معاناة الصيادين في اليمن تزداد مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر
تاريخ النشر: 21st, February 2024 GMT
ضاعف التصعيد العسكري الذي يشهده الممر الملاحي للبحر الأحمر معاناة الصيادين اليمنيين الذين يمثل البحر لهم مصدر رزقهم الرئيسي وأصبحوا اليوم يتطلعون للمستقبل بقلق وسط عدم وجود حلول في الأفق لإنهاء تبادل القصف الصاروخي بين جماعة الحوثي وقوات أمريكية وبريطانية.
وتشن جماعة الحوثي في اليمن المتحالفة مع إيران هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة في البحر الأحمر على السفن والناقلات المرتبطة بإسرائيل أو بريطانيا أو الولايات المتحدة منذ منتصف نوفمبر تشرين الثاني تضامنا مع الفلسطينيين في قطاع غزة الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية أدت إلى فرار معظم سكانه تقريبا من منازلهم بسبب هجوم جوي وبري إسرائيلي كاسح.
وترد الولايات المتحدة وبريطانيا بغارات جوية دقيقة على أهداف للحوثيين منذ منتصف يناير كانون الثاني بهدف إعادة الاستقرار للممر الملاحي الذي تحولت عنه الكثير من شركات النقل البحري الدولية ووجهت سفنها نحو طريق أطول وأكثر تكلفة حول قارة أفريقيا.
وقال غازي لحمر وكيل وزارة الثروة السمكية اليمنية لقطاع الإنتاج والتسويق السمكي في عدن إن تصاعد الأحداث في البحر الأحمر زاد الأوضاع سوءا بالنسبة لأنشطة الصيد في اليمن والقطاع السمكي بشكل عام، لتضع المزيد من الأعباء على كاهل الصيادين الذين يعانون من انحسار أعمالهم وتضرر موانئ الصيد والقوارب بفعل الحرب الأهلية التي تمزق البلاد منذ تسع سنوات.
وقال لحمر لرويترز إن أنشطة القطاع السمكي منيت بأضرار كبيرة ودمار شبه كامل للبنية التحتية بسبب الحرب، وتفاقهم الوضع مع اندلاع التوتر في البحر الأحمر، مما زاد المخاوف على أرواح الصيادين وتعرضهم للخطر.
وباتت حركة آلاف الصيادين المحدودة قرب الشواطئ اليمنية مشوبة بالحذر والخوف مع انتشار البوارج والقطع الحربية الغربية في مياه البحر الأحمر مما أثر على مناطق الصيد في محافظات اليمن الشمالية الغربية مثل الحديدة وحجة ومناطق الخوخة والمخاء وذباب وباب المندب.
وتشكل عائدات الصادرات السمكية مصدرا مهما لدخل اليمن من العملات الأجنبية، والقطاع السمكي من القطاعات الإنتاجية المهمة في اليمن إذ يحتل المركز الثاني في الناتج المحلي الإجمالي بعد النفط.
وتشير التقديرات والبيانات الرسمية إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية كان يبلغ سنويا حوالي 200 ألف طن قبل اندلاع الحرب الأهلية مطلع عام 2015، إذ كان يتم تصدير ما بين 40 إلى 50 بالمئة من هذا الإنتاج، وكان يدر عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار، غير أنه ومنذ اندلاع الحرب انخفض حجم الإنتاج للنصف نتيجة نزوح الصيادين والعاملين في القطاع السمكي.
وتقول السلطات اليمنية المعترف بها دوليا إنها تنسق في الآونة الأخيرة عبر وزارة الثروة السمكية مع قوات خفر السواحل لإنشاء غرفة عمليات مشتركة ووضع آلية عمل لضمان سلامة الصيادين في البحر الأحمر وخليج عدن وتنظيم دخول وخروج الصيادين أثناء رحلاتهم وتتبع تنقلاتهم بين المحافظات الساحلية بهدف حمايتهم وسبل حفظ الأمن والسلامة البحرية.
ويمتلك اليمن شريطا ساحليا يبلغ طوله أكثر من 2000 كيلومتر على امتداد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن غني بالأسماك والثروة البحرية.
* خوف وهلع
قال خالد الزرنوقي رئيس جمعية الصيادين في الخوخة لرويترز إن الآلاف من الصيادين بالخوخة توقفوا عن نشاط الصيد بسبب الخوف من القوات الأجنبية الموجودة في البحر.
وأضاف أن مخاوف الصيادين زادت بعد العثور أواخر الشهر الماضي على ثمانية صيادين من سكان الخوخة الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا غربي البلاد، وآثار طلقات رصاص على أجسادهم بعد أسبوع على انقطاع أخبارهم، وبعد أيام من إغراق البحرية الأمريكية ثلاثة زوارق تابعة للحوثيين.
وأكد أن التصعيد العسكري مؤخرا أثر كثيرا على أحوال الصيادين وأسرهم، خاصة أن سكان الخوخة أغلبهم يمارسون مهنة الصيد لإطعام أسرهم الجائعة.
ويبلغ عدد سكان الخوخة الواقعة على بعد 163 كيلومترا جنوب مدينة الحديدة قرابة 200 ألف نسمة، وتعد من أكثر المناطق الساحلية التي تأثرت بالتصعيد الجاري في البحر الأحمر لكن بدرجة أقل من مدينتي المخا المجاورة وميدي.
وقال سعيد علي التهامي (48 عاما) صياد السمك في مدينة الخوخة لرويترز إنه كان يخاطر بحياته “من أجل الصيد الذي اعتمد عليه في إطعام أسرتي” وسط الرياح الشديدة والأمواج العاتية لكن مع التصعيد العسكري وانتشار البوارج الحربية فضل عدم المغامرة بحياته ومعه كثير من زملائه.
وقال التهامي “نعاني من الجوع والعوز. نريد أن يتوقف هذا التصعيد غير المسبوق بالبحر لنعود لممارسة الصيد، مصدر رزقنا الوحيد. اليوم بالكاد يحصل الصياد على قوت يومه لإطعام أسرته، حيث نتحرك باستعجال في موازاة الساحل طولا بدلا من التوغل إلى العمق، لوقت محدود لصيد كميات صغيرة من السمك، ونعود إلى البيوت خوفا من الصواريخ”.
لكن الوضع يبدو أفضل قليلا في السواحل المطلة على خليج عدن إذ يقول الصياد رشيد عزار (45 عاما) في منطقة فقم غرب عدن لرويترز إن المخاطر التي يواجهها الصيادون في منطقة خليج عدن أقل بنسبة 50 بالمئة قياسا بما يعانيه الصيادون في البحر الأحمر.
وأضاف “أصبحنا لا نغامر في ركوب القوارب والتوغل في العمق في منطقة البحر الاحمر كما كان بالسابق لجلب أنواع محددة من الأسماك، فقد نعود إلى الشاطئ الذي ذهبنا منه أو تلتهمنا الصواريخ ونموت”.
ويمثل سمك التونة أبرز الأنواع التي تعتمد عليها غالبية الأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود كوجبة رئيسية نظرا لأنه أقل سعرا.
وقال عزار إن غالبية الصيادين كانوا يستخدمون هواتف الثريا المتصلة بالأقمار الصناعية لكن حاليا توقف الجميع عن استخدامها بسبب التقاط البوارج الحربية لأي اتصالات ومطاردة الصيادين وملاحقتهم أحيانا واستهدافهم.
ويلقي الحوثيون باللوم على الغارات الجوية الغربية في تردي الأوضاع إذ يحمل عزيز عطيني، مدير الموانئ والمراكز السمكية في منطقة البحر الأحمر في الحديدة التابعة للحوثيين لرويترز، التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية ما يتعرض له الصيادون من مخاطر بسبب البوارج والفرقاطات والقطع العسكرية التي توالت على المنطقة بحجة حماية حركة الملاحة الدولية.
ولفت عطيني إلى أن السفن والناقلات التجارية تتلقى تهديدات يومية من البحرية الأمريكية والبريطانية تحذر من المرور في البحر الأحمر.
وتعد الحديدة، إحدى أهم المدن اليمنية الحيوية حيث يوجد فيها ثلاثة موانئ، الحديدة والصليف ورأس عيسى، على سواحل البحر الأحمر، وتقع ضمن امتداد ميناء المخاء التاريخي، في الساحل الغربي اليمني، وقريبة من خطوط الملاحة الدولية، وتعد ثاني أكبر محافظة من حيث عدد السكان.
وتسيطر حركة الحوثي على مناطق شمال اليمن ذات الكثافة السكانية العالية بعد مرور نحو تسع سنوات على الحرب في مواجهة تحالف تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن البحر الأحمر صيادون الحوثي معاناة الولایات المتحدة فی البحر الأحمر فی الیمن فی منطقة
إقرأ أيضاً:
البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.
وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.
ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا
الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنةفي مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.
لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.
لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.
هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.
إعلانلكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.
بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفافيحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.
الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.
أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.
الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.
هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:
الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.
ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.
عدم الانحياز الذكي ورهان الداخلضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:
عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.
هذا المسار يعني:
تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.
بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:
توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.
فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.
الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسياما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.
إعلانهي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.
ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.
وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline