صعود صناعة السيارات الكهربائية في الصين يقلق الغرب
تاريخ النشر: 11th, January 2024 GMT
يمثل صعود مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين مثل "بي واي دي" و"نيو" إشارة إلى تغير جذري في المشهد العالمي لصناعة السيارات.
وأثار الارتفاع الحاد في صادرات السيارات من الصين -والذي تضاعف بشكل كبير منذ عام 2020- الرعب بين عمالقة صناعة السيارات التقليديين مثل تويوتا، كاشفا عن عصر جديد من المنافسة لم تعهدها الشركات من قبل، من حيث حجم الإنتاج ومكوناته وقدرة التصنيع والتوزيع عبر المنافذ.
ووفقا لتاكيرو كاتو رئيس قسم السيارات الكهربائية في "تويوتا"، والذي تحدث لفايننشال تايمز، فإن زيارته للصين في عام 2018 كانت مفاجِئة، حيث كشفت له الزيارة عن قدرات التصنيع المتطورة في البلاد.
يأتي هذا في وقت يشهد تفوق الصين على اليابان باعتبارها أكبر مصدّر للسيارات في العالم، مع تفوق شركة "بي واي دي" الصينية على منافستها تسلا في الربع الأخير من عام 2023.
ويشير تقرير فايننشال تايمز إلى النهج الذي وصفته الصحيفة بـ"العدواني" لشركة "بي واي دي"، والذي يثير إلى جانب مصنعي السيارات الكهربائية الصينيين الآخرين الذين يستهدفون الأسواق الخارجية تحديا لعمالقة السيارات التقليدية عالميا.
ويقر التقرير بأن تدفق السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة إلى الأسواق الغربية يثير تساؤلات ملحة للحكومات الغربية، ويضعها بين مطرقة تشجيع اعتماد المركبات الكهربائية وسندان حماية المصنعين المحليين.
وينقل التقرير عن مايكل دون الرئيس التنفيذي لشركة "دون إنسايتس" -التي تقدم خدمات استشارية عالمية للمستثمرين وشركات صناعة السيارات الكهربائية- قوله "بينما تقدم الولايات المتحدة دعما ماليا لزيادة الإنتاج المحلي تواجه أوروبا حيرة في التفكير بشأن فرض رسوم جمركية للحد من السيارات الصينية الرخيصة".
ويضيف تقرير فايننشال تايمز أنه رغم وجود حواجز تجارية محتملة فإن مصنعي السيارات الصينيين يحظون بميزة التكلفة المنخفضة قياسا بغيرهم من المصنعين، وذلك بفضل خبرتهم في بطاريات الليثيوم، وهو ما يُظهر جليا مع بيع طراز "أوتو0 3" من "بي واي دي" بأسعار أقل من طراز "مودل 3" من "تسلا" في الأسواق الأوروبية الرئيسية.
ويشير التقرير إلى أنه مع وجود قدرة احتياطية على تلبية 75% من الطلب العالمي على السيارات الكهربائية، إضافة إلى طموحاتهم للتوسع في الولايات المتحدة فإن مصنعي السيارات الصينيين مثل "بي واي دي" على استعداد لاختراق الأسواق الغربية، ومع ذلك تبقى التحديات، مثل حواجز الرسوم الجمركية والمشاعر المناهضة للصين ماثلة في تلك الأسواق أمامهم.
ويسلط جورجي جواهردو الخبير المختص في شركة "دينتونس غلوبال أدفايزورز" للاستشارات الضوء على التعقيد الذي تواجهه شركات السيارات الصينية لدى عملها خارج الصين، إذ يشير إلى أنها تفتقر إلى الدعم الحكومي الذي تتمتع به هذه الشركات داخل الصين، وهذا الواقع يمكن أن يؤثر على ميزة التكلفة التي تتمتع بها في الأسواق التنافسية.
ويضيف التقرير أن الحكومات الغربية في حالة تأهب ضد توغل الصين في أسواقها، إذ حذرت إدارة بايدن المكسيك بشكل خاص من موجة الاستثمارات الصينية القادمة.
كما أشار التقرير إلى أهمية نتائج التحقيق الخاص بالاتحاد الأوروبي، والذي يسلط الضوء على نتائج الإغراق والدعم الصيني للأسواق، وستصدر النتائج في نوفمبر/تشرين الثاني من هذا العام.
المخاطر الأمنية المفترضةوفي الوقت نفسه، يركز المسؤولون الحكوميون في الولايات المتحدة وأوروبا أيضا على المخاطر الأمنية المفترضة لوجود مكونات صينية في البنية التحتية الحيوية مثل الطاقة والاتصالات وفقا لفايننشال تايمز، وهي مخاوف من المتوقع أن تطبق الآن على قطاع المركبات الصينية، بالإضافة إلى البطاريات والتكنولوجيات النظيفة الأخرى.
وعلى الناحية الأخرى، يعرّف كوري كومبس الخبير في "فريق تريفيوم تشاينا" المختص في أبحاث السوق السياسيين الغربيين الذين يفكرون في منع الصين من الوصول إلى سلاسل الإمداد النظيفة بالنظر في تأثير ذلك على طموحاتهم في تحقيق سياسة صفر من الانبعاثات الكربونية، مشيرا إلى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تحجيم انتقالاتهم المناخية الخاصة بدون إستراتيجيات تخفيف كافية.
ويظهر هذا الصعود الكبير لمنتجات السيارات الكهربائية الصينية لحظة محورية لصناعة السيارات العالمية، فبينما تكافح الدول الغربية لحماية صناعاتها وأهدافها المناخية يشكل التمدد الصيني الكبير تحديا ملحا وتمهيدا لاصطدام مصالح وشيك بين تطلعاتها المناخية وأهدافها في مواجهة وتحجيم الصين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: السیارات الکهربائیة مصنعی السیارات بی وای دی
إقرأ أيضاً:
ما الدولة التي تراهن عليها أميركا للتحرر من هيمنة الصين على المعادن النادرة؟
فتح التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية والتوسع الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، والصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من ناحية وكون الصين أكبر منتج في العالم لمعادن الأرض النادرة من ناحية أخرى الباب أمام إندونيسيا كي تحتل مكانة إستراتيجية مهمة في سلاسل إمداد المعادن النادرة وصناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
ونظرا لافتقارها إلى الاحتياطيات الطبيعية والإمدادات المحلية من معادن الأرض النادرة التي تستخدم في أغلب الصناعات المتطورة بدءا من السيارات الكهربائية وحتى الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء، تواجه الولايات المتحدة حاجة ملحة لتأمين سلاسل توريد موثوقة لهذه المعادن بعد معالجتها.
وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية تقول آنا بورغيل المحاضرة في سياسة التحول نحو الطاقة المستدامة بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز الأميركية وسلمى خليل الباحثة في الكلية نفسها إن إندونيسيا تعتبر من أهم الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة لتأمين إمدادات موثوقة من المعادن الأساسية ومكونات بطاريات السيارات الكهربائية.
إندونيسيا.. أكبر احتياطي من النيكلوقالت المحللتان إن إندونيسيا تمتلك أكبر احتياطيات من النيكل في العالم، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكبر منتج له أيضا، كما تحولت من دولة مصدرة للنيكل الخام إلى مركز رئيسي للمعالجة والتصنيع.
إعلانففي عام 2022، حظرت الحكومة تصدير خام النيكل غير المعالج، ما دفع المستثمرين الأجانب إلى إنشاء مصاهر ومرافق وسيطة على الأراضي الإندونيسية لمعالجة وتصنيع النيكل محليا.
وحققت سياسة إندونيسيا للاستفادة من احتياطيات النيكل نتائج مبهرة؛ فقد تضاعفت عائدات صادرات النيكل إلى أكثر من 10 أمثالها خلال عقد من الزمن، لتصل إلى 30 مليار دولار عام 2022 ويعود جزء كبير من هذا النمو إلى تصدير منتجات النيكل ذات القيمة المضافة مثل النيكل الحديدي، وحديد النيكل الخام، والفولاذ المقاوم للصدأ بدلا من الخام.
وعلى سبيل المثال، ارتفعت قيمة صادرات النيكل الإندونيسي المستخدم في الفولاذ المقاوم للصدأ إلى 11.9 مليار دولار في عام 2022، وكتبت إيف واربورتون الباحثة في التغيرات السياسة والاجتماعية في تحليل نشرته ناشونال إنتريست، أن آفاقا استخراجية جديدة تظهر في إندونيسيا بسرعة مذهلة فضلا عن مراكز صناعية.
ومع ذلك، تأخر تطور سلاسل توريد بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية في إندونيسيا عن طفرة الفولاذ المقاوم للصدأ، وحتى وقت قريب، كانت صناعة النيكل في إندونيسيا موجهة نحو إنتاج النيكل من "الفئة الثانية" المستخدم في صناعة الصلب، وليس إلى مركبات النيكل عالية النقاء "الفئة الأولى" اللازمة للبطاريات.
لذلك، انخفضت صادرات إندونيسيا من منتجات النيكل المتعلقة بالبطاريات في السنوات الأولى من حظر التصدير -من حوالي 307 ملايين دولار عام 2014 إلى 196 مليون دولار عام 2022- ما يعكس غياب القدرة التصنيعية اللازمة لإنتاج مواد صالحة للبطاريات، وفق المحللتين.
خطة إندونيسيةولحل هذه المشكلة، خططت الحكومة الإندونيسية لتصبح واحدة من أكبر 3 دول منتجة لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم بحلول عام 2027، مع قدرة متوقعة تبلغ 140 غيغاواتا/ساعة بحلول عام 2030، وقدمت الحكومة حوافز سخية -مثل الإعفاءات الضريبية لمدة تصل إلى 20 عاما للمشاريع الكبرى- لجذب المستثمرين إلى هذا القطاع.
وتصدرت الشركات الصينية قائمة الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع المعادن الأساسية بإندونيسيا، تلتها الشركات الكورية الجنوبية واليابانية. وبحلول عام 2021، شغلت إندونيسيا أول مصنع لديها بما يعرف بالاستخلاص الحمضي عالي الضغط (HPAL)؛ وهذا سد فجوة حرجة في سلسلة التوريد من خلال إنتاج مواد كيميائية من النيكل صالحة للاستخدام في البطاريات، وبحلول عام 2023 تم إطلاق 6 مشاريع للاستخلاص الحمضي عالي الضغط في إندونيسيا.
ويعني هذا أن إندونيسيا أصبحت قادرة على توفير ليس فقط الخام، بل أيضا المواد المكررة اللازمة لإنتاج أقطاب الكاثود في بطاريات الليثيوم، أي أنها ترسخ مكانتها كمصدر واحد مجمع لكل عناصر سلسلة الإمداد بدءا من المناجم إلى المواد الكيميائية المستخلصة، والتي تعتبر الجزء الأكثر صعوبة في سلسلة التوريد والتي تبحث عنها الولايات المتحدة والدول الغربية لتأمين احتياجاتها بعيدا عن الإنتاج الصيني والروسي، حسب المحللتين.
لكن المشكلة هي أن هذا التطور الصناعي في إندونيسيا يتم من دون مشاركة أميركية تذكر، رغم حقيقة أن إنتاج هذا القطاع من النيكل والكوبالت يستخدم في سيارات شركة تسلا وغيرها من السيارات الكهربائية الأميركية.
إعلان عنصر حيويفي الوقت نفسه فإن النيكل ليس مهما فقط في صناعة البطاريات عالية الكثافة المطلوبة لزيادة مدى السيارات الكهربائية، وإنما حيوي لتقليل الاعتماد على الكوبالت الذي يصعب الحصول عليه مع ارتفاع تكلفته.
ومن المنظور الأميركي، يمثل قطاع النيكل في إندونيسيا قيمة إستراتيجية حيوية في بناء سلاسل توريد بطاريات أكثر مرونة وتنوعا. ويعد استغلال قاعدة الموارد الإندونيسية وسيلة لتلبية الطلب المتزايد على النيكل في السيارات الكهربائية، مع تقليل الاعتماد على الصين، التي تسيطر على ما يصل إلى 90% من سلسلة توريد بطاريات الليثيوم المؤين العالمية حاليا.
ولذلك فالشراكة مع إندونيسيا تتيح للولايات المتحدة تقليل الفجوة الهائلة مع الصين في مجال إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. ففي حين وصل إنتاج الصين من هذه البطاريات عام 2023 إلى حوالي 480 غيغاواتا/ساعة لم تنتج الولايات المتحدة سوى 58 غيغاواتا/ساعة، وفق رؤية المحللتين.
في الوقت نفسه فإن إندونيسيا تتحول إلى مركز شامل لسلسلة توريد السيارات الكهربائية في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل هذا الأمر، فلن يكون لها تأثير يذكر على المعايير أو التسعير أو تدفقات الإمدادات الصادرة من أحد أهم مراكز هذه الإمدادات في العالم.
ورغم ذلك تواجه إندونيسيا مشكلة كبيرة تتمثل في اعتماد صناعة معالجة النيكل الخام على الطاقة الكهربائية المولدة بالفحم وهو ما يجعلها صناعة ملوثة للبيئة، ووفقا للتقديرات فإن إنتاج كل طن من النيكل المعالج، يطلق نحو 58.6 طنا من ثاني أكسيد الكربون.
ضعف متزايدوتضع هذه الحقيقة ضعفا متزايدا على صناعة النيكل العالمية، إذ يتزايد اهتمام مشتري المعادن بالاستدامة، وفي الوقت نفسه فإنها تمثل فرصة للولايات المتحدة التي تستطيع مساعدة إندونيسيا في تطوير إنتاج "النيكل الأخضر" باستخدام بدائل لأفران الصهر، ودمج مصادر الطاقة المتجددة أو منخفضة الكربون، والاستفادة من تقنية احتجاز الكربون، وفق المحللتين.
إعلانوثمة هناك أسباب وجيهة لتوقع تزايد الطلب على "الفولاذ الأخضر" وغيره من مواد البطاريات منخفضة الكربون، لأن الأسواق الأوروبية واليابانية ستتطلبها بشكل متزايد للامتثال للوائح التصدير.
وأخيرا تقول آنا بورغيل وسلمى خليل في تحليلهما إن إندونيسيا لا تعتبر مجرد فرصة استثمارية للشركات الأميركية ذات الطموحات العالمية أو الساعية للتحرر من هيمنة الصين على التكنولوجيا النظيفة، بل إنها إحدى الجبهات القليلة المتبقية في العالم التي ما يزال يمكن تحقيق مكاسب إستراتيجية فيها.