تكرر أكثر من مرة تصريح الجنرال المصري من أنه لم يعِد المصريين بتحسن أحوالهم في أي وقت مضى، وبما يعني ألا يطالبه أحد بشيء مع تلك المعاناة التي يعيشونها،خاصة أنه بالفعل دخل الانتخابات الرئاسية الثلاث بلا برنامج عمل، بل إنه في الانتخابات الأخيرة لم يخرج للناس طالبا أصواتهم، أو ذهب إلى المحافظات لنفس الغرض كما فعل مسبقا، وترك مهمة الانتخابات لعدد من الأحزاب التي ليس لها قاعدة شعبية للدعوة لاختياره وتنظيم الرقص خارج اللجان الانتخابية.
لكن التلفون المحمول الذي يكاد لا يوجد مواطن مصري لا يحمله؛ يمكن من خلاله لأي شخص بلمسة بسيطة تتبع الوعود الموقوتة التي وعدها الجنرال للمصريين، بداية من وعده بتحسن أحوال المصريين خلال عامين، في حوار إعلامي خلال ترشحه للمرة الأولى، وما تلاها من وعود موقوتة تالية في لقاءات جماهيرية عام 2015 و2016 و2017 و2018، وهي الوعود التي تقوم وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بنقلها، ما يعني وجودها في أي محرك بحث إلكتروني في شبكة الإنترنت، ومنها الوعد الشهير بأن المصريين سيرون مصر أخرى في عام 2020.
كذلك تكررت الوعود الجزئية مثل الوعد بعدم زيادة الأسعار مهما تحرك سعر صرف الدولار، وذلك في لقاء ضم قادة الجيش والإعلاميين على ظهر الفرقاطة تحيا مصر في 17 آذار/ مارس 2016، والوعد بإلزام المنتجين بكتابة الأسعار على عبوات السلع منذ 4 آذار/ مارس 2017، والذي ما زال وزير التموين يسعى لتنفيذه حتى الآن.
وعود منسية بالجملة
جرت العادة بين البسطاء من المصريين على مقارنة سعر صرف الدولار خلال فترة حكم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، كدلالة على الغلاء أو سهولة العيش، كما يقارن آخرون بين فترات حكم البلاد من خلال سعر اللحم خلال كل فترة. ومن المؤكد وهم يقارنون سعر رطل اللحم خلال عهد الملك فاروق وسعر كيلو اللحم بعهود الرؤساء محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك ومرسى، أنهم سيحتفظون للجنرال بمكان الصدارة في تلك المقارنة
وكذلك الوعد بإنشاء شركة برأسمال 20 مليار جنيه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 لتشغيل مليون شاب خلال أربع سنوات، ووعده لرجال الأعمال والقطاع الخاص في تموز/ يوليو 2014 بعقد لقاء شهري معهم وأنه لا مصادرة للأموال، والوعد بأنه لن يتم توقيع أي قرض جديد دون التأكد من قدرة مصر على السداد في 19 حزيران/ يونيو 2017، وأيضا الوعد بأنه لن يتم تهميش الشباب مرة أخرى.
ووعد بأن لا يتم البدء في مشروع إلا إذا كان مدروسا، رغم التصريح العلني بأنه لو تم اتباع دراسات الجدوى ما كان سيتم إنجاز هذا الكم الكبير من المشروعات، ولعل مصير مشروع مدينة دمياط للأثاث الخاوية على عروشها، والتي تكلفت مئات الملايين من الجنيهات أحد الشواهد.
وهناك الوعد بمشروع استصلاح مليون فدان بعام 2014 خلال عام واحد ثم زادت إلى مليون ونصف فدان، وهو المشروع الذي لم يستكمل حتى الآن، وكذلك مشروع المثلث الذهبي ومدينة التجارة والتسويق في خليج السويس، والمشروع اللوجستي العالمي لتخزين الحبوب والغلال في دمياط، وهي لم تتحقق جميعها، إلى جانب الوعد بتشغيل المصانع المتعثرة، ووعده بمشروع لتربية الماشية لتوفير اللحوم والألبان بأسعار رخيصة، وإقامة صوبات زراعية ذات ثلاثة طوابق، وما تردد عن خفض أسعار الأسماك مع إنشاء الجيش للمزراع السمكية الضخمة وخلال افتتاح كلا منها.
وها هو يبرر تصريحه بعدم السماح بتحريك سعر الصرف قبل شهور باعتبار ذلك مسألة أمن قومي، وقوله وقتها إنه لو حدث ذلك ما كان ليجلس على كرسي الحكم، ثم وجدنا السعر يتحرك منذ أيام من حوالي 31 جنيها للدولار إلى حوالي الخمسين جنيها للدولار، لكنه بدلا من أن يعتذر اعتبر ذلك إنجازا لأن سعر الصرف كان سيصل حسب قوله إلى ما بين 80 إلى 90 جنيها للدولار.
الدولار من 7 إلى 50 جنيها
وبالطبع سيتصور أن المواطن المطلوب فقده للذاكرة لن يتذكر أن سعر صرف الدولار رسميا في البنك المركزي كان قد بلغ في الثاني من تموز/ يوليو 2013 قبل تولي الجيش السلطة بيوم سبع جنيهات وقرشا واحدا، وها هو يصل إلى حوالي الخمسين جنيها خلال سنوات توليه.
ولقد جرت العادة بين البسطاء من المصريين على مقارنة سعر صرف الدولار خلال فترة حكم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر، كدلالة على الغلاء أو سهولة العيش، كما يقارن آخرون بين فترات حكم البلاد من خلال سعر اللحم خلال كل فترة. ومن المؤكد وهم يقارنون سعر رطل اللحم خلال عهد الملك فاروق وسعر كيلو اللحم بعهود الرؤساء محمد نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك ومرسى، أنهم سيحتفظون للجنرال بمكان الصدارة في تلك المقارنة.
وهي المقارنة التي سيفوز بها الجنرال أيضا مع المقارنة بين أسعار سلع أخرى عديدة كالأرز والزيت والسكر والخبز والبيض وحتى البصل، في ضوء الأسعار غير المسبوقة للسلع والخدمات في عهده، والمقارنة بين ما كان يمكن للجنيه المصري شراءه من سلع في تلك الفترات بالمقارنة بعهده.
مطلوب من المصريين أن يصدقوه في أنه لم يعد بتحسن أحوالهم من قبل، خلال خطابه الأخير الذي قال فيه إنه بذل أقصى ما يستطيع لحماية أهل غزه وإغاثتهم، وأن معبر رفح مفتوح طوال الساعات الأربع والعشرين ولم يغلق أبدا
وهكذا مطلوب من المصريين أن يصدقوه في أنه لم يعد بتحسن أحوالهم من قبل، خلال خطابه الأخير الذي قال فيه إنه بذل أقصى ما يستطيع لحماية أهل غزه وإغاثتهم، وأن معبر رفح مفتوح طوال الساعات الأربع والعشرين ولم يغلق أبدا، وقوله لسنا فسدة وأخذنا أموالكم وأضعناها، وأنه لم يحدث خروج لـ12 مليار دولار من البلد. وكان قد كرر في خطابات سابقة أنه "صادق أوي" أى صادق جدا، و"أمين أوي وشريف أوي" مدعما ذلك بتكرار القسم بالله قبل حديثه، ليجد التصفيق دائما من الحضور لمؤتمراته والذين يتم اختيارهم من قبل الأجهزة السيادية، وغير مسموح خلالها سوى بالتصفيق.
وكان المصريون في العهد الدكتاتوري لجمال عبد الناصر يستخدمون النكتة للتعبير عن رأيهم فيما يحدث حولهم، ورغم تعدد وسائل التواصل الإجتماعي حاليا إلا أن الملاحقة الأمنية لمضمون الصفحات الخاصة، وما نال البعض من عقوبات بسبب مضمون صفحاته، قد أعاد البعض إلى الكتابة الساخرة الرمزية والتي تجد تفهما لمضمونها بين غالبية المطحونين.
كما انفصل الكثير من البسطاء عن الحاكم الفرد خشية بطشه، تاركين إياه يعيش في عالمه الخاص وروايات إعلامه التي لا تعرف سوى الإنجازات في ظل الجمهورية الجديدة، والتي تتحدث عن اتجاه معدلات البطالة والتضخم والفقر للتراجع رغم شدة المعاناة، وكذلك الحديث عن خروج 39 مليون و702 ألف شخص لاختياره في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بنسبة 89.6 في المائة من الأصوات الصحيحة، وذلك من بين 44.778 مليون شخص ذهبوا لمراكز الاقتراع رغم معرفتهم للنتيجة مسبقا!
twitter.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري الوعود مصر اقتصاد السيسي أزمات وعود مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة سعر صرف الدولار من المصریین اللحم خلال أنه لم
إقرأ أيضاً:
مطلوب وظيفة رئيس وزراء العراق
آخر تحديث: 1 دجنبر 2025 - 9:07 ص بقلم:سمير داود حنوش لاشيء جديد أن تنتهي الإنتخابات العراقية السادسة التي جرت في الحادي عشر من نوفمبر إلى تقاسم مناطق النفوذ وتوزيع المغانم وتبادل الأدوار في المناصب.ذلك ليس غريباً على العراقيين، لكن الجديد أن يحمل كل مرشح سيرته الذاتية للحصول على منصب رئاسة الوزراء بغض النظر عن الفائز والخاسر في أصوات الناخبين.أخيراً وبعد ظهور نتائج الإنتخابات جلس الإطار التنسيقي “الكتلة الأكبر” ليضع شروطاً واجب توفرها في المرشح لمنصب رئاسة الوزراء عبر C.V يتحدث فيه عن أهم أولوياته الحكومية فيما إذا تولى المنصب، والأهم هو تعهده تحريرياً بعدم تشكيل أي تكتل أو حزب سياسي أو دخوله إلى السباق الإنتخابي القادم. ذلك الشرط المهم الذي فات على الإطار التنسيقي أن يفرضه إلزاماً لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني في بداية توليه الرئاسة.سيناريو غريب لن تجده سوى في العراق، عندما تتحول رئاسة الوزراء إلى فرصة الباحثين عن عمل ووظيفة شاغرة لا تشترط الفوز بالإنتخابات أو الحصول على أعلى الأصوات.وظيفة تكون من شروطها أن يكون المرشح ملتزماً بتعليمات الكتل الحزبية وأن لا يُغرد خارج سربها، وقدرته على غض النظر والصمت والطاعة، وببساطة أن يتحول منصب رئيس الوزراء إلى وظيفة مدير تنفيذي بل قد يتحول هذا المنصب إلى إكسسوار في العملية السياسية، بينما القرارات المصيرية تُتخذ في دهاليز الغرف المظلمة وكواليس الإجتماعات المغلقة. تلك هي لعبة السياسة في العراق، لكن في المقابل تشترط القوى السياسية في المرشح لمنصب رئاسة الوزراء أن يكون حازماً وقوياً في مواجهة سلاح الميليشيات المسلحة وأن يُخرج العراق من قاع الإنهيار الإقتصادي الذي يواجهه البلد وأن يُنقذ رواتب الموظفين والمتقاعدين من الضياع بعد أزمة السيولة النقدية التي تواجه البلد وإحتمالية إنخفاض أسعار النفط وإنقاذ خزينة الدولة من الإفلاس. تلك القوى السياسية تشترط في المرشح أن يُمسك ببيضة القُبّان في سياساته الخارجية ويُبعد العراق عن بؤر التوترات وحروب المنطقة القادمة، فهل رأيتم تناقضاً أكثر من ذلك أو شيزوفرينيا تفوق هذا الفعل؟.الأغرب في المشهد السياسي هو ذلك التنافس الذي قد يصل إلى الضرب تحت الحزام من أجل وظيفة يتوجب على شاغلها أن يملك مصباح علاء الدين السحري ليحل جميع مشاكل العراق السياسية والإقتصادية، فلماذا التهافت على هذه الوظيفة؟. غياب مقتدى الصدر عن المشهد السياسي لم يُخلي الساحة من منافس فحسب، بل غيّر المعادلة السياسية جذرياً وجعل الإطار التنسيقي بلا خصم يفرض شروطه أو حتى منافس يُغيّر بعض من قواعد اللعبة.القول إن التدخل الإيراني في الشأن الداخلي لتشكيل الحكومة والقرار الأمريكي الراعي الرسمي للنظام السياسي ليس له تأثير أو وجود، قول فيه الكثير من البُهتان والتجنّي، فطالما كان الصراع ينتهي لصالح الجارة الشرقية في تشكيل الحكومات السابقة وربما برضا وتوافق أمريكي، لكن يبدو أن المعادلة الإقليمية قد تغيرت وبدأت إيران تفقد بوصلة السيطرة على الوضع العراقي في ظل وجود فيتو أمريكي قادم يمنع حلفاء الجارة الشرقية من المشاركة في السلطة. مشكلة العراق ليس بمن يكون رئيس للوزراء، بل في النظام السياسي الذي بات لا ينتج ما هو نافع أو مفيد، معضلة نظام لم يعد يستطيع إيجاد الحلول لمشكلات أصبحت تكبر ككرات الثلج حتى باتت بدون حل سوى التنظير وسفسطة أحاديث السياسية.من المبكر التنبؤ بما ستحدثه نتائج هذه الإنتخابات وما يُفضي إليه تشكيل الحكومة القادمة، لكن المؤكد إن عواصف الأحداث القادمة وتوقعات إندلاع شرارة الحرب بين إيران وإسرائيل في أي لحظة تؤكد إن العراق لن يكون بمعزل عن توترات إقليمية قد تقلب المعادلة في العملية السياسية.