غنية الحكمانية

عالمٌ على شفا لهيب من نار وجُرفٍ هار، يكتوي بحروب طاحنة ومَناخات مُتقلبة وأوبئة مهلكة وانتهاكات سرّية، تلك الأحداث المتسارعة والقضايا المتلاحقة تجرف العالم بأسره إلى هوّة سحيقة ليس لها قرار، فتحالفات قوى محور الشر تمارس غطرستها وعدائيتها، تحت غطاء منظّمات إنسانيّة وحماية دولية ومهمات إغاثية، سابقة لمهتمها الاستعمارية وممهدة لأعمالها الطغيانية، وثمة مقولة هندية تقول: "لقد جاءنا الرجل الأبيض، وكانت معنا الأرض ومعه الكتاب المُقدّس، ثم انتهينا إلى حيث صارت معه الأرض وظلّ معنا الكتاب المُقدَس.

. والويسكي".  

إلى أين تتّجه دفّة العالم؟ ومن يحرّك شراعه؟ أهي بوادر النّظام العالمي الجديد وإحكام النّخبة الوحشية قبضتها الخانقة على شرايين الحياة، بكل ما أوتيت من قوة وسلطة ودعم، تؤوي إليها مَن تشاء وتقصي مَن تشاء، وتعزّ مَن تشاء وتذلّ مَن تشاء، بيدها مصائر الدّول وموارد الأمم، تتحكم في ثرواتها وتوزيع أنصبتها، تؤجج الصراعات وتخلق التوترات والنزاعات الداخلية والخارجية؛ لأجل عالَم مشتعل سياسيا وأمنيا وطائفيا وعرقيا ومذهبيا ونيران لا تخمد أوارها ولا تحمد عقباها، وتحت ذريعة الدفاع عن النّفس والجاهزية والتأهب ضد ضربات العدو المباغتة تنتعش صفقات بيع الأسلحة والمحرمة دوليا، فتُسفك فيها الدماء ويباد بها الأبرياء وتُدّمر بها الأحياء.

مع تنشيطٍ وتجييشٍ لأدواتها وعملائها وأجندتها المتواطئة، التي تعشّمت بجيش الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني اللقيط الذي لا يُقهر وترسانته التي لا تُدحر، ولكنهم للجُبن أبقى وللزوال أقرب، فعويلهم شقّ عباب السّماء وسيولّون الدبر مثخنين بالفشل والتقهقر، فسقوطهم سيكون مدويّا وبسقوطهم سيسقط كل المتواطئين وأتباعهم المأجورين، فلن تقومَ لهم حينئذ قائمة، ولن يُسمع لصداهم ركزا، فالثورات والتناحرات والانقسامات والإضرابات بدأت تشتعل في دولهم وضد حكوماتهم، فبائع السّم سيتذوقه حتما، وقالها الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: "الحرب الأهلية في الولايات المتحدة تقترب، إن الأمريكيين على وشك أن يتذوقوا كل فوائد الحضارة التي جلبوها إلى بلدان أخرى". طال الزمن أو قصر سيلفظون أنفاسهم الأخيرة، أليس الصبح بقريب؟! 

وتلك النّخبة الوحشية آياديها ملطخة بلوثة الشّرور والمفاسد، فلم تكتف بتسليح الدول الاستعمارية بالأسلحة العسكرية والنووية بل تمادت بحقن أسّلحة بيولوجية في أوردة البشرية ونشرها بشتّى الوسائل لإبادةٍ جماعية أكثر، تدمير بالفيروسات والمكيروبات والفطريات بعد إطلاق سراحها من المختبرات والمعامل الجرثومية، ذلك السّلاح ليس حديث عهد بل استخدمه الاستعمار الغربي في مناطق النزاعات الدّولية عبر التاريخ. والقليل ما ظهر زبَدَه على السّاحة وماخفي من فضاعة الأفعال والانتهاكات أدهى وأدمر، تُهم اتّجارٍ بالبشر والأطفال وسرقة الأعضاء وتدميرٍ للقيم والفضائل وتنكيس للفطرة السّوية، فما تنادي به تلك الحكومات من الشّعارات الإنسانية والقانونية والديمقراطية الرنّانة والبرّاقة التي يتشدّقون بها هي تضليل للشعوب وإغراقهم في وحل الحوكمة العالمية، إفلاس إنساني وأخلاقي تعاني منه، وهل سيجدي تقديمهم للمحاكمة والعدالة هم وأدواتهم التنفيذية نفعًا؟

إنّ شعوبَ اليوم فقدَت صوابها وضميرها الحي، فقد سلّمَت بصدق ذرائع المنظمات وحُسن نواياهم في خدمة الكوكب وحمايته والانطلاق به نحو التقدم والاحتواء والازدهار، ملبيّة لنداءات أنظمتها في تمويل مؤسساتها وتنميتها، واعتماد بروتكولاتها وتنفيذ سياساتها، مسترشدة بأفكارهم ومستعينة بقدراتهم وإمكاناتهم، ولكن فاحت مخططاتهم بالمكائد والشرور، فلا زالت تلك الشّعوب المغفّلة تعيش في مستنقع الوهم جاثية الرّكب لذلك العرق النّقي المتربع والمتسيّد العالم، موقنة بمدى حرصه على تحقيق مساعي السّلام وكرامة حقوق الإنسان وكفاءة الرعاية الصّحية ومعالجة التدهور المناخي، مُسخّرا جهوده لأجلها، ولكنه أبعد مايكون عن خط الإنسانية والديمقراطية، فأصل الشرّ مركّب فيهم، والخبث متجذر بداخل تركيباتهم، منزوعون الرحمة والشفقة، أغوتَهم مصالحهم الدنيئة لا يضعون لأي إنسان إلاّ ولا ذمّة ولا اعتبارا ولا قيمة لذاته وكيانه.

وختامًا نقول.. يبقى الأمل معقودًا على وحدة الشّعوب وحراكها؛ فالحرّية لا بُدَ أن تحيا وتنتصر، وما بعد الضيق إلّا الانفراج وما بعد الظلمة إلّا الانبلاج، فإلى متى ستتخذ موقف المتفرج المُحتسب المُستسلم؟ مسلوب الإرادة مغيّب الوعي مقموع الإحساس مهدور الطاقة والفكر وفي غفلة، ساهٍ عمّا يجري خلف السّتار، متى سيستعيد المرء وعيه ويفيق من سباته العميق، مناهِضًا لكل ممارسات الفساد والظلم والطغيان، فشعارات التنديد والتهديد والوعيد لا تُجدي في قانون الغاب نفعًا، فلا يغلب على شريعتها إلّا لغة القوة والسّلاح والإخضاع؛ فالقوي يأكل الضعيف وينهش جسده وينهب ماله ويسحق كرامته، إنْ ظلَ مكتوف اليد، مكمّم الفاه، يتكالب عليه الأعداء، وتتلاحق عليه لعنات الاستبداد والقهر والإهانة، أمَا آنَ له العيش في سلام وأمن وحرية، وهي أقلّ حقوقه الإنسانيّة المبتغى تحقيقها، والعيش في ظلِ حماها، فيتولّد معه إحساس الانتماء والولاء ويُعاوِد حينها مسيرة البناء والنماء؟!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الفيتنامية آنه دونغ سيدة القنبلة التي اخترعت القنابل الخارقة للتحصينات

مواطنة أميركية من أصول فيتنامية لجأت لأميركا مع نهاية حرب فيتنام عام 1975. درست الهندسة الكيميائية والإدارة العامة وأشرفت على عدة برامج بحثية في مجال تصنيع المتفجرات والقنابل ضمن سلاح البحرية الأميركية.

توصف آنه دونغ في الأوساط العلمية والعسكرية بـ"سيدة القنبلة" بالنظر إلى دورها في تصنيع القنابل الخارقة للتحصينات التي بدأ استعمالها في أعقاب الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 وفي قصف منشآت نووية محصنة في إيران عام 2025.

المولد والنشأة

ولدت آنه دونغ عام 1960 في مدينة سايغون التي كانت آنذاك عاصمة جمهورية فيتنام الجنوبية قبل أن تسقط عام 1975 في يد القوات الشيوعية مع نهاية حرب فيتنام وتوحيد شطري البلاد.
كان والدها مسؤولا كبيرا في قطاع الزراعة في حكومة فيتنام الجنوبية المناهضة للشيوعية. وكان شقيقها يعمل طيار مروحيات في صفوف قوات فيتنام الجنوبية.
في أبريل/نيسان 1975، وبينما كانت مدينة سايغون على وشك السقوط في أيدي القوات الشمالية، هربت آنه دونغ، وهي في سن الخامسة عشرة مع والديها وإخوتها وبقية أفراد عائلتها على متن مروحية وأكملوا الرحلة على متن سفينة تابعة للبحرية الفيتنامية الجنوبية سلمتهم في عرض البحر لسفينة أميركية كانت متجهة إلى الفلبين.

وفي العام ذاته، هاجر كل أفراد العائلة من الفلبين إلى الولايات المتحدة وطلبوا اللجوء بصفتهم لاجئي حرب واستقروا في ولاية ميرلاند القريبة من العاصمة واشنطن.
تزوجت آنه دونغ من طالب فيتنامي في الجامعة كان لاجئا مثلها وأنجبا أربعة أطفال: بنتا وثلاثة أبناء.

آنه دونغ بدأت مسارها المهني عام 1983مهندسة كيميائية في القاعدة البحرية الأميركية (متحف التراث الفيتنامي) الدراسة والتكوين العلمي

بدأت آنه دونغ مسيرتها الدراسية في مسقط رأسها في سايغون وعندما استقرت عائلتها في أميركا التحقت بالصف العاشر في مدرسة مونتغمري بلير الثانوية في سيلفر سبرينغ بولاية ماريلاند وكانت مصممة على التفوق، على الرغم من عدم تحدثها باللغة الإنجليزية. تخرجت آنه دونغ ضمن أفضل 3% من طلاب صفها في المدرسة الثانوية.

كانت آنه دونغ متفوقة في الرياضيات والكيمياء، وبعد التخرج من الثانوية العامة درست الهندسة الكيميائية في جامعة ماريلاند وحصلت على شهادة بمرتبة الشرف عام 1982. بعد ذلك حصلت على شهادة الماجستير في الإدارة العامة.

إعلان التجربة المهنية

في عام 1983 بدأت آنه دونغ مسارها المهني مهندسة كيميائية في القاعدة البحرية الأميركية في مركز "إنديان هيد"، بولاية ماريلاند، وكانت وظيفتها الأولى هي تركيب المواد التي تُطلق المقذوفات من فوهات المدافع البحرية الكبيرة.

بين عامي 1991 و1999 أدارت جميع برامج البحوث الاستكشافية الأساسية والتطوير المتقدم في مجال المواد شديدة الانفجار التابعة للبحرية.

وفي عام 1999 تولت منصب رئيسة البرامج التقنية في مركز الحرب السطحية البحرية في إنديان هيد في مجال المتفجرات والأسلحة تحت الماء، ومن هذا المنصب، قادت برنامج تطوير القنبلة الحرارية. كما اضطلعت بأعمال بالغة الأهمية لتحسين سلامة المتفجرات على متن سفن البحرية.
بعد التدخل الأميركي بأفغانستان في نوفمبر/تشرين الثاني 2001 نجحت في قيادة فريق من العلماء والمهندسين لتطوير مادة متفجرة من فئة القنابل الخارقة للتحصينات. وكانت النتيجة قنبلة من طراز بي إل يو-118/بي، وهي موجهة بالليزر ومصممة للاختراق عميقا في الأماكن الضيقة، مثل الأنفاق أو المغارات الجبلية التي يلوذ بها المقاتلون في أفغانستان. ويشير اختصار "بي إل يو" إلى رمز "وحدة القنابل الحية".

وتندرج هذه القنابل ضمن فئة المتفجرات المُحمّلة داخل القنبلة الخارقة للتحصينات المعروفة باسم "جي بي يو-57"، والتي استخدمتها الولايات المتحدة لقصف منشآت نووية في إيران دعما للهجوم الإسرائيلي في يونيو/حزيران 2025.

في عام 2002 أصبحت آنه دونغ مسؤولة عن إستراتيجيات الاستثمار التقني الشاملة لمركز "إنديان هيد"، وتوجيه وإشراف برامج البحث والتطوير في جميع مجالات العلوم والتكنولوجيا، وتركيز هذه الجهود على بناء أجيال مستقبلية من الأسلحة للولايات المتحدة.

وفي 2006، تقلدت مسؤولية الشؤون التقنية لنائب رئيس العمليات البحرية وخدمة التحقيقات الجنائية البحرية مكلفة بالإشراف على مختبرات جنائية ميدانية متنقلة وموحدة للمشاركة في تحديد هوية مرتكبي الأعمال الإرهابية.

في عام 2009 تولت رئاسة قسم الحدود والأمن البحري التابع لوزير العلوم والتكنولوجيا في وزارة الأمن الداخلي. وهناك، أشرفت على تقييم التكنولوجيا والمعدات المستخدمة لتعزيز تأمين الحدود والموانئ.

تقاعدت آنه دونغ عام 2020 هي وزوجها الذي كان يعمل مهندس برمجيات لدى شركة مقاولات دفاعية. وهما يعيشان بالقرب من هاجرستاون، ماريلاند، شمال غرب العاصمة واشنطن.

سيدة القنبلة

تقول آنه دونغ في مقابلة صحفية إنها لا تتذكر من أطلق عليها لقب "سيدة القنبلة"، ولكن مع انتشار أخبار إنجازاتها في مجال صناعة المتفجرات والقنابل، أصبحت معروفة بذلك اللقب في الأوساط العسكرية والحربية وفي صفوف المهاجرين الفيتناميين في الولايات المتحدة والخارج.

الجوائز والأوسمة حصلت دونغ على الميدالية المدنية المتميزة مكافأة لها على قيادة فريق من العلماء والمهندسين لتطوير أولى القنابل الخارقة للتحصينات في أميركا، في حين حصل باقي أعضاء الفريق على جائزة فريق روجر سميث. وفي عام 2007، فازت بميدالية "صمويل جيه هيمان للخدمة الأميركية"، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تعزيز قوة العمل الفدرالية الفعالة وترعى الجوائز السنوية. إعلان

مقالات مشابهة

  • أخاف من الموت فكيف آخذ حذري منه؟ الإفتاء تجيب
  • التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة أبرز التحديات التي تواجهها فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • ألعاب القوى تكشف عن البطولات التي تنتظر المنتخبات العراقية
  • حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
  • منان: منطقة آبيي تتمتع باستقرار نسبي غير متوفر في المناطق التي دخلتها الميلشيا
  • أغلى مكان للموت في العالم.. الضريبة التي دفعت الأثرياء للهروب السريع!
  • الفيتنامية آنه دونغ سيدة القنبلة التي اخترعت القنابل الخارقة للتحصينات
  • إدارة شبيبة القبائل ترد بخصوص الاتهامات التي تطال دودان
  • روسيا تعترف رسميا بإمارة أفغانستان الإسلامية التي تقودها حركة طالبان
  • كوردستان.. مطالبات بصرف رواتب الفئة التي أفنت أعمارها في خدمة الدولة