موقع النيلين:
2025-05-09@19:49:57 GMT

القوي يفرض عولمته

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT


العولمة والقـوة متلازمتان حكـما. لا سبيل إلى وعي الواحدة منهما بمعزل عن الأخرى: صعودا وهبوطا، تمـددا وانكماشا. وليس مبـنى الاقتران بينهما على كون علاقتهما علاقة اعتماد، فحسب، بل على كونها علاقة إيجاد متبادل. هكذا تنشأ العولمة من القـوة -بمعناها الواسع والشامل- عند عتبة عليا من تراكمها، وبالتالي، من فيضها عن حدودها الأصل، وتتعاظم القـوة حجما -في المقابـل- ويتسع نطاق أثرها في ما يقع خارج محيطها المباشر.

يستطيع كل من طـالع مسار العولمة وسيرتها، منذ انطلاقها قبل ثلث قرن، أن يقـف بنفسه على ذلك التـأثير المتبادل بين الظاهرتين.يعـفينا النـظر إلى العولمة من نافذة التلازم بينها والقـوة من كثير من اليقينيـات التي تكونت لدى كثير منـا عن العولمة -خاصـة في العقـد الأول من ظهورها-، وتحديدا من تلك النظرة إليها بوصفها تعبيرا من تعبيرات الهيمنة الرأسماليـة على العالم، وخاصـة منها الهيمنة الأمريكيـة. ومـوطن القصور في هذه النظرة أنها تربط -على غير بيـنة- بين العولمة ومركز بعينه من مراكز الرأسمالية العالمية هو المركز الأمريكي -ومراكز أخرى استطرادا مثل اليابان وألمانيا- فيما هي تذهل عن حقيقة أعلى من حقائق العصر؛ وهي أنه ما من ظاهرة كبرى في العالم برسم التمليك الحصري لقـوة/ دولة بعينها، وإن كانت الدولة تلك بـدرت إليها قبل غيرها، وإنما ظواهر العالم المعاصر ميدان للمنافسة الحادة بين الدول الكبرى التي تحتاز موارد القـوة التي تسمح لها بالتنافس عليها. هكذا كان التنافس حادا على العلم، وعلى الثـروة، وعلى القـوة الحربية، وعلى التكنولوجيا، واليوم، على الذكاء الاصطناعي بين قـوى عـدة تخوض في ذلك التنافس لإدراكها عظيم جدوى حيازة ما عليه تتنافس. وهكذا كانت فتوحات العالم الحديث في العلم والاقتصاد والتـقانة تنتـقل من مصر إلى مصر وتتداولها مختلف الدول بمقادير قـدراتها على المنافسة عليها، فلا يلبث اقتران أي منها بمركزها (أو مـوطنها) الأصل أن ينـفـك فتصير إلى غيره فإلى غيره الثاني إلى أن تصير عامـة.هذه حال العولمة اليوم مع القـوى الدولية الكبرى التي تخوض المنافسة عليها قصد السيطرة والتـحكم والتوجيه وفرض السياسات والحقائق.

مـن كان يـقوى على أن يفعل شيئا من ذلك في الماضي القريب، حين كانت أرجحيـة القدرة والقـوة له، بات يعجز عن ذلك اليوم حين تكافأت الحظوظ وتغيـرت التوازنات وانمحـت الفوارق. يكفينا المثالان الأمريكي والصيني لبيان كيف أصبح متاحا للإنسانية ذلك التداول على إدارة العولمة بعد حقبة ابتدائـية من احتكارها. إن الانتـقال من الاحتكار إلى التنافس -وقد جرى سريعا- دليل فاقع على أنه ما من شيء في الظـواهر وموارد القـوة ينتمي إلى الملك الحصري، وإنما هو رهـن بتوازنات القـوة أو، قـل، هو دولـة بين الدول والأمم تأخذ كـل منها بحـظ منه بمقدار ما وسعت قدراتها. ولأن القوي -في حالتنا التي نبحث- يسيطر على حركة العولمة كـلا أو أبعاضا، فهو يفرض عولمته، أعني: يفرض نمطا منها مرتبطا بنوع نموذجه الاجتماعي- الاقتصادي- السياسي، بل بنوع مواريثه (استعمارية، مثلا، أو لا استعمارية) والمفعول المستمر لقيمها فيه. وبكلمة، إنه يضفي شخصيته وسماته عليها فيطبعها بطابعه حتى لـيكاد الناس يـردونها إليه. وهكذا، إذا كانت العولمة محايدة بما هي إمكانية مفتوحة أمام التدافع العام بين الدول والأمم -كل بما وسعـته حيلته وما تجمع بين يديه من الموارد- فإن من يتداولون عليها ليسوا محايدين، بل يجرون أمورها على المثال الذي يبغون. والنتيجة -أمام هذا التداول المتعدد والمختلف- أننا لا نجد أنفسنا أمام عولمة من نمط واحد وحيد، وإنما تطالعنا العولمة بوصفها عولـمات أو عولمة من نماذج متباينة. هذا ما يفسر، مثلا، لماذا تغيرت أحكام جمهور كبير من النخب في العالم، وخاصة في بلدان الجنوب، على العولمة عما كانـته قبلا: في سنوات التسعينـات على نحو أخص؛ بل هذا ما يفسـر -أيضا- لماذا تغـيـر موقف قـوى كبرى في الغرب من العولمة بعد إذ صار ثـمة شركاء آخرون في العالم يزاحمونها على تلك العولمة ويبـزونها فيها بـزا…

قبل عقدين ويزيد من اليوم، استند الموقف النـقـدي الحاد للعولمة إلى ما كان يطبعها من ميل صريح إلى الذهـاب بفعل الهيمنة الغربيـة إلى حدود الإطباق الكامل على العالم المستهـدف الذي يقع، جغرافيـا، خارج الغرب. والمشكلة في ذلك المنزع الهيمنوي الحاد، الذي أفصحت عنه العولمة (الاقتصاديـة والتـقانية والقيميـة…)، أنه ما اكتفى بتوسـل فعـل الهيمنة بوصف هذه ثمرة موضوعيـة لتعاظم القدرات والقوى فحسب، بل أتى ذلك الفعـل مغمورا بالشـعور المرضي بأن الهيمنة استحقاق له لقاء تفـوقه في الميادين الماديـة! وعندي أن مثل هذا الشعور منبعه من الممايـزة التي يقيمها حامله بين ذاته وخارجها، أو بين الأنا والآخـر، بل ويبنيها على فكرة تفـوق الأنا (الغربية) وعـلو مقامها على الأغيار في العالم! وبيـن أن الوعي المـرضي بالتفـوق والتعالي يبرر لصاحبه -حين يمتلك الوسائل- أن يتصرف مع الآخـر: الذي يقع عليه فعـل الهيمنة، وكأنه هدف مشروع له! إنه موضوع؛ مجرد موضوع لذات فاعلة هي ذاته بوصفه غربيـا! هكذا كان صعبا، حينها، بيان ما يمـيز الهيمنة عن العنصرية فكلاهما سـيئ للآخـر، وكلاهما متمظهـر في علاقة واحدة جامعة هي العولمة:

في تلك الحقبة الابتدائية الهوجاء منها التي عيشت في الفترة بين مطلع التسعينـات وبداية النصف الثاني من العقـد الأول من هذا القرن.يعتقد، اليـوم، وعلى نطاق واسع، أن مضمون العولمة سيشهد على تغييـر فيه نحو الأحسن في هذا الطور الجديد من التداول عليها الذي ولجته الصين وستـلجه الهند والبرازيل. لن يعود مستـبعدا أن نشهد انتقالة حاسمة مقبلة من العولمة الهيمنويـة المجحفة إلى عولمة أخرى أكثر إنسانية مبناها على التعاون والتكافل لا على النهب والسيطرة؛ على المشاركة الجماعيـة بين الأمم والدول في صنع المصير الإنساني لا على الإقصاء والتهميش؛ على احترام الكرامة الإنسانية لا على نزعات التـفـوق والعنصريـة. شيء من هذا قد يحصل لأن قوى العولمة القادمة لا تاريخ استعماري لها، وهي -لذلك- متحررة من قيم الجشع والنهب الذي شكـل أخلاق السياسات الغربية وستكون عولمتها، بالتالي، على مثالها ومثال قـيمها.

عبد الإله بلقزيز – صحيفة عمان

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: فی العالم

إقرأ أيضاً:

تمبروولفز يفرض التعادل على ووريرز في غياب «ملك الثلاثيات»

لوس أنجليس (أ ف ب)

أخبار ذات صلة ترامب يشيد بالتوصل إلى اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي يهدد بفرض 95 مليار يورو على واشنطن حال فشل المفاوضات


استفاد مينيسوتا تمبروولفز على أكمل وجه من غياب ملك الرميات الثلاثية ستيفن كوري نجم ضيفه جولدن ستايت ووريرز للفوز عليه 117-93، وذلك في الأدوار الإقصائية (بلاي أوف) لدوري كرة السلة الأميركي للمحترفين، فارضاً التعادل 1-1 في سلسلة نصف نهائي المنطقة الغربية.
على ملعب «تارجيت سنتر» في مينيسوتا، برز في صفوف الفائز جوليوس راندل بتصدره قائمة أفضل المسجلين مع 24 نقطة، أضاف إليها 11 تمريرة حاسمة و7 متابعات، فيما أسهم أنتوني إدواردز بـ 20 نقطة و9 متابعات على غرار لاعب الاحتياط الكندي نيكيل ألكسندر-ووكر صاحب 20 نقطة، منها 4 ثلاثيات، وجايدن ماكدانييلز بـ 16 نقطة.
قال إدواردز: إن تحسن الأداء الدفاعي لفريقه لعب دوراً حاسماً في فوزه، بعد أداء هجومي ضعيف في خسارة المباراة الأولى (88-99).
أضاف ابن الـ 23 عاماً «شاهدنا إعادة للمباراة، ورأينا أن الأمر لم يقتصر على إخفاقنا في التسجيل فقط، بل كان أيضاً بسبب جهدنا الدفاعي وحدتنا على أرض الملعب، لم نكن على قدر المسؤولية».
وتابع: «لذا كنا ندرك أنه يتعيّن علينا تقديم أداء جيد».
عند الخاسر، كان الكونغولي جوناثان كومينجا من على مقاعد البدلاء أفضل المسجلين برصيد 18 نقطة، في حين أنهى جيمي باتلر اللقاء مع 17 نقطة، و7 متابعات، و4 تمريرات حاسمة.
وخاض ووريرز اللقاء من دون نجمه الأول كوري الذي عانى إصابة في العضلة الخلفية للفخذ في المباراة الأولى، لينجح تمبروولفز في فرض سيطرته في وقت مبكر من الربع الأول، حيث تقدم بنتيجة 25-7.
وتعرض تمبروولفز لنكسة بخروج إدواردز مصاباً في كاحله في الربع الثاني، لكنه أنهى الشوط الأول متقدماً بفارق كبير بنتيجة 56-39.
ورغم عودة إدواردز في بداية الربع الثالث، إلّا أن تمبروولفز تراجع أمام هجوم ووريرز، حيث سجل الثنائي باتلر وكومينجا ثماني نقاط لكل منهما، ليقلص الفارق إلى سبع نقاط فقط عند 62-55، مع تبقي أقل من سبع دقائق على نهاية الربع الثالث.
واستعاد تمبروولفز توازنه، لينهي الربع الثالث بتسجيله 20 نقطة مقابل 5 لضيفه، ويتقدم 85-65 قبل بداية الربع الأخير.
وبدا واضحاً عجز ووريرز من دون خطورة الثلاثيات القاتلة لنجمه كوري، فلم يجد نفسه في وضع يسمح له بتقليص الفارق، ما دفع مدربه ستيف كير إلى التسليم بالهزيمة قبل أربع دقائق من النهاية، فعمد إلى استبدال لاعبيه الأساسيين في وقت كان تمبروولفز يواصل إحكام قبضته على المباراة ليخرج فائزاً، ويفرض التعادل في السلسلة.

مقالات مشابهة

  • عاصم منير أحمد شاه | جنرال باكستان القوي ولاعب الكريكيت الملتزم
  • تمبروولفز يفرض التعادل على ووريرز في غياب «ملك الثلاثيات»
  • هذا هو البابا الجديد الذي يحتاج إليه العالم اليوم... يخلف أهم ثلاثة بابوات
  • بوتين وشي جين يجددان التحالف: رفض الهيمنة الغربية والنازية المعاصرة
  • الرئيس الصيني: نعمل على تعميق علاقاتنا مع روسيا وتعزيز العولمة الاقتصادية
  • شي جين بينغ: الصين وروسيا ستتصديان لمحاولات فرض الهيمنة
  • عام على رفح.. المدينة التي محاها القصف وبقيت تنتظر العالم
  • باكستان تتوعد بالرد القوي على الهجمات الهندية
  • ضبط عاطل يفرض "إتاوة" على السائقين بالسلام
  • ضبط شخص يفرض رسوم على السائقين فى مدينة السلام