حركة نيابية تشاورية والتناقضات تمنع التلاقي على انتخاب مرشح للرئاسة
تاريخ النشر: 14th, January 2024 GMT
كتب طارق ترشيشي في" الجمهورية": برزت حركة نيابية اتخذت طابعاً تشاورياً مبدئياً، وجاءت أشبه بمحاولة سَبر اغوار او جَس النبض واكتشاف حقيقة النيّات في اتجاه تكوين تكتل نيابي ذات طابع مستقل، مع انه ليس هناك من احد مستقل نيابيا او سياسيا في بلد متعدد المشارب والكتل والانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية التي لا يمكن ايّ كان ان يتحرّر منها حتى ولو لبس مئة لبوس من الوطنية والاستقلالية.
وقد انطلق هذا الحراك بلقاء أوّلي انعَقد اخيراً في منزل نائب بيروت نبيل بدر، وشارك فيه 10 نواب اعتبروا أنفسهم ممثّلين لستة عشر نائباً عبّروا عن استعدادهم للتعاون ضمن تكتل واحد لتحريك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة لعل الامر يساعد على إنجازه ووضع حدّ للفراغ في سدة رئاسة الجمهورية تمهيداً لإقامة السلطة الجديدة التي كان ينبغي ان تنشأ دستورياً إثر الانتخابات النيابية التي أنتجت المجلس النيابي الحالي مطلع صيف 2022. والذين شاركوا في هذا اللقاء كانوا نواباً يمثّلون كتل "الاعتدال الوطني" ونواب صيدا (عبد الرحمن البزري، اسامة سعد، شربل مسعد) و"لبنان الجديد" و3 من النواب الذين يسمّون أنفسهم «تغييريين» وهم: حليمة قعقور وسينتيا زرازير والياس جرادة. وبحسب احد النواب الذين شاركوا في هذا اللقاء الذي اتخذ طابعاً تشاورياً، فإن المجتمعين يطمحون الى تكوين تكتل نيابي يجمع نواباً مستقلين عن كل الكتل النيابية الحالية، ليكون له تأثيره في مجرى الاستحقاق الرئاسي على مستوى انتخاب الرئيس الجديد، فضلاً عن تأثيره في اللعبة النيابية على مستوى العمل التشريعي والورشة الاصلاحية، المَطلوب داخليا ودوليا من الحكومة ومجلس النواب الاضطلاع بها.
غير انّ مصادر نيابية متابعة قالت ان هذه الحركة النيابية لا تختلف عن سابقاتها التي أُريد منها تحقيق مصالح آنية سياسية او خاصة لأصحابها، فمنذ بداية الاستحقاق الرئاسي والى اليوم جَرت محاولات كثيرة لإنشاء كتل وتجمعات نيابية سرعان ما تفرّق شملها نتيجة التضارب بين المصالح السياسية والخاصة لأصحابها، خصوصاً انه قد تولّد لدى الرأي العام اللبناني اقتناع في انّ الهدف المادي بات يَكمن خلف اي محاولة لتأليف اي تكتل او تجمّع نيابي من خارج الكتل التقليدية القائمة والمعروفة، وان كان بعضها يعرف من اين تؤكل الكتف! وقد ازداد هذا الاقتناع مع ما تردّد من معلومات العام الماضي والآن عن رشاوى تلقّاها او سيتلقّاها البعض لقاء التصويت لهذا المرشح او ذاك، وذهب البعض الى الحديث عن «شنط» محضّرة للاستخدام في "اليوم الرئاسي الموعود". ولذلك تستبعد المصادر النيابية ان يكتب للقاء النيابي "المستقل" المنوي إطلاقه النجاح لأنّ الذين يريدون الانضمام اليه تحكمهم المصالح المتناقضة التي لا تمكنهم من التلاقي على انتخاب مرشح للرئاسة بعينه، خصوصاً انّ ما يحكم كل هؤلاء هو تفكيرهم في مستقبلهم السياسي في ظل عهد الرئيس الجديد، ولذلك سيحرص كل منهم ان يكون من مؤيّديه حتى يحظى بمكاسب سياسية تتمثّل بمقعد وزاري او حظوة تمكّنه من الفوز مجدداً في الانتخابات النيابية التي ستجري في عهد الرئيس العتيد. ولذا، فإنّ التردد في الموقف سيحكم هؤلاء قبل الاقدام على الاصطفاف في تكتل نيابي يمكن ان يخطئ الخيار الرئاسي ويعرّض مصالحهم السياسية الراهنة والمستقبلية للخطر.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الاستحقاق الرئاسی
إقرأ أيضاً:
عن الذين خاطروا بأنفسهم وأموالهم فلم يرجعوا من ذلك بشيء
مع إقبال أيام العشر من ذي الحجّة يبدأ الحديث عن فضائل هذه الأيّام وعن فضل العمل الصّالح فيها وأنّ العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى، وعمدة الاستشهاد على هذا المعنى هو الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ". وللحديث رواية قريبة عند الترمذي وغيره يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ".
عادة ما ينصبّ الاستشهاد والاستدلال بهذا الحديث على أنّ العمل الصالح بمفهومه العام أفضل حتى من الجهاد في سبيل الله تعالى، وقلّة هم الذين يلتفتون ويتوقفون مليّا عند ذلك الرجل الذي خصّه رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالذكر؛ مبينا أنّه لا يفوقه أحد فضلا ولا يتفوق عليه مؤمن عملا، وهو الرجل المخاطر بنفسه والمخاطر بماله ملقيا بها في مواطن الواجب والجهاد والنصرة فلم يرجع من نفسه ولم يرجع من ماله بشيء.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلفت أنظار أمّته على مرّ الزمان إلى النّموذج الذي يصنع الفرق في الانتصار والتغيير، فكلّ الأعمال الصالحة جليلة، وكل الأعمال الصالحة خير وبركة، لكن عليكم أن تنتبهوا إلى أنّ أعظم الأعمال وأجلّ الأعمال التي لا يسبقها متسابق ولا يدرك شأوها مغامر؛ هي تلك التي تنطوي على إلقاء المرء نفسه في مواطن الخطر مقتحما ومضحيا وغير هيّاب بأحد.
إنّها المخاطرة بالنفس في زمن الخوف والركون وحب الدنيا وكراهية الموت وهيمنة الغثائيّة، والمخاطرة بالمال في زمن الملاحقة والاتهام، وتجفيف المنابع وتجريم الإنفاق في مواطن الحق والنصرة؛ المخاطرة وحدها التي ترهب العدو وتحرّر الأوطان وتصنع التغيير وتهدم الباطل وتحقّ الحقّ، وما أعظم تلك المخاطرة حين تبلغ منتهاها فيصل المال إلى موطن الواجب وتصل الرّوح إلى مستقرّها فتحطّ رحالها في الجنان التي طالما تاقت إليها، وهذا هو ما أشار له رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قيل له: "يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ عُقِرَ جَوَادُهُ وَأُهْرِيقَ دَمُهُ".
وإنّ هذه المخاطرة بالنفس والمال منسجمة مع طبيعة هذه الأيّام التي هي أيّام التكبير المطلق ثم المقيّد، فمن عرف أنّ "الله أكبر" حقا وأيقن بذلك حق اليقين فإنّه لا يهاب ظالما ولا يخاف عدوا ولا يذل لمتغطرس ولا يتقهقر أمام عدوّ؛ وما أعظم الكلمات التي صدح بها الأستاذ والزعيم الإسلامي عصام العطار رحمه الله تعالى يوما على منبر مسجد جامعة دمشق وهو يهدر بمعاني "الله أكبر" في وجه الظالمين، وكان ممّا قاله يومها:
"اللهُ أكبـر رَمْزُ صُمودِنَا
اللهُ أكبـر روحُ جهَادِنا
اللهُ أكبـر سِـرُّ قُوّتِنا وانتصارِنا
اللهُ أكبـر بها صَدَعْنا كلَّ باطِل
اللهُ أكبـر بها قَصَمْنا كلَّ جَبّار
اللهُ أكبـر بها نُواجِهُ كلَّ طَاغُوت
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
اللهُ أكبـر نَشُـقُّ بها دَيَاجيرَ الظلامِ والْيَأْس
اللهُ أكبـر نُوقِدُ بها مَصَابيحَ الأَمَلِ والْفَجْر
اللهُ أكبـر نَطْرُدُ بها روحَ الهزيمةِ والْوَهْن
اللهُ أكبـر نُحْيي بها مَيِّتَ العَزَائِمِ والهِمَم
اللهُ أكبـر نُحَوِّلُ بها الضعيفَ قوِيّا، والجبانَ شُجاعا، ونُحَقِّقُ بها انتصارَ الحريَّةِ والكَرامَة، والحقِّ والعَدالَة، والإحسانِ والْخَيْر
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، لا إلهَ إلاّ الله
اللهُ أكبـر، اللهُ أكبـر، ولِله الحمد
يا إخْوَتي؛ يا أخواتي: امْلؤوا قُلوبَكُمْ وعُقولَكم، وحَنَاجرَكُمْ وَأَجْوَاءَكُم، وسَمْعَ الزَّمَانِ والمكانِ بهذه الكلمةِ العظيمةِ الخالدةِ: اللهُ أكبـر.
اللهُ أكبـر تُحَرِّرُكُمْ مِنْ أهوائكُمْ وشَهَوَاتِكُمْ وأخطائكُمْ، وظُلْمِكُمْ لأنفسِكُمْ وغَيْرِكم، كما تُحَرِّرُكم مِنْ كلِّ طاغيةٍ ظالمٍ آثِمٍ مُسـْتَكْبرٍ جَبّار.
اللهُ أكبـر تَرْفَعُكُمْ، عندما تُخالِطُ قُلُوبَكم وعُقولَكم وَدِمَاءَكُمْ، فَوْقَ هذه الدُّنْيا، فوقَ شـدائدِها وَمُغْرِياتِها، فوقَ صَغَائِرِها وَتَفَاهَاتِها، وتَصِلُكُمْ باللهِ عَزَّوَجَلّ وبالْخُلُود، وتَفْتَحُ لكُمْ أَبْوَابَ الجنّةِ، وأبوابَ المسـتقبلِ الزاهرِ المنشـود.
اللهُ أكبـر تجعلُ الحقَّ رَائِدَكُمْ، والعدلَ مَنْهَجَكم، والخيرَ بُغْيَتَكم، واللهَ قَصْدَكُمْ وغايَتَكُم، وتجعلُ قُوّتَكم مِنْ قُوَّةِ اللهِ عزَّ وجلّ".
فعندما تغدو القلوب والأرواح معجونة بهذا النداء العلويّ المهيب يُصنَع الرجل المخاطر بنفسه وماله الذي يقتحم مواطن الردى حاملا روحه على كفّه طالبا حياة حقيقيّة لا ذلّ فيها ولا هوان، وهذا الرّجل المخاطر هو أعظم العاملين في زمن الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة، فلا يسبقه حاجّ متبتّل، ولا يسبقه قائم لا يفتر، ولا يسبقه صائم لا يفطر؛ فهو الذي به يغدو الإسلام عزيز الجانب، ويجد المسلم معنى وجوده ومغزى بقائه؛ فطوبى للمخاطرين بأنفسهم وأموالهم في زمن الهزائم المرّة.
x.com/muhammadkhm