قرية المبرمجين.. قلب جنون الذكاء الاصطناعي في الصين
تاريخ النشر: 7th, July 2025 GMT
في ظهيرة مشمسة من يوم سبت، جلس العشرات على العشب حول مسرح صغير في فناء خلفي، حيث عرض مؤسسو شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا أفكارهم أمام الحضور.
في الخلفية، كان البعض من الجمهور يعمل على الحواسيب المحمولة، يدخنون السجائر الإلكترونية ويحتسون مشروبات الفراولة الباردة، بينما كانت طائرة درون تحلق فوق رؤوسهم.
أما داخل المنزل، فكان المستثمرون يتلقون عروض التمويل في المطبخ.
هذا المشهد الذي يشبه وادي السيليكون لم يكن في كاليفورنيا، بل في ضاحية ليانغتشو الهادئة بمدينة هانغتشو الصينية، التي أصبحت محوراً لنشاط الذكاء الاصطناعي في الصين، بفضل إيجاراتها المنخفضة وقربها من شركات عملاقة مثل Alibaba وDeepSeek.
يقول فيليكس تاو، البالغ من العمر 36 عاماً والذي عمل سابقاً لدى فيسبوك وعلي بابا: "الناس يأتون إلى هنا لاستكشاف إمكانياتهم الشخصية".
حول تاو، الذي أسس لاحقاً شركة Mindverse، منزله إلى مركز غير رسمي لمبرمجي الذكاء الاصطناعي الذين يطلقون على أنفسهم "سكان القرية"، يقضون أيامهم في المقاهي يكتبون الكود، ولياليهم في الألعاب الإلكترونية.
هانغتشو.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي في الصينقبل عقد من الزمن، بدأت الحكومات المحلية والإقليمية في تقديم إعفاءات ضريبية ودعم مالي للشركات الناشئة في هانغتشو.
ساعدت هذه السياسات في تأسيس مئات الشركات الجديدة. واليوم، أصبح المهندسون يتوافدون من بكين وشانغهاي وشينزين في عطلات نهاية الأسبوع بحثاً عن مطوري برمجيات.
في يناير، أثارت DeepSeek اهتمام العالم حين أعلنت عن تطوير نظام ذكاء اصطناعي متقدم بتكلفة أقل بكثير من نظيراتها في وادي السيليكون.
منذ ذلك الحين، أصبحت أنظمة DeepSeek وAlibaba من بين أفضل النماذج مفتوحة المصدر أداءً في العالم.
بات الخريجون من جامعة تشيجيانغ، التي ينتمي إليها مؤسس DeepSeek، من أكثر المهندسين طلباً في الصين، لدرجة أن وسائل الإعلام الصينية تابعت باهتمام انتقال أحد أعضاء الفريق المؤسس لـ DeepSeek إلى شركة Xiaomi.
ستة نمور.. وصناعة ألعاب وروبوتات وذكاء اصطناعيتُعرف هانغتشو اليوم بـ"موطن النمور الستة"، وهي شركات ناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات أبرزها: Game Science التي طورت لعبة الفيديو الصينية الناجحة عالميًا "Black Myth: Wukong"، وUnitree التي أبهرت الجمهور بروبوتاتها الراقصة في الحفل السنوي للقناة الصينية الرسمية.
في الربيع، جمع مينغمينغ تشو، مؤسس شركة Rokid للنظارات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مؤسسي الشركات الست على مائدة عشاء في منزله.
وأوضح أن الدعم الحكومي كان عاملاً حاسماً في بداياتهم، حيث ساعد المسؤولون الحكوميون في ربطه بمستثمرين مثل جاك ما، مؤسس علي بابا.
لكن هذا الدعم الحكومي لم يخلُ من العوائق، إذ أعرب عدد من المؤسسين عن صعوبة جذب استثمارات أجنبية، خوفاً من ارتباط الشركات بالحكومة الصينية.
فالبعض يخشى أن يلقى مصير ByteDance، الشركة الأم لتطبيق TikTok، التي خضعت لاستجوابات في الكونغرس الأميركي بشأن علاقتها بالحكومة الصينية.
مفارقة التمويل والتوسعيجد رواد الأعمال في ليانغتشو أنفسهم أمام خيارين: إما قبول التمويل الحكومي والتركيز على السوق الصينية، أو محاولة جمع التمويل ذاتياً وفتح مكاتب خارجية في أماكن مثل سنغافورة، حيث تختار الغالبية الخيار الأول لأنه الأكثر واقعية.
هناك أيضاً تحدٍ آخر يتمثل في تأمين رقائق الحوسبة المتقدمة اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. الولايات المتحدة شددت القيود على تصدير هذه الرقاقات إلى الصين، ما دفع شركات مثل هواوي وSMIC لتسريع إنتاجها المحلي. وحتى الآن، تعتمد شركات مثل ByteDance على مخزون من رقاقات Nvidia رغم الحظر الأميركي.
ذكاء اصطناعي بقدرات ذاتية وشخصيةمن الأفكار المنتشرة في ليانغتشو فكرة "الذكاء الاصطناعي العامل ذاتياً"، أي أنظمة تتخذ قرارات وتنفذ مهام دون تدخل بشري مباشر.
رائد الأعمال تشيان روي يعمل على تطبيق رفيق رقمي موجه للشباب، يتفاعل مع مشاعر المستخدمين بناءً على اختبار الشخصية Myers-Briggs، مستفيداً من أنظمة مفتوحة المصدر من DeepSeek وAlibaba وAnthropic.
أما Mindverse، فتطوّر مساعداً ذكياً قادراً على إرسال رسائل بريدية مشجعة للزملاء، أو رسائل نصية تذكر الآباء بلحظات العطلات العائلية.
يقول تاو: "لا أريد من الذكاء الاصطناعي أن يؤدي المهام فقط، بل أن يمنحك مساحة ذهنية لتفصل عن ضغوط الحياة".
"القرية" تحلم بتغيير العالملين يوانلين، الذي أطلق شركته Zeabur خلال دراسته في جامعة تشيجيانغ، يقدم حلولاً برمجية تتيح لغير المبرمجين إنشاء تطبيقات ومواقع باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
يقول إن ليانغتشو هي البيئة المثالية لاختبار منتجه، حيث يمكنه ببساطة محادثة أحدهم في المقهى أو زيارة منزل مجاور لفهم احتياجات المستخدمين.
في لياليهم، يشاهد سكان "القرية" أفلاماً جماعية، مثل "The Matrix"، الذي رأوا فيه تجسيداً لرحلتهم في محاولة فك قيود النظام التقليدي.
يختم تاو قائلاً: "الكثير منهم شجعان للغاية في اتخاذ قرار السير في طريق مختلف. في الصين، هذا ليس المسار التقليدي للحياة، لكنه مسار من يطمحون لتغيير العالم".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي مجال التكنولوجيا الذکاء الاصطناعی فی الصین
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يحل مشكلة السمع في الضوضاء
طوّر فريق من جامعة واشنطن تقنية ذكاء اصطناعي جديدة تساعد الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في السمع داخل الأماكن الصاخبة، عبر تتبّع إيقاع المحادثة وكتم الأصوات غير المتوافقة.
وجرى دمج التقنية، التي عُرضت في مؤتمر الأساليب التجريبية في معالجة اللغات الطبيعية في سوتشو بالصين، في نموذج أولي يستخدم مكوّنات جاهزة وقادر على التعرّف على المتحدثين خلال ثانيتين إلى أربع ثوانٍ فقط، وتم تشغيله داخل سماعات رأس ذكية.
ويتوقع الباحثون أن تُستخدم مستقبلاً في أجهزة السمع وسماعات الأذن والنظارات الذكية لتصفية البيئة الصوتية دون تدخل يدوي.
اقرأ أيضاً: نظارات بالذكاء الاصطناعي تمنح ضعاف السمع قدرات خارقة
السمع الاستباقي
قال شيام غولاكوتا، الباحث الرئيس، إن التقنيات الحالية تعتمد غالباً على أقطاب تُزرع في الدماغ لتحديد المتحدث الذي يركز عليه المستخدم، بينما يستند النظام الجديد إلى إيقاع تبادل الأدوار في الحديث، بحيث يتنبأ الذكاء الاصطناعي بتلك الإيقاعات اعتماداً على الصوت فقط.
ويبدأ النظام، المسمّى "مساعدو السمع الاستباقيون"، العمل عند بدء المستخدم بالكلام، إذ يحلل نموذج أول من يتحدث ومتى، ثم يرسل النتائج إلى نموذج ثانٍ يعزل أصوات المشاركين ويوفر نسخة صوتية منقّاة للمستمع.
ابتكار أداة ذكاء اصطناعي لعلاج أحد أخطر أمراض العيون
نتائج إيجابية
أفاد الفريق بأن النظام يتميز بسرعة تمنع أي تأخير ملحوظ، ويمكنه معالجة صوت المستخدم إلى جانب صوت واحد إلى أربعة مشاركين.
وخلال تجارب شملت 11 مشاركاً، حصل الصوت المفلتر على تقييم يزيد بأكثر من الضعف مقارنة بالصوت غير المفلتر. ولا تزال بعض التحديات قائمة، خصوصاً في المحادثات الديناميكية ذات التداخل العالي، أو تغير عدد المشاركين.
ويعتمد النموذج الحالي على سماعات رأس تجارية مزوّدة بميكروفونات، لكن غولاكوتا يتوقع تصغير التقنية مستقبلاً لتعمل داخل رقاقة ضمن سماعة أذن أو جهاز سمع.
أمجد الأمين (أبوظبي)