الصراع الأميركي الصيني.. ما تأثيره على الاستقرار في أنغولا؟
تاريخ النشر: 26th, February 2024 GMT
تعد أنغولا دولة غنية بالموارد الطبيعية، وباتت ساحة صراع بين الولايات المتحدة والصين، إذ تتخذ المنافسة أشكالا مختلفة من الاستثمار الاقتصادي إلى النفوذ السياسي والدعم العسكري للحركات المسلحة في البلاد.
والتنافس بين هاتين القوتين العالميتين، كان له تأثير عميق على الحرب الأهلية وأيضا على الاستقرار والتنمية في أنغولا.
سيكشف هذا التقرير ديناميكيات المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في أنغولا وآثارها على الوضع الراهن.
لقد خرجت البلاد من حرب أهلية طويلة ووحشية بدأت من 1975 وانتهت في عام 2002، وهي منذ ذلك الحين تسير على طريق التعافي والتنمية، رغم وجود حركات مسلحة نشطة إلى اليوم في إقليم كابيندا الغني بالموارد الطبيعية.
ومع ذلك، فإن إرث الصراع إلى جانب المنافسة العالمية على الموارد النادرة، جعل من أنغولا ساحة معركة بين الولايات المتحدة والصين.
أوجه التنافس الاقتصاديتعتبر أنغولا لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة العالمية، بسبب احتياطياتها النفطية الهائلة من خام النفط والذي يقدر بحوالي 9.1 مليارات برميل و11 تريليون قدم من الغاز الطبيعي ومعادن الألماس والذهب، ناهيك عن الموارد النادرة مثل الكوبالت والكولتان.
وتعد أنغولا ثاني أكبر وجهة استثمارية للصين في أفريقيا بعد نيجيريا، من خلال استثمارات وصلت إلى 60 مليار دولار.
كما أن الصين أكبر شريك تجاري لأنغولا منذ عام 2007. ففي عام 2019 صدّرت أنغولا بضائع بقيمة 16.8 مليار دولار إلى الصين، تتكون بشكل أساسي من النفط الخام (40% من إنتاج النفط الأنغولي) والألماس والمعادن النادرة الأخرى.
وفي المقابل، استوردت أنغولا بضائع بقيمة 1.7 مليار دولار من الصين، بما في ذلك الآلات والإلكترونيات والمنسوجات.
وحسب مبادرة الأبحاث الأفريقية الصينية "سي إيه آر آي" (CARI)، فإن الاستثمارات الصينية في أنغولا كبيرة أيضا، (حوالي 60 مليار دولار قروض المشاريع الصينية في أنغولا منذ 2000).
ووفقا لبيانات السفارة الصينية في أنغولا، ساهمت الشركات الصينية في ترميم أو بناء 2800 كيلومتر من السكك الحديدية، و20 ألف كيلومتر من الطرق، وأكثر من 100 ألف وحدة سكنية، وأكثر من 100 مدرسة، وأكثر من 50 مستشفى. كما أوضحت البيانات أن أكثر من 400 شركة صينية لها وجود في أنغولا.
وفي الجانب الثاني، تعتبر الولايات المتحدة أيضا لاعبا رئيسيا في اقتصاد أنغولا، وخاصة في قطاع النفط. ففي عام 2019، صدرت أنغولا بضائع بقيمة 9.3 مليارات دولار إلى الولايات المتحدة، تتكون بشكل أساسي من النفط الخام.
كذلك، تعتبر الولايات المتحدة مستثمرا مهما في أنغولا في مشاريع التنقيب عن النفط، والاتصالات، والمعدات العسكرية، والتدريب والبنية التحتية.
ففي مشروع "لوبيتو" للسكة الحديدية، رفضت أنغولا عرضا تقدمت به بكين وقبلت بعرض واشنطن وأوروبا للمشاركة في بناء ممر للسكك الحديدية بقيمة 250 مليون دولار من شأنه أن ينقل المعادن النادرة من أنغولا والكونغو وزامبيا إلى الخارج.
كما التزم بنك التصدير والاستيراد الأميركي بتقديم قرض لأنغولا بقيمة 900 مليون دولار لمشروع مصاحب لخط السكك الحديدية، وهو عبارة عن مشروع ألواح شمسية أميركية الصنع على طول خط السكك الحديدية، وهذا هو أكبر استثمار للبنك في هذا المجال في أفريقيا.
ووقعت حكومة أنغولا مذكرة تفاهم مع اتحاد سكك حديد من ولاية تكساس الأميركية لتطوير طريق قطار يمر عبر شمال البلاد إلى الكونغو، وقدرت وزارة النقل الأنغولية تكلفته بحوالي 4.5 مليارات دولار.
وخلال زيارة الرئيس الأنغولي جواو لورانس إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن باستثمار ملياري دولار في أنغولا.
وتتنافس الولايات المتحدة والصين أيضا على النفوذ السياسي في أنغولا، فقد دعمت الولايات المتحدة تاريخيا حكومة أنغولا، في حين ركزت الصين بشكل أكبر على بناء العلاقات مع جماعات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
وقد أدت هذه المنافسة إلى تبني مقاربة توازن دقيق بالنسبة للحكومة الأنغولية، حيث تسعى إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع كلتا القوتين.
وفي الآونة الأخيرة، استقبلت أنغولا وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين أنتوني بلينكن ولويد أوستن.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، شهدت بكين توقيع وزير التجارة الصيني ووزير الخارجية الأنغولي اتفاقية لحماية الاستثمارات بين الدولتين.
واعتبرت الاتفاقية مؤشرا على تخوف الصين من تنامي النفوذ الأميركي في أنغولا، مما قد يفقدها منطقة نفوذ تاريخية وإستراتيجية مهمة في مشروع الصين الإستراتيجي "الحزام والطريق".
وتعتبر أنغولا أحد العناصر المهمة في المشروع من حيث الموقع البحري لموقعها الإستراتيجي على المحيط الأطلسي، والبري من حيث كونها ممرا للبضائع الصينية عبر سكك الحديد التي أنشأتها الصين نحو أفريقيا، وهي طريق للموارد النادرة من حزام الكوبالت والكولتان في زامبيا والكونغو الديمقراطية.
أطراف دعمتها أميركا تاريخيا الحركة الشعبية لتحرير أنغولا "إم بي إل إيه" (MPLA)، وهي الحزب الحاكم في أنغولا، وقد حظيت تاريخيا بدعم الولايات المتحدة.وكانت الحركة الشعبية لتحرير أنغولا هي الحزب الرائد في الحرب ضد الحكم الاستعماري البرتغالي، ترأسها أمينها العام فيرياتو دا كروز مع قيادات حركات مسلحة أخرى، وهي في السلطة منذ الاستقلال في عام 1975. والرئيس الأنغولي الحالي جواو لورانس ينتمي لهذه الحركة.
الاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا "يو إن آي تي إيه" (UNITA)، وهو حركة أنشأها جوناس سافيمبي عام 1966. كانت يونيتا حركة متمردة قاتلت ضد الاستعمار البرتغالي وضد حكومة الحركة الشعبية لتحرير أنغولا خلال الحرب الأهلية الأنغولية (1975-2002). وقد قدمت الولايات المتحدة الدعم ليونيتا خلال الحرب الباردة، معتبرة إياها قوة مناهضة للشيوعية. أطراف دعمتها الصين تاريخيا الجبهة الوطنية لتحرير أنغولا "إف إن إل إيه" FNLA. أنشأها هولدن روبرتو، وكانت إحدى الحركات القومية الثلاث الرئيسية التي تقاتل ضد الحكم الاستعماري البرتغالي في أنغولا.وقد تلقت الدعم من الصين خلال فترة الحرب الباردة. ومع ذلك، تضاءل نفوذ الجبهة الوطنية لتحرير أنغولا بمرور الوقت، ولم تعد قوة سياسية مهمة في أنغولا. جبهة تحرير جيب كابيندا "إف إل إي سي" (FLEC)، أنشأها رودريغو منغاز، وهي حركة انفصالية نشطة، وإلى اليوم تقاتل الحكومة المركزية في لواندا من أجل تحرير إقليم كابيندا الغني بالنفط، الذي ينتج 65% من نفط أنغولا، خاصة أن موقع الإقليم يقع بين جمهورية الكونغو-برازافيل والكونغو الديمقراطية بعيدا عن عمق الأراضي الأنغولية، وتعتبر تهديدا دائما للحكومة المركزية في لواندا عاصمة أنغولا. آليات الضغوط والقروض
كان وما زال للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين تأثير كبير على استقرار أنغولا.
وقد أدى تدفق الاستثمارات الصينية إلى نمو اقتصادي سريع، ولكنه أثار أيضا المخاوف بشأن قروض الصين لدى أنغولا، والتي تقدر بأكثر من 60 مليار دولار منذ عام 1983، والفساد والتدهور البيئي المصاحب للمشاريع التي تنفذها الشركات الصينية.
وفي الوقت نفسه، كانت الولايات المتحدة تضغط من أجل إجراء إصلاحات سياسية، وذلك عبر ملفات متعلقة بالفساد وحقوق الإنسان، الأمر الذي أدى إلى توترات مع الحكومات الأنغولية المتعاقبة.
ومن الواضح أن الصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة في أنغولا هو صراع مصالح على موارد أنغولا وموقعها الإستراتيجي الواقع على شريط الموارد النادرة الذي يضم إلى جانبها الكونغو الديمقراطية وزامبيا.
وهذه الموارد تعتبر شريان التقنيات المتقدمة المدنية والعسكرية، وهي تشكل مستقبل العالم التقني، ولذلك تسعى القوتان العظيمتان إلى السيطرة على هذه المنطقة خاصة أنغولا المتميزة بموقعها الإستراتيجي المطل على المحيط الأطلسي، وباستقرارها السياسي وقوتها الاقتصادية، مقارنة بجيرانها.
التوازن في إدارة الصراعوللمضي قدما في الاستقرار والتنمية والتطور والنهضة سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة لحكومة أنغولا أن تحقق التوازن في علاقاتها بين هاتين القوتين العالميتين لضمان استدامة تنميتها الشاملة، مع الاهتمام أيضا بتنوع المستثمرين الأجانب وتكوين علاقاتها السياسية مع قوى أخرى لديها مصالح مشتركة مع أنغولا خاصة في العالم العربي الذي بدأ التوجه نحو أفريقيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بین الولایات المتحدة والصین ملیار دولار الصینیة فی فی أنغولا فی عام
إقرأ أيضاً:
ترامب يدفع ثمن حربه التجارية مع الصين.. هكذا يحاول تقليل الأضرار
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا يناقش التناقض بين وعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحفيز الاقتصاد من خلال فرض تعريفات جمركية عالية وبين النتائج العملية التي تسببت في أضرار اقتصادية تطلبت تدخلاً حكوميًا لاحتوائها.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب أعلن قلب التجارة العالمية في نيسان/ أبريل الماضي عندما أعلن عن فرض رسوم جمركية فيما يُعرف بـ"يوم التحرير"، متعهدًا بعودة المصانع والوظائف إلى الداخل الأمريكي وخفض الأسعار بالنسبة للأمريكيين عبر فتح الأسواق الخارجية. لكن الأمور لم تسر على هذا النحو، ما اضطره إلى التحرك لمعالجة الأضرار الاقتصادية والسياسية.
ويوم الإثنين الماضي، أعلن ترامب عن حزمة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار للمزارعين الأمريكيين المتضررين من سياساته التجارية، فيما تواصل الرسوم الجمركية في الضغط على الأسعار وتزيد القلق الشعبي بشأن تكاليف المعيشة، وأشارت الصحيفة إلى أن الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد عالمي والمنافس الرئيسي للولايات المتحدة، أكدت استمرار تحقيق فائض تجاري قياسي عالميًا رغم تراجع فائضها مع واشنطن، ما يعكس قدرتها على التكيف مع القيود الأمريكية. وفي المقابل، لم تظهر أدلة على عودة واسعة لوظائف التصنيع التي فُقدت بفعل عقود من العولمة والأتمتة.
ويصر ترامب على أن قراره بفرض أعلى رسوم منذ عام 1930 سيؤتي ثماره، ويلقي باللوم على سلفه جو بايدن في كل أزمة اقتصادية، رغم ضعف حجته مع اقتراب مرور سنة على توليه الحكم؛ ويستمر في رفض أي حديث عن ارتفاع الأسعار في متاجر البقالة، مصرًا على أنها على وشك الانخفاض، لكن التضخم ارتفع في أيلول/ سبتمبر إلى 3 بالمائة، فيما واصلت وظائف التصنيع التراجع بخسارة نحو 50 ألف وظيفة منذ بداية السنة.
وأفادت الصحيفة بأن ترامب يحاول تصوير حزمة المزارعين كدليل على النجاح، ووعد مؤخرًا باستخدام إيرادات الرسوم لمنح شيك حكومي بقيمة 2000 دولار لكل دافع ضرائب (باستثناء ذوي الدخل المرتفع)، بل وتحدث عن إلغاء ضريبة الدخل مستقبلًا.
ووفق الصحيفة فإن الأرقام لا تتماشى مع هذه التصريحات؛ فقد بلغ دخل الرسوم 250 مليار دولار هذه السنة مقابل 2.66 تريليون من ضرائب الدخل الفيدرالية. كما وعد بأن عائدات الرسوم الجمركية ستسدد الدين الوطني البالغ 38.45 تريليون دولار، وبتخفيض أسعار بعض الأدوية بنسبة "1500 بالمائة"، وهو ما أثار استغراب المشرعين.
وأكد ترامب أيضًا أنه يستخدم جزءًا من عائدات الرسوم كـ"دفعة مرحلية" لدعم المزارعين حتى تستأنف الصين شراء منتجاتهم، وهو التزام قال إنه انتزعه من الرئيس شي جين بينغ. لكنه تجاهل أن الرسوم أدت إلى مقاطعة صينية للسلع الزراعية الأمريكية، ما اضطره لتعويض المزارعين عبر برنامج وزارة الزراعة، ويبدو أن تكرار استخدام كلمة "مرحلية" من قبل الرئيس ومساعديه الاقتصاديين البارزين كان يهدف إلى إرسال رسالة إلى الأمريكيين مفادها أنه عليهم فقط الصبر، وأن الفوائد الموعودة من خطة التعريفات الجمركية ستؤتي ثمارها.
وأضافت الصحيفة أن ترامب اتهم إدارة بايدن بأنها "كرهت المزارعين"، مؤكدًا أنه "يحبهم"، مشددًا أن مشتريات فول الصويا تأتي أولًا في محادثاته مع شي. لكن اقتصاديين يرون أن أزمة المزارعين تعكس الضغط الأوسع الناتج عن الرسوم، ونقلت الصحيفة عن سكوت لينسيكوم، مدير قسم الاقتصاد العام في معهد كاتو، وهو مركز أبحاث ليبرالي معارض لسياسات ترامب الرامية إلى إرساء نظام رأسمالي توجيهي، قوله إن مشكلة المزارعين ليست من صنع الحكومة بالكامل، ولكن جزءًا كبيرًا منها يتعلق بالسياسة التجارية.
وأكد لينسيكوم أن انخفاض الأسعار يرجع إلى مقاطعة الصينيين للمنتجات الزراعية الأمريكية معظم السنة، فيما بقيت تكاليف الأسمدة والآلات مرتفعة وخاضعة للرسوم الجمركية. وهو ما أدى إلى شكوى من شركتي "كاتربيلر" و"جون دير"، وهما اثنتان من أكبر مصنعي المعدات الزراعية، وأعلن ترامب أنه سيلغي بعض المتطلبات البيئية للآلات لتبسيطها مقابل خفض أسعارها، فيما وصف لينسيكوم الرسوم بأنها خلقت "تعقيدًا غير مسبوق ومعيقًا" للأعمال، خاصة مع تخفيضه بعض الرسوم مثل لحوم البقر لتخفيف أسعار المتاجر.
وختم الموقع بأن المناورات السياسية أصبحت سمة عامة لإدارة ترامب؛ فهو يتحدث أسبوعًا عن قروض عقارية لخمسين عامًا، وفي أسبوع آخر يرفع الرسوم عن القهوة، ثم يعلن عن السماح بتصدير الرقائق إلى الصين مقابل حصة 25 بالمائة من العائدات. لكن إصلاح كل ذلك سيستغرق وقتًا، وهذا ما أكده نائب الرئيس جي دي فانس قائلًا إن إصلاح كل المشكلات خلال عشرة أشهر أمر غير واقعي.