انتشار اسرائيلي قرب الحدود وجديد الحزبصاروخ يطارد فريسته وراء السواتر
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
واصلت إسرائيل تهديداتها بتوجيه ضربة عسكرية قوية ضد لبنان، واقترنت هذه التهديدات بما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن انتشار عدد كبير من القوات الإسرائيلية قرب حدود لبنان .وفي حين صعد الطيران الحربي الإسرائيلي غاراته على بلدات وقرى حدودية مستهدفا تجمعات تجارية ومحدثا دمارا واسعا فيها، هدد وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس خلال لقائه نظيره الإيطالي أنطونيو تاياني بان "الجيش الإسرائيلي سيوجه للبنان ضربة عسكرية لن يتعافى منها في حال لم ينسحب حزب الله من الحدود".
خبراء عسكريون ومحللون استراتيجيون استبعدوا لـ»البناء» شن «إسرائيل» عدواناً واسعاً على لبنان لأسباب متعددة داخلية أميركية وداخلية «إسرائيلية» رغم وجود ظروف مؤاتية ودوافع لدى حكومة الحرب ورئيسها تحديداً مع التيار الديني المتشدد الذي يرفض وقف الحرب على غزة ويدعو لتوسيعه باتجاه لبنان. لكن قرار الحرب لا يتعلق بـ»إسرائيل» بمفردها بل يتطلب غطاء أميركياً غير متوافر حالياً بسبب انشغال الأميركيين بالانتخابات الرئاسيّة وبالحرب الأوكرانية – الروسية، والخشية من الاستدراج الى حرب برية ضد اليمن لمواجهة ضربات حركة أنصار الله والقوات اليمنية في البحر الأحمر، وكذلك الخوف من تداعيات الحرب الكبرى على المصالح والقواعد الأميركية في الشرق الأوسط والخليج، وعلى مصير الكيان الإسرائيلي الذي سيكون أولى ضحايا هذه الحرب وهو نافذة أميركية على البحر المتوسط تخدم المصالح الحيوية الأميركية في المنطقة. لكن الخبراء يتوقعون تصعيداً إسرائيلياً اضافياً على الجنوب خلال الأيام المقبلة تحت سقف تفادي الانجرار الى حرب كبيرة مع حزب الله.
ولفتت أوساط مطلعة على موقف المقاومة لـ»البناء» أن حزب الله في إدارته لهذه الحرب يراعي الاعتبارات الداخلية اللبنانية والمصلحة الوطنية ويقوم بالدور اللازم الأخلاقي والعسكري اللازم لإسناد غزة وتثبيت قوة الردع لمنع أي عدوان إسرائيلي استباقي على لبنان، لكن الحزب وفق الأوساط نفسها لا يخشى الحرب ويمتلك الكثير من الأوراق والمفاجآت التي لم يستخدمها في حرب 2006 ولا خلال أشهر الحرب على غزة، وقد تغير مسار الحرب وتقلب الموازين. وشددت الأوساط على أن الحزب لن يعطي العدو ذريعة لشن عدوانه المبيت بل هو يقوم باختيار أهداف نوعية تؤلم العدو وتستنزف قواته وإمكاناته بشكل لا يمنح الاحتلال ذريعة ومشروعية داخلية ودولية لتوسيع عدوانه على لبنان. لكن الأوساط أكدت بأن المقاومة بالتوازي مع أداء واجبها الإسنادي لغزة والردعي في حماية لبنان، تستكمل استعداداتها تحسباً لكافة الاحتمالات أكان رفع وتيرة العدوان، أو للحرب الشاملة، وستخوضها بكل جرأة وبلا ضوابط وسقوف وحتى النهاية، كما أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطاباته الأخيرة.
وكتبت" الديار": ثلاثة عناوين اختصرت مشهد الحرب المفتوحة على كافة الاحتمالات مع كيان العدو بالامس. كان يوم «الهلع» في الجليل، ويوم تجديد التهديد والوعيد من قبل قادة الاحتلال، ويوم نجاح حزب الله في استهداف منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، ومنصات القبة الحديدية قرب مستوطنة «كفربلوم « التي تبعد 8 كلم عن الحدود اللبنانية، بمسيّرتين انقضاضيتين، دون ان تنجح في اعتراضهما، وهو ما يعتبر تحولا نوعيا في المواجهة ويضع القيادتين العسكرية والسياسية في مأزق حقيقي على وقع تهديدات متهورة تتخوف من نتائجها الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك شريحة واسعة من الاسرائيليين الذين عبرت عنهم صحيفة «هآرتس» بالقول ان «المتدينين القوميين المتطرفين هم أكثر خطراً من حزب الله، ولهذا هم سيشعلون الحريق الآتي».
وكتبت" الاخبار": وزع الاعلام الحربي في المقاومة الاسلامية أمس فيديو لعملية استهدفت منصة تجسسية في موقع جل العلام. وظهر في الفيديو مسار الصاروخ منذ انطلاقه وحتى انفجاره بالهدف بواسطة كاميرا مثبتة فيه. والصاروخ الموجه الجديد مضاد للدروع من نوع ATGM يُكشف عنه للمرة الأولى علماً أن المقاومة أدخلته في العمليات منذ فترة، ويجري توجيهه والتحكم به عن بعد. وهو في آلية حركته يشبه الكورنيت، ويبث صوراً عن مساره، وميزته انه قادر على التحليق بمسار قوسي، وعلى الوصول الى الأهداف التي يجري حجبها خلف سواتر أو جدران، وعلى التحليق فوقها ونقل الصورة بشكل مباشر ما يعطي الفرصة لتشخيص الهدف وتحديده بدقة قبل الانقضاض عليه من الأعلى والاطباق علبه اطباقا بصريا بعد إعطائه الأمر بالانفجار. ويستخدم هذا الصاروخ لإصابة أهداف مختارة بعناية بناء على معلومات مسبقة.وأثار الفيديو مخاوف لدى العدو من قدرته على إصابة الدبابات التي يتم حجبها حالياً وراء سواتر عالية ولا يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو بالمناظير من الجهة المقابلة.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
أحمد الفقيه العجيلي
تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.
هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.
الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.
وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.
والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.
التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.
ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.
بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.
ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.
في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.
لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.
ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.
وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.
هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.
في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.