حل الدولة الواحدة .. هجوم سياسي فلسطيني منتظر
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
أثناء جريان الحروب لا تكفُّ السياسة عن العمل، ثم تأتي بعد أن تتوقّف النار والدم لتحسم النتائج، وتكون هي وحدها التي تحدد نتائج ما دار في ساحة المعركة، بل ترسم معالم النصر أو الهزيمة، وتشارك في كتابة التاريخ، ويصبح إسهامها في هذا قويًا، دون شكّ.
على مدار الشهور التي استمرّ فيها العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، لم يكفّ قادة المقاومة الفلسطينية – خصوصًا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" – عن إنتاج سلوك سياسي يرادف ما تفعله المقاومة في ميدان الصدّ والردّ العسكري، وما يقوم به أهل غزة أنفسهم من صمود أسطوري في وجه آلة عسكرية فاتكة في القتل والإصابة، إلى جانب تجويع وتعطيش منظم، مع منع الدواء عن مصابين زادوا بعد ما يربو على مائة وستين يومًا من العدوان على سبعين ألفًا، علاوة على نحو واحد وثلاثين ألف شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء.
توالت تصريحات القادة السياسيين لحماس، وحضروا جولات التفاوض المتتابعة الفاشلة التي دخلت إلى مرحلة "عضّ الأصابع"، لكنهم لم يرموا إلى الآن بالورقة الأقوى، التي يُمكنها أن تغير من الحسابات، وتكافئ الهجوم العسكري الذي وقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي عدَّه خبراء الحرب في مشارق الأرض ومغاربها، عملًا فارقًا لافتًا، سواء في مباغتته أو حصيلته وحصاده في الساعات الأولى.
بانَ للجميع أنّ الساحة الفلسطينية – خاصة لدى المقاومة – تنقصها هذه الورقة الحاسمة، والتي بات العالم مهيأً لها أكثر من أي وقت مضى، في ظل التعاطف الواسع والعميق الذي ربحته القضية الفلسطينية بعد طول تجاهل وظلم؛ جراء الانحياز للرواية والموقف الإسرائيليَّين على مدار ثلاثة أرباع قرن.
ليست هذه الورقة سوى طلب الجناح السياسي للمقاومة، بعد اتفاق مع جناحها العسكري، على المناداة بـ "الدولة الواحدة" التي تقوم على أرض فلسطين التاريخية كلها، وتضم الفلسطينيين والإسرائيليين، وأتباع الديانات الثلاثة – في هذه البقعة الجغرافية الملتهبة – من اليهود والمسلمين والمسيحيين.
لقد ظهر للجميع أن إسرائيل ترفض حل الدولتين، ولم تظهر موافقة على هذا التصور الذي حمله اتفاق "أوسلو" 1993 إلا لكسب وقتٍ، حتى تقضم على التوالي أرض الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم تخطط لتهجيرهم جميعًا، بشكل متدرج ومتتابع، دون أن ينجو من هذه الخطة الجَهنميّة فلسطينيو 1948 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
سلطة شكليّةلم تكن هذه الخطة خافيةً تمامًا، فكثير من قادة إسرائيل تلفظوا غير مرة بأن قبول "دولة فلسطينية"، حتى لو كانت منزوعة السلاح كما طرح البعض، معناه نهاية إسرائيل كدولة لليهود، كما سبق أن أعلنت، دون خجل من أن تكون هي الدولة الدينية الوحيدة في العالم المعاصر، بل تبدو مُصرّة على هذا، ومعتزة به، وتجد من القوى الكبرى تواطُؤًا معها، وسكوتًا عنها، رغم الأدبيات التي تسيل في الشرق والغرب، معتبرة أن "الدولة الدينية" هي نبت القرون الوسطى، التي لا تصلح للدنيا الحديثة والمعاصرة.
لقد سبق أن أرسل الكاتب المصري توفيق الحكيم رسالة إلى مناحيم بيغن – وهو من القادة الكبار لإسرائيل-يطالبه فيها بالسماح للفلسطينيين بإقامة دولة إلى جانب إسرائيل، حتى تتيسّر مهمة الرئيس أنور السادات في إبرام اتفاق سلام شامل ونهائي بين العرب وإسرائيل. رد بيغن يومها – حسبما أفادت أوراق بالفرنسية تركها الحكيم، وتمت ترجمتها مؤخرًا – بأنه لا يستطيع أن يتخذ هذا القرار، لأنه خطير جدًا على مستقبل إسرائيل.
وقد بات معروفًا للجميع الآن أن قادة إسرائيل لا يزالون مخلصين لموقف بيغن، بل إنهم يتهربون أيضًا من القيام بما على القوة القائمة بالاحتلال من واجبات حيال الشعب الذي يرزح تحته، متذرّعين بأوسلو، رغم أنها لم تجلب للفلسطينيين سوى سلطة شكلية مقيدة، بعد أن تهربت إسرائيل من إكمال بقية هذه الاتفاقية بتطبيق البنود الخاصة بالسيادة والمياه ومصير القدس الشرقية.
اليوم، وفي ظل نظر محكمة العدل الدولية للدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا، متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية لأهل غزة، تزاحم الحديث على ألسنة المسؤولين الجنوب أفريقيين أيضًا عن "الفصل العنصري" الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، عبر الجدار العازل في الضفة الغربية، والمعابر التي تمثل الرئة الأساسية التي تتنفس منها غزة، وتتحكم فيها تل أبيب، لاسيما مع اعتزامها احتلال محور فلادلفيا؛ لتنهي دور معبر رفح الذي يربط قطاع غزة بمصر.
نقطة التقاءيتصاعد الحديث عن هذا "الفصل العنصري" وتزيد المضاهاة بين تجربة السود في جنوب أفريقيا، وتجربة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكما زال الأول بعد كفاح مسلح ثم سلمي طويل، يمكن للثاني أيضًا أن ينتهي في يوم من الأيام. وكما لم يكن أحد يتخيل حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين أن نيلسون مانديلا سيخرج من سجنه ويصبح رئيسًا لجنوب أفريقيا، لا يتخيل الناس الآن أن الفلسطينيين والإسرائيليين يمكن أن يعيشوا جميعًا في دولة واحدة.
إن إحدى صور زوال الاحتلال هو الانتقال إلى حلّ "الدولة الواحدة"، وهي مسألة ليست من قبيل المستحيلات، فهناك مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل ويحملون جنسيتها، وقبل إعلان إسرائيل كان هناك يهود يحملون الجنسية الفلسطينية، منهم غولدا مائير.
ولو رفع الفلسطينيون الآن، بعد توافقهم، مطلب "الدولة الواحدة" سيضعون إسرائيل في مأزق شديد أمام العالم، حال رفضه المتوقع، حيث ستظهر قوة غاشمة توصد الأبواب أمام أي حلول طبيعية، بات العالم في ألفة نسبية معها، في ظل تجربة جنوب أفريقيا.
هذا الطرح سيبدد الدعاية الإسرائيلية التي تسوّقها إلى العالم بأن المقاومة الفلسطينية تريد إنهاء الوجود اليهودي تمامًا، ولا ترضى بديلًا عما تسمّيه "تحرير فلسطين من البحر إلى النهر"، وقد يكون الطرح نفسه نقطة التقاء تجتمع حولها الفصائل الفلسطينية تنهي به انقسامها، وتضع عثرات في طريق الحلول الأخرى، التي تعرضها إسرائيل حاليًا، وتطلق عليها "اليوم التالي بعد الحرب".
خطوة شجاعةفتفكير إسرائيل يصل في حدّه الأقصى إلى تهجير الفلسطينيين عن بَكرة أبيهم، وفي حدّه الأدنى يصل إلى إدارة القطاع من قبل حكومة غير حماس تكون تابعة لتل أبيب، وتأتمر بأمرها. ومنذ الأيام الأولى للهجوم البري الإسرائيلي على القطاع، والتصور الأخير مطروح، وإن اختلفت الأسماء التي يتم عرضها لترؤس هذه الإدارة.
نعم، ليس كل ما تريده إسرائيل تبلغه، وإلا كانت قد حققت أهدافها التي أعلنتها من هذه الحرب، لكن مثل هذه التصورات السياسية تحتاج إلى تصورات مقابلة، تصدها أو على الأقل تبعثر حساباتها وأوراقها؛ لأنها تقدم طرحًا إستراتيجيًا بوسعه أن يكسب مقتنعين به، ومناصرين له، عبر العالم، يزدادون بمرور الأيام. ولا يوجد ما يمنع من أن يظهر في فترات لاحقة من ساسة إسرائيل نفسها من يؤمنون به، أو يُضطرون إليه.
تساوقت إسرائيل مع فكرة "حل الدولتين" دون أن تكون مقتنعة بها، حتى تكسب بها وقتًا وتعاطفًا غربيًا، وتستعملها ستارًا يخفي نواياها الحقيقية، ولا سبيل لرفع هذا الستار إلا بطرح حقيقي يقبله العالم، الذي ينصت إلى صوت إسرائيل وهي تتهم المقاومة بأنها تسعى إلى استئصال وجود اليهود على أرض فلسطين التاريخية تمامًا.
يحتاج هذا الطرحُ إلى خُطوة شجاعة تضعه محلّ نقاش فلسطينيّ داخلي أولًا، حتى يتم الاتفاق عليه وتحديد معالمه ورسم خطاه إلى النهاية، ثم يُعرض على العالم أجمع، وقد يكون هذا من النتائج المهمة الكلية للحرب الدائرة الآن.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الدولة الواحدة
إقرأ أيضاً:
أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
لم يعرف التاريخ الإنساني، وأعتقد لن يعرف حتى قيام الساعة، دولة تكذب وتتحرى الكذب في كل أقوالها وأفعالها مثل دولة الكيان الصهيوني الغاصب التي تكذب كما تتنفس، وتعيش على الكذب الذي قامت على أساسه وتحيا عليه.
الدولة التي قامت على كذبة في العام 1948، لا يمكن أن تستمر وتبقى سوى بمزيد من الأكاذيب التي تنتجها آلة الدعاية الصهيونية المدعومة بوسائل الإعلام العالمية، بشكل يومي لكي تستدر عطف العالم الغربي وتبرر احتلالها البغيض للأراضي الفلسطينية وعدوانها الدائم والهمجي على أصحاب الأرض، وعلى كل من يحاول الوقوف في وجهها وكل من يكشف أكاذيبها ويقاوم غطرستها، وجرائمها التي لا تتوقف ضد الإنسانية.
بدأت الأكاذيب الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر مع نشأة الحركة الصهيونية، بالترويج لأكذوبة أن «فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد الله اليهود بالعودة لها بعد قرون من الشتات في الأرض». وكانت هذه الأكذوبة، التي تحولت إلى أسطورة لا دليل على صحتها تاريخيا، المبرر الأول الذي دفع القوى الاستعمارية القديمة، بريطانيا تحديدا، الى إصدار الوعد المشؤوم «وعد بلفور» قبل عام من نهاية الحرب العالمية الأولى بانشاء وطن لليهود في فلسطين. وكان هذا الوعد، كما يقول المؤرخون، الذي صدر عن وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور حجر الأساس لأكبر عملية سرقة في التاريخ، سرقة وطن كامل من أصحابه، ومنحه لمجموعة من العصابات اليهودية دون وجه حق. الوعد الذي لم يعره العالم انتباها وقت صدوره تحول إلى حق مطلق للصهاينة في السنوات التالية، ومن أكذوبة «أرض الميعاد» ووعد الوطن القومي أنتجت الصهيونية العالمية سلسلة لا تنتهي من الأكاذيب التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، والمسؤولة، في تقديري، عما يعيشه الفلسطينيون الآن من جحيم تحت الاحتلال الصهيوني.
الكذبة الأولى الخاصة بأرض الميعاد، والتي صدقها العالم نتيجة تكرارها وبفعل التأثير التراكمي طويل المدى لوسائل الاعلام التي سيطر عليها اليهود طوال القرن العشرين، لم تكن سوى أكذوبة سياسية ذات غطاء ديني غير صحيح. إذ تم تفسير النص التوراتي بطريقة ملتوية لتخدم المشروع الصهيوني. ولم تُثبت الحفريات التي يقوم بها الصهاينة أسفل المسجد الأقصى وجود هيكل سليمان أو وجود مملكة داود وسليمان في فلسطين كما تزعم الرواية التوراتية المحرفة، بل أن بعض المؤرخين الإسرائيليين شككوا في وجود اليهود في فلسطين كأمة قبل إنشاء إسرائيل.
دعونا في هذا المقال نتتبع أبرز الأكاذيب الصهيونية التي روجت لها إسرائيل لاستمرار سياساتها العنصرية والتي لم تكن مجرد دعاية عابرة، بل جزءًا من استراتيجية تم وضعها وتهدف في النهاية الى تحقيق الحلم الصهيوني بدولة تمتد «من النيل إلى الفرات»، والترويج للسردية الصهيونية في الاعلام العالمي وحصار السردية الفلسطينية والعربية.
الأكذوبة الثانية التي تمثل امتدادا للأكذوبة الأولى والمرتبطة بها ارتباطا وثيقا، هي أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب، وبالتالي يمكن الاستيلاء عليها واحتلالها وتهجير أهلها منها، وجعلها وطنا للشعب اليهودي الذي كان بلا أرض»، وبذلك يتم نفي الوجود العربي الفلسطيني فيها. وتم الترويج لهذه الأكذوبة في الغرب المسيحي المحافظ من خلال خطاب إعلامي يربط إقامة إسرائيل بقرب ظهور المسيح (عليه السلام). وقد نجح الإعلام الصهيوني والمتصهين في تصوير اليهود باعتبارهم عائدين إلى أرضهم، فيما تمت شيطنة الفلسطينيين والتعامل معهم باعتبارهم إرهابيين يعارضون الوعد الإلهي. وكانت هذه الأكذوبة من أخطر الأكاذيب الصهيونية لتبرير احتلال فلسطين بدعوى أنها خالية من السكان، في حين كان يعيش فيها قبل إعلان قيام إسرائيل نحو مليون وثلاثمائة ألف عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين.
وتزعم الأكذوبة الصهيونية الثالثة أن الفلسطينيين غادروا أرضهم طواعية بعد هزيمة الجيوش العربية وإعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948. وتم استخدام هذه المزاعم للتغطية على مجازر التطهير العرقي الذي قامت به عصابات الصهاينة، وأبرزها مجازر دير ياسين، واللد، والرملة، لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وبيوتهم.
لقد ثبت للعالم كله كذب إسرائيل في كل ما روجت له من مزاعم تخالف الحقيقة في الإعلام العالمي المتواطئ معها والمساند لها على الدوام. ومن هذه المزاعم القول بإنها «واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» الذي لا يعرف الديمقراطية. ولم ينتبه العالم إلى أن الديمقراطية الإسرائيلية ترى بعين واحدة، ومخصصة لليهود فقط، ولا تشمل سكانها من الفلسطينيين الذين يعانون من تمييز وفصل عنصري في كل مجالات الحياة. وتستخدم هذه الديمقراطية الأسلحة المحرمة والإبادة الجماعية وسياسات الاغتيال والاعتقال والتعذيب كوسيلة للتعامل مع الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم السياسية.
وشبيه بهذا الزعم القول إن «الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم». ومع الأسف ما زالت هذه المقولة تتردد على ألسنة العسكريين والسياسيين الصهاينة وفي بعض وسائل الاعلام الغربية، رغم الجرائم الموثقة من جانب منظمات حقوقية عالمية، والتي ارتكبها ويرتكبها هذا الجيش «عديم الأخلاق» في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران، واستهدافه المدنيين من النساء والأطفال، والصحفيين والأطباء وغيرهم، واستخدامه لسلاح التجويع في غزة ومنع الإمدادات الإنسانية من الدخول الى القطاع وإتلافها عمدا، وقتل الجوعى.
ولا تتوقف آلة الكذب الصهيونية عند هذا الحد وتضيف لها الجديد من الأكاذيب كل يوم، مثل الأكذوبة المضحكة التي أصبحت مثار سخرية العالم، وهي إن «إسرائيل تواجه تهديدا وجوديا من جيرانها العرب» المحيطين بها، في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني أن الكيان الغاصب هو الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية قادرة على محو جميع الدول العربية، وتتمتع بتفوق عسكري يضمنه ويحافظ عليه ويعززه الشريك الأمريكي ودول غرب أوروبا، وتمنع بالقوة أي دولة في المنطقة من امتلاك الطاقة النووية حتى وإن كان للأغراض السلمية، كما فعلت مع العراق وايران. وينسي من يردد هذه الأكذوبة إن إسرائيل فرضت من خلال الولايات المتحدة التطبيع معها على العديد من الدول العربية، ليس فقط دول الجوار التي كان يمكن ان تهددها، وإنما على دول أخرى بعيدة جغرافيا عنها، وفي طريقها لفرضه على المزيد من الدول.
ويكفي أن نعلم أن غالبية الحروب التي دخلتها إسرائيل كانت حروبا استباقية، وكانت فيها المبادرة بالعدوان، وآخرها الحرب على إيران. والحقيقة أن حربها المستمرة منذ نحو عامين على غزة والتي تزعم أنها، أي الحرب، «دفاع عن النفس» ما هي إلا أكذوبة أخرى تأتي في إطار سعيها لتفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم خارجه بعد تدميره وحصاره المستمر منذ العام 2007 وحتى اليوم، وهو ما ينفي الأكذوبة الأكثر وقاحة التي ترددها الآن بأن «حركة حماس هي المسؤولة عن معاناة أهل غزة، وهي من تجوعهم»، مع أن العالم كله يشاهد كيف حولت القطاع إلى أطلال وإلى أكبر سجن مفتوح في العالم بشهادة الأمم المتحدة.