دمشق-سانا

هل المفكرون مؤهلون أخلاقياً لتقديم النصح والإرشاد للبشرية.. وهل تتطابق ممارساتهم في حياتهم الشخصية مع المعايير التي تحتويها مبادئهم المعلنة.. وما مدى احترامهم للحقيقة والصدق.. وما موقفهم من المال وكيف يعاملون أصدقاءهم وأزواجهم وأبناءهم.. وهل الأفكار أهم من الأشخاص.

يدرس بول جونسون في كتابه (مفكّرون.

. من ماركس وتولستوي إلى سارتر وتشومسكي).. السير الذاتية لجان جاك روسو وبيرسي بيش شيلي وكارل ماركس وهنريك إبسن وليو تولستوي وإرنست همنغواي وبرتولد بريخت، وبرتراند رسل، وجان بول سارتر، وإدموند ويلسون، ونعوم تشومسكي فيطرح هذه الأسئلة ويخرج بإجابات صادمة.

ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي يعالج هذه المسألة بالتحديد، فهو يتناول مجموعة من أكثر المفكرين تأثيراً في العالم الحديث وكانت لأفكارهم ومواقفهم آثار مهمة في الفكر البشري وفي الحياة الفعلية لملايين البشر في حالة كارل ماركس.

وفي الكتاب الذي ترجمه الدكتور نايف الياسين وهو من الإصدارات الحديثة للهيئة العامة السورية للكتاب يقول جونسون: إن المفكرين أخذوا دوراً كبيراً منذ عصر التنوير، ومنهم من قام بدور الأنبياء وقادة المجتمعات من خلال قوة أفكارهم.

وبحث جونسون وفق ما أشار إليه المترجم في مؤهلات هؤلاء الأدباء الأخلاقية والسلوكية للقيام بهذا الدور والتناقض الصارخ أحياناً بين ما يقوله هؤلاء وما يفعلونه وبين أفكارهم ومثلهم من جهة وسلوكهم في حياتهم الخاصة وعلاقاتهم بالمحيطين بهم من جهة أخرى.

وفي الكتاب يركز جونسون على أفكار أولئك الكتاب وعوالمهم الخاصة وعلاقاتهم الشخصية سواء كانت مع أفراد أسرهم أم الحلقة الضيقة المحيطة بهم فيصل الكتاب إلى السيرة الذاتية للمفكرين كموضوع للبحث.

ويركز الباحث في كتابه على الحد الذي يصل إليه المفكرون من الصدق، مبيناً مدى صدقهم فيما يكتبونه وهل سلوكهم ينسجم مع أفكارهم ومبادئهم التي كانوا يعتنقونها.. وهل كان ادعاء حبهم للبشرية جمعاء والعمل على الارتقاء بها وتحريرها وصونها يوازيه حبهم للأشخاص المقربين منهم واهتمامهم بهم.

ويستشهد جونسون بكارل ماركس الذي كان يدعي أن فلسفته علمية، في حين أن المنهج الذي يستعمله في كتاباته أبعد ما يكون عن العلمية، كما أنه كان يتبنى قضية العمال ويناصرهم بينما لم يكن له في الواقع أي علاقة بهم ولم يكن يعرف الكثير عن حياتهم.

ويبين جونسون أن كثيراً من أفكار ماركس كان يسطو للتعبير عنها على أقوال غيره وأفكارهم فبعض أشهر المقولات التي تنسب إليه كانت من غيره، مستشهداً بقول جان بول سارتر إن ماركس كان ما ينفك يهاجم النازية بينما لم يفعل شيئاً واحداً مفيداً للمقاومة الفرنسية.

ويجد المؤلف سمة مشتركة تقريباً بين هؤلاء المفكرين الذين يعبرون عن محبة طاغية للبشرية جمعاء، ويقدمون أفكاراً لإصلاحها لكن حين يتعلق الأمر بالبشر الحقيقيين في حياتهم فإن المسألة تختلف كثيراً.

والأمر الذي يكون صادماً بالنسبة لبعضهم هو أن يجدوا مفكراً يعدونه مثلاً أعلى وله في مخيلتهم صورة ملائكية يسلك سلوكاً مغايراً يخدم من خلاله مصلحتهم أو المهنية.

برغم ما تناوله جونسون وسلط الضوء من خلاله على عدد من الكتاب والمفكرين وكشف سلبياتهم إلا أنه لا يقلل من شأن أفكارهم وتأثيرهم في معاصريهم وفي الأجيال التي تلتهم فيعتبر أحياناً أن الأفكار يمكن أن تختلف عن السلوك.

وتظهر ميول جونسون وتحاملاته اليمينية واضحة في اختيار الشخصيات الموجودة في الكتاب، فجميعها تتبنى الفكر اليساري وإن كان بدرجات متفاوتة.

وبين المترجم الياسين أن ما حذفه في الكتاب لا تصل أهميته ومعرفته إلى القراء العرب بالقياس مع الآخرين الذين أضاف ذكرهم من المثاقفة إلى المنظومة الحديثة.

الكتاب من تأليف بول جونسون وترجمة الدكتور نايف الياسين وهو “مفكرون من ماركس وتولستوي إلى سارتر وتشومسكي”، ويقع في 416 من القطع الكبير لمؤلفه عدد من الكتب المترجمة منها المخطط الوراثي تأليف روبرت بلومين ومحتوى الشكل تأليف هايدن وايت، وهو مترجم وأستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق ويشغل الآن مديراً عاماً للهيئة العامة للسورية للكتاب .

محمد خالد الخضر

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: فی الکتاب

إقرأ أيضاً:

“شباب سوريا والمستقبل”… مساحة شبابية تفاعلية للتعرف على مسؤوليتهم في إعادة الإعمار والمساهمة في قيادة التغير بالمجتمع

دمشق-سانا

نظم فريق مرئي المعماري بالتعاون مع سند الشباب فعالية بعنوان “شباب سوريا والمستقبل”، لتكون بمثابة مساحة شبابية تفاعلية للتعرف من خلال جلسات حوارية على مسؤوليتهم في إعادة الإعمار، وعرض أفكارهم عن الهوية، والتنمية، والمشاركة المجتمعية للمساهمة في قيادة التغير بالمجتمع، وذلك في مركز دعم الشباب بدمشق.

مؤسسة فريق مرئي لين العريب أوضحت لـ سانا أن مشاركتهم بالفعالية للإضاءة على دور الشباب في إعمار سوريا، عن طريق معرض بصري تفاعلي، يتألف من أعمال لطلاب هندسة العمارة، تتضمن أفكار شباب طموحة لخيال معماري، ترسم ملامح جديدة تتناسب مع التنوع المجتمعي لسوريا، إضافة لأنشطة تعطي مجالاً للتفكير والحلول.

وتحدثت الطالبتان رهف الطباع، وآية الطاهر عن مشروعهما ماكيت سجن صيدنايا، وهو لتجسيد المعاناة التي تعرض لها المعتقلون والمغيبون قسراً داخله، مشيرتين إلى أنه مهما كان البناء العمراني جميلاً، لكنه قد يطبع ذكريات أليمة في أذهان البشر، لذلك أتت الفكرة لتحويل هذا المكان الوحشي، بإعادة توظيفه، لمحو تلك الذاكرة.

بينما استخدم أحمد طباع، وهبة أبو شعر تقنية الأناغليف لخلق بعد ثالث لصورة منطقة مدمرة بمدينة حمص، وكيف تكون بعد إعادة الإعمار، ليستطيع المشاهد رؤية المشهدين باستخدام نظارتين، الأولى تظهر الماضي المدمر، والثانية تظهر العمران بالمستقبل.

أما عمار ياسين فكان مشروعه عبارة عن خريطة عمودية لسوريا مقسمة بشكل عشوائي على شكل قطع البازل، حيث لا يمكن تركيب أي قطعة دون الاستناد على الأخرى، كرسالة موجهة لجميع المجتمع السوري أنه لا يمكنه النهوض ببلدنا الحبيب دون الاعتماد على الجميع.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • مخابرات النمسا: إيران تقترب من القنبلة النووية… وطهران ترد “ادعاء كاذب”
  • “شباب سوريا والمستقبل”… مساحة شبابية تفاعلية للتعرف على مسؤوليتهم في إعادة الإعمار والمساهمة في قيادة التغير بالمجتمع
  • “ضرب بقبضته على الطاولة”… مندوب فلسطين يبكي أمام العالم (صور)
  • ضمن حملة “حماة تنبض من جديد”… تنظيف حديقة الحرش الغربي وقلعة حماة
  • شراكة إستراتيجية بين الشركة السورية التركية للخدمات اللوجستية وشركة “Aras Kargo” التركية
  • تزامناً مع أيام عشر ذي الحجة… وزارة الأوقاف تطلق حملة “خير الأيام”
  • بمشاركة محافظي إدلب واللاذقية… افتتاح مؤتمر “UCLG-MEWA” في بلدية أكسراي التركية
  • “المهندسين الأردنيين” توقع مذكرة تفاهم مع نظيرتها السورية لتعزيز التعاون وإعادة الإعمار
  • في الحوار الدائر حول كتاب “مدخل إلى الثقافة الوطنية والمدنية”
  • كتاب الفنون الموسيقية الحلبية… تراث نابض بين القدود والسماح