تكلم صاحب مصر في ذكرى عيد الشرطة المصرية عن الجوع في مصر وغزة، والملاحَظ أن مُحِبَّ الكلام هذا مُقِلٌّ جدا في الحديث العلني منذ بدء طوفان الأقصى، ما يشير إلى إدراكه قبح موقف نظامه من العدوان الوحشي على حدودنا الشمالية الشرقية، القصدُ أنه عندما تحدث في هذه المناسبة وقبلها في لقائه بالرئيس الصومالي أثار نقاطا عديدة.
الملاحظة العامة أن المتحدِّث اختار أن يكون الاحتفال بمناسبة عيد الشرطة المصرية، وهو يوم يستحق أن يحتفل به المصريون الرافضون للاحتلال الأجنبي، وأبطال هذا اليوم يستحقون التخليد لوقوفهم أمام الصلف الإنجليزي المطالب بتسليم قوات الشرطة في الإسماعيلية أسلحتهم، فصدر القرار من وزير الداخلية الوفدي، فؤاد سراج الدين باشا، برفض المطالب الإنجليزية، فقاتل الضباط والجنود المصريون ببسالة، واستشهد منهم 56 شهيدا وجُرِح 80 منهم.
ختار وريث نظام 1952 أن يجعل مناسبة حديثه يوم عيد الشرطة، متجاهلا انتفاضة يناير 2011 التي كانت سببا في وصوله إلى الحكم، ولولاها ما كان ليقف متحدثا على هذه المنصة، وهذه مفارقة شديدة الإثارة للتأمل
أمثال هؤلاء يستحقون الاحتفاء بهم وتخليد ذكراهم لأنهم قاوموا المحتل، وهم مختلفون تماما عن ضباط هذه الأيام الذين يطاردون الوطنيين لمجرد الاختلاف في الرأي مع الحاكم، وتلوثت أيديهم بالدماء البريئة لمجرد المعارضة، الأمر الذي دفع الشباب إلى اختيار يوم عيد الشرطة ليكون مناسبة احتجاجية انتهت بثورة عارمة أطاحت بنظام استبد بالحكم منذ عام 1952 (نفس عام حادثة الإسماعيلية)، وقد تعاقبت الأنظمة منذ هذا التاريخ مُصرَّة على إنهاء أي وجود مدني في المجتمع أو السلطة.
واختار وريث نظام 1952 أن يجعل مناسبة حديثه يوم عيد الشرطة، متجاهلا انتفاضة يناير 2011 التي كانت سببا في وصوله إلى الحكم، ولولاها ما كان ليقف متحدثا على هذه المنصة، وهذه مفارقة شديدة الإثارة للتأمل.
تطرق البائس في حديثه عن الأوضاع المعيشية للمصريين، طالبا منهم الصبر كما يصبر الغزِّيون على فقدان جميع مقومات الحياة الأساسية، نافيا أن يكون نظامه هو الذي جوَّعهم، ليتصدر المشهد سؤال: من يجوِّع الغزيين إذا؟
التبرير الرسمي المصري أن دولة الاحتلال هي التي تعرقل دخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتشترط تفتيشها قبل الدخول، وهو تبرير أعاده مندوب الجامعة العربية في الأمم المتحدة السفير ماجد عبد الفتاح، ليبرر سبب عدم تنفيذ قرار الجامعة العربية الذي نصَّ على وجوب إدخال المساعدات إلى القطاع.
إشكال هذا التبرير أنه لا سند له من عدة وجوه؛ فقطاع غزة يتصل بالعالم عبر ثمانية معابر: معبر رفح وبوابة صلاح الدين، وهما يخضعان لإدارة فلسطينية من جانب وإدارة مصرية من جانب آخر، وهناك ستة معابر مع الطرف الإسرائيلي، معبَرَا كرم أبو سالم وبيت حانون (إيرز)، وهما المعبران المفتوحان، والمعابر الأربعة الأخرى المشتركة مع الاحتلال مغلقة دائما، وهي معابر: المنطار (كارني) والعودة (صوفا) والشجاعية (ناحال عوز) والقرارة (كيسوفيم).
ما يزعمه النظام المصري أن إدخال شاحنات دون رضا الطرف الصهيوني يعني قصف هذه الشاحنات من قِبَله، كأن الأوراق المصرية والعربية نفدت ولا تستطيع إرغام هذا العدو المجرم المتغطرس على عدم المساس بالشاحنات الإغاثية.
ثم إذا سلَّمنا بأن الضعف والخوار العربي بلغ هذه المرحلة، وهناك نية حقيقية لإدخال المساعدات لكنها تصطدم بالشروط الصهيونية، فما الذي يمنع إخراج الجرحى والحالات الحرجة للعلاج في الخارج؟! ما الدافع إلى استئذان الطرف المعتدي في الأسماء الخارجة إلى العلاج أو تقييد أعدادهم؟! بل فوق كل هذا من الذي يحاصر غزة منذ عام 2007؟ مفهوم أن يحاصره المحتل المجرم، لكن لماذا تنخرط مصر في هذا الحصار طوال هذه السنوات؟ أليس هذا الانخراط مؤشرا على التواطؤ مع العدو ضد القريب؟ وهذا الحصار القديم المتجدد يؤكد أن القرار مصري لا صهيوني للأسف.
أثار الانتباه أيضا عَقْدُه مقارنة بين جوع قهري بقوة غاشمة ومجرمة ومحتلة، وجوع ناشئ من خلل إداري في أولويات الإنفاق، وانحراف واسع في عدالة توزيع الثروات، وفساد إداري أيضا، وربما يكون الصواب الوحيد في كلامه أنه قارن بين نظامه ونظام الاحتلال، إذ الاحتلال لا يريد الخير للشعب المحتل، وأولوياته بعيدة تماما عن طموحات المجتمع الخاضع له بالقوة، وكذا نظام السيسي الذي لا يرى أولوية سوى في العيش ببذخ
أثار الانتباه أيضا عَقْدُه مقارنة بين جوع قهري بقوة غاشمة ومجرمة ومحتلة، وجوع ناشئ من خلل إداري في أولويات الإنفاق، وانحراف واسع في عدالة توزيع الثروات، وفساد إداري أيضا، وربما يكون الصواب الوحيد في كلامه أنه قارن بين نظامه ونظام الاحتلال، إذ الاحتلال لا يريد الخير للشعب المحتل، وأولوياته بعيدة تماما عن طموحات المجتمع الخاضع له بالقوة، وكذا نظام السيسي الذي لا يرى أولوية سوى في العيش ببذخ لم يعهده في حياته قبل الحكم، وتدمير مقومات المجتمع كي لا تكون هناك قوة موازية له.
ما أثاره صاحب مصر البائس في حديثه بهذا الضعف أمام تعليمات ورغبات الاحتلال، أنه قبلها بأيام تحدث عن الصومال وأزمتها مع إثيوبيا، وذكَّر المصريين بأن الصومال عضو في جامعة الدول العربية، وأنها ضمن اتفاقية الدفاع المشترك، ما يعني أنها إذا طلبت تفعيل ذلك فسوف يستجيب، محذرا إثيوبيا بقوله "محدش (لا أحد) يجرب مصر ويهدد أشقاءها"، وهذه الجرأة التي تحدث بها شديدة الوقاحة بالمقارنة مع ما يحدث في فلسطين، وكأنهم ليسوا عربا ولا يصرخون مستنجدين بالعرب!
إن محبتنا للصوماليين تستدعي تنبيههم إلى أنهم لا يستندون إلى ركن شديد، وهذا الخطاب للاستهلاك الإعلامي فقط، فهذا المتكلِّم لم ينقذ مصر من إثيوبيا الطامعة في مياه النيل، بل تركها تفعل ما تشاء ولم تتجاوز تحذيراته آذان الإثيوبيين أبدا، فهم يعلمون حجم مصر الذي تقزَّم بحكم قصير القامة والمقام لها، فلن ينقذ الصوماليين ولن يخيف الإثيوبيين الذين سينطقون بالعربية بعد هذا التهديد ويقولون:
زَعَمَ الفَرَزدَقُ أَن سَيَقتُلُ مَربَعا أَبشِر بِطولِ سَلامَةٍ يا مَربَعُ
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر المساعدات غزة معبر رفح السيسي مصر السيسي غزة مساعدات معبر رفح مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عید الشرطة
إقرأ أيضاً:
القاتل الذي لبس عباءة المقاومة…كيف مزق دم حنتوس أسطورة الحوثي؟
يمن مونيتور/وحدة الرصد/خاص
تواصلت ردود الفعل الغاضبة والتنديد الدولي والعربي تجاه جريمة اغتيال الشيخ صالح حنتوس وتفجير منزله من قبل الحوثيين.
وكشفت الجريمة التناقض الواضح بين الشعارات الدعائية للجماعة المسلحة وممارساتها القمعية على الأرض.
وقالت العديد من الجهات والشخصيات العربية والإسلامية إن الجريمة تعكس بشكل صارخ نمطًا من الكراهية والتمييز الطائفي الذي تمارسه الجماعات المسلحة، خاصةً جماعة الحوثي، التي اقتحمت منزل ومسجد الشيخ حنتوس في قرية “المعذب” بمحافظة ريمة، بعد حصار استمر منذ صباح 1 يوليو الجاري، مستخدمة أسلحة وذخائر ثقيلة، مما أدى لإصابة زوجته وعدد من أفراد أسرته، قبل أن تقوم بتصفيته ميدانياً رغم كبر سنه (نحو 70 عامًا) ومكانته الدعوية الكبيرة.
فضحت من لا يقدرون مكانة أهل القرآن
وعبّر الدكتور علي القرة داعي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن حزنه العميق وأسفه البالغين بعد استهداف العالم القرآني والداعية المخلص، الشيخ صالح حنتوس، مع أسرةٍ من أهل بيته، في حادثة وصفها بأنها جريمة قتل وعدوان على بيت الله ومقام القرآن ولقمة العلم.
وقال القرة داغي: “استيقظنا على نبأٍ يدمي القلب، ويعتصر الوجدان، فهذه الحادثة ليست مجرد اعتداء فردي، بل اعتداء على بيت من بيوت الله، وعلى قداسة القرآن، وعلى مكانة العلم والصلاح”.
وأوضح أن استشهاد الشيخ صالح حنتوس، العالم الرباني والمربي القرآني، هو علامة على انكشاف القلوب، وفضح لأولئك الذين لا يراعون حرمة بيوت الله، ولا يقدرون مكانة أهل القرآن، وأن حياته كانت وقفًا على تعليم كتاب الله، وأن موته يعكس عداوة الجهالة للهدى وغياب الصلاح في زمن يسود فيه العنف والحرب.
وأشار إلى أنه من غير المقبول أن يستهدف معلم القرآن في محرابه، وأنه رغم المؤلم إلا أن مقتل الشيخ زاد من عزيمة أهل الحق، وأكد أن هذه الجريمة لا تستهدف إلا قتل النفس الطاهرة، وأن أهل القرآن لن ينكسروا، وإنما سيزدادون ثباتًا وإصرارًا على مواصلة الطريق.
جريمة كشفت حقيقية الجماعة
واعتبرت هيئة علماء المسلمين في العراق أن جريمة اغتيال الشيخ اليمني صالح حنتوس على يد جماعة الحوثي، تمثل “نموذجاً صارخاً لجرائم الكراهية والتمييز الطائفي”، مؤكدةً أن الحقيقة حول ما يجري في اليمن مغيبة عن وعي كثير من الناس بسبب الترويج الإعلامي المضلل.
وفي بيان رسمي، أوضحت الهيئة أن جماعة الحوثي اقتحمت منزل ومسجد الشيخ حنتوس في قرية “المعذب” بمحافظة ريمة، بعد حصار استمر منذ صباح 1 يوليو الجاري، واستخدمت خلال العملية قذائف وأسلحة ثقيلة، ما أدى لإصابة زوجته وعدد من أفراد أسرته، قبل أن تقوم بتصفيته ميدانياً رغم كبر سنه (نحو 70 عاماً) ومكانته الدعوية البارزة.
وأضافت الهيئة أن الميليشيات خَطَفَت جثمان الشيخ بعد قتله، وشنت حملات اعتقال طالت جميع رجال القرية، ما أدى إلى تهجير سكانها بالكامل، باستثناء النساء، وخلّف وضعاً إنسانياً وأمنياً خطيراً.
ولفتت الهيئة إلى أن الشيخ حنتوس كان رمزاً دينياً واجتماعياً في منطقته، وأشرف على دار لتحفيظ القرآن الكريم، وواجه طوال سنوات ضغوطاً من الحوثيين بسبب موقفه الرافض لأفكارهم الطائفية وسلوكهم الإقصائي.
وانتقد البيان محاولات بعض الدوائر السياسية والإعلامية تلميع صورة الحوثيين تحت مظلة دعم القضية الفلسطينية، مؤكداً أن الجماعة تعمل كأداة طائفية للفوضى والتدمير، على غرار ميليشيات أخرى في العراق.
تداول واسع على منصات التواصل العربية
وفي تصريحات كثيرة على منصات التواصل و أوساط الإعلام، أدان الشيخ المغربي الحسن بن علي الكتاني الجرائم المرتكبة، معبرًا عن استنكاره التام لقتل العلماء، معتبرًا أن ذلك يخالف السياسة الشرعية وجوهر الحق، مؤكداً أن الأمة لن تقبل بمثل هذه الممارسات.
أما الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ياسر الزعاترة فقد وصف الجريمة بأنها تجاوزت القتل إلى الابتذال، لافتًا إلى تهم باطلة نسبت للشيخ من قبل الداخلية الحوثية. وشدد على أن محاولة ربط القضية الفلسطينية بمبررات قتل رجال القرآن، هو إساءة قوية للقضية، مؤكدًا أن الشيخ اعتمد خدمة كتاب الله، وليس من المقبول تبرير اغتياله بمبررات سياسية كاذبة.
وفي السياق ذاته قال رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبيﷺ، الدكتور محمد الصغير، إن حزن عميق أصاب الأمة الإسلامية وأدمى فؤادها بعد جريمة مقتل الشيخ صالح حنتوس شهيد القرآن ورفيقه الذي صحب القرآن وعلمه وترأس إدارة المعاهد العلمية ثم دار التحفيظ الخاصة به.
أما الصحفي السوري عمر مدنية، فكتب عبر منشور عن محاصرة منزل الشيخ صالح حنتوس واغتياله، متهمًا الحوثيين بمحاولة تلميع ممارساتهم رغم جرائمهم، وأوضح أن مجيء المنافقين وصفقائهم للحوثي يعكس مدى هشاشة وترهل الموقف.
وفي خطاباته، خاطب الدكتور محمد الهاشمي، رئيس قناة المستقلة، الحوثيين، قائلًا: “أعيدوا اليمن لأهله أولًا، فهي أكبر خدمة تقدمونها لغزة ولأمتكم”. وحذر من أن حكم الحوثيين دون انتخابات وتفاقم الوضع اليمني، يعمّق الانقسام ويضع البلاد في نفق مظلم، محذرًا من عودة الحكم العبيدي وإن استمرت الأمور على هذا المنوال.
حقد طائفي
وفي سياق متصل، وصف الصحفي الكويتي “فالح الهاجري” الجريمة بأنها “حقد طائفي لا يضاهيه حتى من يخالفوننا في الدين والمعتقد”، وقال إن قتل شيخ مسن في بيته بسبب تحفيظه للقرآن هو أبشع صور الإجرام المعنوي والأخلاقي، مؤكدًا أن مرتكبيها مجرد أدوات لتنفيذ أجندات عدائية للهوية الإسلامية.
بدوره، استدعى الكاتب العراقي “عثمان المختار” واقعة مشابهة حدثت في بغداد قبل سنوات، حين أقدمت مليشيا طائفية على قتل محفظ للقرآن يُدعى الشيخ علي رزوقي السامرائي. واعتبر أن ما جرى في ريمة يعيد إنتاج ذات السيناريو الدموي، ضمن مشروع استهداف علماء الأمة.
واعتبر الكاتب السعودي “عبدالعزيز التويجري” أن الجريمة الحوثية تندرج ضمن مسلسل طويل يستهدف العلماء، وقال إن أتباع إيران في اليمن ينفذون مخططاتها ضد أهل السنة بعنف مفرط. وذكّر بأن الشيخ صالح لم يكن يشكل خطرًا على أحد، سوى أنه علم الناس القرآن.
الكاتب المصري جمال سلطان وصف الحادثة بأنها “دليل فاضح على بشاعة الإرهاب الحوثي وعنصريته الكهنوتية”، مشيرًا إلى أن ما حدث في ريمة “يضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات ضد اليمنيين، من تفجير للمنازل ودور العبادة، وسلب للحقوق، واختطاف العلماء”.
وفي تغريدة ساخرة، علق الصحفي السوري “حاتم قشوع” على الجريمة الحوثية بالقول: “لو كانت صواريخ الحوثي على إسرائيل بنفس دقة رصاصاتهم على صدر الشيخ حنتوس، لصدقنا نواياهم”. واعتبر أن المليشيا الحوثية تستخدم الشعارات كغطاء لتبرير القتل، وأن نيرانها لا تطال إلا أهل القرآن.