا من مذكرات المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه وإلى الاستقبال الذي خص به المغفورله شخصيات من رجال الفكر والثقافة والإعلام العرب .
وجعل المؤلف المؤسسة أيضا ملتقى لاستضافة تظاهرات وندوات وأيام دراسية تهم الناشرين والمثقفين والقراء، للتشجيع على التعريف بالإصدرات والكتب الجديدة ،ذات العلاقة بالظرفية المحلية .
ولا تلتصق صفة المؤسس بالسي برادة فقط في سبريس ،التي تخلى عن إدارتها في نهاية سنة 2010،بل تمتد إلى مبادراته له داخل وخارج الوطن ،هاجسه في ذلك خدمة حضور الوطن وإشعاعه .
وينقلنا الكتاب إلى ثلاث مبادرات هي تأسيس برادة في منتصف سبعينيات القرن الماضي مع عدد من أصحاب دور الطباعة والنشر والتوزيع اتحاد الناشرين والموزعين العرب، الذي ترأسه في 2006 لولايتين، ساعيا بهذه الصفة إلى تعزيز أهداف الاتحاد بتنسيق العمل بين المؤسسات العربية العاملة في حقل النشر وتوزيع الصحف والمطبوعات بما يخدم حركة الثقافة والإعلام وتطوير طرق وأساليب التوزيع في أقطار العالم العربي وخارجه بهدف زيادة انتشار الصحف والمطبوعات العربية والأجنبية وتوفيرها بأيسر السبل وأنسب الأسعار.
كما كان المؤلف في سنة 2006 ضمن مجموعة من الصحفيين المغاربة والفرنسيين من المؤسسين لنادي طنجة ،معبرا عن أسفه لوأد هذه المبادرة التي كانت تهدف إلى خلق الظروف المساعدة على تنمية الروابط المتعددة بين صحفيي البلدين والعمل على توفير روح التفاهم الأفضل تجاه الحقائق المغربية والفرنسية ،إضافة إلى ترسيخ كل أوجه التعاون في قطاع الإعلام.
وكان المؤلف أول مغربي عضو في جمعية أصدقاء غوتنبرغ الفرنسية التي كانت تهدف إلى تشجيع القراءة والمساهمة في تطوير قطاع الصحافة والطباعة والنشر، وأسس رفقة عدد من المثقفين في أبريل 2010 فرعا مغربيا لها ،متوليا رئاسته طوال عشر سنوات وعمل على تحقيق عدد من أهداف الجمعية لتصبح أحد روافد التنمية الثقافية في بلادنا.
وبالطبع فإن جهود المؤلف المحمودة و الممتدة على عدة عقود في خدمة الصحافة والإعلام والثقافة ، جعلته جديرا بأن يحظى بالتقدير ، مشيرا في هذا الشأن إلى حصوله في سنة 2003 على أول جائزة وطنية كبرى للصحافة كان جلالة الملك محمد السادس قرر إحداثها في 15 نونبر 2002،تنويها منه بالكفاءات الصحفية المغربية. وكانت الجائزة حافزا له ليواصل عمله وجهده في حقل النشر والتوزيع وبعد ست سنوات سيترأس لجنة التحكيم لهذه الجائزة ويبقى مواظبا على حضور كل دوراتها.
ومن أكبر مظاهر التقدير الذي يعتز به المؤلف إنعام جلالة الملك محمد السادس عليه في شتنبر 2004 بوسام ملكي ، معتبرا هذه الالتفاتة الملكية اعترافا وتقديرا لكل المسؤولين في سبريس على ما بذلوه من جهود تعتبر ثورة حقيقية من أجل إحكام شبكة عصرية لتوزيع الصحف وإبداع أساليب جديدة لتدبير مختلف العمليات المعقدة لتوزيع الصحف في بلادنا.
لم يبتعد المؤلف بعد تخليه عن تسيير سبريس عن مجال الصحافة والنشر، بافتتاحه مقرا جديدا لشركة برومو بريس ، منخرطا في شرح مفهوم وأهداف الجهوية المتقدمة، التي أرادها جلالة الملك محمد السادس تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية وانبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسساتي العميق.
وفي هذا السياق أنشأ موقع جهات نيوز الإلكتروني وأصدر موسوعة دفاتر جهوية التي تعنى بالجهات الإثنتي عشرة للمملكة ولقي هذا المشروع دعما معنويا بالاستقبال الذي حظى به المؤلف من جلالة الملك في 21 غشت ،بمناسبة عيد الشباب المجيد.
وربط برادة طيلة مساره المهني علاقات متينة من الإعلاميين والمثقفين من أبناء بلده وكان محل تقدير في الوسط الصحفي ،يفضل خصاله ونبل مواقفه .وتضمن الكتاب شهادات بعض الإعلاميين أكدوا فيها أن”برادة لا يدخل يده في جيبه إلا من أجل أن يتذكر صديقا ألم به طارئ وعندما تقوم الحرب بين قبائل الصحافة، يكون محمد برادة حكما، فكان صديقا ومستشارا وخبيرا يقدم تجربته الفكرية والميدانية أمام الجميع ،لا فرق بين من يستأثر بميول السوق ومن يبحث لنفسه عن مكان صغير تحت الشمس” وأن” شعار”جريدة لكل مواطن” الذي أطلقه منذ التأسيس مكن المواطنين من الاقتراب من الكلمة التي كانت من قبل بعيدة عنهم”.
كما جاء في هذه الشهادات أن “الرجل استطاع بحذاقته ونباهته أن يكسب ثقة صحافة الأحزاب والصحافة الخاصة وفي ذات الوقت أن يحافظ على ثقة الدولة وأجهزتها ولم يكن السير على حبل رقيق أمرا غريبا على برادة الذي خبر جيدا تضاريس السياسة والصحافة في المغرب. وليس سرا أن صحافيي المغرب قد يتخاصمون ويتباعدون لكنهم في حضرة برادة يدفنون خصوماتهم ويتصالحون وسرهم محفوظ عنده”.
وبعيدا عن مجال الصحافة والنشر نكتشف الحياة الأخرى للمؤلف ، التي كان فيها منخرطا في الكشفية ولاعبا لكرة القدم وكرة اليد وقادته هوايته لكرة السلة إلى أن يكون لاعبا في الفريق المدرسي لثانوية عبد المومن وفريق المولودية الوجدية والنادي البلدي البيضاوي ثم رئيسا للنادي الجامعي البيضاوي ورئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة السلة في سنة 1974.
كانت مسيرة المؤلف مطبوعة بالنجاحات وأيضا بالإخفاقات التي همت مشاريع لم تسعف الظروف في تحقيقها، من قبيل ما أورده عن سعيه إلى إحداث مطابع جهوية وتأسيس سبريس تونس وسبريس الجزائر ووكالة للمؤسسة في السنيغال.
ويتضمن هذا الكتاب القيم بعضا من مسيرة حياة محمد عبد الرحمان برادة في علاقته بقطاع الصحافة والنشر والتوزيع والثقافة ونتمنى أن يسعفه الوقت للعودة إلى وثائقه وإنعاش ذاكرته، لمواصلة الكتابة بنفس الشغف والإرادة لإغناء المكتبة الوطنية بإصدارات أخرى.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الصحافة والنشر جلالة الملک هذا الکتاب محمد برادة المؤلف فی التی کانت فی بلادنا التی کان برادة فی عدد من فی هذا فی سنة

إقرأ أيضاً:

من الميت الحي الذي تحدث نتنياهو عن القضاء عليه؟

غزة- قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده مساء الأربعاء "إن الجيش على ما يبدو قضى على محمد السنوار" القائد البارز في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس.

ويأتي حديث نتنياهو بعد مرور أسبوع على محاولة إسرائيلية لاغتيال السنوار عندما شنت الطائرات الحربية سلسلة غارات متزامنة على محيط مستشفى غزة الأوروبي شرق محافظة خان يونس مساء 13 مايو/أيار الجاري، وأعلن الجيش حينئذ أنها تستهدف نفقا كان السنوار بداخله.

ورغم منع جيش الاحتلال طواقم الإنقاذ من الوصول إلى المكان، واستهداف الطائرات المسيرة كل من يحاول الاقتراب منه بهدف القضاء على فرص النجاة لأي مصاب، فإن ذلك لم يؤكد نجاح إسرائيل في تحقيق هدفها بقتل السنوار.

مهندس الطوفان

ويعتبر محمد السنوار (50 عاما) أحد مهندسي عملية طوفان الأقصى، فقد كان يتبنى قبلها استمرار الهجمات على الجيش الإسرائيلي وإفقاده الدافعية للقتال.

كان السنوار ممن أشرف على اقتحام مستوطنات غلاف غزة صبيحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتتهمه إسرائيل بأنه أحد "العقول الرئيسية" للعملية.

وفي هذا الإطار، يقول رئيس سابق لمكافحة الإرهاب في جهاز الموساد الإسرائيلي لصحيفة التلغراف "إن مجموعة تتكون من 4 أشخاص تقف وراء الهجوم المميت، بنسبة 100% كان محمد السنوار أحد هؤلاء الأربعة".

إعلان

في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت عن مُلاحقة إسرائيل لمحمد السنوار إلى جانب شقيقه يحيى السنوار، وذلك خلال مؤتمر له في تل أبيب ظهرت فيه صورتا محمد ويحيى.

كذلك أعلن الجيش الإسرائيلي في الشهر ذاته أنه دهم مكتب السنوار في قطاع غزة وصادر منه ما ادعى أنها "كراسات قتال تابعة لمنظمة حماس".

يعتبر محمد السنوار من أصحاب المواقف الصلبة وله علاقة بمتابعة عملية التفاوض خلال الحرب على صفقات الأسرى.

وترجح إسرائيل أنه تولى قيادة كتائب القسام خلال الحرب بعد اغتيال محمد الضيف ومن قبله مروان عيسى والعديد من القيادات العسكرية.

عناصر مسلحة من كتائب القسام (الجزيرة) نشاط عسكري

ارتبط اسم السنوار بشقيقه يحيى قائد حركة حماس في قطاع غزة الذي استشهد خلال اشتباكه المباشر مع الجيش الإسرائيلي في حي تل السلطان غرب مدينة رفح في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وجمعته علاقة قوية بمحمد الضيف القائد العام لكتائب القسام نظرا لنشأتهم في مخيم خان يونس، وقيادات كتائب القسام في جنوب القطاع رائد العطار ومحمد أبو شمالة ومحمد برهوم الذين اغتالتهم إسرائيل في حربها على غزة عام 2014.

وضعت إسرائيل محمد السنوار على قائمة المطلوبين لديها مبكرا، إذ اتهمته بأنه من ضمن العقول المدبرة لعملية الوهم المتبددة في 25 يونيو/حزيران 2006 التي استهدفت موقعًا عسكريا إسرائيليا على الحدود الشرقية لمدينة رفح وأسفرت عن أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، والاحتفاظ به على مدار 5 سنوات حتى الإفراج عنه في صفقة وفاء الأحرار في أكتوبر/تشرين الأول 2011، مما زاد من وضعه تحت الأنظار الإسرائيلية.

ولد محمد إبراهيم السنوار في سبتمبر/أيلول من عام 1975 بمخيم خان يونس للاجئين جنوبي قطاع غزة، لأسرة فلسطينية لاجئة من بلدة المجدل، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس "الأونروا"، وانضم إلى حركة حماس منذ السنوات الأولى لانطلاقتها.

إعلان

برز نشاط السنوار في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في سبتمبر/أيلول من عام 2000، وشكل مجموعات لاستهداف المستوطنات الإسرائيلية التي كانت مقامة على أراضي خان يونس، من خلال عمليات إطلاق النار وقذائف الهاون والتصدي للاجتياحات المحدودة آنذاك، وأسهم في إعادة تشكيل المجموعات المسلحة لكتائب القسام.

تدرّج السنوار في مواقع العمل العسكري داخل كتائب القسام، وتولى منصب قائد لواء خان يونس، وأصبح عضوًا بارزًا في المجلس العسكري على مستوى قطاع غزة.

قلب المعادلة “كل حرف وكل كلمة لها رصيد ميداني على الأرض”
محمد السنوار القائد في كتائب القسام لـ برنامج #ما_خفي_أعظم#عملية_طوفان_الأقصى #فلسطين pic.twitter.com/uKk1gGH6kF

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 17, 2023

 رجل الظل

يعرف محمد السنوار بشخصيته الجدية الحادة، وهو صارم في العمل العسكري، لا يظهر إعلاميا إلا نادرا من دون الكشف عن ملامحه الحقيقية، ويطلق عليه "رجل الظل".

ظهر في تسجيل نادر بثته كتائب القسام عقب الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، ثم ظهر إعلاميا لأول مرة خلال برنامج "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة في مايو/أيار 2022، ولم يشارك في تشييع والده الذي تُوفي في يناير/كانون الثاني 2022.

في السنوات الأخيرة تولى السنوار مسؤولية مركزية على مستوى هيئة أركان كتائب القسام، وأشرف بعد عام 2012 على ملف التجهيز والإمداد والدعم اللوجستي الموكل إليه توفير عناصر القسام بالعتاد العسكري والسلاح والمعدات المخصصة للصناعات العسكرية ومراكز التدريب والتأهيل.

وتولى السنوار هذا الملف تحت قيادة شقيقه يحيى الذي كان على رأس الدائرة العسكرية في المكتب السياسي لحماس بعد الإفراج عنه من المعتقلات الإسرائيلية عام 2011 وقبل انتخابه رئيسا لها في غزة عام 2017.

يذكر أن السنوار نجا من أكثر من محاولة اغتيال إسرائيلية، منها زرع جسم ملغم في جدار منزله بمدينة خان يونس عام 2003، وقصف منزله خلال الحرب عام 2014، واستهدافه في معركة سيف القدس في مايو/أيار 2021، لذا يطلق عليه لقب "الميت الحي".

إعلان

مقالات مشابهة

  • شريف الشوباشي: عمر الشريف الممثل المصري الوحيد الذي لمع عالميًا
  • محمد سلماوي في الثمانين.. فارس الكلمة الحرة وظلّ نجيب محفوظ
  • رفع الحجب عن موقع “عمان نت” بالتزامن مع البدء بتصويب الأوضاع القانونية
  • من الميت الحي الذي تحدث نتنياهو عن القضاء عليه؟
  • حماس: نحذّر من الواقع المأساوي الذي يهدد حياة آلاف الأسرى الفلسطينيين
  • السوداني يدعو (الألكسو) للتعاون مع العراق
  • لويفي يهدي كتابه «مداد من ذهب» لنائب أمير تبوك
  • الكنيست يمدد قانونا مؤقتا يحظر الإعلام الأجنبي الذي يمس بأمن إسرائيل
  • «مزيج رائع من العلم والثقافة».. صلاح عبد الله عن التعاون مع أشرف عبد الغفور
  • محمد أنور عشري.. فارس الطب الذي نزل عن صهوة جواده