بعبارات مخنوقة جاء صوتها عبر الهاتف من شمال قطاع غزة وهي تخاطب صديقتها الموجودة في أحد مراكز الإيواء في مدينة دير البلح قائلة: "لم يعد رمضان يجمعنا، فقد تفرق الأحبة، وتمزقت الأوصال، وخربت الديار، هذا أول رمضان يمر علينا، ونحن مشتتين شمال ووسط وجنوب القطاع، وأصعب ما في الأمر مجيء رمضان دون وجود أمي وأبي، لم نفترق منذ ٤٣ سنة لكن آلة الاحتلال الإسرائيلي استطاعت أن تحصد أرواحهم تحرمنا وجودهم دون سابق إنذار".

لم يكن حالها أفضل من حال الفلسطينية ختام التي اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي زوجها داخل مدرسة خليفة بمشروع بيت لاهيا، لقد كان المشهد قاسيًا للغاية، كانت تحمل طفلها الذي لم يتجاوز الأسبوع عندما أجبر جيش الاحتلال زوجها خلع ملابسه أمام عينها وعين أطفالها الصغار وقاموا بالتنكيل به وتركه في حفرة ليلة كاملة في برد الشتاء القارص قبل أربعة أشهر، اخبرتني أنها لم تستطع النوم، تعاني من الخوف والأرق منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظة، لقد تفتحت الجروح الغائرة مع إعلان رؤية هلال شهر رمضان المبارك، كانت تبكى وهي تقول لقد تشتت شملنا وبقيت لوحدي أعاني من الوحدة والخوف من المصير المجهول الذي ينتظرنا، كنت على أمل أن يتم وقف إطلاق النار وعودة الأسرى قبل الشهر الفضيل لكن ذهبت أحلامي مع الريح، لا أستطيع تبرير عدم وجود زوجي معي لأطفالي الذين يفتقدونه طول الوقت.

جارتي التي تسكن الخيمة المجاورة في مخيم النزوح برفح كانت تجلس محاطة بالعديد من الأطفال الصغار، كانوا يحملون بعض العلب الفارغة، بينما تقوم هي بصنع الفوانيس الرمضانية.

تذكرت عندما كنا أطفالا قبل سنوات عديدة لم نحظ حينها بأدوات زينة كتلك الحديثة، كنا نجهز الفوانيس قبل أسبوع تقريبًا والتي كانت عبارة عن علب الحليب المجفف الذي كان يتناوله الأطفال، لم يكن من السهل الحصول عليها، كان الأمر يتطلب منا عناء البحث الذي يبدأ من بيوتنا إلى بيوت الجيران، نحصل على العلبة الفارغة، ثم نقوم بتنظيفها وتجفيفها ووضعها تحت أشعة الشمس.

وقت الظهيرة كان الوقت المناسب لتجهيزها، نلتف نحن الفتيات والفتيان في ركن بارد قبل بداية موسم رمضان، غالبًا ما تكون جلستنا تحت شجرة كبيرة من شجر الجميز، التوت البلدي أو الكينيا، ننتظر دورنا بكل هدوء حتى لا نقلق أخي محمد الذي كان يمسك بيده مسمار فولاذ حجم 6، يقلب علبة الحليب الفارغة، ثم يقوم بطرق المسمار بحجر ناري (زلط) يتم اختياره بعناية من حيث الحجم والشكل. يقوم بفتح الثقوب بطريقة محترفة وبمسافات منسقة ومتساوية التباعد وما أن ينتهي حتى يضع السلك في أحد أطراف العلبة، ويصلها بالطرف الآخر ليسهل علينا حمل الفانوس، وما أن ينتهي نخرج مسرعين للدكان لشراء الشمع صغير الحجم، غالبًا ما كنا نختار نحن البنات الشموع ذات اللون الأحمر والزهري أما الأولاد فكان اللون الأزرق هو اللون الوحيد لاختيارهم.

نعود للراحة كُل إلى منزله وما أن يعلو صوت أذان المغرب حتى ننطلق للشارع نشعل الشمع الصغير متعدد الألوان، يحمل كل منا فانوسه ويغني.

أهلًا أهلًا رمضان.

مرحبْ مرحبْ رمضان.

خلف قائد الفريق الذي يتقدم صفوفنا نجوب الحارة كلها ونقف أمام كل منزل حتى يخرج صغاره لينضموا لقافلة أحباب رمضان.

اليوم عاد الصغار لفعل نفس الطقوس لكن بين الخيام الممتدة في كل ركن من مدينة رفح، لقد تقطعت بهم السبل، وأصبحت فرحتهم منقوصة في ظل تشتت شملهم مع باقي أسرهم، السؤال الذي يطرح نفسه لديهم بأي حال عاد إلينا رمضان هذا العام؟

لقد جاء شهر رمضان هذا العام وما زال يعيش أكثر من مليونيْ فلسطيني في قطاع غزة مهجرين قسرًا ما بين وسط وجنوب قطاع غزة، يعانون جميعًا ظروفا قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة الآدمية وسط الحرمان، والجوع، والفقر وانتشار الأمراض وشح المياه في أماكن نزوحهم القسري، إضافة إلى ما يزيد على 30 ألف شهيد، وأكثر من 7 آلاف مفقود، وأكثر من 73 ألف جريح، جلّهم من النساء والأطفال والشيوخ، عدا عن تدمير 75% من مبانٍ ومنشآت القطاع المدنية والإنسانية، محولة القطاع لمنطقة منكوبة وغير صالحة للحياة إلى جانب الكارثة الصحية والطبية نتيجة استهداف الاحتلال المرافق الصحية من مراكز وعيادات، وخروج معظم المستشفيات عن الخدمة، واستمرار المجازر الوحشية اليومية بحق العائلات الفلسطينية التي تجاوزت 2800 مجزرة، تمت عبر تعمد استهداف منازل المواطنين دونما سابق إنذار، وتدميرها فوق رؤوس سكانها وقصف مراكز الإيواء وخيم النازحين عبر صواريخ الطائرات الحربية وقذائف الدبابات، كما فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام بعد أن قام بقصف خيم عائلة عبد الغفور في منطقة مواصي خانيونس التي تعج بخيام النازحين التي صنفها الاحتلال كمناطق آمنة، كما استمر اقتحام مراكز الإيواء وممارسة جرائم القتل الميداني واعتقال النازحين فيها والتنكيل بهم وإخضاعهم للتعذيب واحتجازهم في أماكن مجهولة في تكريس لجريمة الاختفاء القسري التي تُمارس في إطار سياسية ممنهجة وضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة بحق سكان قطاع غزة

أقبل شهر رمضان في ظل ما يعانيه سكان غزة من مأساة وكارثة إنسانية ومجاعة حادة جراء تواصل جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، الأمر الذي يعني عدم قدرة سكان غزة على توفير وجبات الإفطار أو السحور في ظل الحصار واستمرار العقوبات الجماعية، وشح المساعدات الإنسانية، ما يستدعي تشكيل تحالف إنساني دولي يضمن توفير الحماية الدولية للفلسطينيين من جرائم الإبادة الجماعية، وتوفير الممرات الإنسانية الآمنة بما يضمن تدفق المساعدات الإنسانية وتأمين احتياجات إغاثة سكان غزة.

وفي هذا السياق يجب على المجتمع العربي والدولي وكل الشعوب المطالبة بالسلام والحرية والحياة وبذل كل جهد ممكن لوقف الكارثة التي يعيشها أبناء شعبنا وأن يكون صوتهم عاليًا ضد هذه المذابح والمجازر والإبادة والتجويع والتهجير المتعمد، والعمل مع بلدانهم وكافة الجهات والمؤسسات الدولية والأطراف ذات الاختصاص لوقف فوري لإطلاق النار، والسماح بإدخال المواد الإغاثية والطبية منها بشكل عاجل، وعودة المهجرين إلى ديارهم والكف عن الإمدادات العسكرية لإسرائيل التي تسهم في قتل أبناء شعبنا.

د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

مي عمر تخطف الأنظار من داخل سيارتها .. شاهد

حرصت الفنانة مى عمر، على مشاركة متابعيها جلسة تصوير جديدة لها عبر حسابها الشخصي بموقع تبادل الصور والفيديوهات "انستجرام".

مي عمر تتألق بإطلالة كاجوال أنيقة عبر انستجراممحمد سامي لـ متابعيه: لما تكون مراتك مي عمر يبقى دا فطارك!تحضر لفيلمين جديدين .. مي عمر تعتذر عن بطولة "طه الغريب"إنسان نادر في طيبته وأخلاقه.. مي عمر تنعي زوج كارول سماحة


وظهرت مي عمر بإطلالة جذابه ترتدي لوك كاجوال، من داخل السيارة وهو ما أبرز رقة وجمال إطلالتها، واعتمدت مكياج صاخب ابرز جمال ملامحها، مع تسريحة شعر ملفتة.

اعتذرت النجمة مي عمر عن المشاركة في بطولة فيلم “طه الغريب” للمخرج عثمان أبو لبن، وذلك بسبب ضيق الوقت وانشغالها بالتحضير لأعمال سينمائية جديدة، حيث تستعد حالياً للمشاركة في فيلمين جديدين خلال الفترة المقبلة.

وفازت مي عمر، مؤخراً بجائزة أفضل ممثلة في جوائز كأس إنيرجي للدراما للعام التاسع على التوالي، وذلك بتصويت الجمهور، عن دورها في مسلسل “إش إش” الذي فاز هو الآخر بجائزة أفضل مسلسل طويل بنفس التصويت.

أعمال مي عمر

وأعلنت مي عمر أنها تعمل حالياً على مشروع درامي جديد سيُعرض في رمضان 2026، وقالت: “انتظروا قريباً الإعلان عن مشروعي القادم في رمضان 2026، وبوعد الجمهور إن شاء الله إنه يكون عمل يليق بهم زي إش إش، ونعمة الأفوكاتو، ولؤلؤ، مع مخرج رائع لأول مرة هنتعاون سوا، ومتأكدة إنه هيظهرني بشكل جديد".

يُذكر أن مسلسل “إش إش”، الذي شاركت في بطولته، حقق نجاحاً جماهيرياً واسعاً في العالم العربي، وتصدر مؤشرات البحث على المنصات الرقمية طوال شهر رمضان 2025، والمسلسل من بطولة: مي عمر، ماجد المصري، هالة صدقي، انتصار، إدوارد، محمد الشرنوبي، شيماء سيف، عصام السقا، أحمد عبدالله، إيهاب فهمي، ندى موسى، وطارق النهري، ومن تأليف وإخراج محمد سامي.

طباعة شارك إش إش مي عمر ماجد المصري هالة صدقي عصام السقا إيهاب فهمي

مقالات مشابهة

  • مي عمر تخطف الأنظار من داخل سيارتها .. شاهد
  • ٢٥٠ شهيدا في مجازر للاحتلال بغزة في يومين
  • صحة بغزة: 150 شهيدًا جراء القصف الإسرائيلي منذ فجر الخميس
  • الصحة العالمية تدق ناقوس الخطر وتحذير أممي من نطاق المجاعة بغزة
  • بأمر المحكمة.. إيداع نجل محمد رمضان فى دار رعاية
  • ما الذي قاله السفير الأمريكي في “إسرائيل” بعد خروجه من الملجأ
  • إيداع نجل الفنان محمد رمضان في دار رعاية
  • أولى جلسات محاكمة نجل الفنان محمد رمضان.. بعد قليل
  • ماكرون: ما تفعله حكومة نتنياهو بغزة “عار”
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)