لجريدة عمان:
2025-06-27@23:32:14 GMT

دارين مهدي.. سيرة العطاء والغياب

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

«أعتقد إذا رب العالمين أخذ أمانته يوما ما أحب أن يحتفل الأحياء بدلا من النواح والبكاء». (دارين مهدي)

أنبل الأصدقاء أولئك الذين يخلدون الصداقة ويبقون عليها، هكذا خطرت في بالي عبارتها هذه وأنا أتصفح كتاب (دارين مهدي.. سيرة.. تأملات.. شهادات) الصادر حديثا بجهود صديقات الراحلة دارين مهدي (1984-2020): غدينة العيسائي، وسناء حصاري، وعبير المعمري، اللواتي جمعن كتابات دارين المنشورة في حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ضم الكتاب الكثير من صور الراحلة ومشاركاتها في العديد من الفعاليات الثقافية والتطوعية الخاصة بالبيئة. كُتِب في افتتاحية الكتاب «كتاب دارين هو امتداد حضورها رغم الغياب المُبكر، الجلوس لقراءته بمثابة الجلوس معها، إن كنت تعرفها عن قرب فستسعد أنها ما زالت موجودة معنا، وإن كنت تعرفها من قبل فستتعرف عليها أكثر، وإن كنت لم تعرف عنها، فيقيننا أنك ستتعرف عليها عن كثب بعد أن تقرأ فصوله، فهذا الكتاب هو كتاب الجميع». يتوزع الكتاب الواقع في 200 صفحة على ثلاث فصول، حمل الفصل الأول درب الدارينة، والفصل الثاني من مفكرة الدارينة، والفصل الثالث حبا في الدارينية، والدارينة هو الاسم المحبب للراحلة التي كتبتُ عنها هذه الشهادة المنشورة في الكتاب: «أن تكتب عن الآخر الغائب، يعني أنك ستروي قصة أحادية الرؤية والحكاية، ولن يكون بمقدور الآخر التعليق على ما تكتب، فمن سيكون المُحكّم فيما تكتب؟!. هكذا تبادرت إلى الذهن أفكار شتى ومتشتتة، هل تكتب أم تمتنع؟ وإذا وافقت على الكتابة، فكيف ستكتب؟ وبأي نفس.. خاصة إذا كانت المعنية بالكتابة دارين مهدي، الشابة الممتلئة بالحياة والحيوية، الواهبة نفسها للبيئة عملا وأملا. لكن الكتابة عن الراحلين تعني استسلاما ليقين الفقدان، لبرهان الرحيل، وسطوة الموت وسلطته. والكتابة عنهم بهذا المعنى، تأكيد لواقعة الرحيل. نعم الآن أيقنت بأن دارين رحلت، فلم يعُد بإمكاني قراءة ما تدونه في صفحتها في منصة إكس، أو نتبادل المعلومات عن بعض الفنون والصور والأمكنة. نعم توارت دارين خلف ألف سحابة، نحو سماوات لا متناهية، وستتركنا لألم الفراق الأبدي، لكنها لا تريدنا أن نحزن لرحيلها، وهذا ما سأتحدث عنه، لاحقا.

لكن كيف عرفتُ دارين؟

بما أنها ابنة للصديق الدكتور مهدي جعفر، فهي غنية عن التعريف، وجديرة بالتعارف، فالدكتور مهدي له مكانة عالية رفيعة لدي، وبيننا تقاطعات جميلة مشتركة. «الابنة الفخورة بأبيها دوما وأبدا»، كتبتْ هذه العبارة في حسابها على تويتر، وتحتها الملصق الإعلاني الخاص بتدشين كتاب (لعمان مع المحبة) للدكتور مهدي جعفر وآنجيل شو، وكان حفل توقيع الكتاب في معرض مسقط للكتاب 2020، تحديدا يوم الأربعاء 19 فبراير. تزامن الحدث مع وجودي في مسقط وقتها لتوقيع روايتي «الأحقافي الأخير»، وكنت قد قابلت الدكتور مهدي، وتحدثنا عن روايتي «الأحقافي الأخير»، لكن الدكتور مهدي مهتم أكثر بروايتي «موشكا».

بكّرت الراحلة دارين بالحضور إلى ركن توقيع الكتاب، وكان هاجسها البيئي حاضرا أيضا، بتعليقها على الأكياس البلاستيكية المنتشرة في معرض الكتاب، حيث يضع المشترون الكتب في أكياس بلاستيكية، فأتذكر قولها: «لماذا لا نستعيض عن البلاستيك بأي مادة أخرى ولتكن كرتونية».

كان ذلك اللقاء الأول بدارين، رغم أننا كنا نتواصل عبر منصة إكس؛ فقد نشرت مرة على حسابها صورا ومع العبارة التالية: «التقاطات من رحلة أمس إلى جبل سمحان الآسر!، درجة الحرارة 18 درجة مئوية، والغيوم تستجيب للريح في مشهد جميل»، وعلقت على منشورها من ألمانيا: «أنت كنتِ على جبل الصلاة (جبل سمحان) بالشحرية يسمى (دهق ءصولوت) والمنطقة الواقعة أسفل الجبل الممتدة من مرباط إلى حدبين تسمى (صولوت)، فردت بتعليق آخر: «ما بستغرب هالتسمية أبدا، المشاعر اللي تحس بها وأنت على القمة صلاة للخالق والمنظر اللي يحيط بك يشهد بعظمته عزوجل، شكرا على مشاركتنا هالمعلومة محمد «.

التقينا مرة أخرى في مناسبة أقامتها جمعية البيئة العمانية عن الدكتور الراحل محسن العامري، وقد شاركتُ بورقة في المناسبة، وكانت دارين موجودة، وقد أحضرت معها رواية «الأحقافي الأخير» للتوقيع عليها، بعد ذلك اللقاء بأسابيع، كتبت لي دارين تسألني عن (فن الهيدان)، وهو فن مرباطي، يُقام في مناسبات العزاء وفراق الأحبة.

«كاتبنا الجميل بغيت مساعدتك، ماعرفت أفك الشفرة بالضبط الكلام اللي يرددوه في هذا المقطع».

«أهلا دارين الغالية... أي مقطع بالضبط؟».

«أحاول أرسله لك لكن ما ارتسل، خليني أحاول مجددا، بس برسل لك الرابط، من يوتيوب أيضا.. فن الهيدان / الدان.... حاولت أبحث في جوجل لكن ما كان واضح كثير».

«هذا فن ذو جذور إفريقية.. نحن ندين للعنصر الأفريقي بالحفاظ على أغلب فنون ظفار، خاصة المغناة في المدينة، أما بالنسبة للكلمات فسأجيب لك النص».

« لما سمعت البوق تخيلت ذلك، أكون شاكرة لك كاتبنا كثيرا».

«بحثت عن الكتاب وللأسف لم أجده. سأبحث من جديد عن النص وأرسله لك. ولايهمك».

«هو كلامهم ما مفهوم صحيح في المقطع ولا أنا بس يتهيألي؟.. يعني معظمه دان دان دان هيدانه».

«فعلا كلامهم غير مفهوم.. ولكن بصرف النظر عن الكلمات.. إلا أن الطقس وحده فريد.. العادة أن الموت مصحوب بالصمت والبكاء لكن أن يصاحبه أداء وطبل فهذا تفرد بحد ذاته».

«أتفق معك! شاهدت برنامج وثائقي عن فنون ظفار على اليوتيوب ووصف الباحث للطقوس كان جدا ممتع!.. أعتقد إذا رب العالمين أخذ أمانته يوما ما، أحب أن يحتفل الأحياء بدلا من النواح والبكاء».

ها نحن يا دارين ننفذ رغبتك، نحتفل بالكتابة عنك، كما احتفينا بك، حينما زرع لك والدك عدة شتلات من أشجار اللبان، في مناطق متفرقة من ظفار، على سفح جبل سمحان، وفي ريسوت، وفي الحدائق المنزلية للأصدقاء.

دارين لم ترحل إلا جسدا، أما روحها فحاضرة حضور الأبدية في مفردات الكون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدکتور مهدی

إقرأ أيضاً:

الحلقة رقم (٥) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة

●الحلقة رقم (٥) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة ..
● فى هذا التسجيل أشرت الى أن هنالك عدد من الإخوة الضباط الذين تواصلوا مع زملائهم الذين إنضموا لمليشيا الدعم السريع ومحاولة إعادتهم أو على الأقل تحييدهم ، وذكرت منهم على سبيل المثال وليس الحصر ، أخونا الدكتور عبد الرحمن مسلم الدفعة ٤٠ الذي تواصل مع دفعته اللواء الركن دكتور متمرد النور حامد مراهد (من أبناء قبيلة الحوازمة)..

● أجبت على سؤال مهدي كبة عن الأسباب الحقيقية ودوافع حركتنا التصحيحية في ٢١سبتمبر ٢٠٢١م ، مع أنه ومن خلال نقاشنا ثبت له بصورة غير مباشرة الدواعي والأسباب التى دعتنا للقيام بهذه الحركة التصحيحية وكلها متعلقة بالدعم السريع ومدى خطورته على الدولة السودانية ..

●أشرت الى أن المجموعة التى قدمت للمحاكمة العسكرية وما زالت هذه المحاكمة مستمرة للأسف الشديد ، قد قدمت عدد من الشهداء ، وإن كان هنالك من رفض مشاركتها في القتال الى جانب إخوتهم في القوات المسلحة وتحديداً في معارك المدرعات ومنطقة وادي سيدنا العسكرية (كرري) وهنا لابد أن أشير الى أن العقيد الركن زكي عبد الله(من ضمن أفراد المجموعة) ومعه دفعته العقيد الركن معتصم يوسف(الآن بالقاهرة مستشفياً ، نسأل الله له الشفاء العاجل) هما أول من وصل الى رئاسة محلية كرري وحرراها من دنس هولاء الأوباش ، وكان هذا التحرك بمثابة البداية الحقيقية للعمليات التعرضية التى تلت ذلك حتى تحررت كامل محلية كرري ، ومن ثم فتح الطريق الى منطقة أمدرمان العسكرية حيث سلاح المهندسين ..●بالرغم من هذه التوجيهات العليا التى صدرت بعدم مشاركة مجموعة بكراوي (هكذا يسموننا ) في حرب الكرامة الوجودية ، إلا أن ذلك لم يثننا في المضي قدماً والدفاع عن الأرض والعرض ، وهذه حقائق سنذكرها لاحقاً إن مد الله في الآجال ..

●نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل جميع الشهداء ويشفي الجرحى ويفك أسر المأسورين ..

عبد الباقي الحسن بكراوي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • سالم الدوسري يُبدع في مونديال الأندية.. تأهل للهلال وأرقام عربية تكتب التاريخ
  • بداية جديدة.. كنزي مدبولي تثير الجدل بالقفز في البسين بعد كتب الكتاب
  • علاقة سرية وحمل وإجهاض.. جوانب خفية من حياة كينيدي تكشفها سيرة جديدة
  • منال الوراقي تكتب: من طشقند.. رسائل إصلاح وانفتاح تتجاوز التوقعات
  • بكلمات مؤثرة.. حمزة المثلوثي يعلن رحيله رسميًا عن الزمالك بعد خمس سنوات من العطاء
  • الحلقة رقم (٦) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة
  • رشا مهدي بإطلالة جذابة في أحدث ظهور
  • مصطفى بكري ناعيا الكاتب الكبير محمد عبد المنعم: صاحب رحلة طويلة من العطاء والألم
  • د. منال إمام تكتب: ترامب علامة فارقة في التاريخ السياسي الأمريكي الحديث
  • الحلقة رقم (٥) من سلسلة إتصالاتي مع اللواء الركن متمرد مهدي الأمين كبة