البرهان.. بين المفاوضات في الظلام وتهديدات في العلن
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
البرهان.. بين المفاوضات في الظلام وتهديدات في العلن
حسب الرسول العوض إبراهيم
لم تهدأ وتيرة التطورات على الساحة السياسية السودانية بل أخذت تتدحرج ككرة ثلج خصوصاً في ما يتعلق بمسار الحرب الدائرة في البلاد. فقد شهدت الأيام الماضية أحداثاً سياسية وعسكرية كشفت حجم العبث الذي يحيط بالمشهد ككل، بدءاً من سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة بابنوسة ووصولاً إلى موجة جديدة من الضغوط الدولية على سلطة بورتسودان.
في هذا السياق جاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الذي ظهر بجانب الرئيس ترامب مؤكداً أن ملف السودان يتولاه الرئيس مباشرة. التصريح لم يكن عابراً بل حمل رسالة بأن واشنطن تستعد لاتخاذ خطوات أكبر ضد السلطة الحالية، خاصة بعد التلويح بورقة السلاح الكيماوي والتهديد الصريح بضرورة الاعتراف بوجوده والتوقف عن استخدامه.
وبالتزامن مع ذلك برزت من جديد قضية القاعدة الروسية على البحر الأحمر، ورغم أن الفكرة قديمة إلا أن إعادة طرحها الآن تعكس تصاعد الضغط الأمريكي على بورتسودان.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن روسيا لم تكن يوماً متحمسة لإنشاء قاعدة عسكرية داخل السودان ولو كانت كذلك لاستجابت لعرض البشير سابقاً. فموسكو تمتلك مركزاً لوجستياً في إريتريا يمكن تحويله بسهولة إلى قاعدة عسكرية دون الحاجة إلى الدخول في تعقيدات الساحة السودانية ولديها ما يكفيها في حربها مع أوكرانيا.
غير أن سلطة بورتسودان تعاطت مع الملف بطريقة مختلفة تماماً فهي بعكس البشير الذي كان يعرض، باتت في وضع القبول والبحث عن أي مشترٍ. فقد أصبح عرض المواقع الاستراتيجية السودانية وكأنها سلعة معروضة في المزاد بهدف حماية سلطة متآكلة أكثر من كونه تعبيراً عن سياسة دولة. وقد ظهر هذا النهج جلياً في واقعة عرض وزير خارجية بورتسودان والوفد المصاحب له رهن ثروات السودان لواشنطن مقابل عدم التدخل والضغط لإنهاء الحرب، وهو موقف قوبل بسخرية أمريكية علنية، وعكس حالة من الاستهتار وفقدان المسؤولية.
وعلى صعيد معسكر الحرب تفاقمت التوترات الداخلية بعد أن تبيّن للبرهان أن جهات داخل الجيش تعمل بمعزل عنه وتسعى لتضليله. وزاد الأمر تعقيداً حين كشف المبعوث النرويجي عن عدم وجود ورقة ثانية وأخيرة مقدمة من مسعد بولس مبعوث الرئيس ترامب من الأساس، رغم أن البرهان استند إليها في تصريحاته الأخيرة، ما أكد له أن الحركة الإسلامية تتصرف خارج نطاق سيطرته.
هذه التطورات دفعت البرهان إلى التفكير في إدارة الأزمة بمفرده بعيداً عن الحركة الإسلامية وقيادة الجيش، خاصة مع تداول معلومات تفيد بأنه يجري مفاوضات منفردة مع دول الرباعية ووافق على تنفيذ كل ما جاء في مقترحاتها مقابل ضمانات شخصية.
إلا أن هذه التحركات فجرت انقساماً حاداً داخل الحركة الإسلامية ذاتها. فقد انقسمت إلى مجموعتين، إحداهما تيار إبراهيم محمود الذي يرى ضرورة حماية الحركة من تبعات القرارات الدولية وتجنب مواجهة مفتوحة معها، وتيار علي كرتي الذي يدفع نحو المضي بالحرب إلى آخر مدى رافضاً أي تسوية قد تضعف نفوذ الحركة.
ومع زيادة التباعد تحدثت تسريبات عن تفاهمات بين قيادات الحركة وياسر العطا لإزاحة البرهان من المشهد بعد فقدان الثقة فيه وتخوفها من أن يقدم على تنازلات كبيرة للرباعية تشبه عملية “البيع السياسي”.
وسط هذا الصراع المتشابك داخلياً وخارجياً يجد السودان نفسه واقفاً على حافة مستقبل مجهول، وبين تسوية قد تنهي الحرب وانفجار جديد قد يفتح باباً لفوضى أعمق، يظل الشعب وحده من يدفع ثمن صراعات السلطة.
* كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
الوسومإبراهيم محمود حامد البرهان الرئيس ترامب السودان القاعدة الروسية الولايات المتحدة حسب الرسول العوض إبراهيم روسيا علي كرتي وزير الخارجية الأمريكي ياسر العطاالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إبراهيم محمود حامد البرهان الرئيس ترامب السودان القاعدة الروسية الولايات المتحدة روسيا علي كرتي وزير الخارجية الأمريكي ياسر العطا
إقرأ أيضاً:
روبيو: ترامب الزعيم الوحيد القادر على إنهاء "أزمة السودان"
قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترامب "يتولى شخصيا" ملف إنهاء الحرب في السودان.
وشدد روبيو على أن ترامب "هو الزعيم الوحيد في العالم القادر على إنهاء أزمة السودان".
وفي سياق متصل، قالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر، عبر منصة "إكس" إن: "السودان يحتاج إلى دفعة عالمية من أجل السلام".
وكان ترامب قد أعلن الشهر الماضي، أنه سيعمل مع الإمارات والسعودية ومصر، إلى جانب شركاء آخرين في المنطقة، لإنهاء الحرب الدائرة في السودان.
وجاءت وقتها تصريحات ترامب خلال مؤتمر حضره في الولايات المتحدة، موضحا أنه تلقى طلبا من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمساعدة في وقف النزاع، لافتا إلى أنه أنهى ثماني حروب ويتطلع إلى دور "حاسم للغاية" هذه المرة أيضا.
ووصف ترامب السودان بأنه "أصبح أكثر الأماكن عنفا" ويعاني أكبر أزمة إنسانية في العالم، مؤكدا أنه تلقى طلبات من قادة دوليين للتدخل واستخدام نفوذ الرئاسة الأميركية لوقف ما يجري.
كما شدد على أن السودان قابل للإصلاح عبر تعاون منسّق بين الدول الشريكة.
وأكد كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون الإفريقية والعربية، مسعد بولس، الشهر الفائت، أن ترامب جعل تحقيق السلام في السودان أولوية.
وأعلنت قوات الدعم السريع السودانية، الشهر الماضي، هدنة إنسانية من طرف واحد تستمر ثلاثة أشهر، وذلك بعد إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان رفضه مقترحا دوليا بالهدنة.
وصرّح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في كلمة مسجلة: "سنلتزم بتسهيل العمل الإنساني ووصول الفرق الإغاثية والطبية للتخفيف من معاناة السودانيين".
وتابع: "العدالة ستأخذ مجراها وفق القانون الدولي ولا إفلات لأي مرتكب للانتهاكات من العقاب".
وأكمل: "نوافق على مشاركة جميع الأطراف في العملية السياسية في السودان باستثناء الحركة الإسلامية والإخوان".
وأضاف: "نأمل أن تضطلع دول الرباعية بدورها في دفع الطرف الآخر للتجاوب مع الهدنة الإنسانية في السودان".
وجاءت هذه الخطوة بعد إعلان قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، رفضه قبول وساطة المجموعة الرباعية لحل الأزمة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
ووصف البرهان خطة الرباعية بأنها "أسوأ ورقة يتم تقديمها لأنها تلغي وجود القوات المسلحة وتطالب بحل جميع الأجهزة الأمنية وتبقي المليشيا المتمردة في مناطقها".