قبل أكثر من 14 قرنا، تبنى المسلمون الميقات القمري -الذي كان معروفا لدى العرب قبل الإسلام- ليكون تقويم الحضارة الإسلامية، ونظرا لاعتماده الهجرة النبوية الشريفة بداية له فقد سمي بالتقويم الهجري.

واعتمد التقويم بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان الأول من محرم من عام 17 للهجرة النبوية بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الجديد الذي جاء موافقا لقوله تعالى "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ".

[التوبة: 36]

وأشارت الآية الكريمة إلى الأشهر الحرم وهي 4 أشهر قمرية (رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم)، ورغم نشأة التقويم الهجري الإسلامية فقد استخدم الشهور القمرية التي عرفها العرب قبل الإسلام، ومع ذلك تجاورت التقاويم القمرية والشمسية في التاريخ والحضارة الإسلامية.


تجاور التقاويم

ظل التقويم الميلادي معمولا به أيضا في مراحل تاريخية عند المسلمين، مثل العصر العباسي حيث استخدم في حساب الضرائب، وبعض المؤرخين المسلمين -لا سيما المصريين- كانوا يستخدمون التقويم الميلادي مثل تقي الدين المقريزي (764-845 هـ) (1364-1442م) الذي كان يؤرخ به، وفي بلاد الشام استخدم عدد من المؤرخين الكبار التقويمين الشمسي والميلادي.

وفي عصر الدولة العباسية كانت الدواوين -لا سيما ديوان الخراج- تستخدم التقويم الشمسي، لأنه أكثر انضباطا في مسائل الضرائب وحساب أموال الخراج.

وظل التقويم المصري الشمسي المرتبط بمواسم الزراعة والحصاد وفيضان النيل معروفا في مصر باسم التقويم القبطي، ولا يزال مستخدما حتى الآن.

وبخلاف تتبع حركة القمر، عرف العرب المسلمون الأزياج، وهي حساب حركات النجوم والكواكب، كمواقع فلكية علمية بحتة عرفت وقتها باسم علم الهيئة، يحسب فيها مواضع الكواكب وأوقات منازل الشمس والكواكب وخنوسها في ضوء الشمس، ووضعت تلك البيانات في جداول حسابية.

وبنيت تقويمات علمية على جداول الأزياج وما يقع فيها من احتمالات ترتبط بالتقويم الشمسي، وخاصة أن بعضها اشتمل على تقاويم يمتد لعشرات السنين القادمة، ما يشبه التقويم الفلكي الحالي نوعا ما.

وفي التاريخ والممارسة الإسلامية رغم اعتماد التاريخ الهجري فإن هذا لم يلغِ بقية التقاويم لأغراض عملية وعلمية وإدارية.

أيام العرب قبل الإسلام وبعده

وحديثا بحث العلامة المصري محمود حمدي الفلكي (1230هـ/ 1815م – 1302هـ/ 1885) -أحد أبرز الفلكيين في العصر الحديث- الزمن عند العرب في رسالته التي سماها "نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام" (1858م)، فرجح أن أهل مكة كانوا "يستعملون التاريخ القمري قبل 50 سنة من الهجرة" بينما كان أصحاب الحساب يتصرفون في التقديم والتأخير إن أرادوا الحرب في الأشهر الحرم أو أرادوا منعها في غير هذه الأشهر، وفقا لأهوائهم ومنافعهم، ومن هنا جاء تحريم الإسلام للنسيء، لأنهم يحلونه أو يحرمونه كما يشاؤون، ولا يستقيم الأمر على هذا الحساب بعد فرض الصيام والحج في أيام معلومات.

وترتبط 4 أركان من أركان الإسلام الخمسة بالمواقيت والتقويم اليومي والشهري والسنوي، وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكان حساب العرب قبل الإسلام يفتقد لترقيم الأعوام، فسميت السنوات باسم أحداث مهمة مثل عام الفيل وأعوام حرب البسوس، ورغم أن العرب كانوا أمة أمية شفهية، فقد عرفوا أعمارهم وأرخوا أحداثهم بتواريخ مهمة مثل يوم ذي قار المشهود وغيره.

ورغم عموم استخدام العرب للتقويم الهجري قبل الإسلام بقرون، لكن أسماء أشهره وترتيبها تعددت حسب ما رأته كل قبيلة.

وقد تسبب ذلك التباين بمشاكل في توقيت الحج إلى الكعبة، وهي ممارسة كان العرب يحرصون على القيام بها بشكل دوري، فتداعى زعماؤهم لتوحيد أسماء الأشهر العربية وترتيبها.

واحتضنت مكة قبل الإسلام اجتماعا ضم سادة قبائل العرب واتفقوا على توحيد أسماء أشهر التقويم القمري.

ويعتمد التقويم العربي -الذي أصبح فيما بعد التقويم الهجري الإسلامي- على حركة القمر، ولذلك يصنف على أنه تقويم قمري.

وفيما يلي شرح لمعاني أسماء أشهر التقويم الهجري:

محرّم: (المُحَرَّم الحَرَام) وهو أول شهور السنة الهجرية ومن الأشهر الحرم: سُمِّي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كانوا يحرّمون القتال فيه. صفر: سمي صفرًا لأن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها فيه للحرب، وقيل لأن العرب كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع، فقد كان شهرا معروفا بكثرة الغارات. ربيع الأول: سمي بذلك لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم. ربيع الآخر: سمي بذلك لأنه تبع الشّهر المسمّى بربيع الأوّل. جمادى الأولى: كانت تسمى قبل الإسلام باسم جمادى خمسة، وسميت جمادى لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة اللفظ. جمادى الآخرة: سمي بذلكَ لأنّه تبع الشّهر المسمّى بجمادى الأولى. رجب: وهو من الأشهر الحرم: سمي رجبًا لأنه من الأشهر الحرم وكانت العرب ترجب رماحها فيه أي تنزع النصل من الرمح ويكف الناس عن القتال. وقيل: رجب أي التوقف عن القتال. شعبان: لأنه شِعب بين رجب ورمضان، وقيل سمي شعبان لأن الناس تتفرق فيه ويتشعبون طلبا للماء. وهناك رأي يقول إنه ربما سمي شعبان لأن العرب كانوا يتشعبون فيه ويفترقون للحرب بعد قعودهم عنها في شهر رجب. رمضان: وهو شهر الصّوم عند المسلمين. سُمّي بذلك لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته، حيث كانت الفترة التي سمي فيها بذلك شديدة الحر. شوال: وهو الشهر الذي يقع فيه عيد الفطر، وسمي بذلك لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت "أي هزلت وجف لبنها"، فيقال تشوَّلت الإبل: إذا هزلت وجفّ لبنها. ذو القعدة: وهو من الأشهر الحرم: سمي ذا القعدة لأنه أول الأشهر الحرم وفيه تقعد الناس عن الحرب. ذو الحجة: وفيه موسم الحج وعيد الأضحى ومن الأشهر الحرم، وقد سمي بذلك لأن العرب قبل الإسلام يذهبون للحج في هذا الشهر.

ونظرا لاعتماد التقويم الهجري على حركة القمر، فإن السنة الهجرية تتقدم كل عام 11 يوما، لذلك فإن الأشهر الهجرية قد تقع في مواسم تختلف عن المواسم التي سميت بها وقت اعتمادها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ی بذلک

إقرأ أيضاً:

ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت “إسرائيل”؟

#سواليف

في ذروة الإشاعات والبيئة السلبية التي صنعها المبعوث الأميركي ستيف #ويتكوف، والرئيس #ترامب الذي اتّهم حركة #حماس بأنها لا تريد التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهدّد بالقضاء عليها، كشف بيان لوزارة الخارجية القطرية 25 يوليو/ تموز- وبلسان قطري مصري مشترك- أن المفاوضات شهدت “تقدّمًا”، مؤكّدًا أن “التسريبات الإعلامية” لا تعكس واقع #المفاوضات، وهي تهدف للتأثير عليها وتقويضها، وأن مغادرة الوفود للتشاور قد يعقبه استئناف للمفاوضات في وقت قريب.

معلومات مهمّة

ظهر #بشارة_بحبح- وهو رجل أعمال أميركي من أصل فلسطيني، عمل مع ستيف ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين الأطراف- في مقابلة إعلامية 25 يوليو/ تموز، ليكشف ما سمعه من الوسيطين: القطري والمصري، قائلًا نقلًا عنهما:

مقالات ذات صلة بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع “حنظلة” 2025/07/29

“رد حماس كان إيجابيًا، ويمكن البناء عليه، للتوصّل لاتفاق في وقت قريب”. “رد حماس لم يكن متصلبًا، بمعنى أنها كانت مستعدّة للأخذ والعطاء في هذا الرد”.

“عندما أعطوا رد حماس للإسرائيليين، قالوا لهم (أي قال الإسرائيليون للقطريين والمصريين)؛ يمكن التعامل مع رد حماس بحذر وإيجابية”.

ويضيف بحبح؛ “أن حماس قالت إن موضوع #الأسرى لن يكون عثرة أمام الاتفاق، فالخرائط أهم بكثير. حماس لا تريد تواجدًا إسرائيليًا داخل الأماكن السكنية في غزة”.

وفي هذا التوضيح من بحبح، ردٌ أيضًا على مصادر إسرائيلية تحدّثت عن أن سبب تعثّر المفاوضات هو شروط حماس، وتعنّتها في معايير إطلاق سراح الأسرى، وهو ما نفته حماس بتأكيدها أن ملف الأسرى لم ولن يتم مناقشته قبل الانتهاء من الاتفاق على محدّدات الاتفاق الإطاري المتعلقة بوقف الحرب، والانسحاب، والمساعدات أولًا.

إضافة للمعلومات التي تحدّث عنها بحبح، أصدرت حماس بيانًا توضيحيًا بالخصوص قالت فيه:

“كانت الأطراف الوسيطة، وخصوصًا قطر ومصر تعبّر عن ارتياحها وتقديرها لموقفنا الجاد والبنّاء”.

“حرصنا على تقليل عمق المناطق العازلة التي يبقى فيها الاحتلال خلال الـ 60 يومًا، وتجنّب المناطق السكنية الكثيفة، لضمان عودة معظم أهلنا إلى أماكنهم”.

هذه المعلومات من بحبح وحماس، تتقاطع مع بيان وزارة الخارجية القطرية لتؤكّد أن المفاوضات كانت تسير بشكل إيجابي، وأن رد حماس كان عاملًا محفّزًا للوصول لاتفاق قريب، وأن الموقف الإسرائيلي الأميركي ليس له ما يبرره موضوعيًا.

هنا لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن بيان مكتب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو تعليقًا على سحب وفده من الدوحة، برّره في حينه أنه للتشاور لاتخاذ قرار، في وقت أثنى فيه على الدور القطري والمصري في هذا السياق، ولم يكن يحمل إشارة سلبية.

أسباب الانقلاب

يلاحظ ابتداء أن الموقف الأميركي على لسان الرئيس ترامب ومبعوثه ويتكوف، كان أكثر تطرفًا وسلبية ولا ينسجم مع دور واشنطن “الوسيط”، وإن كانت منحازة لإسرائيل كما هو معلوم، ما يؤكّد تكرارًا أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل ونتنياهو على كافة الأوجه والاحتمالات، وأن أي تباين ظاهر بينهما لا يعدو كونه تبادلًا للأدوار، أو اختلافًا في التكتيكات، وليس الأهداف الإستراتيجية.

التناقض في السردية الأميركية الإسرائيلية السلبية من جهة، مع السردية القطرية المصرية الفلسطينية الإيجابية من جهة أخرى، يشير إلى عدة أمور منها:

أولًا: نجاح حركة حماس في إعادة رسم خرائط الانسحاب لجيش الاحتلال الإسرائيلي (تموضع مؤقّت داخل قطاع غزة)، بتوافق فلسطيني وقبول مصري وقطري كوسطاء، وبدعم من بعض دول الإقليم، ما يحسب للحركة ولحسن إدارتها المفاوضات. ثانيًا: الخرائط التي قدّمتها حماس والتي حازت قبول الوسطاء، وهي خرائط لا تسمح باستمرار النزوح لمئات آلاف المدنيين، ولا تسمح للاحتلال باقتطاع مناطق واسعة لإقامة معسكرات اعتقال ضخمة تسمّى “مدنًا إنسانية” للتهجير، كانت سببًا كافيًا لاستفزاز الإسرائيليين الذين يريدون فرض رؤيتهم وخرائطهم بالقوّة. ثالثًا: الموقف الإسرائيلي السلبي المدعوم أميركيًا، يمكن أن يحمل في حد ذاته مناورة تفاوضية، لشراء الوقت وممارسة أقسى درجات الضغط على حماس عبر القصف والتجويع الذي بلغ حدًا كارثيًا، لتَقْبَل حماس بالشروط الإسرائيلية، التي تعني وفقًا لخرائط الانسحاب الإسرائيلية، احتفاظ إسرائيل بمناطق سكنية متعدّدة ومساحات واسعة، تُفضي لاستمرار نزوح مئات آلاف الفلسطينيين داخل قطاع غزة (700 ألف فلسطيني).

ومن ثم إنشاء معسكرات اعتقال لهم ولغيرهم، تحت مسمى “مدن إنسانية” في مدينة رفح جنوب القطاع على الحدود المصرية، للتهجير التدريجي، كما جاء على لسان وزير الحرب يسرائيل كاتس، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية.

رابعًا: إذا لم تُفلح المناورة والضغوط الإسرائيلية، ولم تنجح إسرائيل في رسم اتفاق، بقبول فلسطيني يسمح لها بتهجيرهم تدريجيًا عبر سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع والتحكّم في المساعدات، فهذا سيضع إسرائيل أمام احتمالين: القبول باتفاق وقف إطلاق نار، وفقًا لخرائط لا تسمح باستدامة نزوح الفلسطينيين داخل القطاع أو تهجيرهم خارجه، مع دخول المساعدات بإشراف الأمم المتحدة، ما يعدّ مقدّمة لانتهاء العدوان على غزة.

استمرار تعنّت إسرائيل وتمسّكها بشروطها وبخرائطها لإعادة انتشار جيشها في مناطق واسعة من القطاع، بهدف تهجير الفلسطينيين، سيعقّد المشهد إنسانيًا وميدانيًا، ويُفضي لتوقّف المفاوضات، ويُبقي المشهد الحالي معلّقًا باستمرار الحرب والكارثة الإنسانية في غزة.

العامل المشترك أو الخيط الرفيع الذي يربط بين مخططات إسرائيل العسكرية في غزة، وحراكها التفاوضي في الدوحة طوال عامين ماضيين؛ هو محاولة كسر إرادة الفلسطينيين وهزيمتهم نفسيًا لقبولهم بسيناريو التهجير عبر المفاوضات، أو بالقوة العسكرية المباشرة.

فشل إسرائيل في تحقيق ذلك، يفسّر سبب انقلابها وبدعم أميركي على بيئة المفاوضات الإيجابية التي تحدّث عنها بيان وزارة الخارجية القطرية، وما تحدّث عنه بشارة بحبح المقرّب من ستيف ويتكوف، وما تحدّثت عنه أيضًا حركة حماس.

إسرائيل عودّتنا كلما أرادت أن تهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، قامت بحملة إعلامية ضخمة وبدعم أميركي مباشر، بتحميل حركة حماس مسؤولية الفشل أو عدم نجاح المفاوضات، وبضخ معلومات كاذبة ومشوّهة على لسان مصادر مطّلعة وعلى لسان مسؤولين لا يتورّعون عن الكذب.

عقدة “إسرائيل”

اعتادت إسرائيل أن تفاوض لتُملي شروطها وتصوراتها بالقوّة وبدعم أميركي لا يصمد أحدٌ على الوقوف أمامه.

لكنها في هذه المرة، تواجه مفاوِضًا يرفض الاستسلام لشروطها المجحفة أو الركوع لسيف قوّتها العاتية، فكيف ذلك وهذا المفاوِض هو حركة حماس وفصائل مقاومة فلسطينية محاصرة ومحدودة القوّة المادية؟

كيف يحدث هذا والفلسطيني يتعرّض لإبادة وتطهير عرقي قتلًا وتجويعًا وتعطيشًا، وما زال يصر على البقاء ويرفض الاستسلام والتهجير؟

هذا المشهد المعقّد والصعب يزيد في حيرة الإسرائيليين والأميركيين، ويضعهم في مأزق أمام محدودية الخيارات، لا سيّما أن المقاربة العسكرية فشلت منذ نحو عامين في تحقيق الأهداف، فإسرائيل لم تُبقِ وسيلة أو خطة شيطانية إلا واستخدمتها.

العقل الإسرائيلي المتغطرس والمتبجّح لا يسعه الاعتراف بالهزيمة أمام إرادة الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو يرى في ذلك استمرارًا لهزيمته المدوّية في معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي صفعت وجه الردع الإسرائيلي، وضربته سهمًا في قلبه.

نتنياهو يبدو في موقفٍ ظاهره الظَفَر وباطنه فيه الخيبة، فهو لم يستطع تحقيق أهدافه السياسية بالقوّة العسكرية؛ فلا هو قضى على حركة حماس، ولا استطاع أن يكسر إرادة الفلسطينيين، أو أن يعيد الأسرى بالقوّة العسكرية، والجيش الإسرائيلي منهك ومتعب وقيادته تؤكّد عدم قدرتها على تحقيق الأهداف.

الأسوأ لدى نتنياهو، إدراكه أن إطالة أمد المعركة في غزة لا تضمن له الانتصار قُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة في العام القادم، وهو الذي يعوّل عليها للعودة مجددًا لحكم إسرائيل، وإذا لم يستطع الحسم سياسيًا عبر المفاوضات فقد يفقد الزخم الشعبي الذي حازه بعد الحرب على إيران، فغزة ستبقى ثَقبًا نازفًا في الذاكرة الإسرائيلية ما سينعكس سلبًا على حظوظه الانتخابية.

استمرار الوضع الحالي، لن يتوقّف في تداعياته على مصير نتنياهو والخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية فقط، وإنما سينسحب سلبًا على صورة إسرائيل خارجيًا وبشكل عنيف، فإسرائيل خسرت سردية “الضحية”، وتحوّلت في نظر العالم إلى كيان مارق متوحّش ينهش قيم الإنسانية، كما يأكل أجساد الفلسطينيين وأطفالهم في غزة.

الانهيار يبدأ من فقدان الشرعية والصورة، وهذا ما بدأت تعاني منه إسرائيل التي تقودها مجموعة متطرفين من اليمين، فاشلين سياسيًا وغير قادرين على تحقيق أوهامهم اللاهوتية، حيث الشعب الفلسطيني يتمسّك بالبقاء والحياة رغم الكارثة التي صنعها الاحتلال في غزة، ولسان حالهم يقول؛ رغم القتل والتجويع لا نكبة بعد النكبة.

مقالات مشابهة

  • كيلو السمك 65 جنيها.. زراعة عين شمس تطرح منتجات طازجة وعالية الجودة داخل الحرم الجامعي
  • البحوث الإسلامية: إصلاح ذات البين عبادة تتفوق على الصيام والصدقة
  • مراسل القاهرة الإخبارية: معبر رفح من جانب مصر لم يُغلق طوال الأشهر الماضية
  • أيهما ستختار .. 3 Nothing Phone أم هاتف iQOO 13 ولماذا؟
  • ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت “إسرائيل”؟
  • هل سيكون لليث البلعوس دور في الحد من نفوذ الهجري؟
  • أحمد الأشعل يكتب: لماذا مصر؟ ولماذا الآن؟
  • دينا أبو الخير: الاستئذان بين الأزواج أمر شرعي وواجب في الإسلام
  • العروبة المؤسِّسة.. كيف صاغ العرب مكانتهم العليا داخل الدولة الإسلامية المبكرة؟
  • إبراهيم عثمان يكتب: تبرير العدوان: لماذا حدث ولماذا فشل؟