القرى الرمضانية تغلبت على الواقع المر: بيروت القديمة عادت
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
على الرغم من الغيمة السوداء التي تخيم فوق المنطقة، رفض لبنان أن يظل قابعًا تحت رحمة الجمود القاتل، الذي سلب من شوارع بيروت ضجيجها وضحكة أهلها وأولادها وزحمتها، التي اعتدنا الا تنتهي إلا مع ساعات الصباح الأولى. واليوم، وبعد 5 سنوات من الغياب القسري عن أي جوّ رمضاني، ها هي بيروت تنتعش من جديد، منتفضةً على واقعها، لتعلن ثورة الحياة وبقوة.
. انتفاضة بيروت هذه سُمع صداها في الشمال، كذلك في بعلبك والجنوب، الذي على رغم النزيف الذي يفتك به، أبى إلا أن يؤكّد أن لبنان واللبنانيين لم ترهبهم الحرب يومًا.
بيروت القديمة عادت
خلال جولتك في شوارع وسط بيروت لا تستطيع إلا أن تتأثر بهذه المشاهد.. لمسة واحدة وفكرة محت معاناة 5 سنوات من القهر والعذاب.. نجوم، فوانيس، أقمار، مسحراتي، مسارح، أطفال، وغيرها الكثير من المشاهد أرجعت إلينا صورة بيروت 2018، تاريخ آخر قرية رمضانية شهدتها شوارع العاصمة.
وبأرقامٍ قياسية تتزايد يوما بعد يوم ، تسجّل احتفالية "بيروت العيد" زحفًا بشريًا لم تعهده بيروت منذ وقت طويل، إذ بلغ عدد الزوار خلال كل ليلة ما يقارب الستة آلاف زائر، كما ويصل إلى ذروته خلال عطلة نهاية الاسبوع، حيث قصد القرية الرمضانية خلال السبت الفائت مثلا ما يفوق الـ10 آلاف زائر، وهو رقم قياسي مقارنة مع أرقام زوار وسط بيروت في الموسم الصيفي، الذي كان يشهد حركة نشطة قبل الأزمة. واللافت أن هذا العدد لم يضم فقط أهالي وسكان بيروت، إنما شمل آلاف الزوار الذين قصدوا القرية الرمضانية من الجبل، والشمال، والجنوب. كما كان لافتًا تواجد عدد كبير من السياح العرب، خاصة من مصر والأردن حيث أبدوا إعجابهم بالتنظيم والإحتفالات التي اعتادوا عليها عندما يزورون لبنان، هذا إلى جانب حضور عددٍ من الشخصيات الإعلامية، أو المؤثرين العرب عبر مواقع التواصل الإجتماعيّ.
القرية الرمضانية التي أعطت المجال للمئات من الاشخاص لناحية استئجار أكواخ لبيع وعرض العديد من المنتجات أو الصناعات الحرفية، أعادت كذلك الحياة وبشكلٍ لافت إلى المحال التجارية، والمكاتب التي تتواجد في وسط بيروت، إذ علم "لبنان24" أن عددًا كبيرًا من المكاتب عاد وفتح أبوابه، حيث عمدت الشركات إلى استئجار المكاتب المغلقة، ومن كان لديه مكتبًا وأقفله عاد ليفتحه من جديد، وذلك لاقتناص الفرصة، خاصةً وأن شهر رمضان لا يزال في بدايته، وتعويلاً من ناحية ثانية على استمرار هذه الحركة خلال موسم الأعياد، بالاضافة إلى التحضير للموسم الصيفي المقبل.
القرية الرمضانية في بيروت تفتح أبوابها امام اللبنانيين والعرب والسياح من كافة أقطار العالم بشكلٍ يومي وحتى نهاية الشهر الفضيل من الساعة 5 بعد الظهر حتى ساعات ما بعد منتصف الليل وبشكل مجانيّ، ليتسنى لمن يرغب عيش تجربة رمضان الفريدة في لبنان.
أكبر معرض للسحور في بيروت
وتأكيدا على أن بيروت تستحق الفرح، قرية رمضانية أخرى ستبصر النور بنكهة مختلفة عن باقي القرى، إذ سيشهد "الفورم دو بيروت" اليوم افتتاح القرية الرمضانية "ليالي زمان" التي ستضم أكبر معرض للسحور في لبنان، والذي سيمتد على مساحة 10 آلاف متر مربع حيث سيقدم المعرض سحورًا رمضانيًّا متنوعًا بين اللّبناني والأجنبي، إلى جانب القهوة والنرجيلة التي لها نكهة خاصة عند عشاقها خلال رمضان.
كما ستشهد هذه القرية تقاليد رمضانيّة تجذب من خلالها الزائرين، حيث سيكون هناك برامج خاصة للمسحراتيّ والدراويش وعازفي العود والنّاي والقانون وغيرهم الكثير الكثير، بالإضافة إلى برامج فنية يحييها فنانون كل ليلة جمعة وسبت.
ولمحبي الألعاب العائليّة، ستوفر القرية "قعدة" لبنانيّة على الأصول، إذ سيكون هناك مجال لعشاق لعبة "الورق" و"الطّاولة" وغيرها من الألعاب الشّعبية باللّعب وسط الأجواء الإستثنائية التي ستبثها القرية، بالاضافة إلى مساحة مخصصة للأولاد مملوءة بعدد كبير من الألعاب.
وعلى طريقة ألف ليلة وليلة، يفتتح معرض "ليالي زمان" أبوابه اليوم أمام كافة الزوار لعيش تجربة رمضانية فريدة ستنير قلوب أهالي لبنان وأطفاله وزواره.
للشمال حصة أيضا
ومن بيروت إلى عاصمة لبنان الثانية، طرابلس، لم يغب طيف رمضان عن شوارع وطرقات المدينة.. بسطات العصائر، متاجر الحلوى، ومحال الثياب، كلها استنفرت لفاعليات الشهر الفضيل، وليوم العيد.
وشهدت المدينة خلال الأيام الماضية حركة كبيرة ولافتة أنعشت الأسواق، بالإضافة إلى مبادرات محلية تكفلت بإنارة الشوارع وتزيينها.
الحركة هذه انعكست فرحًا وارتياحًا على وجوه التجار الذين كانوا ينتظرون هذا الشهر بفارغ الصبر، إذ عبّروا عن أملهم بأن تبقى الحركة على ما هي عليه خلال كافة أيام رمضان. ففي وقت ازدحمت محال الخضار بالطرابلسيين لشراء ما يلزم للسحور والفطور، برزت حركة قوية داخل محال بيع الملابس، إذ حرص الأهالي على شراء الجلابيات والعباءات، تأكيدًا منهم على التقاليد السنوية التي تمنعوا عن التحيّيد عنها على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
وبتكريس للعادات هذه، امتلأت شوارع طرابلس بالفوانيس والنجوم، حيث طاف فيها الأطفال والأهالي وخرجوا بمسيرات احتفالية، صادحين بالابتهالات والدعاء.
كذلك، وللسنة الثانية على التوالي، أطلق الطرابلسيون مهرجان المناطيد، في الباحة الرئيسية لمعرض رشيد كرامي، واللافت هذا العام أن الأمر لم يقتصر على منطقة واحدة فقط، بل امتد هذا التقليد ليشمل مناطق أخرى كـ"سير الضنية" وبخعون، التي شهدت أيضا مهرجانات استثنائية تزامناً مع قدوم شهر رمضان.
صيدا تُجابه الحرب بـ"صيداوي أُحّ"
ومن ضمن الأجواء الإحتفالية التي تشهدها كافة المناطق اللبنانية، لصيدا أيضا حصة خاصة، إذ ستتيح فعالية "خان الفرنج" وعلى مدى 30 يومًا الفرصة أمام أهالي صيدا واللبنانيين لزيارة هذا المعرض الذي أتى نتيجة جهود محلية ساهمت بإطلاقه.
وإلى جانب أهالي صيدا والجوار أطلق "خان الفرنج" فعالياته بحضور الصناعيين والحرفيين ومصنعي الطعام والمأكولات التقليدية.
هذه الحركة التي أُطلقت داخل صيدا، ساهمت ببث حركة قوية داخل أسواق صيدا القديمة التي تأثرت بشكل إيجابي بهذه الفعاليات، ما دفع أصحاب المحال والاسواق إلى إعادة جدولة أعمالهم ووضع برامج خاصة خلال شهر رمضان، يعملون من خلالها على استقطاب زوّار المعرض، مستفيدين من الحركة التي يحدثها. واللافت أن التجار تشاركوا البرامج بين بعضهم كي لا يكون هناك مضاربة داخل المكان الواحد.
وسيقدم مهرجان "صيداوي أُحّ" العديد من الفعاليات الرمضانية، التي تبدأ بمعرض المأكولات والحرف، وصولا إلى فعاليات فنية تتمثل بالعزف على العود، بالاضافة إلى عروض المولد النبوي.
وأصرّ منظمو المعرض لهذا العام على دعم أصحاب المشاريع الصغيرة على أنواعها، من خلال تأمين مواقع معينة داخل المعرض لعرض منتجاتهم وصناعاتهم سواء تطريز، أو حرف أو مأكولات تقليدية كالتمرية والراحة والمناقيش، وغيرها الكثير.
بعلبك: الغارات لم ترهبها
وصولاً إلى بعلبك، فعلى الرغم من استهداف العدو الإسرائيلي الأخير الذي طاول غرب بعلبك وشرقها، إلا أن أهلها أبوا إلا والصمود بوجه العدوان، مؤكّدين أنّهم سيحيون شهر رمضان، ولن تؤثر الحرب عليهم.
وفي ظلّ غياب الفعاليات الرمضانية، إلا أن الأسواق لم تهدأ منذ حلول شهر رمضان، إذ إن العجلة الإقتصادية استمرت ولم ترهبها الحرب، فالأفران تعجّ بالزبائن والطلب الابرز والأكبر على الصفيحة البعلبكية التي لها مكانة خاصة على سفرة اللبنانيين. كذلك المحال التجارية الأخرى والمتاجر بالاضافة إلى المطاعم التي تشهد حركة أكثر من جيدة نسبة إلى الأوضاع.
الجنوب الموجوع يبحث عن العيد
وإلى الجنوب، الذي لا يزال ينزف منذ أكثر من 5 اشهر، فرضت الجبهة الجنوبية نفسها على أهله، خاصة النازحين منهم، الذين التجأوا إلى مراكز الإيواء، إذ إن رمضان الذي كان يجمعهم تشتتوا خلاله اليوم، وبات كل منهم يحيي الأجواء الرمضانية وحيدًا بعيدًا عن الأهل والأحباب.
وعلى الرغم من الاشتياق إلى التجمع داخل المساجد، واستكمال سهرات رمضان عند بعضهم البعض، أو في ساحات "الضيعة"، حاولت الجمعيات في الجنوب العمل على تخفيف المعاناة من خلال القيام بتحضير عشرات الآلاف من الوجبات الرمضانية إلى جانب المساعدات الغذائية التي يتلقاها الأهالي بشكل أسبوعيّ، علمًا أن النازحين توزعوا على 18 مركزًا في مناطق متفرقة، وتحاول الجمعيات الوصول إلى أكبر عدد ممكن منهم. المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: بالاضافة إلى على الرغم من شهر رمضان إلى جانب من خلال إلا أن
إقرأ أيضاً:
اليمن على صفيح ساخن
منذ اندلاع الحرب الكارثية في اليمن عام ٢٠١٥ والفرقاء في صراع الإرادات على تحقيق الأهداف الاستراتيجية المعلن منها وغير المعلن؛ رغم أن هذا الأخير بدأت خيوطه تتكشف، خاصة بعد سيطرة قوات ما يسمى الانتقالي الجنوبي على أكبر المحافظات اليمنية مساحة، وأكثرها ثروة معدنية، وسواحل بحرية ممتدة، وهي محافظة حضرموت، شرق الجمهورية اليمنية.
في علم الأزمات والصراعات تكون الدول التي تتداخل فيها الطموحات الوطنية بالخطط الخارجية ضحية؛ حيث الشعوب تعاني الأمرين من خلال التدخلات الخارجية، واليمن نموذج صارخ على هذه النظرية.
اليمن وشعبه يعاني الأمرّين من خلال حرب استنزاف أسفرت عن تقسيم فعلي للبلاد، حيث تسيطر جماعة أنصار الله الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية، في حين تسيطر الحكومة الشرعية على العاصمة الاقتصادية عدن بموقعها الفريد، حيث خليج عدن وبحر العرب؛ ومع ذلك فإن إحدى المشكلات الأساسية للصراع في اليمن هو عدم تمكين الحكومة الشرعية من القيام بدورها في ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار في المحافظات الجنوبية والشرقية تمهيدًا لانطلاق مفاوضات سياسية جادة مع الفرقاء اليمنيين الآخرين.
عشر سنوات من الحرب الكارثية التي أدت إلى فقدان عشرات الآلاف من المدنيين اليمنيين أرواحهم، ونزوح أعداد كبيرة إلى خارج الوطن اليمني مع تعقد الوضع المعيشي ومشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
عندما تترك الأوطان للأهواء والمصالح الشخصية تكون النتيجة كارثية؛ ومن هنا قامت بلادنا سلطنة عمان بدور دبلوماسي وإنساني مشهود على مدى عقد من الزمن حيث الجهود الديبلوماسية مع المبعوث الأممي، ومع الفرقاء اليمنيين، ومع المملكة العربية السعودية. وكانت هناك خارطة السلام التي لو تم التوقيع عليها لتغيرت الأوضاع السياسية في اليمن.
أحداث حضرموت والمهرة في غاية الخطورة؛ خاصة وأن المحافظتين يسودهما الأمن والاستقرار حتى مع اندلاع الحرب عام ٢٠١٥. ومع دخول ميليشيات الانتقالي إلى كل من حضرموت والمهرة، فإن المشهد السياسي في اليمن أصبح أكثر تعقيدًا ويحتاج إلى شيء من الحكمة والحوار لانتشال الوطن اليمني الذي أصبح على صفيح ساخن ـ كما يقال ـ خاصة وأن هدف مليشيات الانتقالي هو فصل اليمن إلى شطرين، كما كان الحال قبل الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠.
وإذا حدث الانفصال، فسوف يشهد اليمن كارثة التقسيم لأكثر من محافظة جغرافية وسوف تسود نغمة الانفصال، وهذا أمر يهدد اليمن والسلام والاستقرار الإقليمي. لقد أثبتت الحرب في اليمن التي تواصلت على مدى عشر سنوات أن الخيار العسكري فشل، وليس هناك إمكانية لمثل هذا الحسم العسكري؛ وهذا يعني أن الأزمة اليمنية لا يمكن حلها إلا من خلال الدبلوماسية والحوار؛ وهو الأمر الذي تبذل فيه بلادنا سلطنة عمان جهودًا مضنية، ولا تزال، بهدف استعادة الأمن والاستقرار في الجمهورية اليمنية الشقيقة، والتي ترتبط بسلطنة عمان بعلاقات تاريخية وجوار جغرافي وصلات قبلية واجتماعية راسخة.
وعلى ضوء ذلك، لابد من تحكيم العقل والوصول إلى آليات بين الحكومة الشرعية وبين جماعة أنصار الله الحوثيين للوصول إلى حلول واقعية على ضوء خارطة طريق السلام وإنهاء العبث في مقدرات اليمن، وإنهاء مشروعات التقسيم.
إن النموذج اليمني يتقاطع بشكل كبير مع النموذج السوداني، حيث يعاني البلدان والشعبان الشقيقان من نتائج كارثية للحرب الحالية؛ وأصبحت الأطماع الخارجية واضحة، وهناك انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، كما صدرت تقارير حقوقية مفزعة كما حدث في الفاشر في السودان أثناء اقتحام مليشيا الدعم السريع المتمردة للمدينة.
إن الحروب والصراعات الأهلية تؤدي إلى كوارث حقيقية، وتحول تلك الدول إلى دول فاشلة، وتجعل الشعوب أكثر معاناة. وفي غياب الإرادة السياسية الوطنية في الداخل تكون الأطماع والتدخلات الخارجية أكثر سهولة؛ فالموقع الجغرافي والثروات تكون عوامل جاذبة لتلك الأطماع في ظل الجبهات الوطنية الداخلية الهشة.
ولعل أفريقيا عانت لعقود من التدخلات الخارجية الأجنبية، حيث استُغلت ثروات الدول الأفريقية، خاصة المعادن كالذهب والماس، وأصبح عدد من الشعوب الأفريقية فقيرة تطلب المساعدات الإنسانية من منظمات الأمم المتحدة.
إن إرادة الأوطان وسلامة أمنها واستقرارها تنبع من صلابة الجبهة الداخلية والحرص على الحوار عند حدوث أي خلاف؛ وفي الحالتين اليمنية والسودانية لم ينجح الساسة في تلك الدول في تطويق الخلافات والصراعات بسبب هيمنة المصالح الشخصية.
هنا تضيع الأوطان وتصبح فريسة للمشروعات الاستراتيجية، كما هو الحال في النموذج اليمني والسوداني وحتى الصومالي؛ حيث تتواصل الصراعات والحروب والخلافات ونغمة الانقسام والمناطقية، وهذا أمر يسبب مشكلات كبيرة بين أبناء الوطن الواحد.
أمام المشهد السياسي اليمني والسوداني وحتى الصومالي، لا يمكن استبعاد المشروع الصهيوني العالمي من المعادلة، من خلال خطط استراتيجية تتصاعد أحيانا وتهدأ أحيانًا أخرى. وفي تصوري أن الشرق الأوسط بشكل خاص مستهدف من خلال مشروع تسيطر فيه إسرائيل على المنطقة، ليس من خلال الاحتلال التقليدي، ولكن من خلال السيطرة والنفوذ على المنافذ البحرية في ظل مشروع قناة بن جوريون، الذي يهدف إلى تهميش قناة السويس، خاصة وأن أحداث الملاحة البحرية في البحر الأحمر جعلت المشروع الصهيوني يعود بقوة للسيطرة على المنافذ البحرية لتأمين التجارة الدولية. وحتى يُحقق ذلك، لابد من إشعال الحروب والصراعات الأهلية، وإشغال الدول ذات المواقع الاستراتيجية بمثل تلك المشكلات، لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، والتي أصبحت واضحة في أكثر من إقليم.
والسؤال الأهم هنا، هل الولايات المتحدة الأمريكية تتناغم مع هذا المشروع الصهيوني العالمي؟ والإجابة نعم، خاصة وأن إدارة ترامب لها أجندة في قطاع غزة، وترسيخ الاحتلال بصرف النظر عن موضوع السلام؛ حيث لم تتحدث واشنطن عن حل الدولتين بل ظلت داعمة للكيان الإسرائيلي عسكريًا واقتصاديًا، ومنحازة بشكل سافر لحكومة نتنياهو المتطرفة، بل ووقفت ضد مشروعات القوانين في مجلس الأمن، واستخدمت حق النقض الفيتو عدة مرات ضد طموحات الشعب الفلسطيني، وحتى ضد وقف الحرب في قطاع غزة.
إن المنطقة بشكل عام في حالة توتر كبير. ولعل الحالة اليمنية تعكس الوضع المتردي والذي قد يتدحرج إلى ماهو أسوأ من ذلك. وهنا لابد من محاصرة الأوضاع في اليمن خاصة وأن القيادة الشرعية اليمنية غادرت عدن إلى السعودية، بهدف التشاور بعد أحداث حضرموت بشكل خاص. كما أن الأوضاع في البحر الأحمر مرشحة لعدم الاستقرار بعد ضرب إحدى السفن التجارية مؤخرًا.
إن اليمن الشقيق على صفيح ساخن. وفي تصوري أن المشهد السياسي في اليمن أصبح أكثر تعقيدًا على صعيد التشكيلات العسكرية والأمنية المنتشرة في المحافظات.
ومن هنا، فإن أحداث حضرموت تعطي جرس إنذار بضرورة تدخل العقلاء في اليمن أولا، وأن يكون هناك إحساس وطني بأن استمرار هذه الصراعات واقتحام المحافظات سوف يشكل ضربة كبيرة لمشروع السلام الذي تبذل من خلاله سلطنة عمان جهودًا كبيرة ومقدرة من المجتمع الدولي.. تلك الجهود الديبلوماسية تحتاج إلى تجاوب ومرونة سياسية من الفرقاء اليمنيين المطالبين باستشعار المسؤولية الوطنية، وهم القادرون على الوصول إلى تفاهمات وطنية من خلال الحوار.
إن اليمن في مفترق طرق، ويحتاج إلى تدخل من الفاعلين في اليمن، وإلى إدراك حقيقة أن الوطن اليمني هو في وضع معقد وخطير، وأن تقديم الأهداف الوطنية على الأهداف الضيقة هو البوصلة الحقيقية نحو وطن يمني مستقر وآمن، يحقق آمال شعبه في ظل إمكانات كبيرة ومقدرات تجعل من يمن التاريخ والحضارة دولة نموذجية متقدمة تنعم بالتنمية والازدهار، وتسهم مع دول المنطقة في الاستقرار والتعاون الاقتصادي في ظل عوامل موضوعية تجمعه بدول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، ليس فقط تاريخيًا وجغرافيًا، ولكن عبر نسيج اجتماعي متداخل بين شعوب المنطقة على مدى قرون.