صدى البلد:
2025-12-05@05:21:13 GMT

مي حمدي تكتب: كل الخير

تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT

من الناس من ينعم بطيب العيش، أو على الأقل الحد الأدنى منه، ومع ذلك يرتدي دائما عبوساً ثقيل على النفس، غير مستساغ. فإذا سألته عن أحواله أطرق برأسه وأطلق تنهيدة حارة قبل أن يجيبك بأسى. ولا أتحدث إطلاقا عن حالة عابرة، أو أمر طاريء، فكلنا قد يمر بهذه الفترات، ولكني أتحدث عن أناس – عافانا الله – شكائين بكائين، حتى وهم في أسعد أوقات حياتهم.

فإذا مر بهم حدث سعيد، أوجدوا فيه "القطط الفاطسة" كي لا يضيعوا على أنفسهم فرصة الاستمتاع بالشكوى وتجسيد دور الضحية.

ولا أقصد أبدا إطلاق الأحكام، فالله أعلم بحال الجميع، وما قد يعانونه،  ولكن ما أريد  تسليط الضوء عليه هو نوع آخر من الأشخاص، الذين تعرف عن حياتهم ما تنوء بحمله العصبة أولو القوة، ومع ذلك يستقبلونك بابتسامة مبهجة مجيبين عن سؤالك عنهم بأنهم في "زحام من النعم"، أو في "بحر من النعم"، وهو تعبير جميل ينم عن رضا وحمد محببين إلى الله وإلى النفس. وقد علمنا سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله خير، وذلك في قوله: ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) .

يتحدث هؤلاء، فيأتي صوتهم محملاً بأزهار وفراشات، ما أن تسمعه قادماً من بعيد حتى تبتهج . فهم يثيرون التفاؤول والطاقة الإيجابية في المكان، يمنحون الابتسامات ولو خفي في قلوبهم ما خفي من الهموم. يتحدثون برضا، ويمنحون الأمل. هؤلاء الاشخاص في حد ذاتهم هم نعمة من نعم الله علينا، وهم واحة نستظل فيها  من متاعب الحياة لنتمكن من مواصلة السعي.

ومن الناس من يحمل في صدره ودا وفي لسانه ورداً، يتمتع بسلامة الصدر، فلا يستنكف أن يقول عن الجميل أنه جميل، وأن يذكر للمجتهد أنه مجتهد، وللمتميز أنه متميز، يفرح بوصول الأقران، ويصفق لنجاح الآخرين. يرى ما بداخل الناس من جمال، ويمكنه أن يغض الطرف عن عيوبهم التي يمكن أن تمر أو تُحتمل.  هؤلاء الناس، تشي نظرتهم للآخرين وحديثهم عنهم بجمال روحهم.  وهم ينشغلون بحالهم، فلا يعطلهم مراقبة حال الآخرين، ويعملون على تطوير  وتحسين أنفسهم، فلا يعنيهم الفرح في عثرات غيرهم، أو البكاء على اللبن المسكوب، أوتهويل الأمور وتقليب الهموم.  

ويحدثنا عالم النفس ومؤسس العلاج المعرفي السلوكي "ألبرت أليس" عن مجموعة قناعات غير منطقية وأفكار غير عقلانية، لا تتماشى مع الواقع، وقد تعيق تحقيق الأهداف، وتؤدي إلى الاضطرابات النفسية ، ولها مؤشران رئيسيان وهما: "المبالغة" أو "الكارثية"  في استقبال الصدمات ، و"الوجوب" بما يعني أن الأمور يجب أن تسير كما يريد الشخص بشكل مطلق. تتضمن تلك الأفكار أن الحياة لابد وأن تكون سهلة طول الوقت بدون أي نوع من عدم الراحة، وجميع الناس لابد أن يتصرفوا كيفما يراه الشخص صحيحا وإلا فإنهم سيئون ويستحقون العقاب ، وأن تعاسة الشخص تتعلق بالظروف الخارجية، ولا يستطيع تغيير شخصيته أو رد فعله. وعلم النفس يقول أن الحدث يتسبب فقط في نسبة قليلة من التأثير، أما النسبة الأكبر فتعتمد على رد فعل الشخص نفسه وكيفية استقباله للأمر.

ولا أدعي  المثالية أو "الآلية"، فأنا أحزن، وأغضب، وأقوم، وأسقط، وأرمم نفسي وروحي من جديد، ولكني أحاول دائما، وأجتهد لرؤية الجزء الإيجابي لأي حدث، ولعدم الاستسلام لأي شعور سلبي لفترة طويلة.  وأنا من الشخصيات التي تنزعج للأسف من المفاجآت أو التغيرات المفاجأة، ولكن ما يسعدني هو إدراكي لهذا الأمر، والعمل على محاولة تغييره، إلى جانب التسامح مع نفسي بقبول بعض الضيق، أو منح نفسي بعض الوقت حتى أتأقلم مع حدث مفاجيء، أو حتى يمر أمر مزعج،  بيقين من أن الله سيجعل كل شيء على ما يرام.

باختصار، لا يوجد إنسان لا يعاني، أو ليس لديه مشكلات، أو يعيش حياة مثالية باستمرار، أو يرتاح مع جميع الأشخاص في محيطه، وإنما لكل منا تحدياته وعقباته وعثراته.  فإذا عرفنا أن الدنيا دار ابتلاء وسعي واختبار، وأن النعيم الدائم الكامل في الجنة – رزقنا الله إياها -  وليس في الدنيا، لتعاملنا مع المشكلات بشكل مقبول لا مبالغة فيه، مدركين أن الرضا والتسليم لأمر الله وحمده وشكره، هو الخير، و كل الخير.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

لا تقلق... سيأخذ الله حقك ممن أوجعك

ظلم الناس واستغلال حاجتهم، والتضييق عليهم"، ثلاثية الألم التي لا يعرف حجم قوتها إلا من ذاق مرارتها، رغم أنها من الأمور التي نهى الله عز وجل عن فعلها، وأعدَّ لفاعلها عذابًا عظيمًا.

وتظهر مثل هذه الأشياء وسط كل التفاعلات اليومية وسياق الأحداث المتتالية؛ لتكتب بمداد الألم بعض النهايات الحزينة على جدران ذاكرة البشر التي تهطل بفيض من الذكريات القديمة والحديثة.

إننا وسط ما نراه يوميًا من فقد ورحيل مفاجئ، نسأل أنفسنا: أما آن للقلوب القاسية أن ترجع إلى الله، وتُصلِح ما قدَّمت يداها من ضرر، وهدمت بقوتها صروح البناء متخذة أنيابًا مسمومة تنفث سمومها القاسية في أجساد الضعفاء؛ ليشيع جوًّا من القطيعة والفرقة ما بينها وبين الآخرين.

لقد وقفتُ يومًا على مقولة عظيمة بكل ما تحمل من عمق إنساني ولغوي، وحتمِيًّا لم أرَ مثلها توصيفًا لحال الواقع الذي يحدث يوميًا في الحياة، فالمقولة تقول: "سُئل مظلوم: هل ستسامح من ظلمك؟ فقال: سأنتظر ليوم موته، وسأذهب أصلّي عليه، وأقول: يا رب إنَّ فلانًا ضيفُكَ اليوم.. فخُذْ حقي منه".

يا الله! ما أقساه من انتظار يتبعه حدث جلل! وسألتُ نفسي كثيرًا: ما الذي جعل هذا القلب يقسو ولا يسامح؟ وما الذي جعل الناس تختصم بعضها البعض وتبث شكواها إلى الله ولا تسامح أبدًا؟

بعد بحث عميق في الذات، وجدتُ جوابًا أقنعني بما أسلفتُ ذكره، وتجلى لي بوضوح تام عندما شعرتُ يومًا بالظلم من الآخرين، وأدركتُ بأن سوء العمل هو ما يقودنا إلى عدم مسامحة المعتدين علينا، بل نكون ضمن قائمة المنتظرين للقصاص العادل، سواء في الأرض أو عند رب السماء.

دائمًا نحذّر من حولنا بمراجعة أمورهم في الحياة، والنظر إلى كل من وقع عليهم ظلمنا قبل رحيلهم من الدنيا؛ فليس كل العباد تُسامح الظالم على ظلمه، بل يبقى الذنب معلَّقًا في رقاب المخطئين إلى يوم الدين.

أما يكفي أن نتمعّن ما قاله الحسن البصري: "أشد الناس صراخًا يوم القيامة، رجل رُزق بمنصب فاستعان به على ظلم الناس"؟ وهذا مصداقًا لقوله تعالى في سورة الزلزلة: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"، إذن الجزاء من جنس العمل.

نستسهل أشياء كثيرة في هذه الدنيا الفانية: "نظلم، ونتكبر، ونفاخر، ونفعل ما لا يفعله الكفار أحيانًا، ونعتقد بأن الأمور جدًّا عادية، والمسامح كريم". لكن الظلم ظلام يوم القيامة، والبعض يفسّر أخطاءه ضد الآخرين قائلًا: "قدرهم في الحياة". كلا والله! ليس قدرهم أن يُنزَع من قلبك الرحمة والشفقة، وتَسلك طريق الضلالة، ثم تكابر على الله وتدّعي بأنه القدر.

ويستوقفنا هنا قول خالد في كتب التاريخ، للشاعر الفارسي شمس الدين التبريزي الخالدة، عندما يقول: "العالَم مرآة، فما تراه فيه انعكاس لما بداخلك. إن حملتَ الحبّ رأيتَ جمالًا في كل شيء، وإن حملتَ الكره رأيتَ قبحًا في كل وجه".

إننا أصبحنا لا نوزن الأمور ولا نتفكّر أو نستوعب الواقع ونتعلم من الدروس التي تمر علينا كل يوم، لكن كل ما يهمّنا هو "إرضاء أنفسنا وإشباع رغباتنا وتحقيق أكبر قدر من السعادة لأنفسنا فقط"، وننسى بأن ثمة حسابًا ينتظرنا في نهاية المطاف. وهذا ما قاله الله تعالى في كتابه العزيز: "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ". وصدق من قال: "لو أيقن الظالم أنَّ للمظلوم ربًّا يدافع عنه لما ظلمه، فلا يظلم الظالم إلا وهو منكر لربه".

إذن، أيُّ عذاب ومصير هذا الذي ينتظرنا بعد أن ضللنا الطريق، وسلكنا مسلك الشيطان؟ لقد غَرَّتْنا الحياة الدنيا وما فيها من متاع، رغم أن الله تعالى قال في سورة الكهف: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".

وأخيرًا، فليطمئن المظلوم، فالله قادر على كل شيء. وهذا اقتباس مما قيل منذ زمن طويل من أحد الحكماء: "لا تقلق، سيأخذ الله حقك من الذي أوجعك دون جهد منك، فالحياة تدور، وسيصاب كل ظالم بما ظلم. فلا تحزن، وثق بأن الأيام ستكشف الحقيقة، وسيفضح الله من تظاهر بالبراءة وهو سبب الأذى".

مقالات مشابهة

  • فضل صلاة القيام وأهميتها في حياة المسلم وأثرها العظيم في تهذيب النفس وتقوية الإيمان
  • أذكار المساء.. سلاح المسلم لحماية نفسه وتهذيب النفس وروحانيته
  • نص خطبة الجمعة الثانية غدًا 5 ديسمبر
  • لا تقلق... سيأخذ الله حقك ممن أوجعك
  • جريمة مروعة في معاصر الشوف والبلدية تناشد الى ضبط النفس
  • علي جمعة: تهذيب النفس يبدأ من ظاهر السلوك حتى يرقّ القلب
  • دعاء الصباح النبوي.. سنة تمنحك البركة وتفتح لك أبواب الخير
  • تعرف علي صفاء القلب والروح وطريق الوصول الى الله
  • هل التصوف علاج روحي يعيد للانسان كرامته الداخلية
  • تحفظك وتدفع عنك الضرر| أدعية تحصين النفس من العين والحسد