ذكرى العاشر من رمضان.. كل ما تريد معرفته عن حرب أكتوبر
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
تحتفل الدولة المصرية كل عام في العاشر من رمضان، بذكرى انتصار 10 رمضان 1393 هجرية، "حرب اكتوبر 1973" وهى الحرب التي انتصر فيها الجيش المصري على العدو الإسرائيلي.
حرب أكتوبرحرب أكتوبر، المعروفة أيضًا بحرب 6 أكتوبر أو حرب تشرين، كانت نزالًا تاريخيًا بين مصر وإسرائيل في أكتوبر 1973، العاشر من رمضان، شهدت هذه الحرب سلسلة من التحديات والأحداث الحاسمة التي أثرت بشكل كبير على المنطقة والعالم بأسره.
بدأت الحرب في 6 أكتوبر 1973 الموافق العاشر من رمضان، عندما شنت مصر وسوريا هجمات مفاجئة على إسرائيل. كانت الأهداف الرئيسية لمصر هي استعادة سيناء، التي كانت قد خسرتها في حرب 1967، وإظهار قوة الجيش المصري بعد سلسلة من الهزائم.
تميزت الحرب بعمليات عسكرية مكثفة ومعارك ضارية على طول الجبهات المصرية والسورية. استخدمت مصر وسوريا تكتيكات جديدة، بما في ذلك الهجمات الجوية المفاجئة واستخدام الصواريخ البالستية، مما أدى إلى تحقيق بعض الانتصارات الهامة في المراحل الأولى من الحرب.
مع تدخل القوات السوفيتية والأمريكية في النزاع، توقفت الحرب بوساطة الأمم المتحدة في 22 أكتوبر. وقد أدى الوضع العسكري الناشئ إلى حدوث تغييرات استراتيجية وسياسية في المنطقة، بما في ذلك إجراء محادثات السلام التي أدت في النهاية إلى اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979.
تظل حرب أكتوبر حدثًا محوريًا في تاريخ الشرق الأوسط، حيث أثارت تحولات في السياسة الإقليمية والدولية، وكانت نقطة تحول مهمة في علاقات الدول المشاركة في النزاع.
الخلفية التاريخيةخلفية حرب أكتوبر تتعلق بعدة عوامل تاريخية وسياسية تشكلت على مر العقود السابقة للنزاع. إليك نظرة عامة على الخلفية التاريخية:
حرب 1967:
في حرب يونيو 1967، اندلعت حرب بين إسرائيل ودول عربية مجاورة بما في ذلك مصر وسوريا. خلال هذه الحرب، احتلت إسرائيل سيناء من مصر والجولان من سوريا.
انتهاكات المعاهدات والصراع الحدودي:
بعد حرب 1967، شهدت المنطقة استمرارًا للتوترات الحدودية وانتهاكات متكررة للمعاهدات، مما زاد من الاحتقان بين الدول المتصارعة.
التحضيرات العسكرية:
قامت مصر وسوريا بتعزيز قواتهم العسكرية وتحسين قدراتهم الدفاعية بشكل كبير خلال السنوات التي سبقت حرب أكتوبر، وهو ما أدى إلى توترات متزايدة على الحدود.
المبادرة الدبلوماسية:
بعد حرب 1967، أجرى المجتمع الدولي والدول الكبرى جهودًا دبلوماسية لتحقيق السلام في المنطقة، لكنها لم تؤدي إلى تسوية دائمة للصراع.
المظاهرات الشعبية والضغوط الداخلية:
شهدت مصر وسوريا وبقية الدول العربية انتفاضات شعبية وضغوطًا داخلية متزايدة للتصدي للاحتلال الإسرائيلي واستعادة الأراضي المحتلة.
المحاولات السابقة لتحقيق السلام:
شهدت الفترة بين 1967 و1973 محاولات متكررة لتحقيق السلام من خلال محادثات ومفاوضات، لكنها لم تترك أثرًا كبيرًا على الوضع السياسي في المنطقة.
هذه العوامل وغيرها من الأحداث والتطورات السابقة شكلت الخلفية التاريخية لاندلاع حرب أكتوبر، التي جاءت كنتيجة لتصاعد التوترات وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
حرب أكتوبر 1973 كانت حربًا عسكرية شنتها مصر وسوريا ضد إسرائيل في الفترة من 6 إلى 25 أكتوبر 1973. وقد اشتهرت الحرب بالتحدي الذي فاجأ فيه الجيشان المصري والسوري القوات الإسرائيلية المتمركزة في سيناء والجولان.
تمت الهجمات المفاجئة في 6 أكتوبر، والتي اشتملت على هجوم مشترك بري وجوي على إسرائيل. كان الهدف الرئيسي للهجوم المصري هو استعادة سيناء، بينما كانت الهجمات السورية تستهدف استعادة الجولان.
شهدت الحرب معارك عنيفة ومفاوضات دبلوماسية متوازية. استخدمت الجانبان تكتيكات مبتكرة، بما في ذلك استخدام الصواريخ الباليستية والتضليل العسكري.
تعد معركة البراك الشهيرة واحدة من أهم المعارك في الحرب، حيث نجحت القوات المصرية في تحقيق تقدم كبير وكسر خطوط الدفاع الإسرائيلية.
بالرغم من تدخل القوى العالمية، تمكنت كلا الجانبين من تحقيق مكاسب عسكرية مهمة، وانتهت الحرب بوساطة الأمم المتحدة بتوقيع وقف لإطلاق النار في 25 أكتوبر 1973.
تركت حرب أكتوبر آثارًا دائمة على الشرق الأوسط، بما في ذلك تحولات في السياسة الإقليمية والعالمية، وجهود للتسوية السياسية والسلام المستمرة حتى اليوم.
المساعدات المقدمة خلال الحربخلال حرب أكتوبر 1973، تلقت الدول المشاركة في النزاع دعمًا ومساعدات من عدة دول وجهات. بعض هذه المساعدات شملت:
المساعدات العسكرية:
مصر وسوريا تلقتا دعمًا عسكريًا كبيرًا من الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك توريد الأسلحة والمعدات العسكرية.
تلقت إسرائيل دعمًا من الولايات المتحدة، بما في ذلك توريد الأسلحة والمعدات العسكرية والمساعدات المالية.
الدعم اللوجستي:
تلقت الدول المشاركة في النزاع دعمًا لوجستيًا لتعزيز إمداداتها وإمكانياتها العسكرية.
قدمت بعض الدول العربية دعمًا لوجستيًا لمصر وسوريا، مثل الإمارات العربية المتحدة وليبيا والعراق.
المساعدات الإنسانية:
قدمت بعض الدول المنظمات الإنسانية مساعدات إنسانية للضحايا المدنيين للحرب، مثل المساعدات الطبية والإمدادات الغذائية والإغاثة الطبية الطارئة.
تأتي هذه المساعدات في إطار الدعم الدولي والتحالفات الإقليمية التي شكلت جزءًا من الحرب، وساهمت في تعزيز قدرة الدول المشاركة على المضي قدمًا في النزاع.
"طريق السلام" يمثل المسار الذي اتخذته الأطراف المتصارعة لتحقيق التسوية وإنهاء النزاع بطرق سلمية ودبلوماسية. في حرب أكتوبر 1973، فتحت مبادرات السلام الباب أمام الحوار والتفاوض لإنهاء النزاع وتحقيق السلام.
بعد انتهاء الحرب، بدأت محادثات السلام بوساطة الأمم المتحدة والدول الكبرى لإيجاد حلول دبلوماسية وتسوية للصراع.
مؤتمر جنيف الدولي:
نُظم مؤتمر جنيف الدولي في ديسمبر 1973، وتناول قضية السلام في الشرق الأوسط وبحث سبل التوصل إلى تسوية دائمة وعادلة.
اتفاقيات السلام:أسفرت جهود التفاوض عن توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في 1978، وهي اتفاقية مهمة جدًا تضمنت تبادل الأراضي وإقامة علاقات سلمية بين البلدين.
أدت هذه الاتفاقية إلى إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 1979، والتي جعلت مصر أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل.
جهود السلام المستمرة:استمرت الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق السلام وتعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، بما في ذلك مبادرة السلام العربية وعملية السلام الأوسلو في العقد الثمانين وتسعينات القرن الماضي.
"طريق السلام" يمثل استمرارية الجهود الدبلوماسية والحوار لحل النزاعات بشكل سلمي وإنهاء دورات العنف والحروب، ويعتبر نموذجًا للتعاون الدولي والتضامن الإنساني لتحقيق السلام والاستقرار في العالم.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: ذكرى العاشر من رمضان حرب اكتوبر أبطال حرب أكتوبر حرب رمضان سيناء الدول المشارکة لتحقیق السلام الشرق الأوسط مصر وسوریا حرب أکتوبر بما فی ذلک أکتوبر 1973 فی النزاع من رمضان حرب 1967
إقرأ أيضاً:
ذكرى الحرب العالمية الثانية.. هكذا عانى العرب ويلات حرب لا تعنيهم
عانت الدول العربية من مآسي الاحتلال قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بصور شتّى، فقد سُخرت مواردها لخدمة المحتل، بل أجبر هؤلاء المحتلون كثيرا من أبناء البلدان العربية على الانخراط في جيوشهم وخوض حروبهم.
وسقط الآلاف منهم دون أن يكون لهم شأن بتلك الحروب، فلا هي حروبهم، ولا هي جيوشهم، ولا هو دفاع عن أوطانهم المحتلّة، ورغم ذلك انخرط أغلبهم مكرها مغلوبا على أمره.
وعند تحليل الوضع السياسي للعرب خلال الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939، يتضح أن الدول العربية انقسمت إلى 4 مجموعات رئيسية، اختلفت ظروفها لكنها اتحدت في مواجهة مآسي الحرب.
تألفت المجموعة الأولى من مصر والعراق، كانت علاقتهما مع المحتل البريطاني محكومة باتفاقيات تُدرج ضمن فئة "المعاهدات غير المتكافئة".
وارتبطت مصر باتفاقية عام 1936، بينما خضع العراق لمعاهدة مشابهة أُبرمت عام 1930، وكان عليهما بموجب الاتفاقيات تقديم الدعم العسكري الكامل للقوات البريطانية خلال الحرب، مما ألغى فعليًا فكرة الحياد.
أما بلاد الشام فقد خضعت بشكل مباشر وكامل للانتدابين البريطاني والفرنسي، وهي فلسطين والأردن وسوريا ولبنان.
إعلانوكما يذكر المؤرخ صلاح العقاد في كتابه "العرب والحرب العالمية الثانية"، فإنه نظرا لصرامة نظام الانتداب، الذي استغل ظروف الحرب لتجميد عملية التطور الدستوري في البلدان الواقعة تحت سلطته، فقد تم تقييد مختلف التوجهات الشعبية الوطنية بصورة كبيرة.
أما المجموعة الثالثة، فتقع في شبه الجزيرة العربية، حيث نشأت خلال الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين دولتان مستقلتان هما اليمن والسعودية، تحيط بهما كيانات خاضعة للحماية البريطانية.
ومن اللافت أن هاتين الدولتين تمتعتا بأعلى درجات الاستقلال في إدارة شؤونهما الداخلية والخارجية مقارنة بالدول الأخرى الخاضعة للانتداب، ويُعزى ذلك إلى عدم ارتباطهما بأي اتفاقيات أو معاهدات ملزمة مع القوى العظمى.
وتضم المجموعة الرابعة دول المغرب العربي، التي شهدت خلال فترة الحرب العالمية الثانية تتابعًا سريعًا لمجموعة من الأنظمة السياسية الأجنبية المتعاقبة.
فقد خضعت خلال فترة الاستعمار الفرنسي لسلطة حكومة فيشي الفرنسية، ثم دخلت القوات الألمانية إلى تونس لفترة وجيزة، أعقبتها قوات الحلفاء عند تنفيذهم عملية الإنزال في شمال أفريقيا في خريف عام 1942، لتعود السيطرة على هذه الأقاليم إلى حكومة فرنسا الحرة.
وإلى جانب هذه المجموعات الأربع، تبرز ليبيا بوصفها حالة استثنائية، إذ كانت الدولة العربية الوحيدة التي خضعت مباشرةً لاحتلال إحدى دول المحور، وهي إيطاليا الفاشية، التي اتجهت قبل اندلاع الحرب إلى محو الهوية الوطنية الليبية، على غرار السياسة الفرنسية في الجزائر.
شكلت هزيمة المحور في شمال أفريقيا نقطة تحول مفصلية في تاريخ ليبيا المعاصر، إذ فتحت الطريق أمامها نحو الاستقلال السياسي قبل دول الجوار في المغرب العربي.
مصر ومعركة العلمينشكّلت مصر خلال الحرب العالمية الثانية محورا إستراتيجيًا حيويًا بفضل موقعها الجغرافي المتحكم في قناة السويس، وقد وقعت على أراضيها واحدة من أبرز معارك حملة شمال أفريقيا حيث قاد الحلفاء الإنجليز والفرنسيون معركة العلمين عام 1942، على بُعد نحو 100 كيلومتر غرب مدينة الإسكندرية ضد قوات المحور الألمانية والإيطالية.
إعلانشهدت المنطقة مواجهات ضارية بين قوات المحور بقيادة المشير الألماني إرفين رومل، وقوات الحلفاء بقيادة الجنرال البريطاني برنارد مونتغمري، وذلك خلال معركتين فاصلتين في يوليو/تموز ثم أكتوبر/تشرين الأول–نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته.
مثّل انتصار الحلفاء في الجولة الثانية نقطة تحول إستراتيجية، إذ أوقف زحف قوات المحور باتجاه قناة السويس، وأمّن السيطرة البريطانية على الموقع الحيوي.
فرضت السلطات البريطانية الأحكام العرفية على مصر سنة 1942، مما أجّج مشاعر الغضب الشعبي، لاسيما بعد تدخلها في الشؤون السياسية المحلية، مثل إجبار الملك فاروق على تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة، مما ولّد ردود فعل قوية لدى حزب الوفد والقوى الوطنية الأخرى.
ورغم إعلان الحياد الرسمي، أدّت مصر مجبرة دورا فاعلا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شاركت وحدات من جيشها في دعم الحلفاء، خاصة من خلال أفواج المشاة والفرسان والمدفعية.
كما أسهمت بطاريات الدفاع الجوي المصرية بفاعلية في التصدي لغارات الطيران الألماني على مدن كالإسكندرية والقاهرة والسويس، وقد تجاوز عدد قتلى الجنود المصريين في تلك المعركة نحو 1100 جندي، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وكما يذكر المؤرخ عبد العظيم رمضان في كتابه "مصر والحرب العالمية الثانية" فقد تعرضت مصر لغارات جوية عنيفة.
وكانت الإسكندرية أكثر المدن استهدافا من قبل طائرات المحور مما روّع السكان المدنيين، فلجأ الألوف منهم إلى الهجرة داخل البلاد، كما هاجر بعض سكان القاهرة إلى الريف.
سوريا ولبنانكانت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي منذ أواخر الحرب العالمية الأولى، وفي الحرب الثانية كانت السيطرة بيد حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا.
إعلانقرر الحلفاء في يونيو/حزيران 1941 قيادة حملة عسكرية ضد قوات فيشي لمنع المحور من استخدام هذه المناطق كقاعدة إستراتيجية، وانتهت الحملة بانتصار الحلفاء في يوليو/تموز 1941.
وتعهدت فرنسا الحرة بقيادة شارل ديغول بمنح الاستقلال للبلدين بعد الحرب، ولكن هذه الأحداث تركت آثارا داخلية كبيرة، حيث تسبب تواجد القوات الأجنبية في نقص الموارد وارتفاع الأسعار، مما أثر على الطبقات الفقيرة في دمشق وبيروت.
وحسب هاشم عثمان في كتابه "تاريخ سورية الحديث"، ففي مطلع مارس/آذار 1941، اندلعت احتجاجات في دمشق بسبب ارتفاع سعر الخبز مما أثار غضب النساء في المخابز، وتحوّل هذا الغضب إلى دعوات شعبية للإضراب والتظاهر.
خرجت مظاهرات واسعة للمطالبة بإنهاء الانتداب الفرنسي، ووقعت اشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن الفرنسية، مما أدى إلى سقوط قتلى وامتداد المظاهرات إلى مدن سورية أخرى أبرزها حمص.
وقامت فرنسا بتجنيد جنود من سوريا ولبنان خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك عبر تشكيل وحدات عسكرية محلية عُرفت سابقا باسم "القوات الخاصة في المشرق"، تكوّنت هذه القوات من مجندين سوريين ولبنانيين، وشكلت نواة للجيوش الوطنية في البلدين لاحقا.
تُشير بعض المصادر إلى أن هذه القوات كانت مكونة من نحو 17 ألف جندي، نُظِّموا في وحدات مشاة وفرسان ومدفعية، وقد لعبت هذه القوات دورا مهمًا في الحفاظ على الأمن الداخلي خلال فترة الانتداب، وأسهمت في العمليات العسكرية خلال الحرب.
فلسطينخلال الحرب العالمية الثانية، كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الذي فرض عليها منذ أواخر عام 1917، وشهدت تطورات سياسية وديمغرافية حاسمة أثرت على مسار القضية الفلسطينية.
ففي عام 1939 أصدرت بريطانيا "الكتاب الأبيض" الذي حدّ من الهجرة اليهودية إلى فلسطين إلى 75 ألف مهاجر خلال 5 سنوات، مما أثار غضب الحركة الصهيونية التي رأت في ذلك تقويضا لمشروعها القومي.
إعلانوعلى الرغم من هذه القيود، استمرت الهجرة اليهودية غير الشرعية، المعروفة بـ"علياه بيت"، حيث تم تنظيم أكثر من 100 رحلة بحرية لنقل اللاجئين اليهود إلى فلسطين، رغم اعتراضات السلطات البريطانية.
وكما يذكر عبد الرحيم أحمد في كتابه "النشاط الصهيوني خلال الحرب العالمية الثانية"، فمع تولّي ونستون تشرشل رئاسة الحكومة البريطانية في مايو/أيار 1940، عادت المساعي الصهيونية لتشكيل جيش يهودي، مستفيدة من دعمه الواضح للقضية اليهودية.
وبحلول عام 1941، حققت القيادة الصهيونية مكسبًا كبيرًا بتشكيل وحدات "البالماخ"، كأول تشكيل عسكري دائم يتبع الهاغاناه، كما واصل تشرشل دعمه لفكرة الدولة اليهودية، وضغط على وزارة الحربية لتبني تشكيل جيش يهودي.
ومع اقتراب عام 1943 من نهايته، ازدادت خشية الصهاينة من ضياع فرصتهم، لكنهم نجحوا في أبريل/نيسان 1944 بالحصول على دعم 53 نائبًا في البرلمان البريطاني ليوافق مجلس الوزراء رسميًا على إنشاء قوة يهودية تقاتل تحت علمها وشعار "نجمة داود".
وفي سبتمبر/أيلول 1944، أُعلن رسميًا عن تأسيس "اللواء اليهودي"، في وقت كانت فيه الحرب العالمية الثانية في نهاياتها، واستفادت القيادة الصهيونية من الخطوة في تدريب آلاف من عناصر الهاغاناه وتجهيزهم بالسلاح.
وعند نهاية الحرب بلغ عدد اليهود المدربين بوساطة البريطانيين نحو 32 ألفا، من بينهم 450 ضابطا و150 امرأة، في حين لم يُرسل منهم إلى القتال في أوروبا سوى 3,500 مقاتل خدموا في إيطاليا مطلع 1945.
كل ذلك كان له الدور الحاسم في زيادة النشاط العسكري للحركة الصهيونية وعصاباتها التي سرعت من توسيع رقعة احتلالها للأراضي الفلسطينية بعد الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى قرار التقسيم في عام 1947 ثم وقوع النكبة في العام التالي 1948.
شهد العراق خلال الحرب العالمية الثانية تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، أثرت بشكل مباشر على مسار تاريخه الحديث، فقد استطاعت بريطانيا منذ احتلالها له عام 1917 إقامة ملكية خاضعة لها.
إعلانوإبان الحرب كان وصي العرش الأمير عبد الإله الهاشمي ورئيس الوزراء نوري السعيد خاضعين كليا لإرادة الإنجليز، جاعلين من العراق ساحة عبور وإمداد ودعم لقواتهم، رافضين دعوات الوطنيين العراقيين بضرورة الوقوف على الحياد في تلك الحرب.
أعلن نوري السعيد قطع العلاقات مع ألمانيا، والدعم المطلق للبريطانيين، وتسخير كافة موارد العراق لهذا الغرض، وكما يذكر ستار الطفيلي في دراسته "العراق في سنوات الحرب العالمية الثانية"، فإنه مع زيادة نقمة الغضب الشعبي والحزبي لهذا الخضوع للبريطانيين قاد السياسي العراقي رشيد عالي الكيلاني في أبريل/نيسان 1941، انقلابًا ضد الحكومة الموالية لبريطانيا، مما أدى إلى نشوب الحرب البريطانية-العراقية.
استمرت المعارك نحو شهر، وانتهت بسيطرة القوات البريطانية على بغداد وإعادة الوصي عبد الإله إلى الحكم، وعزز هذا التدخل البريطاني النفوذ الاستعماري وأثار استياءً واسعًا بين العراقيين، خاصة مع القبض على قادة المربع الذهبي وإنزال حكم الإعدام فيهم.
وقد أدت الحرب إلى تدهور الاقتصاد العراقي، حيث شهدت البلاد ارتفاعًا في الأسعار، ونقصًا في المواد الأساسية، وانتشار الفقر، كما فرضت السلطات البريطانية قيودًا على الصحافة والحريات العامة، مما زاد من الاحتقان الشعبي.
تونس والتأثيرات الصعبةشهدت البلدان المغاربية الثلاثة، تونس والجزائر والمغرب تأثيرات عميقة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أصبحت مسرحًا للعمليات العسكرية الكبرى ومركزا للتحولات السياسية والاجتماعية التي مهدت لاحقا لحركات التحرر الوطني بسبب الظلم الكبير الذي وقع فيها إبان تلك الحرب.
حولت الحرب العالمية الثانية تونس إلى ساحة معركة رئيسية خلال حملة شمال أفريقيا التي قام بها الحلفاء، فقد كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي منذ عام 1881، وقد شن الحلفاء عملية "الشعلة" في نوفمبر/تشرين الثاني 1942 ضد قوات المحور التي تمكنت من النزول في شمال أفريقيا بهدف طرد قوات الحلفاء، وقد أجبر الفرنسيون الآلاف من التونسيين على التجنيد في صفوفهم.
إعلانفوفقا لبيانات موقع وزارة الدفاع التونسية، يُقدر عدد التونسيين الذين شاركوا في الحـرب العالمية الثانية بـ 46 ألفا و657 رجلا، أما الخسائر البشرية فتُقدر بـ13 ألفا و612 بين قتلى وجرحى ومفقودين، أي أن نحو الثلث تأثروا جسديا، ويضاف إليهم عدد كبير من الذين تأثروا نفسيا بأهوال هذه الحرب.
وكان للحرب تأثير مباشر على تفاقم الأوضاع الاقتصادية، فكما تذكر سكينة عصامي في دراستها "الأوضاع العامة بالبلاد التونسية خلال الحرب العالمية الثانية"، فقد أثّرت تلك الحرب بشكل بالغ على الزراعة في تونس، حيث تباطأ تطور الزراعة، وتضرر كبار الفلاحين بسبب نقص الوقود والمعدات والأسمدة.
زاد الوضع سوءا، كما تقول عصامي، مع تجنيد أكثر من 90 ألف شخص من الأرياف، مما فاقم أزمة العمالة في قطاع زراعة الحبوب، وإلى جانب الأضرار الحربية، شهدت البلاد موجات جفاف شديدة خاصة عامي 1941 و1942، مما تسبب في أزمة زراعية غير مسبوقة وصنفت بأنها من أسوأ موجات القحط التي عرفتها تونس منذ أواخر القرن الـ19.
الجزائر ومجزرة مايو 1945أما الجارة الجزائر، فقد شهدت خلال الحرب العالمية الثانية تأثيرات سلبية عميقة، حيث عانى الجزائريون من القمع السياسي والاستغلال الاقتصادي والتهميش الاجتماعي، فبعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا النازية عام 1940، خضعت الجزائر لحكومة فيشي الفرنسية المتعاونة مع النازيين، وأدى ذلك إلى فرض سياسات قمعية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1942، نفذت قوات الحلفاء عملية الشعلة، ووصلت هذه القوات إلى الجزائر والمغرب، مما أدى إلى تحرير الجزائر من سيطرة حكومة فيشي الموالية للألمان، وضمها لحكومة ديغول الموالية للحلفاء.
وكما استغل الفرنسيون اقتصاد تونس، استغلوا أيضا الاقتصاد الجزائري لخدمة المجهود الحربي، مما أدى إلى نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، حيث عانى الجزائريون من التمييز في توزيع الموارد، وكانت الأولوية دائما للمستوطنين الأوروبيين، مما فاقم من معاناة السكان الأصليين.
إعلانوكما يقول محمد بكار في دراسته "الجزائر خلال الحرب العالمية الثانية"، كان 1942 عاما بالغ الصعوبة على الشعب الجزائري، حيث عانى من تدهور اقتصادي حاد تفاقم بسبب فساد الإدارة الاستعمارية، حيث انتشرت المجاعة، وارتفعت معدلات الإصابة بالأوبئة مثل التيفوس، إلى جانب تزايد أعداد الفقراء والمتسولين في المدن والقرى.
وبجانب هذا فقد جندت فرنسا آلاف الجزائريين للقتال في صفوف جيشها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث شارك هؤلاء الجنود في معارك مختلفة، خاصة في الحملة الإيطالية عام 1943، وبلغ عدد الجنود الجزائريين الذين خدموا في الجيش الفرنسي خلال الحرب نحو 134 ألف جندي، قُتل منهم نحو 18 ألفا أثناء تحرير أوروبا.
وفي 8 مايو/أيار 1945، وعقب انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، خرج الجزائريون في مظاهرات سلمية في مدينة سطيف وقالمة وخراطة للاحتفال بالنصر والمطالبة بالاستقلال الذي وُعدوا به، ولكن قوبلت هذه المظاهرات بقمع عنيف من قبل السلطات الفرنسية، مما أدى إلى مقتل آلاف الجزائريين.
المغرب وتأثيرات الحربولم تكن المغرب بعيدة عن جيرانها من بلدان العرب الأخرى من تأثيرات الحرب العالمية الثانية، فمنذ عام 1912 كانت المغرب خاضعة للحماية الفرنسية، ورغم ذلك أسهم المغرب إلى جانب الحلفاء، في التصدي للنازية والفاشية خلال الحرب العالمية الثانية.
ودعا الملك محمد الخامس الشعب المغربي لدعم فرنسا ماديا وعسكريًا فور اندلاع الحرب، والمساهمة في تحرير فرنسا من الاحتلال الألماني الذي كان قد نجح في دخول باريس عام 1940.
وحسب المؤرخ مصطفى المروان فقد استجاب آلاف المغاربة لهذه الدعوة، وشارك نحو 85 ألفًا في صفوف الجيش الفرنسي بين عامي 1942 و1945، وسقط منهم نحو 15 ألف قتيل، وأكثر من 26 ألف جريح في معارك شمال أفريقيا وأوروبا.
وبصورة إجمالية، بلغ مجموع الجيش الذي شكلته فرنسا من المجندين القادمين من تونس والجزائر والمغرب قرابة 350 ألف جندي، الأمر الذي كان له العديد من الآثار السلبية على الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في هذه البلدان.
وهكذا كان جزاء كثير من البلدان العربية بل والأفريقية التي أجبر المحتلون أبناءها على الحرب بجانبهم في الحرب العالمية الثانية الخسائرَ الكبيرة، بل والتنكر لأدوارهم، وذلك كما وقع في مجزرة تياروي في الأول من ديسمبر/كانون الأول 1944، حين قامت القوات الفرنسية بإطلاق النار على مئات الجنود السنغاليين العائدين من جبهات القتال في أوروبا، بعد مطالبتهم بحقوقهم المالية المتأخرة، حيث أشارت تقديرات بعض المؤرخين إلى أن العدد الحقيقي لهؤلاء القتلى وصل إلى 400 قتيل.
إعلان