الفاشر- تبدو الآثار الاقتصادية والاجتماعية لشهر رمضان هذا العام واضحة في أسواق إقليم دارفور غربي السودان. وسارع التجار إلى طرح المواد الاستهلاكية المخصصة لشهر الصوم في الأسواق، رغم ضعف القدرة الشرائية بسبب تداعيات الحرب الدائرة حاليا في البلاد، بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان الماضي.

وتعدّ تكلفة مستلزمات شهر رمضان هذا العام هي الأعلى مقارنة بالسنوات الماضية، بسبب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية الأساسية، وصعوبة تأمين المواد اللازمة لإعداد الأطعمة الرمضانية التقليدية التي اعتادوا تحضيرها خلال هذا الشهر المبارك.

وتعاني الأسواق المحلية في إقليم دارفور من تحديات عدة تؤثر سلبا في إمدادات السلع والأسعار، حيث يشهد الإقليم نقصا في الإمدادات القادمة من شرق البلاد (بورتسودان)، بسبب توسع دائرة الحرب وتداعياتها السلبية على حركة القوافل التجارية من وإلى دارفور.

وتوقفت الإمدادات بشكل جزئي، كما شهد الإقليم هذا العام قلة في إنتاج الذرة والحبوب، مما يزيد الضغوط على الأسواق المحلية، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويؤثر بشكل كبير في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

وتوقفت حركة القوافل التجارية المحملة بالبضائع والقادمة من بورتسودان إلى دارفور مع اشتداد وتيرة الحرب في الإقليم، مما جعل من الصعب على القوافل التجارية الوصول إلى وجهتها المقصودة بسبب انعدام الأمن، حيث كانت القوة المشتركة المكونة من حركات الكفاح المسلح بدارفور تعمل على تأمين وصول هذه القوافل، عبر الطريق القومي الرابط بين شرق البلاد وغربه، مما زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

الأسواق المحلية تعاني في إقليم دارفور من تحديات عدة تؤثر سلبا في إمدادات السلع والأسعار (الجزيرة) تقلبات السوق

وجوّل مراسل الجزيرة نت في سوق مدينة الفاشر -إحدى أقدم مدن دارفور تاريخيا- قبل بداية شهر رمضان، بهدف التعرف إلى التغيرات التي طرأت على أسعار السلع الأساسية.

وقال تجار للجزيرة نت إن أسعار السكر والدقيق والزيت وبعض المشروبات الجافة ارتفعت بشكل ملحوظ، في وقت تشهد السوق ارتفاعا في أسعار اللحوم تدريجيا مع انقطاع إمدادات الدجاج بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

كما شهدت أسعار الخضار والفواكه بعض التقلبات، لكنها لم ترتفع بالقدر نفسه الذي لحق السلع الأساسية المستوردة من دول مجاورة؛ مثل: ليبيا وتشاد.

تداعيات الحرب

وتضرر تجار الجملة والتجزئة بسبب الحرب التي تشهدها البلاد، وأدت هذه الحرب إلى الإضرار بالبنية التحتية وتوقف حركة نقل البضائع جزئيا من المصانع إلى التجار، وجعلت من الصعب على هؤلاء تلبية احتياجات الأسواق.

ويقول عادل أحمد سبيل تاجر جملة من أحد أسواق مدينة الفاشر "إن الحرب أثرت بشكل كبير في قدرة تجار الجملة على تلبية الطلبيات، وتوفير السلع للأسواق المحلية".

وأضاف في حديث للجزيرة نت إن "ارتفاع تكاليف النقل والشحن والتأمين نتيجة التوترات الأمنية وتدهور البنية التحتية، جعل من الصعب على تجار الجملة الحفاظ على أسعار تنافسية، وزيادة مستويات الربح".

ويشتكي التجار من تراجع الطلب وحجم المبيعات بسبب الانخفاض الكبير في القدرة الشرائية للمستهلكين، في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ووضعت الظروف الاقتصادية الصعبة في دارفور السكان أمام تحديات كبيرة لتأمين احتياجاتهم الغذائية خلال شهر رمضان، حيث يزداد استهلاك بعض المواد الغذائية المرتبطة بالأطباق التقليدية المشهورة في المنطقة خلال الشهر المبارك؛ ومن أبرزها: مشروب الحلو المر (الإبري)، الذي يعدّ رمزا للجودة والتقاليد الغذائية في المنطقة بشكل عام.

التجار يشتكون من تراجع الطلب وحجم المبيعات بسبب الانخفاض الكبير في القدرة الشرائية (الجزيرة) جهود رسمية

وعلى الرغم من هذه الأوضاع الصعبة، تعمل السلطات والجهات الممثلة للمنظمات المحلية لإيجاد حلول لتخفيف العبء المالي على الأسر، وتوفير المواد الغذائية الأساسية للسكان المحتاجين في دارفور، خاصة في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء.

وتقول أروى محمد إدريس، منسقة العون الإنساني في ولاية جنوب دارفور، إن السلطات تكثف جهودها لتلبية احتياجات السكان في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها.

وتضيف في حديثها للجزيرة نت أن الولاية لم تتلقَ أي مساعدات إنسانية من المنظمات والهيئات الدولية في الفترة الأخيرة، لكنها رغم ذلك أطلقت حملة توعوية وبرامج مساعدة تستهدف تحسين معيشة النازحين في مراكز الإيواء خلال شهر رمضان. وتهدف هذه الحملة إلى توفير الغذاء والمأوى والخدمات الأخرى الضرورية للمحتاجين.

من جهته يقول مالك شمو صبر، منسق النازحين بولاية جنوب دارفور، إن السلطات شكلت فرق عمل ميدانية لمتابعة احتياجات المواطنين والنازحين في المناطق الأكثر تضررا خلال شهر رمضان .

وأكد في حديث للجزيرة نت أن عدد النازحين في مدينة نيالا والموجودين في مراكز الإيواء بمدينة الفاشر، بلغ أكثر من 11 ألف شخص.

وأضاف أن هذه الفرق تعمل على تقييم الاحتياجات الفعلية لهم بهدف تقديم المساعدات الإنسانية، مشيرا إلى المعاناة التي يواجهونها، خاصة حول ما يتعلق بنقص الغذاء والمياه والرعاية الصحية.

وتبذل حكومة إقليم دارفور وحكومات الولايات والمنظمات الدولية والمحلية والمجتمع المدني هذه الأيام جهودا، من خلال الشراكات والتنسيق المستمر مع الجهات المعنية، لتسهيل وصول المساعدات والمواد الغذائية والأدوية على الأشخاص المتأثرين بالحرب في دارفور بأسرع وقت ممكن.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المواد الغذائیة إقلیم دارفور للجزیرة نت شهر رمضان

إقرأ أيضاً:

ارتفاع جنوني بأسعار السلع يزيد معاناة السودانيين

بورتسودان: الشرق الاوسط

هجر أكثر من 8 ملايين سوداني ديارهم بعد اندلاع حرب الجيش و«قوات الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) 2023، ويعيش أكثرهم في مراكز لإيواء النازحين في الولايات البعيدة عن الاشتباكات، وبعضهم في الولايات التي يتبادل فيها طرفا الحرب القصف.

فقد النازحون وظائفهم ومصادر دخولهم، ما جعلهم يعانون أوضاعاً اقتصادية مريرة زادت قسوة بالارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات، ولم يعد بمقدور معظمهم الحصول حتى على الطعام ناهيك عن الاحتياجات الأخرى، فاضطُروا للجوء لما عُرفت شعبياً بـ«التكايا»، وهي تجمعات أهلية في المساجد وخلوات (مراكز) تدريس القرآن، تقدم الطعام بدعم من المجتمعات والخيريين، لكن القتال قد يفسد عليهم حتى هذا الطعام المجاني بفعل «دانة» أو قذيفة أو رصاصة عليهم.

تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 5 ملايين سوداني يواجهون خطر المجاعة، بينما يُصنف 18 مليوناً آخرون بوصفهم في «مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي».

وتضيق فرص تجنب المجاعة بالمناطق التي يستعر فيها القتال الذي تسبب كذلك في ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات.

وفي العاصمة المؤقتة بورتسودان (شرق البلاد)، شهدت أسعار السلع ارتفاعاً جنونياً، فقد زاد سعر كيلوغرام لحم الضأن خلال الأيام القليلة الماضية من 10 آلاف جنيه إلى 13 ألف جنيه (الدولار الأميركي يساوي 1800: 2000 جنيه سوداني في السوق الموازية للعملات)، وكيلوغرام اللحم العجالي من 9 آلاف جنيه إلى 11 ألفاً، وزاد سعر كيلوغرام الفراخ من 7 آلاف جنيه ليبلغ الآن 9 آلاف، وبلغ سعر كيلوغرام السكر 2000 جنيه بعد أن كان 1.5 ألف جنيه، وكيلوغرام الحليب المجفف بلغ 10 آلاف جنيه من 7 آلاف، والبن من 3.5 إلى 5.5 ألف جنيه، وكيلوغرام دقيق الخبز من 1 : 1.2 ألف جنيه، أما لتر زيت الطعام فارتفع من 2.5 : 3.5 ألف جنيه، وكيلوغرام العدس من 2000 إلى 2.6 ألف جنيه، وكيلوغرام الأرز من 1.2 إلى 1.5 ألف جنيه.

وقال القيادي في «الحزب الشيوعي» كمال كرار لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتفاع الأسعار، مع زيادة معدلات التضخم، يمثلان فقط قمة جبل جليد لانهيار اقتصادي مريع في السودان بسبب الحرب». وتابع: «الأصل في الاقتصاد والنمو هو الأمن، والناس هم المنتجون والمحركون لحركة البضائع والسلع، وكلها عناصر ضُربت في مقتل بسبب الحرب».

وفي إشارة إلى تصريحات مسؤولين حكوميين نفوا فيها مخاطر حدوث مجاعة في البلاد، تساءل كرار: «غير معقول في ظل هذا الجحيم الاقتصادي، أن يتحدث بعض المسئولين عن حياة الناس ومعيشتهم والاقتصاد عموماً، كأن شيئاً لم يحدث، فهذه قمة اللامبالاة».

وأكد كرار على عدم وجود كوابح لارتفاع الأسعار في ظل الحرب؛ لأن معظم السلع الأساسية والاحتياجات تأتي من الخارج بالنقد الأجنبي الذي لا يستطيع البنك المركزي توفيره، ما يؤدي لنشاط السوق الموازية.

ويضيف: «بازدياد الطلب على النقد الأجنبي يتراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية»، ويستطرد: «هكذا انهار الجنيه السوداني المنهار أصلاً، وهذا هو ما يفسر ارتفاع أسعار السلع».

يمكن التعامل مع أي سلعة غير ضرورية، لكن حين يرتفع سعر الخبز بحيث يصبح سعر الرغيف الواحد منه 100 جنيه، فهذا يعني الجوع لأسر لا تستطيع شراء الخبز. تقول أسماء عثمان إنها نزحت من ود مدني (وسط البلاد) إلى بورتسودان (شرق) في فبراير (شباط) الماضي، وإنها تحتاج إلى 4 آلاف جنيه يومياً لشراء الخبز وحده، أي ما يعادل 120 ألف جنيه شهرياً، وهو ما يعادل ربع راتبها الشهري.

وأرجع المتحدث باسم «اتحاد أصحاب المخابز» عصام الدين عكاشة غلاء سعر قطعة الخبز إلى عدم التزام ملاك المخابز بأوزان وأسعار الخبز جراء غياب الرقابة. وقال عكاشة لـ«الشرق الأوسط»: «حتى جوال الدقيق لا يُلْتَزَم بالوزن الصحيح فيه، فبينما وزن الجوال النظامي 50 كيلوغراماً، فقد تجد جوالاً يبلغ وزنه 35 كيلوغراماً فقط».

وإلى جانب التكلفة العالية لتوفير الدقيق، يقول عكاشة إن هناك «أزمة تتمثل في انقطاع التيار الكهربائي، ولجوء معظم المخابز لاستخدام الحطب، بجانب ارتفاع مكونات صناعة الخبز الأخرى مثل (الخميرة)».

وعدّ كرار إرجاع ارتفاع أسعار السلع وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية إلى «السوق الموازية» للعملات وتجار السوق «تبريراً خطيراً» يتجاهل الأسباب الحقيقية، ويقول: «ستستمر أزمة الاقتصاد ما استمرت الحرب، وسيدفع المواطن الفقير أصلاً الثمن، فمن يديرون الاقتصاد والمال لا يركزون على حاجة المواطن، وإذا لم تتوقف الحرب فلا أمل في اقتصاد طبيعي».  

مقالات مشابهة

  • ارتفاع معدل البطالة في بريطانيا إلى 4.4% بشكل غير متوقع
  • إطلاق معرض جامعة بنها للمنتجات والسلع الغذائية.. أسعار مخفضة بمناسبة العيد
  • تعرف على أسعار السلع الغذائية في الأسواق.. «كيلو السكر بكام؟»
  • مصر.. ارتفاع كبير في أسعار البن والشاي والكاكاو
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار مجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة 33.4% خلال عام
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار المسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 12.2% خلال عام
  • الإحصاء: ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة والأحذية بنسبة 1.7% خلال شهر مايو الماضي
  • ارتفاع جنوني بأسعار السلع يزيد معاناة السودانيين
  • تحرير 500 محضر مخالفات تموينية ببني سويف
  • محافظ الدقهلية يدشن مبادرة تخفيض أسعار بيع اللحوم الطازجة