ألا تزال آفاق الاقتصاد العالمي في ارتفاع؟
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
في الشهر الماضي، كتبت عن الدور المركزي الذي تلعبه اتجاهات التضخم في التأثير على آفاق الاقتصاد العالمي في عام 2024 وما بعده. بطبيعة الحال، لا يخلو الأمر من كثير من المخاطر الإضافية، ولهذا السبب يقوم مجتمع التوقعات بتحويط توقعاته بتحذيرات معقولة حول عدد كبير من «المجهولات المعروفة». بين أكثر هذه التحديات بروزا الصراعات الجارية في الشرق الأوسط وأوكرانيا، وعدم اليقين بشأن الصين، والانتخابات التي تلوح في الأفق في أوروبا والولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم.
فيما يتعلق بالتضخم، قدمت توقعات متفائلة بحذر استنادا إلى تقارير أخيرة أظهرت أن كثيرا من المؤشرات الأساسية تبدو وكأنها تتحرك في اتجاه واعد. ولكن منذ ذلك الحين، جاءت أحدث بيانات التضخم الشهرية (لشهر ديسمبر) في منطقة اليورو، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة مفاجئة على الجانب الإيجابي. وقد حمل ذلك عددا كبيرا من صناع السياسات والمستثمرين والمحللين على إعادة النظر في مواقفهم بعد أسابيع من إدراج الأسواق لتخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة هذا العام. أخيرا، اختتم كلامي بالإشارة إلى أنها ستكون مفاجأة سارة إذا استمرت مكاسب الأجور في كثير من البلدان، على الرغم من تحسن توقعات التضخم، من دون المساهمة في ارتفاع جديد وأكثر استدامة في الأسعار.
بطبيعة الحال، لن يعول أغلب الاقتصاديين والقائمين على البنوك المركزية على هذا السيناريو ما لم ينشأ دليل واضح على الارتفاع المطلوب بشدة في الإنتاجية في مختلف أنحاء العالم الغربي (وخارجه). ففي غياب إنتاجية إضافية -كما يحذرون- يصبح من غير الممكن الحفاظ على مكاسب الأجور الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) من دون أن تصبح تضخمية.
مع ذلك، أجد نفسي متمسكا بالأمل ذاته الذي راودني الشهر الماضي. ففي نهاية المطاف، تصل بيانات الإنتاجية متأخرة، لذا فمن الخطورة بمكان أن يتفاعل القائمون على البنوك المركزية بقوة أكبر مما ينبغي مع مكاسب الأجور المستمرة، كأن يعلنوا اعتزامهم الإبقاء على سياسة نقدية أكثر تقييدا مما كانوا ليفعلوا لولا ذلك.
على وجه التحديد، ينطوي الأمر على ثلاثة أسباب وجيهة لتبني موقف الانتظار والترقب. فأولا، على الرغم من فشل المتنبئين في توقع الضعف المستمر في الإنتاجية على مدار العقدين الأخيرين، يبدو أنهم لم يتخلوا عن الإشارة إلى التوقعات ببدء تعافيها إلا مؤخرا.
ثانيا، هناك أسباب واضحة تجعلنا نعتقد أن الإنتاجية ستتحسن في نهاية المطاف، حتى لو فقد أغلب الناس الأمل. ما علينا إلا أن ننظر إلى التطورات الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، والتحول إلى الطاقات البديلة، والتغير في أنماط العمل منذ اندلاع الجائحة، وتركيز صناع السياسات المتجدد على المبادرات المصممة صراحة لتعزيز الإنتاجية. صحيح أن البيانات لم تُـظـهِـر بعد أن هذه التطورات بدأت تؤتي ثمارها؛ ولكن مرة أخرى، تستغرق المكاسب الناجمة عن التكنولوجيات الجديدة وقتا طويلا غالبا حتى تجد طريقها إلى الاقتصاد وإلى الإحصاءات الرسمية.
السبب الثالث وراء الامتناع عن تشديد السياسة النقدية يتعلق بالجوانب الاجتماعية والإنسانية لقضية الأجور والإنتاجية. وكما نعلم من المناقشات الدائرة حول مصادر القلق المتنامي وانعدام الأمن الاقتصادي في عديد من الديمقراطيات، فإن أداء الأجور الحقيقية المتوسطة كان هزيلا في العقود الأخيرة. ومن الواضح أن هذا الاتجاه لعب دورا كبيرا في خيبة الأمل المتنامية بين عامة الناس إزاء «الرأسمالية» و«العولمة»، وفي الدعم المتزايد الذي تتلقاه الأحزاب والحركات السياسية الأكثر تطرفا وشعبوية. يترتب على ذلك أن الزيادة في الأجور الحقيقية من شأنها أن تساعد في دفع المواقف السياسية إلى الاعتدال. أما قمع الأجور لمجرد الاعتقاد بأنها غير مبررة فهو أمر بالغ الخطورة.
ترى هل يستمر تحسن التضخم؟ برغم أن أرقام التضخم في شهر ديسمبر جاءت أعلى من المتوقع، فقد أظهرت الأشهر السابقة انخفاضات أكثر حدة من المتوقع. وإذا فحصنا المقاييس الأساسية الأكثر سلاسة لاتجاه التضخم، فضلا عن الدراسات الاستقصائية لتوقعات التضخم، فإن التوقعات تظل واعدة تماما.
فيما يتصل بالعوامل الدورية الأخرى، تبرز ثلاثة أمور في اعتقادي ونحن نقترب من نهاية شهر يناير. فأولا، تظل البيانات الاقتصادية الصينية وأداء الأسواق المالية مخيبة للآمال في عموم الأمر على الرغم من الجهود الأقوى التي تبذلها السلطات لدعم التعافي القوي.
ثانيا، في الولايات المتحدة، تستمر أغلب المؤشرات الاقتصادية -وإن لم يكن جميعها- في الظهور بشكل أقوى من المتوقع. وهو أمر يبعث على الارتياح، حتى ولو لم يكن يخفف من حالة انعدام اليقين بين العديد من المعلقين الذين يساورهم القلق إزاء احتمال مفاده أن الاتجاهات الإيجابية الأخيرة قد لا تكون مستدامة. والأسواق أيضا شهدت بداية متوترة لهذا العام.
وفقا لما يسمى بقاعدة الأيام الخمسة (حيث يبشر صافي الربح لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 في أيام التداول الخمسة الأولى من شهر يناير بالخير للأشهر الـ 12 التالية)، فإن احتمالات أن يكون هذا العام إيجابيا للأسهم لا تتجاوز 50٪. صحيح أن هذه ليست حقيقة علمية. ولكن كما أشرت سابقا، فإن البداية الإيجابية كانت تبشر بعام إيجابي في أكثر من 85% من الحالات، وعلى مدى عقود مضت.
أخيرا، على الرغم من القضايا المثيرة للقلق والانزعاج في الشرق الأوسط وأوكرانيا، ظلت تقلبات أسعار السلع الأساسية ضعيفة بدرجة ملحوظة. لعل بعض عوامل العرض والطلب الفنية الغريبة تفسر هذا الأمر. ولكن أيا كانت الحال، فإن الاستقرار النسبي يمكن ملاحظته في كثير من الأسواق. حيث انخفضت معظم أسعار السلع الأساسية، فضلا عن مؤشرات السلع الرئيسية المعترف بها، مقارنة بالعام الماضي. وهذا أيضا أمر مطمئن بعض الشيء.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: على الرغم من
إقرأ أيضاً:
أداء نجم باريس سان جيرمان يٌطلقه إلى آفاق جديدة
عند ترجمت اسم ديزيريه دويه إلى الإنجليزية، نجد معناها "المرغوب فيه" أو"الموهوب"، فكلاهما يبدو مناسبان تمامًا، بالنظر إلى الأداء المذهل للاعب البالغ من العمر 19 عامًا مع باريس سان جيرمان في نهائي دوري أبطال أوروبا أمس السبت، والذي أطلقه في سماء كرة القدم، مما جعل دويه لاعبًا تتمنى كل الفرق ضمه.
وسجّل دويه هدفين حاسمين في الفوز الساحق 5-0 على إنتر ميلان، بعد أن صنع الهدف الأول لباريس سان جيرمان بتمريرة متقنة. سيطر على الكرة بقدمه اليسرى، واستدار بحركة سريعة داخل منطقة الجزاء، ثم بدّل قدميه بسلاسة ومررها بيمناه إلى أشرف حكيمي.
وقال دويه، الذي يُكمل عامه العشرين يوم الثلاثاء: "لا أجد الكلمات لوصف شعوري. ما فعلناه كان مذهلًا. أظهرنا أننا فريق رائع جماعيًا". هناك العديد من اللاعبين الشباب في الفريق الذين ما زالوا بحاجة إلى التحسن، وأنا من بينهم.
ويُعدّ تحسّن دويه أمرًا مُقلقًا، نظرًا لمستواه المُتميز.
قدرة على تغيير مجرى المباراة
عندما انضم دويه إلى باريس سان جيرمان قادمًا من رين مقابل حوالي 50 مليون يورو في فترة الانتقالات الصيفية، بدا المبلغ باهظًا للاعب شاب لم يُثبت جدارته بعد.
وباستثناء الجماهير التي تابعت الدوري الفرنسي عن كثب، لم يكن دويه معروفًا على نطاق واسع في فرنسا وخارجها، علاوة على ذلك، فإن تسجيله ثمانية أهداف في 76 مباراة لم يُشير إلى أنه سيصبح هدافًا خطيرًا.
لكن رين تُعتبر من أفضل أكاديميات الشباب في كرة القدم الأوروبية. تدرج عثمان ديمبيلي، زميل دويه في باريس سان جيرمان، في صفوفها، وكذلك ماتيس تيل قبل انضمامه إلى بايرن ميونيخ.
رأى لويس إنريكي، مدرب باريس سان جيرمان، الذي درب ليونيل ميسي ولويس سواريز ونيمار عندما فاز برشلونة بدوري أبطال أوروبا عام 2015، أن دويه قادر على تغيير مجرى المباراة، وكان محقًا في ذلك.
وشهد ظهور دويه في النصف الثاني من الموسم استبدال الجناح الهداف برادلي باركولا في التشكيلة الأساسية. كما تزامن ذلك مع انتفاضة باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا بعد مرحلة مجموعات صعبة خسر فيها أمام أرسنال وأتلتيكو مدريد وبايرن ميونخ.
وحافظ دويه على رباطة جأشه في فوز باريس سان جيرمان بركلات الترجيح على ليفربول في مارس، مسجلًا الركلة الحاسمة بأسلوب رائع ليقود باريس سان جيرمان إلى ربع النهائي. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، سجل أيضًا لفرنسا في فوز بركلات الترجيح في دوري الأمم الأوروبية.
وواصل دويه التحسن في المباريات الحاسمة، إذ أحرز دويه هدف التعادل في مباراة ذهاب ربع النهائي ضد أستون فيلا في باريس، وسجل خمسة أهداف في البطولة.
وسجل 15 هدفًا لباريس سان جيرمان هذا الموسم، بما في ذلك تسديدات رائعة من خارج منطقة الجزاء بقدمه اليمنى.
وسيطرته الدقيقة على الكرة، إلى جانب قدرته على مراوغة المدافعين، جعلته جزءًا أساسيًا من أسلوب لعب باريس سان جيرمان المعقد، لا سيما في المساحات الضيقة. غالبًا ما تكون مراوغاته غير التقليدية رائعة، لكنها لا تنجح دائمًا، لذا فقد أحكم سيطرته عليها.
وأضاف دويه: "أحيانًا أبالغ قليلًا، لكنني أحاول الحفاظ على شخصيتي. عندما تلعب، تعرف أن هناك مناطق تحتاج فيها إلى بناء الهجمة وتمرير الكرة، ومناطق أخرى تتمتع فيها بحرية أكبر". “أحلل مبارياتي وحصصي التدريبية كثيرًا. أحاول دائمًا الحفاظ على انضباطي، وآمل أن يقودني ذلك إلى أعلى مستوى.”
وحقق ذلك مساء أمس السبت، وانضم إلى موهبة برشلونة الشاب لامين يامال، البالغ من العمر 17 عامًا، ضمن أكثر اللاعبين الشباب المطلوبين في عالم كرة القدم.
وقد يتواجهان يوم الخميس، عندما تلعب فرنسا ضد إسبانيا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية.