انتهت مراسم العزاء بعد وفاة فقيدنا، لقد مضى على ذلك ثمان وعشرون يوما. سبحان الله وكأن ذلك المصاب قد حدث بالأمس، كم هي سرعة الأيام مذهلة ومخيفة.
زارتني بالأمس إحداهن تريد تقديم واجب العزاء لي وكانت تعتذر بشدة لعدم تمكنها من الحضور في الأيام الأول من العزاء وذلك لأسباب خاصة بها.
تقبلت اعتذارها بكل رحابة صدر كوني لا أهتم بهذه الشكليات من الأمور، فمن يريد الأجر فسيأتي حتما بدون تقديم أي مبررات، ومن أراد غير ذلك فلتحفظه السلامة.
عندما جلست تلك المرأة بدأت بالحديث عن أمور كثيرة جدا ولأكون صادقة لم أكن بذلك المزاج الذي يؤهلني للاستماع الجيد لها لأنني كنت في عالم آخر غير عالمها الذي تتحدث عنه. ولكن بلحظة انتبهت لأحد عباراتها عندما خاطبتني قائلة هوني على نفسك وعليك بالنسيان!
تلك العبارة اخترقت مسامعي بكل وضوح على عكس أحاديثها المطولة تلك التي لم أعي ماذا قالت فيها أبدا، ولكن توقفت عند “عليك بالنسيان”.
بطبيعة الحال كان مصابي جلل، وثمة خدوش عالقة في زوايا الروح تجسدت في ملامحي وفي بحة صوتي وفي دروب الحياة التي لا أعلم أين تسير بي.
بلا شك أن بداخل كل منا هناك ذكرى نعجز عن نسيانها، وهناك أشخاص يصعب علينا تخطي ذكرياتهم مهما بذلنا من جهد للنسيان، هم لا زالوا معنا في خبايا الذاكرة رغم غيابهم وعدم وجودهم، هناك أماكن تذكرنا بهم، مواقف تعيدنا إلى لحظاتنا الجميلة التي قضيناها معهم.
جميعنا يوجد بداخلنا شخص لم نستطع نسيانه، مخلد بقلوبنا، نتذكره بكل لحظة وبأي مكان قد نكون فيه، إن ترك أثر جميل بدواخلنا يجعلنا نفتقد ذلك الشخص.
في الحقيقة إن المرء منا يشعر بفقد من فارقه بعد انقضاء أيام العزاء الثلاث، حين ينصرف الأهل والأقارب إلى حياتهم ونبقى نحن أسيرون لذكريات وأطياف وأصوات من فارقونا.
بكل أسف هناك بعض الأوجاع في الحياة لا يزيلها دفء البعض ولا بلاغتهم اللغوية حين يرددون تلك العبارات للتخفيف عنا، فبعض الأوجاع خلقت لتقربنا إلى الله أكثر، خلقت لتنبيهنا أن هناك ثمة خلل ما في قلوبنا لا يملك إصلاحه إلا الله عز وجل، وأن لا أحد على هذه البسيطة يمتلك المواساة والتخفيف عنا إلا الله سبحانه.
هي لا تعلم أن هناك غصة تخنق الحلق، عندما يتحاشد الكلام كشاحنة ضخمة فوق الروح دون القدرة على فعل شيء. الفراق لا يقتل القلب فقط بل يتركه نازفا.
ثمة حنين وشعور بالشوق إلى أشياء تلاشت واختفت، ولكن السلوى الجميلة أن عطرها مازال يملأ ذاكرتنا. أشياء نتمنى أن تعود إلينا وأن نعود إليها، في محاولة بائسة منا لإعادة لحظات جميلة وزمان رائع أدار ظهره لنا ورحل مع من رحلو عن عالمنا.
لقد كان هناك شوارِع وطرق مررنا بها سويا وضحكات مثل الضوء المنير، تغيب لحظات ولكنها لا تنطفئ، وأحاديث ممتعة كنت أستمع لها بشغف بالغ لم تنسى ولن تنسى. النسيان لا يلغي الذكريات والمستقبل لا يلغي الماضي أبدا الذي هو جزء من حياتنا، إنه فقط يساعدنا على مواكبة حياتنا بجرعات ألم متفاوتة، هناك أشياء تذكرنا بمن فقدناهم بين الحين والآخر، لا أعتقد أن النسيان سيأتي مع الأيام.
في هذه الحياة النسيان لا يمكنه ان يلغي مامضى، مهما اجتهدنا في النسيان، فقط رائحة عطر أو صورة قديمة كفيلة بأن تعيد لنا عمرا كاملا وتحيي ألم الفراق مرة أخرى.
ليس بوسع الأيام أن ترشدنا إلى طريق النسيان أبدا، إنها فقط تعلمنا كيفية الاعتياد على ما أوجعنا فحسب. على الرغم من أننا نحاول قدر الإمكان أن نتأقلم مع الحياة التي تمر بنا بسرعة كبيرة، لا نجد أنفسنا حينها أننا كبرنا فوق عمرنا بمراحل
لن يكون هناك نسيان الا في حالة واحده فقط وهي عندما ننتهي من الحياة، لكن التفاصيل لم تكتمل ولا النص اكتمل.
اللهم ارحم موتانا العالقين بقلوبنا رحمة تؤنس بها وحشتهم وترفع بها درجاتهم.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
غزة بعد وقف الحرب.. 50 مليون طن من الركام و9500 مفقود تحت الأنقاض
عرضت قناة القاهرة الإخبارية خبرا عاجلا يفيد بأن المتحدث باسم بلدية غزة، قال إن هناك 9500 مفقود تحت الأنقاض ونبذل الجهد للبحث عنهم.
وأضاف متحدث بلدية غزة، أن مدينة غزة تعرضت لدمار كبير في البنية التحتية، ويوجد أكثر من 50 مليون طن من الركام في غزة.
كانت وسائل إعلام فلسطينية أفادت في وقت لاحق من اليوم بأن منطقة الشاكوش شمالي مواصي رفح جنوبي قطاع غزة شهدت صباح اليوم إطلاق نار من الآليات الإسرائيلية وتحليق لطائرات مسيرة على مستوى منخفض .
يأتي ذلك في أعقاب اتفاق غزة الذي وُقع أمس في مدينة السلام شرم الشيخ ، بحضور عدد من قادة وزعماء الدول والذي يقضي بوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى.
وفي وقت سابق، زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل أحد عناصر حزب الله، وذلك استمرار للانتهاكات الإسرائيلية بحق السيادة اللبنانية.
وبرر جيش الاحتلال اختراقه للبنان وفق زعمه، بأن عنصر الحزب كان يهم بمحاولة إعادة إعمار بنى تحتية عسكرية في جنوب لبنان.
وأضاف الجيش الإسرائيلي، أنه هاجم آلية هندسية استخدمها حزب الله لإعمار بنى تحتية عسكرية في منطقة بليدا جنوب لبنان.