حسابات التوتر في إقليم ترانسنيستريا بعد 30 عاما من الهدوء
تاريخ النشر: 6th, March 2024 GMT
موسكو- شكل لجوء سلطات إقليم ترانسنيستريا لطلب المساعدة من روسيا، بسبب ما وصفته بـ"الضغوط المتزايدة" التي تتعرض لها من مولدوفا، مادة دسمة للتحليلات ولمحاولات قراءة شكل التحرك الروسي المتوقع، لا سيما في ظروف الأزمة المعقدة مع الغرب والحرب في أوكرانيا.
وتتمحور أهم التساؤلات عما إذا كان الصراع الطويل الأمد قد بدأ يتفكك، وأن هذا الاتجاه لا رجعة فيه، وهل يصبح نهر الدنيستر جبهة جديدة في المواجهة الروسية الأوكرانية أو شرارة تصعيد جديدة في العلاقات بين الغرب وروسيا؟
العودة إلى الواجهةيأتي ذلك بعد فترة طويلة بدت فيها مشكلة ترانسنيستريا وكأنها قضية سياسية هامشية، وصراع كلاسيكي مجمّد وفق معادلة "لا سلام ولا حرب".
ورغم أن هذه المناشدة لم تقتصر على طلب المساعدة من روسيا، بل شملت كذلك كلا من الأمين العام للأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ورابطة الدول المستقلة وجهات أخرى، فإن أبرز المواقف كان بيان الخارجية الروسية الذي خرج بعد ساعات قليلة من نداء الإقليم، وتشديده على أن روسيا تنظر دائما بعناية في الطلبات الواردة منه.
وعلى مدى سنوات طويلة من الصراع المجمّد في الإقليم، اعتادت السلطات هناك على سياسات حذرة ومتوازنة، لكن النداء الأخير وضعه البعض في سياق توجهات أكثر جذرية يمكن أن تتبع فيه ترانسنيستريا خيار التحول إلى منطقة جديدة في روسيا، في تكرار لسيناريو القرم وجمهورية الدونباس.
وسعت ترانسنيستريا، التي يشكل الروس والأوكرانيون 60% من سكانها، إلى الانفصال عن مولدوفا حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، خوفا من أن تنضم مولدوفا إلى رومانيا في أعقاب تصاعد النزعات القومية فيها.
وبعد محاولة فاشلة من جانب السلطات المولدوفية في عام 1992 لحل المشكلة بالقوة، أصبحت ترانسنيستريا منطقة لا تخضع فعليا لسيطرة كيشيناو عاصمة مولدوفا.
جزيرة العالم الروسيتعتبر جميع حالات الصراع في فضاء ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي فريدة من نوعها، ومن الصعب الجمع بينها تحت قاسم مشترك معين، وحتى ضمن السيناريوهات الأكثر إثارة للقلق لتطور الأزمة في إقليم ترانسنيستريا، فإنه من الصعب رسم أوجه تشابه معينة مع القرم أو الدونباس على سبيل المثال.
واعتبر محلل الشؤون الإستراتيجية رولاند بيجاموف، في حديث للجزيرة نت، أن تكرار سيناريو الدونباس غير وارد "لأنه إذا قررت روسيا التدخل عسكريا لرفع الحصار عن الإقليم، فمن شأن ذلك أن يفقدها مؤيديها في مولدوفا، ويضع القوى المتعاطفة معها في موقف حرج، بالنظر إلى أنها تطالب بأن تبقى مولدوفا في وضع محايد في التجاذب الروسي-الغربي".
ويضيف "فضلا عن ذلك، فإن خيار الاستقلال ليس أولوية لدى الإقليم نفسه، حيث إن المهم بالنسبة لهم هو حفاظ مولدوفا على الحياد ورفض الاندماج مع رومانيا، والهدف الأساسي هو رفع الحصار".
ويفسر بيجاموف أسباب طلب المساعدة بـ"زيادة الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها الإقليم من قبل كيشيناو، والهواجس من القيام باستفزازات ضده من جانب مولدوفا بتحريض من الناتو، في سعي لخلق بؤرة توتر جديدة بالنسبة لروسيا".
ويتابع أن للإقليم شراكات طويلة الأمد مع روسيا، ويمكن تسميته بـ"جزيرة العالم الروسي"، نظرا للبيئة المعادية المحيطة به المتمثلة بمولدوفا والسلطات الأوكرانية. وبحسب قوله فإن "قرار سلطات ترانسنيستريا التوجه إلى روسيا طلبا للمساعدة يشير إلى أن الوضع يزداد سوءا بالفعل، ويتخذ أشكالا تهديدية".
لكنه لا يستبعد أن يكن لدى مولدوفا نفسها هواجسها الخاصة، لأنها لا تريد توتير الأجواء نحو أشكال غير مدروسة، فأي شرارة تخرج عن السيطرة يمكن أن تؤدي لعواقب غير حميدة للسلطات المولدوفية، وقد تنقل الأزمة إلى داخلها.
ويعتبر بيجاموف أن المخرج للأزمة يكمن في حفاظ مولدوفا على وضعها الحيادي وعدم دخولها في حلف الناتو، ليبقى السؤال فيما إذا كانت مولدوفا ستنضم للاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة أم كجزء منضو ضمن الجغرافيا الرومانية.
محاذير التورطويرى الخبير في الشؤون الأوروبية أندريه كامكين أن وضع الإقليم يختلف عن بقية البؤر الساخنة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي؛ "فبالمقارنة مع ناغورني قره باغ على سبيل المثال، أخذت أذربيجان زمام المبادرة لاستعادة الإقليم، رغم أنه كان بإمكانها الاستعانة بتركيا، فإنها دخلت اللعبة (الحرب) وحدها ونجحت، لكن في حالة ترانسنيستريا، فليست كيشيناو هي التي تقف في طليعة المعارضين ضد الانفصالية، بل كييف، التي ترى أن توريط الإقليم في نزاع مع مولدوفا يمثل إحدى أدوات احتواء موسكو".
كما يتساءل الخبير عن شكل الدعم الذي يطلبه الإقليم من روسيا، مرجحا أن قيادة ترانسنيستريا تركت تنفيذ هذه التدابير للجانب الروسي، "لأنها هي نفسها لا تفهم ما يمكن القيام به" حسب تعبيره.
ويقدر كامكين أنه "لم يتم الاتفاق مع السلطات الروسية على هذه المطالب، وإلا لكان من الممكن تحديد الإجراءات قبل الخروج بالنداء". ويقول "ربما كانت موسكو على علم بإعداد مثل هذا البيان، ولكن نظرا لأنها بعيدة ومشغولة في أوكرانيا، لم تعره أهمية كافية".
ويعيد التوتر الحاصل إلى الأذهان أزمة مماثلة جرت عام 2006، عندما حاولت مولدوفا وقف صادرات وواردات ترانسنيستريا، قبل أن تتولى روسيا مؤقتا ضمان الالتزامات الاجتماعية لميزانية الإقليم المتمرد، مما يرجح فرضية اتخاذ قرار بتقليل الأضرار على السكان من خلال الدعم المالي المباشر، وليس من خلال عملية عسكرية من جانب روسيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
أزمة صلاح وسلوت حديث الصحافة الإنجليزية… وجيرارد يدعو لعودة الهدوء قبل تدهور الموقف
لا تزال تداعيات الأزمة التي نشبت داخل نادي ليفربول بين محمد صلاح والمدرب آرني سلوت تلقي بظلالها على الفريق والصحافة الرياضية الإنجليزية، بعدما خرج النجم المصري بتصريحات قوية قال فيها إن النادي "خذله" وإن علاقة العمل بينه وبين المدرب "انهارت".
هذه التصريحات لم تمر مرور الكرام، وتسببت في استبعاده من قائمة الفريق المسافرة إلى إيطاليا لمواجهة إنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا.
الأزمة التي بدأت بقرار جلوس صلاح على دكة البدلاء تحولت إلى كرة ثلج بعد تصريحاته، لتفتح باب الجدل حول مستقبل اللاعب داخل "أنفيلد". ورغم أن ليفربول اعتاد التعامل مع الضغوط الإعلامية، إلا أن خروج نجم بحجم صلاح للحديث بشكل مباشر عن خلافاته أحدث صدمة داخل النادي، وجعل الإدارة والجهاز الفني في موقف حرج.
أسطورة النادي ستيفن جيرارد دخل على خط الأزمة، لكنه اختار زاوية أكثر هدوءًا، محاولًا إرساء قواعد المصالحة، حيث أكد أن التصريحات العلنية لم تكن الخيار الأفضل، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الفريق لا يزال يحتاج صلاح بشدة.
وقال جيرارد: "صلاح لاعب هائل، والجميع يعرف قيمته. غضبه بسبب عدم المشاركة أمر طبيعي، لكنه يجب أن يعالج الموضوع داخليًا مع المدرب. الفريق يمر بمرحلة حساسة، وصوت العقل يجب أن يكون حاضرًا".
وأشارت تقارير صحفية لندنية إلى أن غضب صلاح يعكس توترًا داخل الفريق ربما بدأ منذ مطلع الموسم، خاصة مع التغيير الفني الذي جاء به المدرب الهولندي سلوت. فطريقة اللعب الجديدة واعتماد سلوت على تدوير اللاعبين أحدثت بعض التوتر داخل غرفة الملابس، ويبدو أن صلاح لم يتقبل بعض القرارات الفنية بسهولة.
وواصلت حديثها عن مستجدات الخلاف بين صلاح وسلوت ، موضحة أن قرارات الإدارة باستبعاد اللاعب من بعثة دوري الأبطال أعطت رسالة مفادها أن الانضباط فوق الجميع، لكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل الوزن الفني والقيادي لصلاح داخل الفريق. بينما تشير مصادر صحفية إلى أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، وقد تتضمن اجتماعًا بين اللاعب والمدرب لمحاولة إعادة العلاقات.