كتبت سابين عويس في" النهار": بحسب الدوائر القريبة من زعيم "المستقبل" سعد الحريري لا يزال من المبكر الحكم على التوجهات التي يعتزم السير فيها. كل ما يهمّه اليوم وفي ذكرى استشهاد والده، ان يوجه رسالة شخصية إلى جمهوره وقواعده، يقول لهم فيها: سمعتكم وسمعت نداءكم، وأتعامل مع هذا النداء بجدية ومسؤولية. أما اي قرار في شأن العودة عن تعليق العمل السياسي، فلن يكون ابن ساعته، بل يحتاج إلى الاخذ بكل المعطيات المحيطة به، اي تلك التي دفعته إلى تعليق عمله السياسي والانكفاء، او تلك التي قد تفرض عليه العودة.
عاملان سيكون لهما حيز كبير على طريق اتخاذ القرار، اولهما يتصل بالمشهدية الشعبية لإحياء الذكرى التاسعة عشرة للرابع عشر من شباط اليوم، وما يمكن ان تحمله من رسالة داخلية وخارجية على السواء، لجهة ترجمة الشعارات المرفوعة والأقوال بالأفعال. والثاني يتعلق بمروحة الاتصالات واللقاءات التي سيجريها الحريري وتشمل سفراء وقيادات سياسية وفاعليات مختلفة. أسبوعان كفيلان بأن يبلورا امام الحريري الطريق، لكن الثابت والأكيد ان لا قرار على المدى القريب، بل تقييم شامل لكل المعطيات الداخلية والخارجية، ولا سيما تلك المتصلة بالموقف السعودي منه، وهو الرهان الأكبر او العامل المؤثر ليس في القرار الذي سيتخذه الحريري، وانما في القرار الذي قد تتخذه القيادة السعودية، وما إذا كان للمعطيات الداخلية اي تأثير فيه.
أما الكلام عن حركة خارجية يعتزم الحريري القيام بها ولا سيما في اتجاه موسكو، ففي رأي الدوائر القريبة منه ان الأمر لا يزال مبكراً، علماً ان معلومات ترددت اخيراً عن الدعم الروسي لعودة الحريري، معطوفاً على معلومات عن اعادة نظر سعودية لم ترقَ بعد إلى مستوى اتخاذ القرار النهائي او الحاسم حيال هذه العودة، وعلماً ايضا ان المملكة وطوال العامين الماضيين، لم تسعَ إلى ملء فراغ الحريري.
اذاً، الأولوية اليوم تكمن في لمّ شمل الصف السني اولاً وتثبيت استحالة شطب الحريري الابن من زعامة الطائفة، ولكن من دون اي وعود او آمال كبيرة يمكن التعويل عليها لعودة دائمة، لن تكون قريبة في اي حال
كتبت سابين عويس في" النهار": بحسب الدوائر القريبة من زعيم "المستقبل" سعد الحريري لا يزال من المبكر الحكم على التوجهات التي يعتزم السير فيها. كل ما يهمّه اليوم وفي ذكرى استشهاد والده، ان يوجه رسالة شخصية إلى جمهوره وقواعده، يقول لهم فيها: سمعتكم وسمعت نداءكم، وأتعامل مع هذا النداء بجدية ومسؤولية. أما اي قرار في شأن العودة عن تعليق العمل السياسي، فلن يكون ابن ساعته، بل يحتاج إلى الاخذ بكل المعطيات المحيطة به، اي تلك التي دفعته إلى تعليق عمله السياسي والانكفاء، او تلك التي قد تفرض عليه العودة.
عاملان سيكون لهما حيز كبير على طريق اتخاذ القرار، اولهما يتصل بالمشهدية الشعبية لإحياء الذكرى التاسعة عشرة للرابع عشر من شباط اليوم، وما يمكن ان تحمله من رسالة داخلية وخارجية على السواء، لجهة ترجمة الشعارات المرفوعة والأقوال بالأفعال. والثاني يتعلق بمروحة الاتصالات واللقاءات التي سيجريها الحريري وتشمل سفراء وقيادات سياسية وفاعليات مختلفة. أسبوعان كفيلان بأن يبلورا امام الحريري الطريق، لكن الثابت والأكيد ان لا قرار على المدى القريب، بل تقييم شامل لكل المعطيات الداخلية والخارجية، ولا سيما تلك المتصلة بالموقف السعودي منه، وهو الرهان الأكبر او العامل المؤثر ليس في القرار الذي سيتخذه الحريري، وانما في القرار الذي قد تتخذه القيادة السعودية، وما إذا كان للمعطيات الداخلية اي تأثير فيه.
أما الكلام عن حركة خارجية يعتزم الحريري القيام بها ولا سيما في اتجاه موسكو، ففي رأي الدوائر القريبة منه ان الأمر لا يزال مبكراً، علماً ان معلومات ترددت اخيراً عن الدعم الروسي لعودة الحريري، معطوفاً على معلومات عن اعادة نظر سعودية لم ترقَ بعد إلى مستوى اتخاذ القرار النهائي او الحاسم حيال هذه العودة، وعلماً ايضا ان المملكة وطوال العامين الماضيين، لم تسعَ إلى ملء فراغ الحريري.
اذاً، الأولوية اليوم تكمن في لمّ شمل الصف السني اولاً وتثبيت استحالة شطب الحريري الابن من زعامة الطائفة، ولكن من دون اي وعود او آمال كبيرة يمكن التعويل عليها لعودة دائمة، لن تكون قريبة في اي حال
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
التراث هوية..هل يمكن التملُّص منها؟
من البديهي أن ما وصل إليه البشر من نتاج معرفي (إنساني أو تجريبي) ما هو إلا تراكم خلّفه الناس -وما زالوا-؛ إذ من الطبيعي ألا يُنجِزَ كلَّ التجارب ونتائجها فردٌ بذاته، ولا يُحمَد -ما وصلنا إليه من رخاء وسهولة عيشٍ- إلا تلك التجارب المتراكمة التي تضفي على الرخاء رخاء فوقه، وعلى اليسرِ يسرا عليه.
وعند الرجوع إلى التجارب المتراكمة من آبائنا -آباءِ كلِّ البشرِ- فليس كلها مما نعيش منه رخاء أو حتى فكرة ملهِمَة؛ إلا أن كل تلك التجارب -بشكل مباشر أو غير مباشر- ساهمت في تشكيل ما وصلنا إليه من وعي؛ فضلا عن مساهمتها في جعل الوعي ذلك عيشا سهلا، ولا تزال السهولة تتراكم بمرور الوقت ومرورنا.
عند إلقاء نظرة عامّة على موقف الناس من التراث؛ يتبادر إلى الذهن حالان متضادَّان: (الآخذ له كلَّه)، و(المهمل له بما حَمَل واشتَمَل)، ولا يخفى عليك ما لأخذِ الأمور بحدّية من نتائج مذمومة... فالآخذ للتراث كلِّه لا يسلم من مغبّة الوقوع في وهم أنَّ ذلك التراث بكلِّيَته يصلح له الآن؛ فيصطدم بواقعه اصطداما غير محمود العواقب، ويعيش فصاما يجعله «لا هو نال من التراث جمالَه، ولا من الواقع يسرَه».
أما المهمِل للتراث بما حمل واشتمل، فغالبا ما يعيش حالةَ غُربةٍ في الهوية، يرجو من أصل غيره ليحتويه، وجذر -لذاك الغير- ينبت منه، كمن يبحث عن ظله عند غيره؛ فاستحالة أن تختار بطنا يلدك، تماما كاستحالة التنكر لتراثك وتجربة آبائك؛ فواقعك الكائن فيه بما خلَّفه لك من تراث لا سبيل منه سبيلا حسنا ذا فائدة إلا بأخذك المفيد منه، وردك الفاسد إليه، ولا تتعجّل في ردِّ -ما تظنه فاسدا- فقد يكون ذا نفع لسابقك بظروفه هو، وظروفك لا تسمح به؛ فتمهل.
وواقع الحال أن تمظهرات رؤية الناس للتراث في واقعنا العربي الإسلامي قد تظهر في أمرين -ظاهرهما متصل إلا أنني فصلتهما تسهيلا لقراءة الوضع- هما: الأول (تربية النشء)، والثاني (التنظير الفكري)، فتربية النشء مرجعها الخلفية الفكرية لأبويه أو لمحيطه القريب؛ فعند تنشئة الصغير على ثقافة لا تتصل بواقعه المتراكم وجذوره البعيدة، فإنه يصطدم عندما يكبر بأنه لا استمسك بأصله، ولا الآخر قَبِل به في هويته التي استوردها منه؛ فيعيش حالة من اللهث بما عند الآخر والجري وراءه، وحال النشء المتربي في بيئة تجعل من الموروث مقدَّسا كله، لا مساس فيه ولا نقد، يكون ردة فعل لاحقة كون الواقع يصدمه بأن تلك القداسة لا تصمد، بل ويمكن نقضها.
أما ما يتعلق بالتنظير الفكري؛ فإن أمر الناس فيه يتطابق في الضدين، إما بالأخذ للتراث كله أو إسقاطه كلّه، وهنا أود الحديث أكثر عمَّن تكون له نظرة الإهمال والإسقاط للتراث، ويراه عبئا ينبغي التخلّص منه، بل يراه مانعا لأَنْ يتقدَّم، وهذا النوع يعيش وهما لبرهة -طويلة أو قصيرة- لا يصحو منه إلا ببيان أن الآخر لا يقبلك إلا إن كنت من بني جلدته ولونه، بل الآخر يتطلَّع -والعالم كله اليوم- إلى ما هو مختلف وذو خصوصية، وهذا ليس مبررا لترجع إلى تراثك، بل ذلك دافع ما من أحد الدوافع، والدافع الأهم أنك لن تجد مكانك في هذا العالم -فردا كنت أو جمعا- إلا بالبناء على جذرك، والانطلاق من أصلك؛ بالاستفادة منه والبناء إلى ما انتهى إليه، هذا بدون أدنى شك مع استفادتك من الآخرين لكن شريطة ألا تتماهى معهم.
اختلاف الناس وتباين رؤاهم (ولذلك خلقهم ولا يزالون مختلفين)، هو الثراء للبشرية، وهو سر التدافع الذي به تتقدم البشرية للوصول إلى عيش أكثر رخاءً واستقرارا؛ فما من دين أو مذهب أو اتجاه ما إلا وُجِدَت فيه خلافات من أتباعه بل وحتى من مؤسسيه، وعند تأملنا -بنظرة شاملة- في ذلك لا نجد إلا الثراء في ذلك الاختلاف الذي يشكل توازنا؛ لئلا يطغى طرف على آخر (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).