لسان حال سكان غزة: بأي حال عدت يا رمضان؟
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
غزة– أفاقت نادية الدبس صباح اليوم الأحد على صوت ابنها الصغير البالغ من العمر 8 سنوات، طالبا منها إحضار والده إلى الخيمة كي يجلب له "فانوس رمضان" الذي اعتاد على إحضاره له كل عام.
بكت "نادية" كثيرا لأنها تعلم استحالة تنفيذ طلب ابنها، فزوجها يُقيم شمالي قطاع غزة، بينما هي مع أبنائها في مدينة دير البلح وسط القطاع المحاصر، في ظل منع إسرائيل التواصل بين المنطقتين بشكل كامل.
ومما يزيد من ألم الأم أن اقتراب شهر رمضان في ظل غياب "الأب" أصاب ابنتها الكُبرى بحالة "اكتئاب" جعلتها ترفض تناول الطعام والشراب.
ونزحتْ الأم الفلسطينية قبل نحو 4 شهور من مدينة غزة مع أبنائها الثلاثة، هربا من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي، على أمل أن يلحق زوجها بها.
لكن الأب لم يتمكن من الالتحاق بأسرته، كونه لا يحمل "بطاقة هوية شخصية" حسبما تقول زوجته، وهو ما شتت شمل العائلة. وغلبت الدموع "نادية" وهي تشكو قسوة الحياة، خاصة أن اقتراب شهر رمضان أصاب أبناءها بالحزن الشديد لغياب والدهم.
وتضيف للجزيرة نت "ابني الصغير متعلق بوالده كثيرا، ويقول لي: أحضري لي أبي الآن، خلّيه يُحضِر لي فانوس رمضان ويأتي الآن". وبعد لحظات من البكاء، تضيف "حسبي الله ونعم الوكيل، لا نشعر بأجواء رمضان، لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار".
وكان الأب معتادا على شراء 3 فوانيس، قبيل حلول شهر رمضان وتوزيعها على أبنائه الثلاثة، وهي العادة التي حرمه منها الاحتلال. تتابع الأم "أكبر معاناة في رمضان أن ينقص فرد من الأسرة، وليس أي فرد، بل الركن الأساسي هو المفقود، وهو الأب، حالنا لا يوصف، أي عائلة تفرقت حالها لا يوصف".
وأسرة "الدبس" هي مثال للكثير من العائلات الفلسطينية في القطاع التي شتت جيش الاحتلال الإسرائيلي شملها، وسيجبرها على قضاء شهر رمضان مقطعة الأوصال.
ولا تعاني "نادية الدبس" في شهر رمضان، فقط غياب الزوج، بل تفتقد الكثير من متطلبات الحياة، حيث تقيم بخيمة بلا ماء ولا كهرباء، وبدون مطبخ ومرحاض، وتجد صعوبة كبيرة في الحصول على الطعام.
وبحثا عن ظروف أفضل لقضاء شهر رمضان، في ظل سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق شمال قطاع غزة، قررت عائلة "نجلاء إنطيز" المغادرة.
ووصلت "نجلاء" برفقة زوجها وأطفالها السبعة، يوم السبت، مدينة دير البلح (وسط) قادمة من مدينة غزة، عبر ممر باتجاه واحد أنشأه جيش الاحتلال لمغادرة سكان الشمال باتجاه الجنوب، بينما لا يسمح للحركة بالاتجاه المعاكس.
وتقول للجزيرة نت "قضاء رمضان في (شمال) غزة صيام أكثر من اللزوم، والإنسان لا صحة له أن يتحمل الجوع والفقر". وتذكر "نجلاء" أن "المجاعة" في غزة دفعت الناس إلى أن "تأكل الحشائش الخضراء، إن وجدتها".
وكشاهدة عيان، تذكر أن أجواء استقبال شهر رمضان مفقودة تماما شمالي القطاع، وتضيف "وضع أهل غزة صعب جدا وأنا أتكلم باسمهم: الأسواق مُحيت، ولا مأكل ولا مشرب، والمساعدات لا تذهب للناس جميعا.. غزة أصبحت لا تصلح للسكن".
ورغم أجواء الحزن والخوف السائدة في قطاع غزة، بفعل العدوان الإسرائيلي، يحاول سعيد أبو النجا إدخال بعض السعادة على نفوس أسرته، عبر تعليق زينة رمضان على زوايا خيمته. وبلغت كلفة الزينة قرابة 50 شيكلا (14 دولارا) دفعها أبو النجا رغم الضائقة الاقتصادية التي يمر بها.
وبالإضافة للزينة، قرر أبو النجا إقامة "صلاة التراويح" داخل الخيمة بمشاركة العائلة والجيران بهدف الحفاظ على عادات رمضان الدينية. ويشعر أبو النجا بالقلق من كيفية توفير الطعام اللازم لوجبات السحور والإفطار خلال الشهر الفضيل.
ويقول للجزيرة نت إنه لا مناص من الاعتماد على الطعام المُعلب الذي توزعه المؤسسات الإغاثية، في ظل عدم القدرة على طهي الطعام المعتاد خلال شهر رمضان.
كما يستبعد أبو النجا قدرة الفلسطينيين بغزة على صلة أرحامهم والتزاور كما المعتاد، نظرا لتقطيع إسرائيل أوصال الناس في الشمال والجنوب، وخطورة التحرك بين المناطق.
ونظرا لافتقاد "الفوانيس" من الأسواق، قررت سندس النميلات (17 عاما) تعلم كيفية صناعته من خلال البحث عبر الإنترنت، ونجحت بالفعل بصناعة عدة نماذج منه باستخدام الورق.
وبينما كانت تضع اللمسات الأخيرة لفانوس ورقي في خيمة أسرتها بمدينة دير البلح، قالت للجزيرة نت "أصنع فانوس رمضان والذي تعلمته من الإنترنت كي أفرح الصغار بحلول شهر رمضان المبارك".
ورغم سعيها لإدخال البهجة على نفوس أسرتها، تشعر "سندس" بالحزن على مستواها الشخصي، لافتقاد أجواء شهر رمضان في منزلها الذي تعرض للهدم من جيش الاحتلال، واضطرارها لقضاء شهر رمضان في خيمة.
وتضيف "في السابق كنت أقضي رمضان بالدار، مع تجمع العائلة والفرحة، الآن في الخيمة ولا يتجمع الجميع فيها".
ولا تسمح ظروف "هبة هنداوي" القاسية لها بالشعور بمباهج قدوم شهر رمضان، حيث إن زوجها الذي يعاني من الشلل النصفي يوجد في المستشفى، بينما تعيش أسرتها في حالة من الفقر الشديد.
وبينما كانت تنظف كؤوس الشراب وأواني الطعام عبر خرطوم مياه "عام" يستخدمه النازحون، قالت إن شهر رمضان لهذا العام بلا "فرحة، ولا أجواء ولا طعم ولا بهجة لأن ظروفنا المعيشية صعبة".
وتضيف للجزيرة نت "كيف سنشعر بأجواء رمضان ونحن نعيش في خيمة، ولا يوجد مطبخ ولا حمام، ولدينا شهداء ومفقودون ومرضى في المستشفى وحالات صعبة؟! لا طعم ولا بهجة لرمضان في غزة".
وتكمل "أنا سأقضي رمضان في الخيمة، لا أكل ولا شرب ولا أدوات منزلية ولا (موقد) غاز، نلم الكرتون والحطب لتسخين علبة فاصولياء، ولا خضراوات، والأسعار غالية، وزوجي يعاني من الشلل النصفي ونائم في المستشفى، وبنتي لديها ثقب في القلب، ولا أحد ينفق عليّ، فكيف سنقضي رمضان؟".
وختمت حديثها بالقول "الناس تعبانة وحزينة، والشهداء والمفقودون والحزن في كل بيت، ولا أحد سلِم (من العدوان)".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جیش الاحتلال للجزیرة نت شهر رمضان أبو النجا رمضان فی
إقرأ أيضاً:
قيادي بالجماعة الإسلامية للجزيرة نت: الهند تنتهك حقوق السجناء الكشميريين
إسلام آباد- في ظلمات السجن تختفي معاناة العشرات من السجناء السياسيين في الشطر الهندي من كشمير، الذي تم ضمه "بالقوة" إلى السلطة الهندية في عام 2019.
ويعاني عديد من القيادات والنشطاء بالمقاومة الكشميرية في إقليم جامو وكشمير ظروفا إنسانية قاسية تهدد حياتهم في ظل التشديد عليهم ضمن الإجراءات الهندية في الإقليم. وتشمل معاناتهم الحرمان من الزيارات والإهمال ومنع الكشف الطبي، مما أدى إلى إصابتهم بأمراض خطيرة.
من بين المعتقلين عبد الحميد فياض، أمير الجماعة الإسلامية في جامو وكشمير (الشطر الهندي من كشمير)، الذي يقبع خلف القضبان وسط ظروف صحية غامضة وحرمانه من الاتصال بعائلته.
إدانة باكستانيةودان أمير الجماعة في كشمير الباكستانية مشتاق أحمد خان -في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- الاعتقال "الظالم" لفياض، قائلا إن السلطات الهندية تصر على حرمانه المتعمد من العلاج والرعاية الطبية.
كذلك دانت وزارة الخارجية الباكستانية -يوم الجمعة الماضي- استمرار اعتقال السجناء السياسيين الكشميريين في السجون الهندية، مشيرة إلى القيادي شابير شاه، الذي يعاني سرطان البروستاتا، واستنكرت رفض محكمة هندية الإفراج عنه بكفالة رغم مرضه الذي قالت إنه من الصعب علاجه في "بيئة السجن".
من جانبه، قال مسؤول العلاقات الخارجية للجماعة الإسلامية بالشطر الباكستاني من كشمير خالد محمود خان -للجزيرة نت- إن هذه الإجراءات المتشددة جاءت مباشرة بعد اعتقال كل القيادات الكشميرية، وعلى رأسهم ياسين ملك وشابير شاه وعبد الحميد فياض، وذلك بعد إلغاء حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الحالة الخاصة بكشمير عام 2019.
وأضاف خان أن فياض "وقف بكل قوة ضد القرار الهندي بضم الإقليم، وناشد الشعب الكشميري الوقوف ضد هذا القرار الجائر، الذي بسببه تم القضاء على حركة المقاومة الكشميرية".
إعلانووفقا له، فإن القادة الكشميريين ممنوعون من الزيارات، ومن بينها الزيارات العائلية، ومن العلاج الطبي ويعانون أوضاعا صحية صعبة، لدرجة أن عددا منهم لا تُعرف ما الأمراض التي أصابتهم. وأشار إلى أن شابير شاه يعاني سرطان البروستاتا، في حين يحتاج عبد الحميد فياض لعملية جراحية عاجلة.
وأوضح أن رئيسة وزراء جامو وكشمير السابقة، حبيبة مفتي، ورئيس تحالف الأحزاب الكشميرية سابقا، مير واعظ عمر فاروق، طالبوا الحكومة الهندية بتوفير العلاج اللازم لفياض.
وأكد أن ما تقوم به السلطات الهندية "بحق القيادات الكشميرية يعد انتهاكا واضحا لحقوق الإنسان، التي يجب أن يحظى بها أي سجين سياسي في العالم".
وحسب خالد خان، تمنع الحكومة الهندية الاتصال بشكل كامل بين الكشميريين في الشطرين الهندي والباكستاني، مشيرا إلى أن بعض العائلات في كشمير الهندية يُمنعون من التواصل مع أقاربهم في الشطر الباكستاني، ويعتبر ذلك جريمة.
كما أضاف أن الجماعة الإسلامية في كشمير الباكستانية لا تستطيع التواصل مع نظيرتها في الشطر الهندي، وذلك بعد سيطرة الهند على إقليم جامو وكشمير، وحظر جميع أنشطتها ونشاطات المقاومة الكشميرية حظرا كاملا.
وعن دور الجماعة في المقاومة الكشميرية، قال خالد خان إنه أساسي، لأنها منذ اليوم الأول "لاحتلال" الإقليم لم تعترف بالسيطرة الهندية، وتمارس المقاومة السلمية عبر مدارسها والأنشطة السياسية المختلفة، مشبها دور الجماعة "بدور حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين".
وحسب خالد خان، كان للجماعة دور واضح في بث الوعي لدى الكشميريين بعدم مشروعية السيطرة الهندية على جامو وكشمير، وطالبت بحق الشعب الكشميري في تقرير المصير والانضمام إلى باكستان أو الهند، و"هذا ما قررته الأمم المتحدة".
وذكر أن نحو 80% من "الشهداء" والجرحى في الإقليم من الجماعة الإسلامية، واعتبرها أكبر منظمة مقاومة تعمل في جامو وكشمير.
من جهته، قال المحلل السياسي المختص في الشأن الكشميري، خواجة كاشف مير، إن هذه الجماعة لطالما كانت العمود الفقري الأيديولوجي للمقاومة الكشميرية، ولها جذور عميقة في التعليم والرعاية الاجتماعية والتعبئة السياسية، إذ برز من صفوفها قادة مثل سيد علي جيلاني وأشرف سهراي، كما كانت تُدير مئات المدارس والبرامج الاجتماعية قبل حظرها عام 2019.
وأضاف مير -للجزيرة نت- أنه بعد أغسطس/آب 2019، حظرت الهند الجماعة بموجب "قانون مكافحة الإرهاب"، واعتقلت أكثر من 3 آلاف عضو واستولت على أكثر من 200 مؤسسة.
خطوة إستراتيجية
كما يقول مدير قسم الدراسات الهندية بمعهد الدراسات الإستراتيجية في إسلام آباد، خورام عباس، إن الجماعة الإسلامية، من وجهة النظر الباكستانية، كانت ركيزة أيديولوجية وتعليمية وتنظيمية رئيسية لحركة المقاومة الكشميرية. وقد أكسبتها شبكاتها الشعبية ودعمها لحق تقرير المصير نفوذا بين الشباب والمثقفين.
وأضاف عباس -للجزيرة نت- أن باكستان ترى أن حظر الهند للجماعة وقمع أعضائها محاولة لتفكيك البنية التحتية الاجتماعية والسياسية الداعمة للمقاومة. ومن هذا المنظور، يُعتبر إضعافها خطوة إستراتيجية من جانب نيودلهي لتمزيق التماسك الداخلي للحركة الكشميرية.
إعلانومنذ إعلان السيطرة على جامو وكشمير في أغسطس/آب 2019، اتخذت نيودلهي عديدا من الإجراءات لحظر الجماعات والحركات السياسية الكشميرية الرافضة "للاحتلال" الهندي لكشمير.
في هذا السياق، يقول كاشف مير إن استخدام قانون السلامة العامة، الذي يسمح بالاحتجاز دون محاكمة لمدة تصل إلى عامين، لا يزال أداة قانونية أساسية للقمع. وأوضح أنه في عام 2023 وحده، احتُجز أكثر من 500 كشميري بموجب قانون الأمن العام ونُقلوا إلى سجون هندية بعيدة، مما أدى فعليا إلى عزلهم عن عائلاتهم.
وحسب عباس، ترى باكستان أن التصعيد الأخير للإجراءات الهندية -خاصة منذ الإجراءات الأحادية الجانب التي اتخذتها في الخامس من أغسطس/آب 2019- جزء من إستراتيجية متعمدة لسحق المقاومة الكشميرية وتغيير الطابع الديمغرافي للمنطقة.
وأضاف أن تزايد العسكرة، وقمع المعارضة، وتقييد الحريات المدنية، وقمع وسائل الإعلام، يهدف إلى إسكات أصوات تقرير المصير، و"لكن ما يحدث هو العكس، إذ زادت هذه الإجراءات من عزم الكشميريين على مقاومة الاحتلال الهندي".