في ظهيرة مشمسة من يوم سبت، جلس العشرات على العشب حول مسرح صغير في فناء خلفي، حيث عرض مؤسسو شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا أفكارهم أمام الحضور.

 في الخلفية، كان البعض من الجمهور يعمل على الحواسيب المحمولة، يدخنون السجائر الإلكترونية ويحتسون مشروبات الفراولة الباردة، بينما كانت طائرة درون تحلق فوق رؤوسهم.

أما داخل المنزل، فكان المستثمرون يتلقون عروض التمويل في المطبخ.

هذا المشهد الذي يشبه وادي السيليكون لم يكن في كاليفورنيا، بل في ضاحية ليانغتشو الهادئة بمدينة هانغتشو الصينية، التي أصبحت محوراً لنشاط الذكاء الاصطناعي في الصين، بفضل إيجاراتها المنخفضة وقربها من شركات عملاقة مثل Alibaba وDeepSeek.

يقول فيليكس تاو، البالغ من العمر 36 عاماً والذي عمل سابقاً لدى فيسبوك وعلي بابا: "الناس يأتون إلى هنا لاستكشاف إمكانياتهم الشخصية".

حول تاو، الذي أسس لاحقاً شركة Mindverse، منزله إلى مركز غير رسمي لمبرمجي الذكاء الاصطناعي الذين يطلقون على أنفسهم "سكان القرية"، يقضون أيامهم في المقاهي يكتبون الكود، ولياليهم في الألعاب الإلكترونية.

هانغتشو.. مركز جديد للذكاء الاصطناعي في الصين

قبل عقد من الزمن، بدأت الحكومات المحلية والإقليمية في تقديم إعفاءات ضريبية ودعم مالي للشركات الناشئة في هانغتشو.

ساعدت هذه السياسات في تأسيس مئات الشركات الجديدة. واليوم، أصبح المهندسون يتوافدون من بكين وشانغهاي وشينزين في عطلات نهاية الأسبوع بحثاً عن مطوري برمجيات.

 في يناير، أثارت DeepSeek اهتمام العالم حين أعلنت عن تطوير نظام ذكاء اصطناعي متقدم بتكلفة أقل بكثير من نظيراتها في وادي السيليكون. 

منذ ذلك الحين، أصبحت أنظمة DeepSeek وAlibaba من بين أفضل النماذج مفتوحة المصدر أداءً في العالم.

بات الخريجون من جامعة تشيجيانغ، التي ينتمي إليها مؤسس DeepSeek، من أكثر المهندسين طلباً في الصين، لدرجة أن وسائل الإعلام الصينية تابعت باهتمام انتقال أحد أعضاء الفريق المؤسس لـ DeepSeek إلى شركة Xiaomi.

ستة نمور.. وصناعة ألعاب وروبوتات وذكاء اصطناعي

تُعرف هانغتشو اليوم بـ"موطن النمور الستة"، وهي شركات ناشئة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات أبرزها: Game Science التي طورت لعبة الفيديو الصينية الناجحة عالميًا "Black Myth: Wukong"، وUnitree التي أبهرت الجمهور بروبوتاتها الراقصة في الحفل السنوي للقناة الصينية الرسمية.

في الربيع، جمع مينغمينغ تشو، مؤسس شركة Rokid للنظارات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مؤسسي الشركات الست على مائدة عشاء في منزله. 

وأوضح أن الدعم الحكومي كان عاملاً حاسماً في بداياتهم، حيث ساعد المسؤولون الحكوميون في ربطه بمستثمرين مثل جاك ما، مؤسس علي بابا.

لكن هذا الدعم الحكومي لم يخلُ من العوائق، إذ أعرب عدد من المؤسسين عن صعوبة جذب استثمارات أجنبية، خوفاً من ارتباط الشركات بالحكومة الصينية.

فالبعض يخشى أن يلقى مصير ByteDance، الشركة الأم لتطبيق TikTok، التي خضعت لاستجوابات في الكونغرس الأميركي بشأن علاقتها بالحكومة الصينية.

مفارقة التمويل والتوسع

يجد رواد الأعمال في ليانغتشو أنفسهم أمام خيارين: إما قبول التمويل الحكومي والتركيز على السوق الصينية، أو محاولة جمع التمويل ذاتياً وفتح مكاتب خارجية في أماكن مثل سنغافورة، حيث تختار الغالبية الخيار الأول لأنه الأكثر واقعية.

هناك أيضاً تحدٍ آخر يتمثل في تأمين رقائق الحوسبة المتقدمة اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي. الولايات المتحدة شددت القيود على تصدير هذه الرقاقات إلى الصين، ما دفع شركات مثل هواوي وSMIC لتسريع إنتاجها المحلي. وحتى الآن، تعتمد شركات مثل ByteDance على مخزون من رقاقات Nvidia رغم الحظر الأميركي.

ذكاء اصطناعي بقدرات ذاتية وشخصية

من الأفكار المنتشرة في ليانغتشو فكرة "الذكاء الاصطناعي العامل ذاتياً"، أي أنظمة تتخذ قرارات وتنفذ مهام دون تدخل بشري مباشر.

رائد الأعمال تشيان روي يعمل على تطبيق رفيق رقمي موجه للشباب، يتفاعل مع مشاعر المستخدمين بناءً على اختبار الشخصية Myers-Briggs، مستفيداً من أنظمة مفتوحة المصدر من DeepSeek وAlibaba وAnthropic.

أما Mindverse، فتطوّر مساعداً ذكياً قادراً على إرسال رسائل بريدية مشجعة للزملاء، أو رسائل نصية تذكر الآباء بلحظات العطلات العائلية. 

يقول تاو: "لا أريد من الذكاء الاصطناعي أن يؤدي المهام فقط، بل أن يمنحك مساحة ذهنية لتفصل عن ضغوط الحياة".

"القرية" تحلم بتغيير العالم

لين يوانلين، الذي أطلق شركته Zeabur خلال دراسته في جامعة تشيجيانغ، يقدم حلولاً برمجية تتيح لغير المبرمجين إنشاء تطبيقات ومواقع باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

 يقول إن ليانغتشو هي البيئة المثالية لاختبار منتجه، حيث يمكنه ببساطة محادثة أحدهم في المقهى أو زيارة منزل مجاور لفهم احتياجات المستخدمين.

في لياليهم، يشاهد سكان "القرية" أفلاماً جماعية، مثل "The Matrix"، الذي رأوا فيه تجسيداً لرحلتهم في محاولة فك قيود النظام التقليدي.

يختم تاو قائلاً: "الكثير منهم شجعان للغاية في اتخاذ قرار السير في طريق مختلف. في الصين، هذا ليس المسار التقليدي للحياة، لكنه مسار من يطمحون لتغيير العالم".

طباعة شارك الذكاء الاصطناعي مجال التكنولوجيا DeepSeek

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي مجال التكنولوجيا الذکاء الاصطناعی فی الصین

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية

برز الذكاء الاصطناعي، منذ ظهوره، كأداة فعّالة لتحليل الصور الطبية. وبفضل التطورات في مجال الحوسبة ومجموعات البيانات الطبية الضخمة التي يُمكن للذكاء الاصطناعي التعلّم منها، فقد أثبت جدواه في قراءة وتحليل الأنماط في صور الأشعة السينية، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير المقطعي المحوسب، مما يُمكّن الأطباء من اتخاذ قرارات أفضل وأسرع، لا سيما في علاج وتشخيص الأمراض الخطيرة كالسرطان. في بعض الحالات، تُقدّم أدوات الذكاء الاصطناعي هذه مزايا تفوق حتى نظيراتها البشرية.

يقول أونور أسان، الأستاذ المشارك في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في الولايات المتحدة، والذي يركز بحثه على التفاعل بين الإنسان والحاسوب في الرعاية الصحية "تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي معالجة آلاف الصور بسرعة وتقديم تنبؤات أسرع بكثير من المُراجعين البشريين. وعلى عكس البشر، لا يتعب الذكاء الاصطناعي ولا يفقد تركيزه بمرور الوقت".

مع ذلك، ينظر العديد من الأطباء إلى الذكاء الاصطناعي بشيء من عدم الثقة، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم معرفتهم بكيفية وصوله إلى قراراته، وهي مشكلة تُعرف باسم "مشكلة الصندوق الأسود".

يقول أسان "عندما لا يعرف الأطباء كيف تُولّد أنظمة الذكاء الاصطناعي تنبؤاتها، تقلّ ثقتهم بها. لذا، أردنا معرفة ما إذا كان تقديم شروحات إضافية يُفيد الأطباء، وكيف تؤثر درجات التفسير المختلفة للذكاء الاصطناعي على دقة التشخيص، وكذلك على الثقة في النظام".

بالتعاون مع طالبة الدكتوراه أوليا رضائيان والأستاذ المساعد ألب أرسلان إمراه بايراك في جامعة ليهاي في ولاية بنسيلفانيا الأميركية، أجرى أسان دراسة شملت 28 طبيبًا متخصصًا في الأورام والأشعة، استخدموا الذكاء الاصطناعي لتحليل صور سرطان الثدي. كما زُوّد الأطباء بمستويات مختلفة من الشروح لتقييمات أداة الذكاء الاصطناعي. في النهاية، أجاب المشاركون على سلسلة من الأسئلة المصممة لقياس ثقتهم في التقييم الذي يُولّده الذكاء الاصطناعي ومدى صعوبة المهمة.

وجد الفريق أن الذكاء الاصطناعي حسّن دقة التشخيص لدى الأطباء مقارنةً بالمجموعة الضابطة، ولكن كانت هناك بعض الملاحظات المهمة.
اقرأ أيضا... مؤسسات تستخدم الذكاء الاصطناعي لأعمال معقدة ومتعددة الخطوات

كشفت الدراسة أن تقديم شروحات أكثر تفصيلًا لا يُؤدي بالضرورة إلى زيادة الثقة.

أخبار ذات صلة "أوبن إيه آي" تطلق نموذج ذكاء اصطناعي جديدا الذكاء الاصطناعي النووي يُحدث نقلة في إدارة قطاع الطاقة

يقول أسان "وجدنا أن زيادة التفسير لا تعني بالضرورة زيادة الثقة". ذلك لأن وضع تفسيرات إضافية أو أكثر تعقيدًا يتطلب من الأطباء معالجة معلومات إضافية، مما يستنزف وقتهم وتركيزهم بعيدًا عن تحليل الصور. وعندما تكون التفسيرات أكثر تفصيلًا، يستغرق الأطباء وقتًا أطول لاتخاذ القرارات، مما يقلل من أدائهم العام.

يوضح أسان "معالجة المزيد من المعلومات تزيد من العبء المعرفي على الأطباء، وتزيد أيضًا من احتمال ارتكابهم للأخطاء، وربما إلحاق الضرر بالمريض. لا نريد زيادة العبء المعرفي على المستخدمين بإضافة المزيد من المهام".

كما وجدت أبحاث أسان أنه في بعض الحالات، يثق الأطباء بالذكاء الاصطناعي ثقةً مفرطة، مما قد يؤدي إلى إغفال معلومات حيوية في الصور، وبالتالي إلحاق الضرر بالمريض.

ويضيف أسان "إذا لم يُصمم نظام الذكاء الاصطناعي جيدًا، وارتكب بعض الأخطاء بينما يثق به المستخدمون ثقةً كبيرة، فقد يطور بعض الأطباء ثقةً عمياء، معتقدين أن كل ما يقترحه الذكاء الاصطناعي صحيح، ولا يدققون في النتائج بما فيه الكفاية".
قدّم الفريق نتائجه في دراستين حديثتين: الأولى بعنوان "تأثير تفسيرات الذكاء الاصطناعي على ثقة الأطباء ودقة التشخيص في سرطان الثدي"، والثانية بعنوان "قابلية التفسير وثقة الذكاء الاصطناعي في أنظمة دعم القرار السريري: تأثيراتها على الثقة والأداء التشخيصي والعبء المعرفي في رعاية سرطان الثدي".

يعتقد أسان أن الذكاء الاصطناعي سيظل مساعدًا قيّمًا للأطباء في تفسير الصور الطبية، ولكن يجب تصميم هذه الأنظمة بعناية.
ويقول "تشير نتائجنا إلى ضرورة توخي المصممين الحذر عند دمج التفسيرات في أنظمة الذكاء الاصطناعي"، حتى لا يصبح استخدامها معقدا. ويضيف أن التدريب المناسب سيكون ضروريًا للمستخدمين، إذ ستظل الرقابة البشرية لازمة.
وأكد "ينبغي أن يتلقى الأطباء، الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي، تدريبًا يركز على تفسير مخرجات الذكاء الاصطناعي وليس مجرد الوثوق بها".

ويشير أسان إلى أنه في نهاية المطاف، يجب تحقيق توازن جيد بين سهولة استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وفائدتها.

ويؤكد الباحث "يُشير البحث إلى وجود معيارين أساسيين لاستخدام أي شكل من أشكال التكنولوجيا، وهما: الفائدة المتوقعة وسهولة الاستخدام المتوقعة. فإذا اعتقد الأطباء أن هذه الأداة مفيدة في أداء عملهم، وسهلة الاستخدام، فسوف يستخدمونها".
مصطفى أوفى (أبوظبي)

مقالات مشابهة

  • بقيادة ترمب.. تشكيل تحالف دولي لمواجهة الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تحليل الصور الطبية
  • الصين تعزز استخدام رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية
  • تحذير من ضعف دقة الذكاء الاصطناعي لقياس النبض عند ارتفاعه
  • شركات إماراتية وعالمية تقدم حلولاً مبتكرة بالذكاء الاصطناعي
  • أحمد أبو الغيط: الصين القطب الدولي الصاعد الذي يشكّل تهديداً مباشراً لأمريكا
  • لماذا تحتاج أمريكا إلى الخليج في معركة الذكاء الاصطناعي مع الصين؟
  • قيادة المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي
  • هل روبوتات الذكاء الاصطناعي مجرّد ضجيج أم أمل حقيقي؟
  • هل يُنقذ الذكاء الاصطناعي الاقتصادات المتقدمة من أعباء الديون؟