أسامة فخري الجندي يكتب: صناعة المعروف.. وثقافة المواساة
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
من أرقى وأسمى القيم الإنسانية والثقافات الاجتماعية «قيمة صناعة المعروف» هذه القيمة التى تؤسس لثقافة المواساة وتُبرز فقه الشعور بالآخر، وتحقق مجموعة من القيم النبيلة التى تتعلق بالتكافل والتراحم والتكامل والتعاون وحب الآخر ورفع الحرج وإزالة المشقة، كما أنها دليل على نفس زكية تتسم بالبذل والعطاء والسخاء والجود والكرم.
إن مما ينبغى أن يكون عليه المسلم عموماً التكافل والتراحم مع الفقراء، فيراعى غيره ممن هم فى حاجةٍ وضيق، وهذا كان خُلُق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعن ابْنِ عَبَّاسٍ (رضى الله عنهما) قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ). [أخرجه البخارى ومسلم].
ويلاحظ هنا فى هذا التشبيه الرائع لإنفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وجودِه بأنه كالريح المرسلة (أمور ثلاثة): فالريح المرسلة (متعاقبة - تشمل الكل - السرعة)، وهكذا ينبغى أن يكون المسلم فى إنفاقه وجوده، أن يكون سريعاً لا يبطئ، أن يكون فى نفقته شاملاً لمن يستحق نفقته، أن تتعاقب النفقات فلا تتوقف، وأن يكون فى ذلك كلِّه مبتغياً به وجه الله عز وجل، محققاً أسمى معانى الجسد الواحد للأمة.
ولا شك أن فى الإنفاق والصدقة دواءً وشفاءً للأمراض والأدواء البدنية، ولها تأثير عجيب فى دفع أنواع البلاء، فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وذلك كما فى قوله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاَءِ الدُّعَاءَ)(سنن البيهقى). فالصدقة لها أثر عجيب فى مداواة الأمراض، قال على بن الحسن بن شقيق، سمعت ابن المبارك، وسأله رجل عن قرحة خرجت فى ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج فلم أنتفع به، فقال له: اذهب فاحفر بئراً فى مكان حاجة إلى الماء، فإنى أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل، فبرأ.(سير أعلام النبلاء). يقول ابن القيم: فالصدقة لها تأثير عجيب فى دفع أنواع البلاء، فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند النّاس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنّهم قد جربوه.
ومن هنا لا بد أن ندرك «ثقافة المواساة وصناعة المعروف»؛ لنيل أعظم الثواب من الله (عز وجل).
وبالنظر فى واقعنا المعاصر فإن من ثقافة المواساة وصناعة المعروف: إغاثة المرضى، ومساعدة الفقراء والمساكين وأصحاب الأعمال المؤقتة وغير المنتظمة أو العاملين بالأجور اليومية، وما يتعلق بالمستشفيات من توفير الأدوات والمستلزمات الطبية وأدوات الوقاية، والمساعدات الفورية للعلاج ولحفظ الإنسان وصيانته ووقايته من هذا المرض، ومن ثمّ فإن الصدقات هى من أكثر وجوه الإنفاق فى هذه الآونة التى تشتد فيها حاجة هؤلاء إلى المعونة العاجلة، وهو واجب الوقت الذى يتعين أداؤه.
فكن من أهل المواساة، بمعنى أن تتفقد أهلك وجيرانك وزملاءك وأصدقاءك. وتبحث عمن هم فى احتياج، وكيفية مساعدتهم على قدر استطاعتك.
كل إنسان منا يستطيع أن يحقق ثقافة المواساة حسب طاقاته وقدراته وإمكاناته من مال وإطعام، ومساعدات عينية، وإذا كان ثواب الصَّدقة والإنفاق عظيماً، فإن ثوابها فى وقت الأزمات أعظم، فحين سُئل (صلى الله عليه وسلم): يَا رَسُولَ اللهِ أىُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْراً؟ قَال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى..»، أى: إنَّ أعظم الصَّدقات أجراً مالٌ يُخرجه الإنسان وهو يخشى أن يُصيبَه مِن الفَقرِ ما أصابَ غيره.
بل إن التَّصدُّق فى ظلِّ الأزمات أو الضيق، والعمل على رفع الحرج وإزالة المشقة هو سببٌ رئيسٌ لدفع البلاء، وسبب رصينٌ لكشْف الضُّر، وسبب عظيمٌ لسِعة الرّزق؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا تُنصَرُونَ وتُرزَقُونَ بِضُعَفَائِكُم».
وليعلم كل إنسان أنه بصدقته وإنفاقه ومساعداته ومواساته لغيره قد نال وصفاً جليلاً منيراً من أجلِّ وأرقى وأسمى الأوصاف، وهو (صانع المعروف)، وصناعة المعروف سببٌ لنَيْل رضا الله سُبحانه، ولتنزُّل رحمته (عز وجل)، وأصل أصيل فى الحفظ من سيئ البلاءات، والأمراض، وضمان -بإذن الله تعالى- لحسن الخواتيم؛ فقد قال (صلى الله عليه وسلم): «صنائِعُ المعروفِ تَقِى مصارعَ السُّوءِ، والصدَقةُ خِفْياً تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ».
فاللهم اجعلنا من صانعى المعروف، واجعلنا من أهل المواساة، وارفع عنا البلاء والوباء
اللهم آمين
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القيم الإنسانية الثقافات الاجتماعية التكامل والتعاون صلى الله علیه وسلم صلى الله ع أن یکون
إقرأ أيضاً:
دعاء ردده النبي بعد كل صلاة.. واظب عليه
واظب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على عدة أدعية كان يلتجئ بها إلى خالقه عز وجل دبر كل صلاة ومن هذه الأدعية: عنْ ثوبانَ رضي اللَّه عنْهُ قال : كان رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « إذا انْصَرَف مِنْ صلاتِهِ اسْتَغفَر ثَلاثاً ، وقال: « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ ، ومِنكَ السَّلامُ ، تباركْتَ يَاذا الجلالِ والإكرام » قِيل للأَوْزاعي وهُوَ أَحَد رُواةِ الحديث : كيفَ الاستِغفَارُ ؟ قال : تقول : أَسْتَغْفرُ اللَّه ، أَسْتَغْفِرُ اللَّه . رواهُ مسلم .
وعَن المُغِيرةِ بن شُعْبةَ رضي اللَّه عَنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كَان إذا فَرغَ مِنَ الصَّلاة وسلَّم قالَ : « لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . اللَّهُمَّ لا مانِعَ لما أعْطَيْتَ ، وَلا مُعْطيَ لما مَنَعْتَ ، ولا ينْفَعُ ذا الجَدِّ مِنْكَ الجدُّ » متفقٌ عليهِ.
وعَنْ عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ رضي اللَّه تعالى عنْهُما أَنَّهُ كان يقُول دُبُرَ كَلِّ صلاةٍ، حينَ يُسَلِّمُ : لا إلَه إلاَّ اللَّه وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ ، لهُ الملكُ ولهُ الحَمْدُ ، وهُوَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَديرٌ . لا حوْلَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه ، لا إله إلاَّ اللَّه ، وَلا نَعْبُدُ إلاَّ إيَّاهُ ، لهُ النعمةُ ، ولَهُ الفضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسنُ ، لا إله إلاَّ اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولوْ كَرِه الكَافرُون .قالَ ابْنُ الزُّبَيْر : وكَان رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مكتوبة ، رواه مسلم.
وعنْهُ عنْ رَسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « مَنْ سَبَّحَ اللَّه في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ ثَلاثاً وثَلاثينَ ، وَحمِدَ اللَّه ثَلاثاً وثَلاثين ، وكَبَّرَ اللَّه ثَلاثاً وَثَلاثينَ وقال تَمامَ المِائَةِ : لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدَه لا شَريك لهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحمْد ، وهُو على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ، غُفِرتْ خطَاياهُ وإن كَانَتْ مِثْلَ زَبدِ الْبَحْرَ » رواهُ مسلم .
وعنْ سعدِ بن أبي وقاص رضي عنْهُ أنَّ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم كانَ يَتَعوَّذُ دُبُر الصَّلَواتِ بِهؤلاءِ الكلِمات : « اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والْبُخلِ وَأَعوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إلى أرْذَل العُمُرِ وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا ، وأَعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبر » رواه البخاري.
وعنْ معاذٍ رضي اللَّه عَنْهُ أَنَّ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَخَذَ بيَدِهِ وقال : « يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إنِّي لأُحِبُّكَ » فقال : « أُوصِيكَ يَا معاذُ لا تَدعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ تقُولُ : اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ ، وشُكْرِكَ ، وَحُسنِ عِبادتِكَ » . رواهُ أبو داود.