الحوقلة.. كنز من الجنة وحسن التوكل على الله
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن أساس العلاقة بين الإنسان وبين الله: لا حول ولا قوة إلا بالله، التي تفيد حسن التوكل على الله، وأن تؤمن أنه لا يكون في كونه إلا ما أراد، فيحدث لك التسليم بأمر الله، سواء أكان أمرًا كونيًّا، فلا تهتز أمام المصائب والبلايا، أو أمرًا شرعيًّا، فلا بد عليك أن تطيع ربك، وأن ترضيه، وأن تعود إليه.
وأشار في بيانه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، إلى أننا إذا ظللنا على ما نحن عليه من غير تغيير، فإن الله لا يغير ما بنا، بل إنه سبحانه وتعالى يقول {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، فلا بد أن نستجيب لرسول الله ﷺ ، وأن نتخذ منهاجه في التغيير، من حالٍ إلى حال؛ حتى نصلح أحوالنا، فينظر الله إلينا بنظر الرحمة، ويعيننا على أن نبدل حالنا إلى أحسن حال، ولا بد على المسلم أن يدرك مناهج التغيير، وليس إلى منهج واحد، والنبي ﷺ في التغيير يقول: «ابدأ بنفسك ثم بِمَنْ تعول»، ومجمل ما في السنة: ابدأ بنفسك، ثم بِمَنْ يليك، فلا بد أن تبدأ بنفسك، ثم لا تَنْسَ عائلتك وأسرتك، وهذا يجعل التربية والتعليم أساس التغيير، لابد علينا من الاهتمام بالتربية والتعليم، فكل شيء في حياتنا لا يتم تغييره، إلا من خلال التربية والتعليم.
وأوضح: غَيِّر العلاقة بينك وبين الله، على أساس: لا حول ولا قوة إلا بالله، التي تؤدي بك إلى التوكل، فالتسليم، فالرضا عن الله سبحانه وتعالى، {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}، فحينئذ ينظر إليك الله؛ بنظر التأييد، والمعونة، والعطاء، الله خلقك، وهو يحبك ويرحمك، وأرسل لك رحمة للعالمين، فالعلاقة بينك وبينه ليست مخيفة، بل هي مضيئة، منيرة، جميلة، الرهبة من الله من خلال حبه، وتعظيمه سبحانه وتعالى، فكن حيث ما أمرك الله.
وأكمل علي جمعة: العلاقة بينك وبين الله تحتاج إلى تغيير؛ لأن الإنسان ينسى، والذكر يجعلك قريبًا من الله، مستوعبًا لمعنى: لا حول ولا قوة إلا بالله، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، مردفا: نعم أمرنا بالذكر وبالتذكير، «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله»؛ حتى تتذكر أنه: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن الأمر ليس بيدك، ولا من علمك وقدرتك، افعل وتوكل على الله، سترى نفسك تنسى بعض هذا، فَذَكِّرها وتوكل على الله، ودائمًا قُلْ: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن رسول الله ﷺ يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله من كنوز العرش».
ولفت إلى معنى العرش قائلاً: أتدري ما العرش؟ إنه أكبر كائن خلقه الله، إن السماوات السبع على اتساعها، كحلقة في صحراء كبيرة، بالنسبة إلى العرش، العرش تخيل أنه أعظم مخلوق حجمًا وقيمةً، فيه كنز، فإذا فتحت هذا الكنز وجدته: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وأوضح: بهذه الكلمة نستطيع أن نملك الدنيا، أن نملك حياتنا، أن نعرف كيف نسير؛ بلا متاهة، لا حول ولا قوة إلا بالله، ليست كلمات ترص بجوار بعضها البعض، بل هي منهج حياة، ومنهج تغيير، فهيا بنا نُغَيِّرُ، ما بيننا وبين الله، على حد: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وتابع: هناك منهج بينك وبين الخلق، هذا المنهج مبني على العفو والصفح، {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}، أمر في غاية الصعوبة، يحتاج إلى صبر، وإلى تجرع مرارة، كيف تعفو عَمَنْ آذاك، وكيف تعفو عَمَنْ اعتدى عليك، وكيف تتجاوز مَنْ وقف بلا مبرر، يشتمك ويسبك، وكيف لو أنه كان على الباطل، وأنت على الحق، وعلى الرغم من ذلك، فإن العفو والصفح، هو منهج النبيين والصديقين، والعفو والصفح، هو الذي ينبغي أن نتقدم به بيننا وبين الناس، وهو أمر عظيم يوقعنا في نزاع مع أنفسنا، ولكن في النهاية: الأمر لله ولرسوله، وكلام الله ورسوله على أعناقنا، وفوق رءوسنا.
وأكد علي جمعة أن العلاقة بينك وبين الخلق، يجب أن تبنى على الصفح، والعفو، والمغفرة؛ لأننا نحب أن يعفو الله عنا، وأن يغفر الله لنا، وأن يوفقنا، وأن ندخل في محل نظره سبحانه وتعالى، والعلاقة بينك وبين نفسك، مبناها ذكر الله، والنبي ﷺ يقول: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله».
وأبان لا حول ولا قوة إلا بالله، والعفو والصفح، والاشتغال بالذكر، إن لم تكن مشتغلًا به، وإن كنت مشتغلًا فَدُمْ عليه، واستمر فيه، فإن الناس قد نسيت ذكر الله، ونسيت العفو والصفح، ونسيت لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا فعلنا ذلك، وشعرنا بأن الله يقف معنا، ازداد إيماننا به، وازداد تعلقنا به، جل جلاله، وإذا رأى الله منا ذلك ازداد في التوسعة علينا، في حل أزماتنا، في أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، في أن يمر بنا بسلام، من كل ضيق.
وشدد عضو هيئة كبار العلماء أنه إذا فعلنا ذلك، سنشعر بأننا خرجنا من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن نزاعها ونكدها وقدرها، إلى وسيع رحمة الله سبحانه وتعالى، فعلقوا قلوبكم بربكم، وأخلصوا دينكم له، تجدوا الدنيا أهون من جناح بعوضة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: لا حول ولا قوة إلا بالله ذكر الله لا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه وتعالى وبین الله على الله ن الله
إقرأ أيضاً:
مباهاة
كان أحد مساجد تريم قبل ثمانين أو تسعين سنة بحاجة إلى توسعة وترميم. فقيل للناظر: إن بعض الناس قد يتبرعون ولكن رياء. فقال ناظر المسجد: هات لي متبرعًا يتكفل بترميم وتوسعة المسجد، وأنا مستعد للصعود إلى أعلى منارة في تريم، وأعلن على الملأ أن فلانًا بن فلان قد تبرع لمسجدنا بكذا وكذا. وكأنه يقول خلّوا الوسوسة جانبًا؛ فكل إنسان يعلم ما بينه وبين الله. وحسب علمي؛ فإن المشروع قام على نفقة المحسنين سواء رياء أو مباهاة أو إخلاصًا لوجه الله.
وفي جدة، أنفق الشيخ صالح كامل رجل الأعمال المكي المعروف- رحمه الله- أربعين مليون ريال في سبيل الله. ولا أذكر كيفية التصرف به، لكنه كان في الخير. ولم يسلم من الزعم أن هذا المبلغ هو عبارة عن فوائد ربوية أراد أن يتخلص منها. ومن المعلوم أن صالح كان يكره الربا، ويحاول أن يجتنبه بكل سبيل؛ رغبة في طهارة ماله وأيضًا حسب ما قرأت أن أمه أو جدته نصحته أن يتجنب المال المشبوه. وبعد أن كتبت أكثر من ثلث المقالة طالعت عشوائيًا في اليوتيوب؛ وإذا بصالح كامل- رحمه الله- يحكي الحكاية. قال: إن جدته كانت تحبه جدًا، وقال إنه كان يستمع هو وأخوه حسن إلى الحكايات التي تقصها عليهما. وقال مازحًا: ما كان عندنا تلفزيون، وكانت جدتي هي التلفزيون حقنا. ثم بعد وفاتها رأتها أمه في المنام. وقصت الرؤية لابنها صالح، وفيه أن ماسورة ماء كانت تصب في بركة، وقالت الجدة لابنتها: قولي لصالح إن الماسورة مخرومة، وإذا أراد أن تمتلئ البركة، فعليه أن يسد الخرم أولًا. قال وجاءنا الشيخ محمد متولي الشعراوي فاشتكت إليه والدته، فقال لصالح: أنا أدلك على طريقة تكسب بها مالًا حلالًا. ومن أراد تمام القصة فعليه بالتجول في اليوتيوب فقد ينفتح له ما انفتح لي.
ولم يذكر الصالح قصة الأربعين مليون ريال التي تبرع بها. لكني كنت أعمل قبل 45 سنة في إحدى شركاته- رحمه الله- وجاءني الخبر من زملائنا في العمل.
صحيح إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، لكن لا نوسوس إلا في مال جاء من حق أيتام أو من حق نساء ورثن تركة؛ فاستولى عليها الذكور وحرموهن من حقهن. أو من مال أخذته بالباطل. أما الامتناع عن التبرع خوفًا من الرياء فهو من قلة التوفيق. قال الفضيل بن عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
ومن قال لك: إن تبرعك مباهاة؛ فقل له إن المباهاة الحقيقية يوم أتسلم كتابي يوم الدين باليمين.