ارتفع عدد السودانيين الذين يواجهون مستويات استثنائية من الجوع، وهي مرحلة ما قبل المجاعة، أكثر من ثلاثة أمثال خلال عام واحد، ليصل إلى ما يقرب من خمسة ملايين، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مؤشر للأمن الغذائي معترف به عالميا. ويكابد مئات الآلاف في العاصمة السودانية صراعا يوميا من أجل الحصول على الطعام، حيث تتعرض المطابخ الشعبية التي يعتمدون عليها للخطر، بسبب تضاؤل الإمدادات وعدم وصول المساعدات الغذائية.



فرانس24

أم تحرم نفسها من الطعام حتى توفر ما يكفي من غذاء لطفليها، ومسن في الستين من العمر يتناول وجبة واحدة في اليوم لا تتكون إلا من عجين من دقيق وماء. أفراد يغامرون بالخروج من منازلهم في محاولة بائسة للبحث عن طعام حتى وهم يدركون أنهم يعرضون بذلك أنفسهم لخطر الإصابة بقذائف المدفعية.

عشرات من الروايات الشبيهة استمعت لها وكالة رويترز تظهر كيف ألقت ظروف قريبة من المجاعة بظلالها على مناطق من السودان تأثرت بشدة جراء الحرب التي اندلعت في نيسان/أبريل الماضي، منها مناطق في العاصمة الخرطوم وفي دارفور بالغرب.

وارتفع عدد السودانيين الذين يواجهون مستويات استثنائية من الجوع، وهي مرحلة ما قبل المجاعة، أكثر من ثلاثة أمثال خلال عام واحد، ليصل إلى ما يقرب من خمسة ملايين، وفقا للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مؤشر للأمن الغذائي معترف به عالميا.

ويكابد مئات الآلاف في العاصمة السودانية صراعا يوميا من أجل الحصول على الطعام، حيث تتعرض المطابخ الشعبية التي يعتمدون عليها للخطر بسبب تضاؤل الإمدادات وانقطاع الاتصالات في أنحاء كثيرة من البلاد في الأسابيع القليلة الماضية. وفي دارفور، لم تتلق بعض المناطق أي مساعدات منذ بدء المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية قبل عام تقريبا.

وتحذر وكالات الإغاثة، التي لم تتمكن من إيصال الغذاء إلى الكثير من مناطق البلاد التي عصفت بها الحرب، من أن الجوع قد يتفاقم مع اقتراب موسم شح المحاصيل في السودان من نيسان/أبريل إلى تموز/يوليو، وهو الوقت الذي يقل فيه توافر الغذاء بسبب قيام المزارعين بالزراعة.

وقال يان إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين في مقابلة بعد زيارة لمخيمات في تشاد، في منتصف شباط/فبراير، حيث يقيم الآن أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني: "نواجه خطرا جسيما من حدوث مجاعة كارثية تطول سنواتها العجاف".

وتحدثت رويترز إلى 30 من السكان، كثير منهم في المناطق التي أنهكتها الحرب في السودان حيث بدأ الجوع مع بداية القتال. تحدث معظمهم عبر الهاتف أو عبر تطبيق واتساب. وأجريت مقابلات مع بعضهم في القاهرة التي لجأوا إليها بعد فرارهم من منازلهم. كما أجرت رويترز مقابلات مع أكثر من 20 من موظفي الإغاثة.

ولم يرد الجيش السوداني ولا قوات الدعم السريع على الأسئلة ذات الصلة بهذا التقرير.

مياه شرب غير معالجة
الفتيحاب منطقة في أم درمان تقع على خط المواجهة في المعركة الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع. ويقول السكان الذين يبحثون عن طعام إنهم يضطرون إلى المخاطرة بالمرور عبر نقاط التفتيش التي تقيمها قوات الدعم السريع، فضلا عن نيران مدفعية وقناصة قوات الدعم السريع والجيش.

ويحجم الناس عن مغادرة منازلهم خوفا من التعرض لمضايقات واعتداءات.

وقال سكان إن القتال ألحق أضرارا بمرافق الكهرباء والمياه، مما حرمهم من الكهرباء والمياه الجارية. ويعاني كثيرون من الإسهال بعد اضطرارهم لشرب مياه غير معالجة من نهر النيل. وأفادت تقارير منظمة الصحة العالمية بوجود أكثر من عشرة آلاف حالة يشتبه إصابتها بالكوليرا في أنحاء البلاد منذ اندلاع الحرب.

وفي محاولة لتوفير الطعام للآلاف من السكان في الفتيحاب، أنشأ متطوعون مطابخ شعبية في وقت مبكر من الحرب تقدم العصيدة والأرز والخبز مرة أو مرتين في اليوم. لكن المتطوع محيي الدين جعفر قال لرويترز إن المطابخ اضطرت إلى تقليص هذه الوجبات عندما تسبب حصار قوات الدعم السريع للمنطقة في انقطاع الإمدادات عنها في يوليو/تموز الماضي.

والمتطوعون جزء مما يسمى "غرف الطوارئ"، وهي شبكة تعمل على توفير الطعام وإجلاء السكان في مناطق في أنحاء البلاد. وقال متطوعان إن ثلاثة من زملائهم لقوا حتفهم بقذائف مدفعية ورصاصات طائشة في الفتيحاب العام الماضي في أثناء محاولتهم مساعدة سكان المنطقة.

وفي أواخر شباط/فبراير، أحرز الجيش السوداني تقدما في المنطقة، وكسر الحصار عن جزء من الفتيحاب. وسمح ذلك ببدء تدفق الطعام.

وكان الجيش وقوات الدعم السريع قد شاركا في انقلاب على الرئيس عمر البشير في 2019، لكن اندلعت حرب بينهما عندما تصاعد التوتر بشأن ما كان مزمعا من انتقال نحو الحكم المدني وإجراء انتخابات. وسرعان ما سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أنحاء الخرطوم، بالرغم من تفوق الجيش في القوة الجوية والأسلحة الثقيلة. كما أحكمت القوات شبه العسكرية قبضتها على دارفور التي عانت من الصراع والنزوح على مدى أكثر من عقدين.

وأثارت الحرب الحالية موجات من القتل بدوافع عرقية في دارفور. ووثقت رويترز أعمال العنف هناك، والتي قادتها قوات الدعم السريع وجماعات مسلحة متحالفة معها. وفي سلسلة من التقارير، كشفت وكالة الأنباء كيف أطلقت الحرب العنان لحملة قتل بدوافع عرقية ضد قبيلة المساليت في غرب دارفور.

كانت قوات الدعم السريع عبارة عن ميليشيات جرى استخدامها لسحق تمرد اندلع بدارفور في أوائل القرن الحادي والعشرين. وبحلول 2008، لقي ما يقدر بنحو 300 ألف شخص حتفهم في أعمال عنف، ومات الكثير منهم جوعا.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الحرب في السودان أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 14 ألفا ونزوح أكثر من ثمانية ملايين من منازلهم، ليسجل السودان أكبر أزمة نزوح في العالم.

"حكم بالإعدام"
قبل الصراع الأحدث، كانت الخرطوم بالكامل تقريبا بمنأى عن القتال الذي اجتاح إقليم دارفور. لكن الناس في كثير من مناطق العاصمة يجدون أنفسهم الآن عالقين في منطقة حرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وقال متطوعان فرا من المنطقة في نهاية العام الماضي، إنه على الجانب الآخر من نهر النيل من الفتيحاب، يوجد نحو 2800 شخص محاصرون في المناطق المحيطة بقاعدة الجيش السوداني في حي الشجرة بالخرطوم.

وقال أحدهما، ويدعى جهاد صلاح الدين، إنه بعد نفاد الطعام بدأ الرجال بالتسلل تحت جنح الظلام للبحث عن إمدادات. وقال المتطوعان إن السكان يشربون أيضا مياه نهر النيل بلا معالجة.

وفي أنحاء العاصمة، أجبر انقطاع الاتصالات المطابخ الشعبية على التوقف عن الطهي لأنها لم تعد قادرة على تلقي التبرعات المرسلة عبر تطبيق الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول. وقالت غرف الاستجابة للطوارئ بولاية الخرطوم في الثالث من مارس/آذار، إنها اضطرت لإغلاق 221 من هذه المطابخ بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وفي الآونة الأخيرة، بدأت التبرعات تتدفق مرة أخرى، حيث تمكن المتطوعون بشكل متقطع من الوصول إلى الإنترنت باستخدام شبكة ستارلينك المملوكة للملياردير إيلون ماسك في بعض الأماكن.

لكن المساعدات الدولية التي تدخل السودان لا تكاد تذكر، حيث تواجه منظمات الإغاثة صعوبات للحصول على تصاريح الدخول والنقل اللازمة من السلطات. وانتقدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلا من الجيش وقوات الدعم السريع بسبب تعطل توزيع المساعدات.

ولم تصل المساعدات إلى مناطق واسعة من دارفور منذ ما قبل بدء الحرب الأحدث، وفقا لسكان ووكالات إغاثة. وبعدما كانت السلطات تمنع دخول المساعدات في السابق من تشاد، قال مسؤول في الأمم المتحدة في الخامس من مارس/آذار عبر منصة إكس للتواصل الاجتماعي، إن السلطات السودانية وافقت على نقل المساعدات عبر معبر حدودي إلى شمال دارفور.

وخلص تقييم أجرته منظمة أطباء بلا حدود في كانون الثاني/يناير إلى أنه في مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، الذي يؤوي ما يقدر بنحو 400 ألف شخص، يموت طفل كل ساعتين. ووجدت المجموعة أن ما يقرب من 40 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين يعانون من سوء التغذية.

وقال إيغلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، إنه إذا لم تصل المساعدات إلى دارفور قريبا، فسيكون ذلك "حكما بالإعدام على الملايين الذين هم في أمس الحاجة إليها".

ووفقا لموظفي الإغاثة وسكان في مخيم كلما بجنوب دارفور، الذي يؤوي مئات الآلاف من النازحين، يكافح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة بالاعتماد على عصيدة من دقيق الذرة والماء، في حين يصاب الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية بالعدوى والملاريا.

وقال محمد عمر، أحد سكان مخيك كلما، إنه نزح هو وعائلته أربع مرات منذ بدء الحرب. وأضاف أنه يتلقى وجبة واحدة في اليوم عبارة عن قطعة من العجين. وقال: "لا يمر يوم دون أن نذهب فيه إلى المقبرة لدفن ناس".

وكانت فاطمة إبراهيم حاملا بتوأم في الوقت الذي اتسع فيه نطاق القتال في العام الماضي. وقالت إنها بعد الولادة في ديسمبر/كانون الأول، لم تكن قادرة على تحمل تكاليف حليب الأطفال، ولم تتمكن من الرضاعة الطبيعية، لأنها كانت تفتقر إلى ما يكفي من الطعام.

وسرعان ما أصيبت ابنتاها التوأم، جنة وجنات، بسوء التغذية، وتم إدخالهما إلى المركز الطبي في كلما.

وتحدثت فاطمة إبراهيم (27 عاما) عبر الواتساب من المركز الطبي. وقالت: "لا يوجد مال ولا طعام ولا حليب...لا يوجد شيء".

فرانس24/ رويترز  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجیش وقوات الدعم السریع قوات الدعم السریع الجیش السودانی للأمن الغذائی فی أنحاء أکثر من

إقرأ أيضاً:

«صمود» ترحب بالحكم ضد «كوشيب» وتطالب الجيش السوداني بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية

الناطق الرسمي باسم “صمود” طالب قائد الجيش بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية من قادة الحركة الإسلامية الذين يجدون ملاذاً آمناً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون.

الخرطوم: التغيير

أعرب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، عن ترحيبه بالحكم الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية والقاضي بالسجن لمدة عشرين عاماً على علي كوشيب، معتبراً القرار “إدانة شاملة لمنظومة الإنقاذ ومجرميها كافة”.

وقال الناطق الرسمي باسم جعفر حسن عثمان، إن جلسات المحاكمة كشفت عن حجم المعلومات المتوفرة بشأن المتورطين في الجرائم التي ارتكبت في دارفور، مما يعزز فرص ملاحقة المزيد منهم ويوسّع دائرة العدالة والمساءلة.

وأكد أن الحكم يمثل خطوة مهمة لإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وأضاف أن القرار يرسّخ مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويمهّد لتوسيع ولاية المحكمة لتشمل الجرائم المرتكبة خلال حرب 15 أبريل الجارية.

وطالب الناطق الرسمي باسم “صمود” قائد الجيش بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية من قادة الحركة الإسلامية الذين—بحسب البيان—يجدون ملاذاً آمناً في المناطق الخاضعة لسيطرته، وعلى رأسهم المخلوع عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، وأحمد هارون.

كما دعا عثمان كلاً من مني أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، ومالك عقار إلى الالتزام ببنود اتفاق جوبا للسلام، الذي يعدّ تسليم المطلوبين للجنائية الدولية أحد أهم مواده.

وعلي محمد علي عبد الرحمن، يُعد أحد أبرز القادة المحليين لميليشيا الجنجويد في غرب دارفور خلال النزاع الذي اندلع مطلع الألفية.

ووفق المحكمة الجنائية الدولية، تولّى كوشيب دوراً قيادياً في منطقة وادي صالح بين عامي 2003 و2004، في سياق حملة واسعة شاركت فيها ميليشيات مدعومة من الحكومة السودانية آنذاك.

الوسومالتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) السودان المحكمة الجنائية الدولية دارفور على كوشيب عمر البشير معسكر كلمة

مقالات مشابهة

  • قرار أممي يطالب الاحتلال بالتوقف عن عرقلة دخول المساعدات لغزة
  • عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي: الإمارات أكبر ممول لحملة الإبادة الجماعية في السودان
  • “الدولية للهجرة” تجدد دعوتها لوصول المساعدات بشكل آمن ودون أي عوائق إلى غزة
  • حرب السودان تخرج عن السيطرة
  • جوتيريش: سنلتقي ممثلين عن الجيش السوداني والدعم السريع في جنيف
  • اتهامات لـالدعم السريع باحتجاز 19 ألف شخص في سجون دارفور
  • شبكة أطباء السودان: 19 ألف محتجز بسجون الدعم السريع بجنوب دارفور
  • شبكة أطباء السودان: ميليشيات الدعم السريع تحتجز أكثر من 19 ألف شخص في دارفور
  • السودان بعد حرب أبريل: من مخاطر التقسيم إلى تفكك الدولة!
  • «صمود» ترحب بالحكم ضد «كوشيب» وتطالب الجيش السوداني بتسليم المطلوبين للعدالة الدولية