الدبلوماسية في الشريعة والقانون (3) الدبلوماسية في الشريعة الإسلامية
تاريخ النشر: 28th, January 2024 GMT
بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية)- اتساقا مع ماذكرته في المقال السابق عن تاريخ الدبلوماسية، أود بداية أن ألفت نظر حضراتكم الى حقيقة تاريخية، وهي أنه ليس صحيحاً مايُذكرمن أن أول مؤلف في الدبلوماسية هو كتاب فرانسوا كالبير أحد دبلوماسي لويس الرابع عشر، الذي بعنوان (طريقة التفاوض مع الملوك) الذي تم تأليفه عام 1716، لأن السيرة النبوية سجلت تفاصيل مفاوضات الرسول مع الملوك والأباطرة، ونشرت رسائله إليهم، وأيضا سجلت الإتفاقيات التي أبرمت مع غير المسلمين، علي سبيل المثال صلح الحديبية مع قريش، وكلها وثائق تتوفر لها جميع الشروط لتكن جديرة بوصف الوثائق الدبلوماسية.
وحقيقة أخرى، أنه كان هناك وجود للدبلوماسية قبل الإسلام (في العصر الجاهلي) حيث كانت هناك علاقات ودية بين العرب وجيرانهم، وكان هناك مراسلات وبعثات دبلوماسية بين العرب مع بعضهم البعض، وبينهم وبين الشعوب والأمم الأخرى، منها ما كان في مواسم الحج، وسير الوفادات والشعراء إلى ملوك فارس والحيرة وغسان وحمير .. الخ، فقد كانت كلها وسائل للاتصال والعلاقات الدبلوماسية.
إلا أنه ورغم وجود الدبلوماسية عند العرب قبل الإسلام، لكنها لم تكن بنفس الأهمية التي كانت عليها في فترة الدولة الإسلامية، فلقد كانت الدبلوماسية في أبهى صورها في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي بعد استقرار دولة الإسلام الأولى بالمدينة، وتغيرت لتصبح غير مقتصرة على العلاقات التجارية فحسب، وتحولت من علاقات محدودة مع الغير إلى علاقات واسعة ومتعددة.
فكانت الدبلوماسية إحدى أدوات النبي محمد صلي الله عليه وسلم في قيام الدولة الإسلامية، بأشكال عدة منها، التفاوض مع خصومة وإبرام الصلح معهم، قيام حوار مع الغير، وعقد اتفاقيات إحترام متبادل وتعايش في سلام مع الأديان الأخرى.. الخ من الأشكال الأخرى التي كانت حينذاك.
ومن الحقائق التاريخية الهامة التي من الجدير التذكير بها هنا، هي أن عصر الإسلام لم يكن عصرا واحد، وإنما كانت عصور عدة، اختلفت فيها الاوضاع والأمور في أشياء كثيرة من بينها الدبلوماسية، فلقد كان هناك العصر الأول للإسلام الذي كان فيه حضرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم، ثم تلاه عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ثم عهد العباسيين والأمويين، ثم العهد الفاطمي والمملوكي، ثم الدبلوماسية في القرون الوسطى، ثم الدبلوماسية في العهد العثماني.
وبعد إذن حضراتكم أتناول بشئ من التفصيل شكل ودور وهدف الدبلوماسية في كل عصر من هذه العصور في المقالات القادمة إن شاء الله.
مراجع للمقال:
· د/ أحمد المهدي، الدبلوماسية في العصر النبوي، الدار العربية للطباعة، بيروت، 2006، 14.
. دور الدبلوماسية في التسوية السلمية للنزاعات، أ/ فاطمة سالم عيسى البشير، رسالة ماجستير،كلية الإقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة،2010.
يسعدني التواصل وإبداء الرأي [email protected]
Tags: الدبلوماسيةالشريعةالقانون!
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: الدبلوماسية الشريعة القانون الدبلوماسیة فی
إقرأ أيضاً:
حكم الإنابة في الحج لمن تعذر عليه أداء الفريضة.. يسري جبر يجيب
قال الدكتور يسري جبر، من علماء الأزهر الشريف، إن حديث المرأة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟"، وأجابها النبي ﷺ: "نعم"، يحمل في طياته دلالات عظيمة في البلاغة، والفقه، والأدب، وأصول الاستنباط.
هل صوت المرأة عورة؟.. يسري جبر يوضح الرأي الشرعي
يسري جبر: زيارة المريض مستحبة شرعًا.. لا يثقل عليه ولا يحرجه أو يزعجه
يسري جبر: اتباع الجنازات مندوب شرعًا وواجب في هذه الحالة
هل يصح لأي إنسان أن يستفتي قلبه؟.. يسري جبر يجيب
وأوضح الدكتور يسري جبر، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الجمعة، أن هذه المرأة ضربت مثالًا في الإيجاز والبلاغة، إذ جمعت المعنى بعبارات قصيرة واضحة، فقالت كلمات معدودة لكنها حملت معانٍ دقيقة: "فريضة"، "أبي شيخًا"، "لا يثبت على الراحلة"، "أفأحج عنه؟"، مما يعكس فصاحة العرب ووعيهم بمقام النبوة وعدم الإطالة في الخطاب.
وأضاف: “من الأدب مع النبي أنها لم تُطل في السؤال، بل أوجزت وأنجزت، وهذا يدل على فقه المرأة وأدبها مع رسول الله ﷺ، كما أن النبي أجابها بكلمة واحدة: (نعم)، وهذا غاية في البلاغة والوضوح”.
وأشار إلى أن هذا الحديث يُعد أصلًا في جواز الإنابة في الحج، وأن الأئمة الأربعة تناولوه بتفسيرات مختلفة، حيث قال المالكية إن الإنابة لا تجوز في الفريضة لمن لم تتحقق فيه الاستطاعة، لأن والدها في الحديث لم يكن قادرًا بدنيًا، وبالتالي لا تجب عليه الحجة أصلاً، فتكون النيابة عنه في حج نافلة.
أما الشافعية والأحناف والحنابلة، فقد فهموا من الحديث أن الإنابة جائزة في الحج الفرض والنافلة على السواء، بدليل أن النبي ﷺ لم ينكر على المرأة قولها "فريضة" بل أقرها، وقال لها: "نعم"، مما يدل على قبول الحج عنها كفريضة، لا كنافلة فقط.
وأوضح أن المالكية استندوا إلى قاعدة فقهية تقول إن "العبادات البدنية المحضة لا تقبل النيابة"، مثل الصلاة والصوم، في حين أن الزكاة - باعتبارها عبادة مالية - يجوز فيها التوكيل، أما الحج فعبادة مركبة: بدنية ومالية، ومن نظر إلى تغليب البدن قال بعدم جواز الإنابة، ومن نظر إلى اجتماع الجانبين أجازها بشروط.