جريدة الرؤية العمانية:
2025-12-13@00:43:53 GMT

الحرب الهجينة

تاريخ النشر: 2nd, March 2024 GMT

الحرب الهجينة

 

الطليعة الشحرية

سقط العالم في معمعة حرب هجينة لا مركزية بها، وتمتد عبر قارات العالم، وتشتعل في الشرق الأوسط، ترمي أمريكا بثقلها السياسي والعسكري وحملات التضليل الإعلامي بدعمها للكيان اللقيط إسرائيل.

وفي الحقيقة هي حرب عن بعد مع روسيا والصين وإيران، إنها حرب غير تقليدية، ليس بها مواجهات مباشرة؛ بل يستخدم بها كيانات وأنظمة وظيفية ومهمتها ترقيع تجميلي لقبح الواقع المذل.

وفي المقابل أقدم طيار أمريكي على إحراق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في بلاده احتجاجاً على المذابح التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة. حظي الطيار بتعاطف غير مسبوق ويُحيي بالذاكرة المنسية حادثة الشاب التونسي "طارق البوعزيزي" والذي أضرم النار في نفسه احتجاجاً على الظلم. آرون بوشنل هو "البوعزيزي الأمريكي" ومُفجر الربيع الغربي القادم. ولن يُرقع أو يمحي إنزال العار من الذاكرة الشعبية العربية منظر الجياع وهم يلهثون لالتقاط الوجبات الهابطة من السماء والتي بالكاد تكفي شخصا واحدا ليفتك بهم طيران العدو المحتل.

ما يحدث لن يُخفي المؤامرات التي تحاك وتمهد لها شركات عابرة للقارات تستحوذ وتتملك أراضي وموانئ استراتيجية تحت غطاء استثماري، بذات المنهجية التي دأبت عليها شركة الهند الشرقية بقطبيها الإنجليزية والهولندية لتوطين الاستعمار والتمهيد له ووصولها إلى القبضة الحديدية على الاقتصاد.

وتأسست شركة الهند الشرقية الإنجليزية التي أصبحت فيما بعد شركة الهند الشرقية البريطانية، في عام 1600 كشركة تجارية. مع جيش خاص ضخم ودعم من الحكومة البريطانية، نهبت شركة الهند الشرقية شبه القارة الهندية منذ عام 1757. كانت شركة الهند الشرقية هي الوسيلة التي نفّذت بها بريطانيا سياساتها الإمبريالية في آسيا، وحققت الملايين من خلال تجارتها العالمية في التوابل، والشاي، والمنسوجات، والأفيون. وقد تعرضت لانتقادات بسبب احتكاراتها، وشروطها التجارية القاسية، وفسادها، والضرر الذي ألحقته بتجارة الصوف. وأخيرًا وليس آخرًا، جرفت شركة الهند الشرقية الحكام الذين وقفوا في طريقها، واختلست الموارد بلا هوادة، وقمعت الممارسات الثقافية للشعوب التي تعيش داخل أراضيها الشاسعة. باختصار، كانت شركة الهند الشرقية "رأس الحربة الحادة للإمبراطورية البريطانية".

شركة الهند الشرقية أكبر بكثير من مجرد شركة تجارية، فهي دولة داخل دولة، وحتى إمبراطورية داخل إمبراطورية، وواحدة لا تخضع للمساءلة أمام أحد. أفُلت شمس الإمبريالية البريطانية وورثتها أمريكا، فرضت هيمنتها وتسلطها بالتسلط العسكري الفاشل والقبضة الاقتصادية الحديدية.

أمريكا التي تشكلت بين عالمين من المهاجرين والمُهجَّرين، مجموعة من الشراذم والجماعات المستوطنين الأوروبيين مختلطي الأعراق تحدوهم الآمال، وتتراوح بين الطمع في الذهب أو حب المغامرة، وحب العظمة أو شرف خدمة الحاكم أو الهرب من ظلمه وجوره، أو البحث عن حرية الدين والعبادة، أو الإفلات من الفقر والمجاعات والسجون، أو إقامة مزارع الأحلام، وهناك من جاؤوا أو جيء بهم بدون أحلام، واستخدموا أقنانًا في مزارع التبغ والقطن وقصب السكر أو عبيدًا في المناجم والمطاحن ومشروعات مد السكك الحديدية من المحيط إلى المحيط، وعلى مدى قرنين تقريبًا، صهرتهم الحياة بالقارة الجديدة في بوتقة واحدة، لكي يتكوّن منهم الشعب الأمريكي.

يرى الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنجتون في كتابة "WHO ARE WE" أن مصادر الهوية الوطنية الأمريكية تنحدر من مجموعة متجانسة من البريطانية البروستانتية، ويرفض فكرة تشكُّل الولايات المتحدة من مجتمع من المهاجرين متعددي الأعراق والإثنيات والثقافات. فالهوية الأمريكية تنحدر وحسب رأي الكاتب من الأنجلو-بروتستانتينية، لذا يرى هنتنجتون أن لأمريكا هوية مُحددة تقوم على ركائز أربعة أساسية، هي العرق الأبيض، والإثنية الإنجليزية، والدين المسيحي البروتسانتي، والثقافة الإنجليزية البروتستانتينية. لذا فهو استحقاق ديني عرقي إثني أن تنصِّب الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ورثية لعرش الإمبريالية البريطانية، فتتبع الخطوات ذاتها وإن تغير ترتيبها ومنهجيتها حسب الأبعاد والأطر الزمنية والتنافسية الاقتصادية. لذا تجنح عقلية رعاة البقر الأمريكية إلى استنطاق التاريخ الحديث بخلق أعداء وهميين خارج حدودها وإنعاش الإمبريالية الصلبية البروستانتية الصهيونية، حتى تمكنها من السيطرة والهيمنة والوقوف بندية أمام الوريثة القيصرية الشيوعية الكاثوليكية الروسية.

ولم أجدُ ما يمكن أن أصف به الأنظمة الوظيفية غير كونها هجينة؛ فهي تقوم بعمل وظيفي استخباراتي قذر، يُعزِّز تسلُّط نفوذ ويُمهِّد لبسط السيطرة لقوة الاستعمار الإمبريالي الأمريكي الحديث.

ولا ريب أن تفخيخ العقول يسبق تفجير الواقع، وحاضرنا لم يكن صنع أيدينا؛ بل متوارثا، وحين نجد أنفسنا في سياق تكوين اجتماعي يتفق بالإجماع على أن الصهيوني عدو غاصب والقدس عربية إسلامية فينتهي النقاش ولن يقبل العقل الجمعي أو المنطقية الإنسانية القبول أو التشكيك بأزلية العداوة وعدالة القضية، حتى وإن أطّرها البعض أو قزمها بوضعها في دائرة الطائفية والمذهبية أو شرعية المقاومة مقابل حصار وموت الشعب الفلسطيني، كما يروج البعض من التسلقيين والهابطين الإعلاميين والمدعين للثقافة، متناسين أن لكل حرب ضحايا ودماء تُدفع وشرف يُسترد.

بدأت المذابح الإسرائيلية بحق الفلسطينيين قبل الإعلان عن قيام دولة الكيان اللقيط بنحو 11 عامًا منذ كانت فلسطين تحت وصاية الانتداب البريطاني الذي كان يتحمل مسؤولية حماية حياة المواطنين الفلسطينيين، وخلال هذه الفترة ارتكبت العصابات الصهيونية "الاتسل" و"ليحى" و"الهاجاناه" وفرقة "البالماخ" وعصابة "شتيرن" أكثر من 57 مذبحة.

المثير للشفقة في هذا الكيانات الوظيفية التي تحاول استمالة شعوبها الساخطة أن تشارك قواتها في عمليات عدوانية في الإقليم، وذات القوات تقوم بإنزال إغاثة.

لقد أشعل آرون بوشنل نفسه أمام السفارة الإسرائيلية ورفع حارس السفارة مسدسه خوفًا من رجل أبيض تلتهمه ألسنة النار لتصحو مع مشهد الموت  صحوة  حرق البذلات العسكرية الأمريكية؛ وكأنه مشهد يؤذن بسقوط مشعل الحرية الأمريكية.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أكد عدم اطلاعهم عليها بعد.. مسؤول بالكرملين: قد لا نرحب بالمقترحات الأمريكية الأخيرة بشأن الصراع في أوكرانيا

أفاد يوري أوشاكوف، مستشار السياسة الخارجية في الكرملين اليوم الجمعة بأن موسكو قد لا تنظر بإيجابية إلى بعض ما تتضمنه المقترحات الأمريكية حول الأزمة الأوكرانية، مؤكدًا في الوقت نفسه أن روسيا لم تطلع بعد على تلك المقترحات المنقحة التي جرى تقديمها بعد أحدث جولة من المحادثات مع أوكرانيا.

وأشار أوشاكوف إلى أن مسؤولين أوروبيين وأوكرانيين من المتوقع مشاركتهم في جلسة نقاش قريبا، من دون تقديم تفاصيل إضافية.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد قال الأربعاء الماضي إن كييف اتفقت على النقاط الرئيسية لخطة إعادة الإعمار بعد الحرب خلال محادثات مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومسؤولين كبار آخرين. وأضاف بأن العمل على “وثيقة اقتصادية” مشتركة يمضي قدمًا، وأن أوكرانيا “متفقة تماما مع الجانب الأمريكي”، وفقًا لـ”سكاي نيوز عربية”.

اقرأ أيضاًالعالمالجامعة العربية تدين الجرائم في حق المدنيين بكردفان

وتسعى الولايات المتحدة إلى إنشاء صندوق استثماري في أوكرانيا لقطاعات تشمل المعادن النادرة، باعتباره محورًا أساسيًا في إعادة الإعمار بعد الحرب.

 

مقالات مشابهة

  • أكد عدم اطلاعهم عليها بعد.. مسؤول بالكرملين: قد لا نرحب بالمقترحات الأمريكية الأخيرة بشأن الصراع في أوكرانيا
  • هبوط طفيف للجنيه الإسترليني أمام الدولار واليورو في الأسواق البريطانية
  • نيودلهي تواجه الضربة الأمريكية .. محادثات بين مودي وترامب بشأن الرسوم الجمركية
  • الكونغرس:تجميد 50%من المساعدات الأمريكية للعراق إلا بعد حل الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • الرئيس الأمريكي: الفساد في أوكرانيا متفش
  • هيغسيث يتباهى بصورة له خلال الغزو الأمريكي للعراق
  • سياسي إيرلندي ينتقد صمت الغرب ودعم رئيس الفيفا للإبادة في غزة وجرائم الحرب الأمريكية
  • استراتيجية الأمن القومي الأمريكي للحلفاء: «تخبزوا بالافراح»
  • اليمن.. عقدة الجغرافيا التي قصمت ظهر الهيمنة: تفكيك خيوط المؤامرة الكبرى