معرض القاهرة للكتاب.. كان مرآة قبل تكسير المرايا
تاريخ النشر: 7th, February 2024 GMT
في البرنامج الثقافي، للدورة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب (24 يناير/ كانون الثاني ـ 6 فبراير/ شباط 2024)، ندوةٌ عنوانها: «حصاد المرحلة الأولى من الحوار الوطني.. الحوار الوطني المستمر»، لعلها ليست ندوة بالضبط.
ففي البرنامج المطبوع متحدث وحيد هو المستشار محمود فوزي، ووجود عبارة: «بالتعاون مع تنسيقية شباب الأحزاب» يوحي بأطراف منظِّمة، في جلسة «يديرها أحمد عبد الصمد»، إدارة لا محاورة، مع مستشار عرفت اسمه كرئيس للحملة الانتخابية للسيسي، في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين سألته المذيعة: لماذا تأثر «بشدّة وبإنسانية كبيرة في ذكر منجز السيد الرئيس؟»، فأجاب: «الأرقام.
كان في بلدنا بائع خَضراوات، وتصادف أن الثمار غلب عليها الفلفل الحرّاق، وفي السوق ظلّ المسكين يقضم قرن الفلفل، وتدمع عيناه ويحلف بالله العظيم؛ إنه طيب، بدليل أنه يأكله عيانًا بيانًا، ثم يقضم ويحلف ويمسح الدموع.
ما أسهل الحلف والدموع على بائع الفلفل الكذوب!. فما الصلة بين الفلفل ومعرض للكتاب؟ كل شيء موجود في المعرض إلا الفلفل، ولن تدرج مثل جلسة المستشار في أي معرض للكتاب في العالم، ليس لأن أحدًا لم يأخذ حكاية ذلك الحوار بجدية ولا انتباه، ولا لطمس ملامح الأحزاب، ولا لأن «التنسيقية» مصطلح مستعار منزوع من دلالاته، وإنما لانعدام الصلة بين هذا كله وبين صناعة النشر.
لكن معرض القاهرة للكتاب، والحق يقال، تخلّص كثيرًا من شوائبه القديمة. وقد كتبتُ كثيرًا عن تحويل المعرض إلى باللو. ما علاقة الكتاب بندوات عن كرة القدم، واستعراض عَرّابي جمال مبارك، وأولهم علي الدين هلال أيام ملفَّ استضافة مصر لكأس العالم، وعروض السيرك والأراجوز، ومشكلات الفرق المسرحية المستقلة، وتراجع الأغنية الفصحى، وأزمة السينما، والمضحكين الجدد، ومأزِق الدراما المصرية أمام اكتساح الدراما السورية.. ما علاقة ذلك، وغير ذلك، بصناعة النشر؟
في مِهرجان الموسيقى تناقش قضايا الموسيقى، وفي مهرجان المسرح التجريبي لا تناقش قضايا السينما ولا الفن التشكيلي ولا الأغاني. أما معرض الكتاب فهو مِهرجان يطغى فيه الصخب على قضايا صناعة النشر المهدَّدة.
اختفى الكثير من ذلك الصخب القديم، وهدفه جلب الجماهير، وبقيت آثاره التي تتجاهل مسألة السياق، مثل ندوة عنوانها: «استثمر صح»، لأحمد الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة البورصة المصرية، بحضور مجموعة من رؤساء مجالس إدارة الشركات، واحتفالية " 110 أعوام على عضوية مصر بالمنظمة الكشفية العالمية".
إعادة تأهيلويظلّ المعرض مرآة للحالة المصرية صعودًا وانتكاسًا، قبل كسر المرايا، واستدراج الحدث السنوي الكبير بعيدًا، هناك حيث تسهل السيطرة، ولا صوت يُسمع في الصحراء.
تأمّل عناوين معرض الكتاب عام 2012، حين كانت الآمال تبلغ السماء: «الدولة المدنية»، «شهادات ميدان التحرير»، «المدونات بين السياسة والأدب»، «شعراء الميدان»، قبل تجريم الميدان، ومحاكمة أبرياء، وتحميل الثورة خطايا الثورة المضادة.
علاقتي قديمة بمعرض الكتاب، قبل سنوات من دخوله. وأنا في الصف الأول الثانوي أعلنت المدرسة، في يناير/ كانون الثاني 1982، عن رحلة إلى المعرض، باشتراك قدره جنيه واحد، ولم يكن ذلك الجنيه متاحًا. وتأجل الحلم حتى دخلت جامعة القاهرة، ورأيت نزار قباني، ومحمد حسنين هيكل، وعبد الرحمن الأبنودي، ويوسف إدريس، ومحمد عمارة، وغيرهم، حضورهم منح المعرض قيمته.
وبعد التخرج سكنت في غرفة فوق السطوح بميدان العباسية، وكنت أتمشى إلى أرض المعارض. وظل هذا التقليد، الذهاب لا المشي، حتى بدأت عملية التصحير، وتفريغ القاهرة وتحويلها إلى مدينة للغربان، وتجريفها لتظل الأطلال محل تفاوض على البيع فقط، بأقل سعر، وأرض المعارض واحدة من الأطلال.
شغلتني هذه القضية، هي صلب روايتي: «2067». لو خلصت النية، يمكن بهامش من تأسيس كيان جديد إعادة تأهيل القائم، أرض المعارض والقاهرة نفسها، بدلًا من إهمال المريض، وتركه لمصيره، والتشفي بمراقبته انتظارًا لبيع أعضائه.
وقررت ألا أدخل المعرض في منفاه الحالي، باستثناء مرة في يناير/ كانون الثاني 2020، لأشارك أصدقاء فرحهم بكتاب جديد، أخذوني وأعادوني. موقفي صامت، شأن شخصي خاص لم أعلنه، فالمعرض موسم للفرح، للجمهور قبل الكتّاب، ومصر سوق كبرى، وأستسخف من يروّج مقولة؛ إن معرضًا عربيًا بيع فيه 100 ألف ساندوتش، وأقل من ألف كتاب. لا سيدي، في معرض القاهرة تباع مئات الألوف من الكتب، هو أكبر من مجرّد «معرض».
صفعة إخوانيةقبل ثورة يناير/ كانون الثاني بسنوات، شاركت مرة وحيدة بمناقشة روايتي: «أول النهار». ثم رفضت المشاركة، فلا صلة للندوات بالكتاب ولا الكتابة.
وتفاءلت بالثورة، وقدمتْ دار النشر كتابي: «الثورة الآن» لجائزة المعرض، وقبل إعلان نتيجة الجوائز طلب مسؤولون بهيئة الكتاب من دار النشر صورة بطاقتي الشخصية، وقيل لي إن هذا الإجراء يخص الفائزين، لترتيب الأمور الخاصة بالجائزة، يا أهلًا بالفلوس.
وفاجأني فوز كتاب "توبة من الإخوان"، ضمن تصعيد إخوان تائبين تلقوا مئة صفعة إخوانية على القفا على سهوة، وضحكت، ولا ألوم خرتية من المحكمين المزمنين، فقراءة السياق تريح، ونحن في بلد يمكن لمن يقول إن سيد قطب إرهابي أن يصبح وزيرًا للثقافة.
لا أتفاعل مع المعرض. واستبقت نقله إلى موقعه الحالي بمقال غاضب عنوانه: «تفريغ القاهرة.. معرض الكتاب وداعًا»، في صحيفة «العرب» اللندنية في 7 أغسطس/ آب 2018. وفي دورة هذا العام استثناء شخصي يستوجب إيضاحًا، إذ أشارك في ندوة: «كتابات يون فوسه بين الباطنية والروحانية»، عن أدب الكاتب النرويجي الفائز بجائزة نوبل 2023.
دعوة من الجانب النرويجي، ضمن أنشطة النرويج ضيف الشرف، ولا أعرف الداعين، وكنت في عام 2018 نشرت مقالًا عن رواية: «صباح ومساء»، ولعله أول كتابة عربية عن يون فوسه قبل أن يتنوبل. كاتب استثنائي، كأنه بلا آباء، وتأكد لي ذلك بقراءة روايته: «ثلاثية». رحلتي إلى المعرض تُحتمل مرة واحدة.
تواصل مثير للريبةفي مصر، على العكس من أوروبا والدول المتقدمة، غرام بالحالة المِهرجانية، والفخر بأفعل التفضيل، والتباهي بالأرقام، والإعلان عن أعداد الزائرين، هم زائرون، عابرون لا يتفاعلون، ضيوف في مهمة محددة، غرباء في معزل، أرض غريبة توفر النظام والإجراءات المحسوبة في ماكيت أو ديكور فيلم.
أما مكان المعرض السابق فيحقق التواصل مع محيطه البشري والجغرافي، وهذا غير مرغوب فيه، مثير للريبة، بقدرة قادر يستطيع المعرض خلق حالة تجمهر قد تطلق شرارة، ولعل هذا سرّ مطاردته من القلب إلى الأطراف، من الجزيرة إلى مدينة نصر إلى الخلاء. ولن أكفّ عن الحلم بمعرض نموذجي للكتاب، في حديقة قصر عابدين وساحته، أو ساحة دار الأوبرا.
حلمٌ بالرهان على رمزية ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ووعودها بدولة المواطنة. ساعتها تعاد طباعة الكتب التي وثقت وقائع الثورة، ومنحت الشهداء لقب الشهداء، وسجلت أشواق الحرية برسوم الغرافيتي على الجدران. ساعتها لن نرى سيارات الشرطة تطوّق قصر عابدين أو دار الأوبرا والساحات القريبة.
في أوروبا والدول المتقدمة لا يشاهدون جنودًا في الشوارع. تحضر هيبة القانون؛ فيطمئنون إلى العدالة، وتختفي مظاهر الخشونة.
دعونا نحلم، لا قيودَ على الأحلام، وفي البدء كان الخيال طليقًا، وفي النهاية يكون.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: معرض القاهرة کانون الثانی معرض الکتاب معرض ا
إقرأ أيضاً:
أمين «الأعلى للآثار»: عرض 130 قطعة مصرية بروما خلال معرض كنوز الفراعنة
قال الدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إنه سيتم عرض 130 قطعة أثرية مصرية في قاعة المعارض الإيطالية «سكوديري ديل كويريناله» بمعرض كنوز الفراعنة، والذي سوف يقدم لزائريه رحلة استثنائية إلى قلب الحضارة المصرية القديمة من خلال مجموعة متميزة من القطع الأثرية المختارة من أعرق متاحف الآثار في مصر.
جاء هذا خلال كلمته في المؤتمر الصحفي الذي عقد اليوم الخميس، في المتحف المصري بالتحرير، للإعلان عن تفاصيل المعرض الأثري كنوز الفراعنة والمقرر افتتاحه في العاصمة الإيطالية روما خلال الفترة من 24 أكتوبر 2025 وحتى 3 مايو 2026.
ووصف الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، المعارض الأثرية المؤقتة في الخارج بالجسر الثقافي الحيوي، لأنها تتيح لجمهور العالم استكشاف ثراء الحضارة المصرية القديمة، وتبرز عبقرية المصريين القدماء في مجالات مثل العلوم والهندسة والفنون.. كما تلعب هذه المعارض دورا محوريا في تعزيز الحوار بين الثقافات وتقريب الشعوب من خلال التقدير المشترك للتراث الإنساني.
وأكد أهمية هذا المعرض حيث إنه يمثل ثاني أكبر معرض للآثار المصرية القديمة في إيطاليا منذ عام 2002، حين أقيم معرض الفراعنة" في مدينة البندقية، والذي ركز حينها على دور الملوك المصريين في عصر الدولة الحديثة.
وبخصوص الدور المستمر لمتحف التحرير، شدد الدكتور محمد إسماعيل خالد على أن اختيار هذه القطع الأثرية من المتحف المصري بالتحرير يحمل رسالة واضحة مفادها أن المتحف يظل ركيزة أساسية في التراث الثقافي والتعليمي لمصر، وعلى عكس التصور القائل بأن افتتاح المتحف المصري الكبير في 3 يوليو المقبل سيؤدي إلى تهميشه، يخضع متحف التحرير حاليا لأعمال تطوير شاملة في قاعاته وسيناريو العرض المتحفي، لضمان استمرارية دوره الحيوي في المشهد الثقافي المصري.
وأكد أن الهدف هو الحفاظ على الطابع التاريخي العريق لمتحف التحرير، مع تطوير أساليب العرض وتحسين تجربة الزائرين، مشيراً إلى أعمال التطوير التي تمت بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وخمسة من أبرز المتاحف الأوروبية، من بينها المتحف المصري في تورينو.
ومن جانبه، قال مؤمن عثمان رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، إن معرض "كنوز الفراعنة" المقرر إقامته في إيطاليا سيشكل حدثا ثقافيا استثنائيا، وقد أثار منذ الإعلان عنه اهتماما واسعا في أوساط الجمهور الإيطالي.
وأوضح، أن هذا المعرض يمثل ثمرة أكثر من عام من العمل المشترك والدؤوب مع الشركاء في إيطاليا، وقد تحقق هذا الإنجاز من خلال التعاون الوثيق مع شركة ALES - ARTE LAVORO E SERVIZI.A، وهي الذراع الثقافي الداخلي لوزارة الثقافة الإيطالية، بالإضافة إلى مؤسسة Mondo Mostre المعروفة بخبرتها الواسعة في تنظيم المعارض الدولية.
وأشار إلى أن قاعات Scuderie del Quirinale التي ستحتضن المعرض تعد من أرقى وأهم المواقع الثقافية في إيطاليا وتقع هذه القاعات بجوار حدائق كولونا، وفوق أنقاض معبد سيرابيس الضخم، وعلى مقربة من قصر كوبرينالي، المقر الرسمي لرئيس الجمهورية الإيطالية، وكذلك المحكمة الدستورية وهذا الموقع يحمل دلالة سياسية وتاريخية عميقة، واختيار هذا المكان لاستضافة المعرض يعبر بوضوح عن الاحترام والتقدير الكبيرين اللذين يكنهما الشعب الإيطالي للحضارة المصرية القديمة.
فيما قال ميكيلي كاروني، سفير إيطاليا في القاهرة، إن الدبلوماسية الثقافية تعد أداة فعالة تتيح لنا التعبير بلغة إنسانية مشتركة تتجاوز الحدود الجغرافية وتقرب بين الشعوب، ويأتي معرض /كنوز الفراعنة/ تجسيدًا حيا لهذا المفهوم، حيث يجمع تحت مظلته مؤسسات وخبراء ومواطنين من مصر وإيطاليا، ليؤكد أن الثقافة ليست مرآة للماضي فقط، بل بوابة تفتح على المستقبل.
وأضاف السفير الإيطالي أن الروابط الثقافية المتجذرة بين القاهرة وروما، والتي نشأت من قرون طويلة من التبادل الحضاري عبر ضفتي المتوسط ما زالت تنبض بالحيوية من خلال مبادرات مماثلة، مما يعمق أواصر التفاهم ويعزز مسارات التعاون البناء.