إن كان يريد جاهاً ورئاسةً أعطيناه، وان كان يريد نفوذاً منحناه، وان كان يريد مالاً جعلناه أكثرنا أموالاً ودفعنا رواتب شعبه، ما أشبه اليوم بالبارحة، انه يحذو حذو جده المصطفى صلوات الله عليه وآله، انهم لا يرون أي مشكلة فيما لو كان يطلب النفوذ والجاه والرئاسة والمال، بل انهم عرضوها عليه فأبى وكان موقفه صريحاً فهو سيد القول والفعل، فلسان حاله يقول والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، إنهم يرون أن الشعب اليمني بحنكةِ وإيمان قائده خطر حقيقيٌ على اليهود، فقد عرَّى أنظمةً، وكشف مخططات، وأحرج ملوكاً ورؤساء، جاءوا إليه بالترغيب فلم يأبه، فعمدوا إلى الترهيب فلم يكترث، لم يجدوا له مصالحاً دولية يهددونه بها، هددوه بالحرب لم يصغ إليهم، بدأوا يجمعون التحالفات الدولية، بحججٍ واهية، إلا أن قرائن الحال تلت قوله تعالى :«الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» .
والآخر هو شجاعة السيد القائد، فقد باشر ضربهم فأوجعهم، وحاصرهم فأقلقهم، خلط أوراقهم، بعثر ادعاءاتهم المزعومة، أربكهم، ولذلك باتوا يرون أن الشعب اليمني وفي مقدمته القائد العلم خطراً حقيقياً على مساعيهم وماسونياتهم ومنظماتهم ونواياهم الخبيثة، أدركوا ان الرجل لا يخاف على مصالحه الشخصية، فليست لديه مصالحٌ أصلاً، فتيقنوا أن الرجل هدفه أكبر وأعظم مما يتخيلونه، فإحياء هذه الأمة وتوعيتها ليس بالأمر السهل، انذهلوا من التفاف هذا الشعب حول قائده، وارتبكوا حينما رأوا أن المستضعفين ينجذبون إليه، فقد أسر قلوب الأحرار في الوطن العربي والعالم أجمع، وما كانوا يتوقعون أنه سيبعث قائدٌ عربيٌ مسلمٌ لا يخنع ولا يذل ولا ينبطح، حسبوا أن كل العرب كالأعراب ورعاة الإبل، فانصدموا بقائدٍ عربيٍ له عنفوان جده بن أبي طالب، قائدٌ ألهمه الله لإحياء أمةٍ خنع وانبطح حكامها، في زمنٍ الإبادات الجماعية، هنا أدركوا انه خطرٌ حقيقي يستهدف نسف مساعيهم الإجرامية، فانطلقت افكارهم إلى رسم مخططاتهم لاجتثاثه من أصوله، فبادروا بحرب غير مباشرة طيلة تسع سنوات، فصُدِموا بمواقفٍ لم يحسبوا حسابها، فقد انتفض الشعب اليمني خلف قائده وقيادته، صُرِعت أبصارهم، ورُمقت قلوبهم، فانفضحوا وبانت قشتهم، لم يتحملوا ذلك فتدخلوا بحربٍ مباشرة وغرقوا في الوحل اليمني فتحيروا أنى له هذه الشجاعة، ومن أين يستمد القوة والعظمة، وكيف السبيل لإزاحة قائد يقول والله ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه، فلا الترغيب ولا الترهيب يجديان نفعاً، أطلقها عنان السماء “لن نتوقف عن عملياتنا حتى تتوقف المجازر في غزة”، نعم إنه الخطر الحقيقي عليهم والأمل البسام للأمة، فقد كشف زيف ادعاءاتهم، وسحق خبث مصالحهم، وعطل مساعيهم القذرة، فهم اليوم لا يخافون من ملوك العرب ولا رؤسائهم الذين فتحوا المراقص والبارات، بل يخافون ممن برز الإيمان كله للشرك كله، فلله دره من قائد قلَّما يجود الزمان بمثله .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الرجل الذي يريد أن يصبح ملكاً.. قراءة في التحولات السعودية تحت قيادة بن سلمان
في توقيت لا يمكن اعتباره مصادفة، نشرت الصحفية الأمريكية المخضرمة كارين إليوت هاوس كتابها الجديد "الرجل الذي يريد أن يصبح ملكاً: محمد بن سلمان وتحول السعودية"، في لحظة حرجة من تاريخ الشرق الأوسط، حيث تصاعد دور السعودية بقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان في إعادة رسم توازنات الإقليم، على خلفية التحولات الدراماتيكية في الصراع بين إيران وإسرائيل، وتبدل التموضعات الجيوسياسية عقب الحرب على غزة، وانخراط المملكة في ملفات حاسمة تتعلق بالتطبيع ومفاوضات الأسرى والسلام.
الكتاب، الذي راجعه الكاتب الأمريكي البارز والتر راسل ميد في صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2025، يقدّم شهادة من الداخل الأميركي على تحول ولي العهد السعودي إلى "ملك غير متوّج فعليًا"، يباشر إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في المملكة، ولكن ليس بالضرورة ضمن مسار ديمقراطي، بل عبر رؤية مركزية تُعلي من "التحكم الحداثي" على حساب الانفتاح السياسي.
سعودية جديدة.. لا تشبه القديمة
كارين هاوس ليست صحفية عابرة في الشأن السعودي؛ فقد بدأت تغطية المملكة منذ السبعينيات، ونالت جائزة "بوليتزر" في 1984 عن تغطياتها العميقة للشرق الأوسط. في كتابها الجديد، تنقل تحولاتها الشخصية من متابعة صحفية إلى "شاهدة على نهاية سعودية قديمة وصعود أخرى جديدة"، حيث أصبح محمد بن سلمان هو الدولة.
ترصد هاوس، من خلال مقابلاتها داخل السعودية، ملامح التغيير الذي أحدثه "MBS"، كما يُعرف دوليًا، من فتح المجال أمام النساء في الفضاء العام وسوق العمل، إلى إقصاء عدد كبير من أفراد العائلة المالكة، وإعادة ترتيب الاقتصاد والمجتمع والدين بما يتناسب مع رؤيته الصارمة لـ"رؤية 2030".
لكن الأهم من التغييرات الاجتماعية، حسبما تبرز هاوس، هو كسر بن سلمان للسلوك التقليدي لآل سعود؛ فهو لا يرى مشكلة في التزلج على الرمال في نيوم، أو الظهور بجاكيت "باربور" الإنجليزي ونظارات "توم فورد" وحذاء "Yeezy" الأمريكي، في سباقات الفورمولا E، في مشهد رمزي يُلخّص شكل الحكم الجديد: مزيج من الحداثة الغربية والهوية السعودية، تحت هيمنة الفرد الواحد.
تحديث بلا ديمقراطية
يؤكد الكاتب والتر ميد في مراجعته أن ولي العهد لا يسعى إلى ديمقراطية، بل إلى تحديث اقتصادي واجتماعي تحت سلطة مركزية صارمة. ويقول: "محمد بن سلمان لا يريد تقاسم الحكم، بل يريد النجاح فيه بمفرده". وهذا ما يجعل تجربته محل جدل؛ فبينما يتلقاها الغرب بعيون منبهرة لما فيها من "علمانية مقنّعة"، فإن الأصوات الحقوقية ترى في تلك التغييرات شكلاً من الاستبداد الجديد المغلف بالتكنولوجيا والانفتاح الاقتصادي.
وبينما يتحدث الكتاب عن إعجاب بعض السعوديين، خاصة النساء والشباب، بالانفتاح النسبي، إلا أن أسئلة كبرى تظل دون إجابة: ماذا عن الحريات السياسية؟ ماذا عن المعتقلين؟ وماذا عن المعارضة المقموعة في الداخل والخارج؟ وماذا عن ثمن التحالفات الخارجية، مثل ملف التطبيع مع إسرائيل، الذي بات يطبخ على نار هادئة بدعم أميركي واضح؟
رجل في قلب لعبة إقليمية كبرى
يتزامن صدور الكتاب مع عودة المملكة إلى قلب اللعبة السياسية في الشرق الأوسط. محمد بن سلمان لم يعد "قائدًا شابًا طموحًا" فقط، بل رقماً حاسماً في ملفات ساخنة: التفاوض على إنهاء حرب غزة، الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، بل وأيضًا "هندسة ما بعد إيران"، بعد التقهقر الإيراني الإقليمي عقب الضربات الإسرائيلية، كما يشير ميد.
وفي هذا السياق، فإن فهم شخصية بن سلمان ـ بحسب ميد ـ ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لصناع القرار في واشنطن وتل أبيب، الذين يجدون أنفسهم اليوم مضطرين للجلوس معه، بل الاعتماد عليه في مشاريع إعادة رسم خارطة المنطقة.
المعضلة: كيف نحكم على التغيير؟
يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه الكتاب، بذكاء غير مباشر: هل ما يحدث في السعودية ثورة تحديث فعلية، أم هندسة اجتماعية من فوق؟ وهل يمكن لعقود من المحافظة والسلطوية أن تُستبدل بتغيير سريع تحت سلطة فرد واحد؟ وأين يقف المواطن السعودي من هذه التحولات؟
الكتاب لا يجيب بشكل نهائي، لكنه يضع القارئ أمام حقيقة واحدة: محمد بن سلمان قد لا يكون ملكًا رسميًا بعد، لكنه يحكم كملك فعلي، ويعيد تشكيل السعودية على صورته.. وصورة المستقبل الذي يريده.
https://www.wsj.com/world/middle-east/the-man-who-would-be-king-review-a-very-modern-monarch-bd35aa6d