الهيمنة العسكرية الأمريكية تواجه تحديات غير مسبوقة
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
وسط فوضى التهديدات الأمنية الكبيرة في الشرق الأوسط تواجه الولايات المتحدة منعطفا محوريا يتسم بالإحباط ويجبرها على حماية مصالحها، وخاصة في التحالف مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن المشهد يتغير، والهيمنة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط تجد نفسها عالقة في شبكة غير مسبوقة من التحديات. يتعمق هذا المقال في السيناريو المحتمل، ويسلط الضوء على تكثيف الضربات ضد الجماعات الإرهابية والجهود الهائلة للحفاظ على الهيمنة في مواجهة التهديدات المتزايدة.
ومع تصاعد مشهد التهديد، تستعد الولايات المتحدة لعرض غير مسبوق للقوة العسكرية، حيث تقوم الصواريخ الموجهة بدقة والطائرات بدون طيار بإطلاق العنان لكثافة نيران لا مثيل لها تهدف إلى تفكيك القدرات العملياتية للجماعات الإرهابية بشكل حاسم.
وتعمل الولايات المتحدة أيضًا من خلال تدابير السيطرة المالية، المدعومة بتعاون دولي لا هوادة فيه لتعطيل مصادر التمويل لهذه الجماعات وحماية المصالح الأمريكية بقوة.
في هذا العصر الذي يتسم بالتهديدات المعقدة، يحتل التعاون الاستخباراتي العسكري مركز الصدارة باعتباره وجهًا أساسيًا للهيمنة العسكرية الأمريكية.
الولايات المتحدة عازمة على التنسيق الوثيق مع الشركاء الإقليميين، والاستفادة من المعلومات الاستخباراتية المهمة والتقنيات المتطورة للمراقبة الصارمة للجماعات الإرهابية.
ويسعى هذا النهج الاستخباراتي، الذي يتمحور حول الجيش إلى إنشاء دفاع لا يمكن اختراقه، ولا يترك أي مجال للخصوم.
وعلى سياق متصل توجه الولايات المتحدة موارد مالية كبيرة إلى برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية ذات التوجه العسكري. والهدف منها هو تفكيك جاذبية الأيديولوجيات المتطرفة إعلاميا، والترويج النشط للخطابات المضادة التي تتحدى خطابات الجماعات المتطرفة لمعالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار.
وتشهد التحالفات العسكرية الأمريكية وخاصة مع إسرائيل، ارتفاعاً في درجة الحزم العسكرية المأمول. ويستلزم ذلك تقديم دعم لا ينقطع وتدريبا متقدما لقوات الأمن الإقليمية، وتعزيز القدرات لمواجهة التهديدات الإرهابية. حيث لا يزال التزام الولايات المتحدة العسكري تجاه إسرائيل ثابتًا، مما يملي موقفًا استراتيجيًا في المنطقة يعطي الأولوية للقوة العسكرية على المجاملات الدبلوماسية.
وتصبح الدبلوماسية العسكرية أداة استراتيجية للتنقل عبر الاختلافات الجيوسياسية المعقدة في الشرق الأوسط، مما يضمن بيئة آمنة لكل من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل، مع التزام لا لبس فيه بالتغلب على أي معارضة.
وفي مواجهة الإحباط والالتزام الصارخ بحماية نفسها ودعم إسرائيل، تقوم الولايات المتحدة بتنسيق رد فعل عسكري، للحفاظ على هيمنتها العسكرية في الشرق الأوسط. ولا تهدف هذه الاستراتيجية الحازمة إلى مواجهة التهديدات الأمنية المباشرة فحسب، بل تسعى أيضًا إلى خلق الظروف التي لا تترك مجالًا لنمو المنظمات الإرهابية.
عمرو جوهر – بوابة روز اليوسف
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العسکریة الأمریکیة الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط
إقرأ أيضاً:
لماذا لا تنجح الحكومة في أداء مهامها في الولايات المتحدة؟
تولت إدارة ترامب الحكم في 20 يناير وهي تتعهد بتدمير ما دعته «الدولة العميقة» وأطلقت يد إيلون ماسك وما تُسمَّى «وزارة الكفاءة الحكومية» ضد الجهاز البيروقراطي الفيدرالي. فصل ماسك آلاف الموظفين من الخدمة وأغلق إدارات حكومية بكاملها بهدف القضاء على «الغش والهدر وسوء استخدام السلطة» في حكومة الولايات المتحدة وتوفير بلايين الدولارات لدافعي الضرائب.
ترجّل ماسك الآن عن الوزارة وخلَّف وراءه أثرا متواضعا إلى حد بعيد قياسا بما وعد به. بل في الواقع ربما أضرَّ بأكثر مما أفاد، رغم ذلك كان هدفه وهو جعل حكومة الولايات المتحدة أكثر فعالية سليما بالضرورة.
خصصت إدارة بايدن حوالي 40 بليون دولار لتزويد المجتمعات الريفية بخدمة الإنترنت فائق السرعة، لكنها لم تربط مستخدما واحدا بهذه الخدمة عندما تركت الحكم. وليس لدى ولاية كاليفورنيا خط سكة حديد عالية السرعة بعد 20 عاما من تخصيص المبلغ الخاص بذلك، كما لا يبدو أنها قادرة على حل مشكلة الإسكان التي أوجدت بها أعلى نسبة مشردين في أية ولاية أمريكية. واقع الحال، الإحساس العام بأن الأشياء لا تحدث على نحو ما كانت في الماضي يساهم بشكل مباشر في سخرية الأمريكيين الشديدة من كفاءة الحكومة. كما أنه أحد العوامل التي تفسر التأييد الشعبي لترامب.
عُرِضت أسبابُ هذا الفشل بوضوح في كتاب إيزرا كلاين وديريك طومسون «الوفرة» وأيضا في كتاب مارك دانكلمان «لماذا لا تنجح الأشياء» أشار هؤلاء المؤلفون إلى أن أمريكا تعاني من إفراط (تُخمة) في القوانين والإجراءات البيروقراطية التي تجعل عمل أي شيء باهظ التكلفة وبطيئا.
لم تكن تلك هي الحال دائما. ففي الفترة التي بدأت بالحقبة التقدمية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية كان الأمريكيون يرون في الحكومة قوةَ خيرٍ تستطيع تشييد البنية التحتية وكسب الحروب ونقل الناس إلى القمر.
لكن بداية من الستينيات تغيرت باطراد نظرة الناشطين من اليمين واليسار إلى الحكومة واعتبروها قوة سلبية فاسدة وخاضعة لسيطرة المصالح الخاصة أو ببساطة غير كفؤة ويجب تقييدها بطبقات متعددة من القوانين واللوائح التنظيمية.
لننظر في مثال واحد صغير لهذا الإفراط في القيود. تستخدم الحكومة الأمريكية وولايات عديدة، خلافا لمعظم الديمقراطيات الغنية الأخرى، ما يدعى «الحق الخاص في رفع الدعاوى أمام القضاء» بهدف فرض القوانين.
أجيز تشريع باسم قانون كاليفورنيا لجودة البيئة في عام 1970. يمنح هذا القانون كل سكان كاليفورنيا (40 مليون نسمة) حق رفع دعوى قضائية ضد أي مشروع سواء عام أو خاص إذا رغبوا في ذلك، ويمكن رفع الدعوى دون الكشف عن اسم الشاكي.
وفقا لأحد التقديرات رُفعت 13% فقط من الدعاوى القانونية بموجب هذا القانون من قبل منظمات بيئية، أما الباقي فبواسطة منافسين تجاريين وجيران يرفضون إقامة مشاريع بالقرب منهم أو نقابات، فهو أقرب إلى أن يكون أداة ابتزاز منه إلى قانون بيئي.
وفي إحدى القضايا مؤخرا أرادت جامعة كاليفورنيا في بيركلي إضافة عدة آلاف من الطلاب إلى جسمها الطلابي. لكن جيران الجامعة من الطبقة الوسطى العليا رفعوا دعوى قضائية بموجب هذا القانون على أساس أن العدد الإضافي من الطلاب يشكل عمليا «تلوّثا بيئيا» قَبِل أحد القضاة الدعوى ومُنِعَت الجامعة من استيعاب المزيد من الطلاب.
غالبا ما يشكو المحافظون من كثرة إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات الرسمية. لكن التقدميين هم الذين أيدوا القانون في البداية لأنهم ما كانوا يثقون في تطبيق الحكومة لقوانينها (الخاصة بها لحماية البيئة.) قاد ذلك إلى مفارقة وهي أن الإجراءات البيئية من شاكلة هذا القانون حالت دون تشييد البنية التحتية للطاقة المتجددة. فقد جعلت من الصعب جدا تنفيذ أشياء مثل إقامة خطوط نقل الكهرباء أو مزارع الرياح البحرية.
إضافة إلى متطلبات الترخيص المفروضة على الشركات الخاصة تُضعف الحكومةُ فعاليتَها بطبقات من القوانين التي يُجبَر البيروقراطيون (الموظفون) أنفسُهم على العمل بموجبها، فلا يمكن لإدارة حكومة شراء منضدة أو حاسوب بدون التقيد بالقواعد الإجرائية الخاصة بالمشتريات الفيدرالية والتي توضح بالتفصيل وفي آلاف الصفحات شروط الشراء التي يجب على الموظفين اتباعها.
لنتحدث عن الهدر، حسب دانييل هو، أستاذ القانون بجامعة ستانفورد، ألزم الكونجرس الإداراتِ الحكومية بإعداد أكثر من 5000 تقرير سنوي. والأغلبية الغالبة من هذه التقارير لا يقرأها أي أحد، فالموظفون يتم تحفيزهم على التقيد بهذه القواعد التفصيلية التي كثيرا ما لا يكون لها معنى وذلك بدلا من السماح لهم باتباع الحس السليم وحسن التقدير في تطبيق الأوامر التشريعية.
منذ عقود يقول المحافظون إننا نعيش في ظل طغيان «بيروقراطيين غير منتخبين» يضعون القوانين بأنفسهم وبعيدا عن سيطرة المسؤولين المنتخبين ديمقراطيا. لكن الحقيقة عكس ذلك، فلأن أمريكا لديها تاريخ طويل من عدم الثقة بالحكومة أضفنا طبقة وراء طبقة من الإجراءات البيرقراطية التي تَحِدُّ ما يمكن أن يفعله المسؤولون. وإذا كانت هنالك رغبة في أن تكون الحكومة أكثر كفاءة يجب منح هؤلاء المسؤولين المزيد من السلطة لاتخاذ القرارات وليس العكس، ويجب الحكم عليهم بالنتائج التي يحققونها للمواطنين وليس بالقوانين التي يتبعونها.
لكي أكون واضحا أنا لا أدعو إلى تفكيك «الضوابط والتوازنات» التي ضُمِّنت في دستور الولايات المتحدة. إنها الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى. فقد ظلت إدارة ترامب تنتهك القانون كل يوم تقريبا وهي في سدة الحكم، ويجب وقف التجاوزات في استخدام السلطة التنفيذية بواسطة المحاكم وفي نهاية المطاف بواسطة الناخبين.
بدلا عن ذلك على الكونجرس والمشرعين في الولايات التخلص من العديد من الإجراءات المتراكمة التي تمنع المسؤولين من تنفيذ ما يرغبونه بمرونة. فإذا صار بمقدور الحكومة إنفاق وقتها بالفعل في تطبيق السياسات بسرعة وفعالية يمكن أن يختفي أحد دوافع تأييد الشعبويين من أمثال ترامب.
في الواقع معارضة ترامب في حد ذاتها لن تقود خصومه إلى السلطة. يحتاج الديمقراطيون (قادة الحزب الديموقراطي) إلى تقديم رؤية إيجابية لما يمكن أن تبدو عليه الولايات المتحدة إذا عادوا إلى الحكم. لقد اعتبرهم ناخبون عديدون الحزبَ الذي تولى إدارة مدن عانت من الجريمة والتشرد والتردِّي الحضري كسان فرانسيسكو وبورتلاند ونيويورك.
وضعُ رؤية لحكومةٍ يمكن أن تعود مرة أخرى إلى تنفيذ مشاريع كبيرة أشبه بورقة نقدية ملقاة على الرصيف بانتظار من يلتقطها (أو بعبارة أخرى فرصة سياسية جاهزة وثمينة لأي سياسي طموح يرغب في الاستفادة منها).
فرانسيس فوكوما مؤلف «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» ومؤخرا «مآخذ على الليبرالية»
الترجمة عن الفاينانشال تايمز