“نموت جوعى في عالم تفيض قمامته بالطعام”.. كلمات الطبيب الشهيد النجار تهز ضمير الإنسانية
تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT
#سواليف
ثمّة #حكايا ومرويات #إنسانية ضاربة في عمق الضمير تسطرها #غزة إن كان صمودًا أو شهادة، حياة أو موتًا، دموعًا أو فرحًا، نجاةً من قصفٍ أو إصابةً وجرحًا، نازفًا غارقًا بدمائك، أو منقذا ومطببًا لجراحك، فالقصة واحدةٌ وإن تعددت الأسماء، لكنّ تلك القصة التي سطرها #الطبيب_الفلسطيني الشاب #مصطفى_النجار، ستبقى خالدة ويرويها في سجلّ #الشهداء الخالدين الأحياء.
كان النجار – رحمه الله – يروي حكاية نجاته من القصف الصهيوني أربع مراتٍ متتاليةٍ، لكنّه لم يعلم أنّ الخامسة ستكون طريقه إلى عليين حيث يرتقي الشهداء الكرام لرضوان الله ورحمته، ليصير هو “الحكاية” وليس الراوي.
وروى الطبيب مصطفى النجار شهادة موثقة عن نجاته للمرة الأولى من الاستهداف والموت، وثم نجى منه ثلاث مرات أخرى، لكنه استشهد في المرة الخامسة بتاريخ 6 فبراير 2024.
مقالات ذات صلة التربية تدعو مرشحين للتعيين / أسماء 2024/02/08فيديو | "لقد هُزمنا أمام الأطفال"..
استشهاد الطبيب الفلسطيني مصطفى النجار بعد نجاته 4 مرات من موت محقق، ما قصته؟ pic.twitter.com/jOrKMkSl2N
يقول رحمه الله: كانت المرة الأولى للاستهداف عندما كنا في طريق عودتنا إلى المدرسة التي نزحنا إليها في بداية الحرب أنا وأمي وبرفقتنا زوجة أخي وأطفالها الصغار بعدما قضينا يومًا طويلاً في منزل أختي التي لاقت ربها شهيدة هي وعائلتها الصغيرة في استهداف آخر لمنزلهم، حيث كانت أمي وزوجة أخي تسبقاني بمسافة صغيرة لا تتعدى الخمسة أمتار، وكان ابن أخي محمد يركض أمامنا، وفجأةً وللمرة الأولى إذ بشيء قوي يدفعنا للخلف بقوة، وكان هذا الشيء عبارة عن هواءٍ قوي يصحبه غبار كثيف؛ ومن ثم رأيت ألسنة من اللهب والنيران تنتشر في المحيط، ورأيت حجارة تتساقط علينا لكنني لم أشعر بها؛ ومن ثم صفير في أذناي، كل هذا الشيء حدث في ثواني قليلة لا تتعدى الثلاث ثواني، أدركت أننا استهدفنا، وأنني ما زلت على قيد الحياة.
صدقة جارية عن روح صديقنا الشهيد الصابر الخلوق مصطفى النجار رحمة الله عليه.
يعز علينا خبر استشهاده أشلاء، يعز علينا فراق الأصدقاء، في جنان الفردوس يا صديقي. pic.twitter.com/YN8zHKrRJw
ويتابع النجار بالقول: لكنني حين فتحت عيناي لم أرى أمي، كل شيء رأيته كان عبارة عن غبار ودخان خانق، حاولت أن أقف على قدمي، لكنني لم أستطع في بداية الأمر، أعدت المحاولة ونجحت في ذلك، لكنني كنت في حالة من عدم التوازن والسبب كان هو إصابتي في رأسي”.
في ليلة الإسراء والمِعراج
اللهم ارحم الشهيد مُصطفى النّجار اللهم اسكنه فسيح جنّتك مع الأنبياء والصديقين اللهم يمن كتابه وهون حسابه ولين ترابه وألهمه حسن الجواب اللهم طيّب ثراه وأكرم مثواه واجعل الجنة مستقره ومأواه
اللهم تقبّل شهدائنا و إشفي مرضانا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد https://t.co/TK7Pacmsvq pic.twitter.com/JPyFpYB84z
وإن كان العدوان الصهيوني الغادر، حرم النجار من رواية بقية القصة لنجاته، فقد ترك إرثا من الحب والتضحية كطبيب عاش قضية شعبه وواصل المقاومة في إنقاذ الجرحى والمصابين وتطبيبهم حتى آخر لحظة وآخر نفس قبل أن يرتقي شهيدا.
الحزن يجتاح مواقع التواصل
وعبر ناشطون فلسطينيون عن حزنهم الشديد إزاء استشهاد النجار، متداولين آخر التدوينات التي كتبها في صفحته عبر منصة “إكس”.
الشهيد الجميل مصطفى النجار https://t.co/tBFA9bjwMe
— براء نزار ريان (@BaraaNezarRayan) February 6, 2024وكان الطبيب الشاب تحدث عن نجاته أربع مرات من الموت المحقق، بفعل الغارات الإسرائيلية، علما أن إحدى شقيقاته استشهدت في العدوان الذي خلف أكثر من 27 ألف شهيد.
الطبيب مصطفى النجار نجى أكثر من مرة من قصف ولكنه استشهد اليوم بجريمة اسرائيلية أخرى! pic.twitter.com/9A1rHSvtdy
— هدى نعيم Huda Naim (@HuDa_NaIm92) February 6, 2024وكتب الشهيد النجار في آخر تدوينة قبل دقائق من استشهاده: “لا يجتمع غبارٌ في سبيلِ الله ودخان جهنّم في جوف عبدٍ أبدًا . محمّد ﷺ”.
كما نعى النجار قبل ساعات من استشهاده، صديقه المسعف فؤاد أبو خماش، الذي استشهد بالغارات على قطاع غزة رفقة مسعفين آخرين.
دائماً ما كنت فخور بصديقي فؤاد وبأعماله وانجازاته ، حبيبي فؤاد مش مصدق انك استشهدت بدون ما اودعك ، انت اكيد بمكان احسن ، دائماً كنت تتذمر من قلة التقدير على شغلك وكنت بدك تترك غزة لأجل هالسبب ، بس ربنا ما ضيعك وكرمك بأفضل تكريم واصطفاك شهيد ، حبيبي فؤاد رح اشتاقلك https://t.co/jR3CEFl6uo
— مُ (@mstfyalnjar162) February 6, 2024وثق ألمه وجرح غزة بتدويناته
وقبل أسبوع من استشهاده، كتب مصطفى النجار: “أيوبُ ناءَ بجُرحهِ مُتضرعاً، وأنا بلادي كُلُّها أيوبُ”.
فعلاً لقد هُزمنا امام الاطفال https://t.co/bPaX70zXUn pic.twitter.com/V7O1LYxEjI
— مُ (@mstfyalnjar162) October 12, 2023وكتب الراحل مصطفى النجار كلمات مؤثرة حول الوضع المأساوي في قطاع غزة، إذ قال: “هل من ميتة غير التي تقسم وجهك كتلة اسمنتية ضخمة؟ أو أن تموت ببطء عالقاً بين الركام تسمعهم يحاولون الوصول إليك ويعجزون؟ يموت الناس عادة يالله في أسرتهم دافئين، أو كهولاً ملوا من الحياة ونعيمه، أما نحن فنموت قبل أن نحيا، نموت أطفالاً لا نذكر من الدنيا سوى الجوع والحصار والهلع !”.
حبيبي بابا ، ب 2014 بس استشهد اخويا محمد كنت صغير شوية بس كنت اسمعه يضل يحكي حبيبي يا محمد كلها 5 سنين وباجي عندك ومر على استشهاد محمد 10 سنين واليوم بابا بعيد نفس الجملة وقت يوقف عند قبر اختي وبحكيلها يلا يا بابا كلها 5 سنين وباجي عندك انتي ومحمد ، حبيبي الله يصبرك ويثبتك
— مُ (@mstfyalnjar162) February 3, 2024وتابع: “نموت جوعى في عالم تفيض قمامته بالطعام، تصعد أرواحنا إليك وقلوبنا ترف خوفاً على ذوينا وأصدقائنا لا أنفسنا”.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف حكايا إنسانية غزة الطبيب الفلسطيني مصطفى النجار الشهداء مصطفى النجار pic twitter com
إقرأ أيضاً:
هنا نبقى.. وهنا نموت.. الغزيون يتحدّون تهديد الاجتياح
غزة- في زاوية من ساحة ترابية غرب مدينة غزة، تجلس الحاجة أم ناصر الوادية، السبعينية التي أنهكها البرد والجوع، وسط خيمة مهترئة نسجتها من أقمشة بالية.
لم تعد أم ناصر تبصر جيدا أو تسمع بوضوح، لكن كلماتها القليلة تخرج بثبات "الموت أهون من النزوح". على وجهها تجاعيد حفرتها سنوات الحروب، وعلى جسدها آثار عمر ثقيل، لتروي قصتها بلا كلمات، بأن هذه المرأة فقدت كل شيء.
بعد أن نزحت من حي الزيتون قبل 3 أسابيع، اضطرت أم ناصر للرحيل مرة أخرى من منطقة الكرامة، ثم تركت خيمتها التي أقامتها في دير البلح، حتى استقرت اليوم في مخيم عشوائي جديد تملؤه روائح القاذورات وصراخ الأطفال، وسط غياب أبنائها الذين لا تعرف عن مكانهم شيئا.
تقول وهي تشير إلى السماء خلال حديثها للجزيرة نت "كل يوم نسمع عن وقفٍ لإطلاق النار، لكننا نفاجأ بأن الحرب تشتد أكثر، وبالتالي نقول لبنيامين نتنياهو إن قررت اجتياح غزة فإننا لن نغادر هذا المكان، فنحن لسنا قطع أثاث لينقلونا حيث يشاؤون".
تعبّر الحاجة أم ناصر عن إحساس جماعي يعيشه الغزيون الذين باتوا يعتبرون الخيمة أرضا أخيرة، لا مغادرة بعدها، حتى لو كان الثمن حياتهم، في حديثها شيء من الإصرار، لكن فيه أيضا كثير من الانكسار، وكأنها تتحدث باسم مدينة كاملة قررت ألا تُقتلع من جذورها مهما حصل.
بينما كانت الحاجة أم ناصر تتحدث عن الموت، كان بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يؤكد ما كان يخشاه الجميع بأن الحكومة الأمنية الإسرائيلية وافقت على اقتراح رئيس الوزراء باحتلال غزة بالكامل.
القرار يعني ببساطة أن قرابة 900 ألف إنسان في غزة مهددون بالإخلاء، وأن المدينة ذاتها ستتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة، بلا أي ضمانات للمدنيين.
إعلانلكن أبناء غزة، وعلى الرغم من الخوف والتجربة الطويلة مع النزوح، لا يبدو أنهم مستعدون للخروج من القطاع هذه المرة، فالنزوح أصبح بالنسبة لهم مرادفًا للموت، لكن بأشكال متعددة، كفقدان الأحبة، إلى الجوع، والتيه الجغرافي والنفسي.
ويؤكد كثير من سكان غزة أن ما يواجهونه اليوم ليس مجرد خطر قادم، بل هو استمرار لمعاناة ممتدة، فقبل أسبوعين فقط، نزح أغلب السكان من حي إلى آخر، ومن منطقة إلى مخيم، والآن يُطلب منهم مرة جديدة أن يرحلوا نحو المجهول.
قال أحد المتطوعين المحليين في خدمة النازحين منطقة الرمال، للجزيرة نت "الناس لا تملك الطاقة النفسية ولا الجسدية للنزوح مرة أخرى، هم منهكون حد التلاشي"، ويضيف "في كل نزوح هناك موت، سواء بفعل القصف، أو الطريق، أو منازل مدمرة نُجبر على السكن فيها مؤقتا".
ولم يقابل القرار الإسرائيلي باجتياح مدينة غزة بالفرار، بل بما يمكن وصفه بثبات يائس، فسكان مدينة غزة يدركون أن الموت قادم، لكنهم يفضلون استقباله في خيامهم بدلا من العيش لاجئين بلا قرار.
"لن ننزح"وفي خيمة ضيقة تتوسط مخيما عشوائيا أقيم مؤخرا غرب مدينة غزة، تعيش الحاجة فاطمة القصاص، وهي امرأة في الـ60 من عمرها، تشهد على مآسي الحرب بتجاعيد وجهها وعينيها الغائرتين.
تقول للجزيرة نت بصوت خافت "الموت أهون من النزوح، لن ننزح مجددًا، سنموت في أماكننا إذا اقتضى الأمر".
فاطمة كانت قد نزحت من حي الدرج منذ أكثر من 10 أيام بعد إنذار إخلاء أطلقته طائرات الاحتلال، ثم اتجهت إلى حي الزيتون، وهناك طالها القصف، فوجدت نفسها تنتقل مرة أخرى إلى العراء.
ولم يعد الخوف من الموت بالقصف مهيمنًا على السكان بقدر الخوف من فقدان آخر شبر يمكن أن يُعتبر ملاذًا، حتى لو كان قطعة أرض قاحلة.
في النهاية، تختم الحاجة فاطمة حديثها بجملة تعكس عمق الإحباط واليأس "دعهم يقتلونا مرة أخرى، لقد متنا ألف مرة".
عملية محو شاملة
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد أصدر تقريرا في يوليو/تموز الماضي يرصد فيه المأساة الإنسانية في قطاع غزة، وجاءت نتائجه صادمة ومثيرة للغضب.
وبحسب التقرير، لم تُبقِ إسرائيل للفلسطينيين سوى أقل من 15% من المساحة الكلية للقطاع، أي نحو 55 كيلومترًا مربعًا فقط، يُحتجز فيها أكثر من 2.3 مليون إنسان بمساحة لا تزيد للفرد الواحد عن 24 مترا مربعا، وهي أقل من تلك المخصصة لسجناء معتقل غوانتنامو.
ووصف المرصد ما يحدث بأنه ليس مجرد قصف أو قتل بل "عملية محو شاملة" تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ومحو وجودهم، بحيث تمضي إسرائيل في سياسة ممنهجة لتحويل القطاع إلى مناطق مغلقة عبر أوامر إخلاء متكررة وسيطرة عسكرية مشددة.
بهذا المعنى، فإن ما يحدث في غزة ليس فقط كارثة إنسانية، بل محاولة فعلية لنسف البنية المجتمعية والجغرافية، وتحويل غزة إلى سجن جماعي لا مخرج منه، خاصة مع خطة الاجتياح الجديدة.
انتظار الموت
وفي خيمة تقع بالقرب من منطقة المواصي بخان يونس، كان يوسف النجار، وهو أب لـ4 أطفال، يتحدث بحذر بالغ وهو يراقب السماء التي لا تكف عن إرسال الموت، يقول بصوت منخفض "كل يوم نفقد أولادنا وأحبابنا، الله يستر من هذا الاجتياح".
إعلانواضطر يوسف للنزوح 3 مرات في غضون أسبوعين، يصف قسوة التنقل المستمر من مكان إلى آخر هربا من القصف الذي لا يلبث أن يلاحقه، ليجد نفسه محاصرا من جديد، ويؤكد في حديثه للجزيرة نت "الاجتياح لا يعني سوى المزيد من الشهداء، والمزيد من التشريد، والمزيد من الحصار والجوع".
وحين سألناه إن كان سيغادر غزة إذا بدأ الاجتياح، أجاب بالقول "نحن ماذا فعلنا لنلقى هذا المصير؟، إلا أننا لن نغادر، بل سنبقى هنا، وإذا قُدر لنا الموت فليكن بين أهلنا وبيوتنا لا في التيه".