وصلت مارغريت فان غيلدرمالسن، وهي ممرضة من نيوزيلندا إلى الأردن في رحلة سياحية، لكن حياتها تغيرت جذريا حين تعرفت على بدوي تحابا وتزوجا، وعاشت معه في كهف خال من وسائل الراحة.
في رحلة استثنائية امتدت آلاف الأميال، غادرت مارغريت فان غيلدرمالسن موطنها نيوزيلندا حيث النسمات العليلة والحياة المليئة بوسائل الراحة، لتصل إلى صحراء الأردن الذهبية في عام 1978 كسائحة تبحث عن مغامرة جديدة.
لم تكن تعلم أن الأقدار تخبئ لها حياة جديدة مختلفة تماما عما عهدته في حياتها السابقة. بينما كانت تتجول بين الصروح المنحوتة في صخور البتراء، التقت بمحمد عبد الله عثمان، البائع البدوي الذي كان يعرض التحف التذكارية للزوار، فكانت نظرة كتبت معها فصلاً جديداً من حياتها.
ما اعتقد البعض أنها مغامرة عابرة، تحولت إلى قصة حب نقَلَت مارغريت من عالمها الحديث إلى حياة بدائية في كهف منحوت بين الصخور، خالٍ من الكهرباء والماء الجاري وأبسط وسائل الراحة التي اعتادت عليها.
بتفانٍ نادر، قبلت هذه المرأة الشابة بتحدي المصير، وبدأت رحلة تأقلم مدهشة مع الحياة البدوية، تعلمت خلالها جلب الماء على ظهر حمار، وإعداد الخبز على نار الحطب، وغسل الملابس يدويا، والتعايش مع تقلبات الطقس القاسية بين حر الصحراء اللاهب وبرد لياليها القارص.
لم تكن حياتها مجرد بقاء في ظروف صعبة، بل أصبحت جزءا من نسيج المجتمع البدوي، فعملت في إدارة عيادة محلية، وساعدت زوجها في بيع القمصان والأواني الفضية للسياح.
الأكثر إثارة أن شخصيتها الفريدة وطبيعتها المنفتحة جعلتها محط إعجاب الجميع، حتى أن زيارتها للملكة إليزابيث الثانية والملكة نور خلال زيارة ملكية في 1984 لم تكن سوى محطة واحدة في رحلتها الاستثنائية.
لم تكن العلاقة بينها وبين قبيلة “البدول” علاقة مصاهرة فقط، بل تقبل حقيقي لشخصيتها المختلفة، فكانت تجلس في غرف الرجال دون حرج، وحافظت على دينها المسيحي دون تعارض مع محيطها الإسلامي، بل إن زيارة والديها النيوزيلنديين ذوي الشعر الأشقر أصبحت مناسبة سعيدة للجميع.
رغم السعادة التي عاشتها مع زوجها وأبنائها الثلاثة، كانت مارغريت تشهد تحولات عميقة في حياة البدو، فجيل الشباب كان يعاني من صراع بين جاذبية الحياة الحديثة والرغبة في الحفاظ على التراث. وقد رأت بعينها كيف كانت القبيلة تعيش في تلاحم وتكافل، يشاركون بعضهم في الأفراح والأتراح، متمسكين بتقاليدهم العريقة. لكن رياح التغيير كانت تدق الأبواب، وفي عام 1985 أعيد توطين البدو في قرية حكومية، لتنتهي بذلك حقبة تاريخية من الحياة في الكهوف.
بعد ربع قرن من الحياة المشتركة، رحل محمد عن الدنيا في 2002، تاركا فراغا هائلا في قلب مارغريت. انتقلت إلى سيدني محاولة العودة إلى جذورها، لكنها أدركت أن قلبها بقي في الأردن، فعادت لتستقر بالقرب من البتراء حيث بدأت
قصة حبها.
كانت الذكرى الأكثر إشراقا هي مذكراتها “متزوجة من بدوي” التي نشرتها بعد سنوات من التردد، مستجيبة لنصيحة سائح قابلها عام 1997 وقال لها: “دوّني هذه القصص حتى لو كانت لأطفالك فقط”.
أصبح الكتاب وثيقة إنسانية نادرة، تُرجم إلى أكثر من عشر لغات، يوثق ليس فقط قصة حب استثنائية، بل وأيضا الحياة الأخيرة للبدو في البتراء قبل التحول الكبير.
اليوم، تجلس مارغريت في كشكها الصغير تبيع كتبها والمجوهرات الفضية المصنوعة يدويا، بينما يتواصل تدفق الرسائل من قراء حول العالم تأثروا بتجربتها الفريدة.
ما يزال المرشدون السياحيون والتجار يحيونها باللغة العربية بحرارة واحترام، لتظل هذه المرأة التي جاءت من أقاصي الأرض جزءا من نسيج البتراء الإنساني، شاهدة على قوة الحب العابر للحدود والثقافات، القادر على تحويل الكهف الصخري إلى قصر من المشاعر، والحياة البسيطة المتقشفة إلى ملحمة إنسانية خالدة.
المصدر: RT
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/04 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة بالصورة.. حسناوات السودان يواصلن خطف الأضواء بمدرجات قطر أثناء مساندتهن صقور الجديان أمام الجزائر2025/12/03 دراسات: انخفاض ضوء الشتاء يغيّر نمط النوم2025/12/03 كم مرة يجب أن تقيس ضغط دمك في المنزل؟2025/12/03 شاهد بالفيديو.. الأخوين أصحاب “الترند” يعودان لخطف الأضواء من جديد ويطربان والدتهما بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم2025/12/03 شاهد بالفيديو.. مواطن باكستاني يتغزل في السودانيين: (الواحد منهم إذا حطيته في الجرح يطيب..نسوني همومي بأرواحهم الراقية وقلوبهم الصافية وعقولهم النظيفة وتعيش بينهم لكن صعب تعيش بدونهم)2025/12/03 شاهد بالفيديو.. “بدران” الدعم السريع يناشد سكان الجزيرة للانضمام لدولتهم وسحب أبنائهم من “كيكل”: انتم مهمشين من الكيزان والدليل على ذلك أنكم تقولون “ها زول”2025/12/03شاهد أيضاً إغلاق مدارات شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية “تسابيح خاطر” تحتفل بعيد ميلادها وسط سخرية غير مسبوقة من الجمهور: (افتحي التعليقات كان تقدري وشوفي الاحتفال الصاح) 2025/12/03الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عنالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: لم تکن
إقرأ أيضاً:
د. سعيد الكعبي يكتب: دورة الحياة
تختلف النظرة وتبقى الأشياء الثابتة. كل جيل يظنّ أنه أذكى من الذي قبله، وأكثر نضجاً من الذي بعده، الابن يرى أباه «دقّة قديمة»، والأب يرى ابنه «لا يفهم». والموظف الجديد يرى مديره مدرسة قديمة، والمدير يرى في الموظف الجديد حماس البدايات. النظرة لما حولنا تتغير مع العمر، ومع التجارب التي تشكّلنا بصمت.حين كنّا صغاراً، كنّا نرى الأشياء ببريقٍ أكبر حجماً مما نراها في كبرنا. ثوب العيد كان حدثاً يملأ القلب فرحاً، والهدية الصغيرة كانت كفيلة بأن تُصلح كل خصام، نغضب بسرعة.. ونرضى أسرع، نختلف ثم ننسى، نكسر اللعبة ثم نضحك، كل شيء كان بسيطاً ولم نحمل على أكتافنا حساب «النتائج».
نكبر فنصبح أقلّ دهشة، وأكثر حذراً، نزن الكلمة حتى نسجنها في صدورنا خوفاً من عواقبها، نخشى التجربة خوفاً من نهايتها. لم نعد نغضب من تفاهة، لكننا أيضاً لا نفرح بسهولة، نظرتنا للأشياء أصبحت أعمق، لكنها أيضاً أثقل.
في الصغر، نريد الفوز بأي شيء: اللعبة، المسابقة، الرأي، وفي الكبر نكتشف أن الخسارة أحياناً انتصار، في الصغر نغامر لأننا لا نعرف العواقب، وفي الكبر نتردد لأننا عرفناها جيداً.
هي دورة الحياة، تبدأ بالجهل الذي يعطينا الشجاعة وتنتهي بالحكمة التي توجب الحذر. إنها ليست مسألة صواب أو خطأ، بل اختلاف في زاوية النظر. فلا تطلب من صغير أن يتصرّف ككبير، ولا من كبير أن يتصرّف كالصغير. كل تصرّفٍ جماله في مناسبته لعمر صاحبه، وفي صدقه مع مرحلته.
الحياة ليست سباق نضج، بل مسيرة تغيّر، فما تراه اليوم تافهاً، تراه غداً مهماً، وما تراه اليوم كبيراً، تبتسم له بعد سنوات وتقول: «كم كنت أحمق حين ظننته نهاية العالم».
* وقفة تأمل:
•ما الشيء الذي كنت تراه عظيماً في طفولتك… وتبتسم له اليوم؟
•هل تغيّرت أنت.. أم تغيّرت نظرتك إلى العالم؟