لا يحتاج الوضع الاقتصادي في ليبيا إلى كثير من الشرح، فالدخل المنخفض لغالبية فئات الشعب الليبي، والتراجع المستمر في قيمة الدينار، وارتفاع نسبة البطالة، وغلاء الأسعار بالنسبة للمواد الأساسية، والتنافس بين كتل الفساد بين الشرق والغرب، كلها مؤشرات على وضع اقتصادي ينذر بما هو أسوأ.

وتبدو المؤسسات الليبية بعيدة عن هموم الناس وتفكر بشكل منعزل، ويسعى أصحاب القرار الاقتصادي لتعزيز مواقعهم والحفاظ على مكاسبهم، من خلال قرارات أقل ما يقال عنها أنها تتجاهل معاناة الليبيين وتدفعهم إلى مزيد من الفقر في بلد يعتبر الأغنى في قارة أفريقيا.

وآخر القرارات القاسية، ما اتخذه مجلس النواب بخصوص فرض ضريبة على العلمة الأجنبية (الدولار) وخفض قيمة العملة الوطنية (الدينار)، بحجة الحفاظ على الاستدامة المالية، فهل تحافظ المؤسسات التي تدير أكثر من 1.2 مليون برميل نفط يوميا إلى جيوب المواطنين لتحافظ على استدامتها المالية.

مؤخرا دار سجال معلن بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية ومحافظ مصرف ليبيا المركزي حول الإنفاق العام في ليبيا، وبينما قال محافظ المركزي إن الانفاق خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ (400) مليار دولار، رد رئيس الحكومة بأن الإنفاق خلال نفس الفترة لا يتعدى (15) مليار دولار.

وعلى خلفية التراجع الاقتصادي، اقترح محافظ مصرف ليبيا المركزي، تخفيض قيمية الدينار مقابل الدولار، واستجاب له مجلس النواب دون تردد.

وحدد البنك المركزي في ديسمبر 2020 سعر الصرف عند 4.8 دينار للدولار بعد سنوات من تباين أسعار الصرف في مناطق مختلفة من البلاد تسيطر عليها فصائل متنافسة.

وقال الكبير إن سعر الصرف الجديد سيتراوح بين 5.95 إلى 6.15 دينار للدولار، وستدر الرسوم إيرادات تقدر بحوالي 12 مليار دولا.

وبينما تسيطر حكومة الوحدة لوطنية على طرابلس والأجزاء الشمالية الغربية من ليبيا، فإن الشرق تتولى حكمه إدارة معينة من البرلمان.

وتعليقا على قرار مجلس النواب بفرض ضريبة على العملات الأجنبية، قال عضو مجلس النواب صالح افحيمة، في منشور له عبر صفحته الشخصية على فيسبوك: “بعيدا عن الآثار الاقتصادية السيئة لهذا القرار التي حذر منها عدد من الخبراء، فإن هذا القرار يعد مخالفا لمبدأ أساسي في فرض الضرائب في ليبيا وهو أن لا ضريبة من دون قانون”.

وتابع افحيمة حديثه:” وأما إذا ما اعتبرناه تعديل لسعر الصرف فهنا نقول أن هذا القرار ليس من صلاحيات رئيس المجلس حيث حدد القانون رقم 46 لعام 2012 في مادتيه الحادية والثلاثون والثانية والثلاثون بأن صاحب الاختصاص الأصيل في تعديل سعر الصرف مجلس إدارة البنك المركزي وبالتالي لا علاقة للسلطة التشريعية ولا لرئيسها بهذا الأمر”.

رئيس الغرفة التجارة في مصراتة الأمين فتحي، أكد أن ”إن القرار من الناحية القانونية باطل وسنواجهه بالقانون”.

وأضاف فتحي في تصريحات لصحيفة “صدى” الاقتصادية، أن القرار لم يصدر عن مجلس النواب وفق القانون رقم 4 لعام 2014 بشأن النظام الداخلي للمجلس،إنما صدر عن رئيس المجلس بشكل منفرد،موضحا أن الضريبة تفرض بقانون، والرسم يفرض من السلطة التنفيذية وهذا لا يجوز.

واعتبر فتحي أن القرار مكافأة للحكومة على توسعها في الإنفاق، وتشجيع لها على الاستمرار.

من جهته اعتبر مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، إن ما يطالب به محافظ مصرف ليبيا المركزي سيؤدي إلى أن العملة الليبية لن تكون لها قيمة وسيزيد الغلاء وتنخفض قيمة مدخرات المواطنين.

وقال الغرياني في حديث تلفزيوني: “ما فعله المصرف والخطاب الذي أرسله للبرلمان ،هذا هو المكس بعينه، فرض ضريبة على الناس ويأخذها من جيوبهم ظلماً هذا هو المكاس والمكس أخذ المال من الناس بغير وجه حق”.

هذا الجدال يدل على أمر هام، وهو أن القرارات التي تتخذ باتت فاقدة للمصداقية لدى الشارع الليبي، الذي مل من المناكفات بين أصحاب القرار بين الشرق و الغرب، وبات ينتظر حلا سحرا يأتي من السماء، يعيد الشرعية للمؤسسات الحكومية ويُوحد المناصب السياسية، ويجعل الليبيين شركاء في القرار من خلال الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية التي طالت أكثر من اللازم وبات المستفيدون و لفاسدون يتمسكون بها للحفاظ على مكاسبهم.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: الاقتصاد الليبي الدولار الأمريكي سعر صرف الدولار ضريبة الدولار موارد مجلس النواب

إقرأ أيضاً:

تسابق ليبي لتشكيل حكومة جديدة.. فهل ستتجاوز قبة البرلمان؟

طرابلس- يتصدر حاليا ملف تشكيل حكومة ثالثة موحدة بديلة عن الحكومتين المتنازعتين في ليبيا عنوان الأزمة، مدفوعا بمبررات دستورية ضاغطة وتحركات برلمانية متسارعة.

واستمع مجلس النواب عبر جلسات منفصلة إلى عدد من المرشحين للرئاسة، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن مشروعية الخطوة وغاياتها وسقفها الزمني، وقدرة البرلمان على تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس، ومدى الاعتراف والقبول الدولي، وأي انعكاسات لانقسام مجلس الدولة.

وفي محاولة لاستجلاء أبعاد هذه التطورات استطلعت الجزيرة نت آراء عدد من الفاعلين السياسيين الليبيين الذين عرضوا تحليلاتهم بشأن فرص النجاح والإخفاق والتحديات.

ما مبررات تشكيل حكومة ثالثة؟

أوضح عضو مجلس الدولة بالقاسم أقزيط للجزيرة نت أن استمرار وجود حكومتين متوازيتين في ليبيا يحتم الذهاب نحو تشكيل حكومة ثالثة موحدة تنهي هذا الوضع المشوه، لأن ليبيا لا يمكن أن تدار بمنطق الدولتين، حسب تعبيره.

ولفت أقزيط إلى وجود أغلبية وازنة داخل المجلسين تمتلك الإرادة السياسية الصادقة لتشكيل حكومة موحدة تعبر عن إرادة وطنية جامعة.

بدوره، برر عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي في حديثه للجزيرة نت أن الهدف من تحركات البرلمان هو إنهاء الانقسام والازدواجية، استنادا إلى التعديل الدستوري الـ13 الذي نص صراحة على تشكيل حكومة موحدة، مبينا أن مقترحات اللجنة الاستشارية عززت هذا التوجه.

إعلان

من جهته، أكد عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة للجزيرة نت أن تشكيل حكومة تنفيذية موحدة بات مطلبا، لكنه أبدى تحفظه على موقف المجتمع الدولي والبعثة الأممية.

ما تحديات تشكيل حكومة جديدة؟

يرى عضو مجلس النواب حسن جاب الله أن تشكيل حكومة جديدة في ظل غياب خارطة طريق واضحة وتفاهم مؤسسي بين مجلسي النواب والدولة ودون غطاء أممي عبر بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لن يفضي إلا إلى تكرار إخفاق تجربة حكومة فتحي باشاغا.

وقال جاب الله للجزيرة نت إن الدوافع الحالية المطروحة لتشكيل الحكومة لا ترتكز على مشروع وطني جامع ينهي المراحل الانتقالية ودستور دائم للبلاد، مشددا على ضرورة الاستفتاء على الدستور وحض المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على القيام بدورها وطرحه للاستفتاء في أقرب وقت.

وأشار إلى أن العوائق الجوهرية تتمثل في الانقسام القائم داخل مجلس الدولة الذي يصفه بالشريك الجوهري في العملية التوافقية.

وعُيّن فتحي باشاغا رئيسا للحكومة الليبية من قبل البرلمان عام 2022 خلفا لعبد الحميد الدبيبة، لكنه لم يتمكن من دخول العاصمة طرابلس، وعمل لفترة من مدينتي بنغازي وسرت، قبل أن تُسحب منه الثقة.

وعن سؤال الجزيرة نت بشأن مدى التنسيق بين المجلسين في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة، أوضح عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أن أكثر من 100 عضو من مجلس النواب منحوا أصواتهم لمرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، في خطوة ترافقت مع مستوى عالٍ من التنسيق مع مجلس الدولة الذي بدوره منح تأييدا مشابها.

مجلس النواب يستمع لبرامج مترشحين لرئاسة الحكومة حيث منح نواب أصواتهم لعدد من المرشحين (مجلس النواب الليبي) على ماذا استند البرلمان في خطوة تشكيل الحكومة الجديدة؟

المحلل السياسي عيسى عبد القيوم أشار في تصريحه للجزيرة نت إلى 3 متغيرات:

ما صدر عن إحاطة مجلس الأمن الأخيرة التي طالبت فيها الدول الكبرى بضرورة تشكيل حكومة جديدة. توصيات اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بضرورة تشكيل حكومة موحدة. اتفاق جنيف الذي حدد ولاية لحكومة الوحدة لا تتجاوز 18 شهرا، وهي مدة انتهت فعليا، مما يجعل استمرار حكومة الدبيبة خارج الشرعية الزمنية. إعلان

بدروه، يرى أستاذ القانون الخاص راقي المسماري أن الروزنامة التشريعية في ليبيا وصلت إلى درجة من الترهل، وذلك بعد مرور 14 عاما على صدور الإعلان الدستوري في 2011 الذي عُدّل 13 مرة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبرى بشأن المشهد الدستوري برمّته.

وأضاف المسماري للجزيرة نت أن تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يتخذ أحد المسارين:

توافق المجلسين، ويتضمن تقديم مشروع توافقي لتشكيل حكومة وفق القوانين المعمول بها، مع ضرورة تقديم برنامج قادر على إقناع البعثة لنيل الثقة والقبول السياسي. حوار سياسي جديد تتخذه البعثة بهدف إعادة بناء مسار سياسي شامل في حال تعذر التوافق بين المجلسين. ما معايير اختيار الرئيس الجديد؟

يوضح النائب العرفي أن معايير اختيار رئيس الحكومة الجديدة مرتبطة بنجاعة المشروع المقدم ومدى واقعيته وسرعة إنجازه، فضلا عن قدرته على تقليص أي أضرار محتملة، مؤكدا أن العامل الحاسم في هذه العملية هو الدعم الدولي، وأن غيابه سيجعل الحكومة المقترحة مجرد كيان محلي محدود الفاعلية.

وتوقع العرفي أن تكون مدينة سرت مقرا للحكومة الجديدة، نظرا لتجهيزاتها الفنية وموقعها الوسيط بين مختلف المناطق، مما يضمن عمل الحكومة بتوازن.

هل يستطيع البرلمان تمكين سلطة تنفيذية فاعلة من طرابلس؟

تواجه الحكومة الجديدة مجموعة تحديات، أبرزها إمكانية تقلدها مهامها من العاصمة طرابلس، إذ يُشخص المحلل السياسي محمد مطيريد المأزق بوضوح قائلا "الحكومة المقبلة إن لم تجد موطئ قدم آمن في طرابلس فستكون تكرارا مريرا لتجربة باشاغا، حكومة ولدت في البرلمان وماتت في سرت".

وأشار مطيريد للجزيرة نت إلى تفاهم أمني بين قوة الردع وبعض التشكيلات المسلحة من الزاوية، مما قد يمهد الطريق أمام شخصية تنفيذية من الزاوية أو سوق الجمعة للدخول إلى العاصمة، وإذا ما اختار البرلمان شخصية مقبولة من هذه المناطق فإن الحكومة المقبلة قد تتمكن من العبور إلى طرابلس.

إعلان

وهو ما يتفق معه المحلل السياسي عيسى عبد القيوم الذي تحدث عن "توازنات جهوية" تبرر أن جميع المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة هم من الغرب الليبي بحكم أن رئاسة البرلمان تتموضع في الشرق، لافتا إلى أن هذا التوازن لا يكتمل إلا بالتوافق الداخلي في الغرب، بما في ذلك القوى العسكرية الفاعلة.

ويعتقد عبد القيوم -حسب تصريحه للجزيرة نت- أنه في حال تعذر هذا التوافق فإن البرلمان سيحتفظ بحكومة أسامة حماد كأمر واقع، في حين ستستمر حكومة الدبيبة بسلطة منقوصة وضعيفة تدار على الهامش.

وتوقع المحلل السياسي محمد مطيريد توجهين:

إذا عجز البرلمان عن إيصال حكومته إلى طرابلس فستظل حكومة مناكفة لا أكثر بلا سلطة تنفيذية فعلية. إذا تمكن عبر ترتيبات محلية دقيقة في تمكين رئيس وزراء يحظى بقبول جغرافي وأمني داخل العاصمة فستكون ليبيا أمام تحول نوعي يجبر المجتمع الدولي على إعادة تموضعها من جديد. ما ضمانات الاعتراف الدولي؟

في الوقت الذي أكد فيه عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة أن الحكومة الجديدة إن لم تحظ بدعم واضح من المجتمع الدولي فإنها ستظل مبادرة محلية معزولة، وقد تعد قفزة في الهواء فإن عضو مجلس النواب عبد النبي عبد المولى أوضح أن البرلمان أجرى اتصالات متعددة مع الأطراف الدولية التي أجمعت على ضرورة تشكيل حكومة موحدة.

وأشار إلى أن التعقيدات الإقليمية والدولية تشتت الاهتمام الدولي بالملف الليبي، مما يجعل التوافق الداخلي أكثر إلحاحا، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته ودعم هذه الخطوة عبر منح الحكومة المقبلة غطاء سياسيا واعترافا دوليا.

بدوره، أشار البرلماني عبد المنعم العرفي إلى توجيه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رسائل واضحة إلى البعثة الأممية والشركاء الإقليميين والدوليين لحثهم على دعم هذه الخطوة ومواكبتها.

مقالات مشابهة

  • تسابق ليبي لتشكيل حكومة جديدة.. فهل ستتجاوز قبة البرلمان؟
  • طلب إحاطة في النواب لحظر نحر الأضاحي في الشوارع
  • دورة استثنائية لمجلس النواب
  • آليات جديدة لـ حوكمة البنوك طبقًا لقانون البنك المركزي .. تفاصيل
  • ● نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يتفقد مستشفى الضبعة المركزي بمحافظة مطروح
  • الحبس وغرامة 50 ألف جنيه.. عقوبة ترويج شائعات عن مياه الشرب لتكدير السلم الأمن الإجتماعى
  • إسرائيل تواصل جرائمها.. تصعيد استيطاني يُقابل برفض برلماني واسع
  • صحيفة: واشنطن تعطل التصويت على مشروع القرار الجزائري بشأن الوضع الإنساني في غزة
  • بلدية برشلونة تقطع علاقتها بإسرائيل
  • رئيس مجلس النواب يهنئ نظيره الكرواتي بالعيد الوطني