أنيسة الهوتية
تصور أن يكون لك محرابٌ مُتنقل! تستطيع أن تضعهُ في كف يدك أو جيبك متى ما شئت، ومتى ما شئت العبادة تخرجهُ فيحتويكَ كما كان جيبك يحتويه!
نعم! هذا ليس بجُنون بل حقيقة وواقع عمل بهِ أولياء الله الصالحون وأنبياؤه... فالإنسان المؤمن بالله عزَّ وجلَّ حَق الإيمان، المستشعر لحب الله والذي أنعم الله عليه بِلذةِ العبادة وإدمانها يستطيع أن يعيش في محرابهِ الخاص يتعبَّد ربه متى شاء، وأينما شاء! في بيته، في الصحراء، في السيارة، في الطيارة، في السفينة، في الوادي، في المطبخ، حتى وإن كان في محفل بين النَّاس يستطيع أن ينتقل إلى بعدِ آخر من عالم ذهني ويفرش محرابه فيه ويتعبد ربه بروحه وعقله وقلبه دون أن يشعر من حوله بحالته لأنهم يرونه موجوداً بينهم، ولكنه موجود كجسد يعمل على تقنية حفظ الذاكرة الأتوماتيكية عن طريق اللاوعي، أما قلبه وروحه فإنهما في علياء العبادة خاشعون في ذلك المحراب السري الذي لايراه غيره من بني البشر.
هذه الفئة البشرية النادرة لايشعرون بالوحشة والوحدة أينما كانوا لأنَّ قلوبهم متعلقة بالله، والله تعالى موجودٌ في كل مكان وزمان، ومن مثلهم سيدنا يوسف عليه السلام حين قال: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ" (يوسف: 33)
وقضى عمرًا في السجنِ دون أن يستشعر وحدة أو وحشة، ومثله سيدنا يحيى عليه السلام والذي سجنه الملك هيردوس حتى لايصل صوته وكلامه للناس فينقلبون ضده وينهون ملكه! إلا أنَّ السجن كان محرابًا له يتعبد فيه ربه آناء الليل وأطراف النهار ولازال يقول الحق دون خوف حتى قُطعت رأسه فاستشهد... وكمثل الكهف الذي هربت إليه مريم العذراء من فلسطين إلى مصر وعاشت فيه شهورًا تتعبد الله وحده لاشريك له ومعها رضيعها عيسى عليه السلام بعدما هربت من ذات الملك الذي أمر بقتل المواليد الصبيان ذوي الشهرين والثلاثة عُمرًا، آخذًا بقول كهنة المجوس الذين أتوا إليه وفدًا يحذرونه من زوال حكمه كما أخبرتهم النجوم...
وَلم تكن تلك هي المرة الأولى التي هربت فيها مريم العذراء من الملك الظالم؛ بل كانت قد هربت منه سابقًا حين تمنى امتلاكها واختبأت في محراب عِبادة فِعليّ وحَماها زكريا كافلها وزوج ابنة خالتها (ويُقال أختها الكُبرى من الأب)، فقال تعالى: "وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 91).
وكذلك لم يكن ذلك الكهف أول محرابٍ ذهني تعيش فيهِ روح مريم العذراء الطاهرة في بعدها الآخر للعبادة، بل إنَّ تلك الفتاة قد عاشت أغلب حياتها تتعبد الله في محرابٍ فعلي، فقد أنشأها الله نشأة صالحة وأعدها إعدادًا مُباركًا للمسؤولية التي تولتها لاحقًا... قال تعالى: "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (آل عمران: 37).
ووالدها كان عِمران الذي نزلت باسمه سورة آل عمران، وهو نبيٌ من أنبياءِ بني إسرائيل، وزوجة عمران (حَنة) أم مريم تأخرت في الإنجاب، وَفي يوم وهي تمشي وسط الأشجار رأت طائرًا يطعم الدود لفرخهِ فبكت ودعت الله أن يرزقها طفلًا ويأخذ منها ما يشاء، فحملت بمريم ولكن قبل أن تلدها توفي زوجها عمران الذي كان يخدم البيت المُقدس ويتعبد به، فنذرت هي مافي بطنها لذات العمل.
"إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ". (آل عمران: 35).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التفاصيل الكاملة لحفل مريم عزيز في ساقية الصاوي
تستعد الفنانة مريم عزيز، لاحياء حفل غنائي على مسرح قاعة الحكمة بساقية عبد المنعم الصاوي، وذلك في السابعة ونصف مساء السبت 13 سبتمبر 2025 وسعر التذكره 250 جنيه.
ومن المقرر أن تقدم مريم عزيز خلال الحفل باقة متنوعة من أشهر الأعمال الغنائية التي يحبها ويتفاعل معها الجمهور على خشبة المسرح.
أنشطة ساقية عبدالمنعم الصاوي:
أنشأ الساقية محمد الصاوي، نجل الأديب المصري عبدالمنعم الصاوي، في عام 2005، واستقى الاسم من خماسية الساقية، التي تعتبر العمل الأشهر لوالده، فبدأ يفكر في خلق مركز ثقافي إبداعي يشمل جميع أنواع الفنون والآداب يجذب طبقات مختلفة من العامة.
وقام محمد الصاوي بتصميم المشروع والشروع في بنائه ووضع التصورات حول أساليب الوصول التي وضعها للمركز بمعاونة زملاء آخرين، بدأ المركز بعمل الحفلات الموسيقية لاجتذاب الجمهور على اعتبار أن الموسيقى والغناء أوسع الفنون انتشارًا بين الناس.
وكان بها تنوع واختلاف عن السائد من الموسيقى وقتهافكان من أبرز نجوم هذه الحفلات فرق موسيقى الجاز والموسيقى الغجرية والراب وأخرى تعرض ثقافات مختلفة من أنحاء العالم.
تم بعد ذلك إدخال الكثير من الأنشطة الأخرى على المركز، ثم بدأ تقديم الأمسيات الشعرية من خلال الحفلات الغنائية ثم تقديمها منفردة في أمسيات خاصة، قامت الساقية حديثًا بتنظيم مهرجان مستوحى من فكرة سوق عكاظ للشعر تحت اسم "عكاظ الشعر" وشارك فيه شعراء من مختلف محافظات مصر واستمر لثلاثة أيام.
يقوم المركز بتقديم العروض الفنية المسرحية والسينمائية والموسيقية، وتنظيم المعارض التشكيلية سواء لكبار الفنانين التشكيليين أو للشباب.
وتحتوي الساقية على مكتبة تنقسم إلى أربعة أقسام: مكتبة عامة، مكتبة للطفل، مكتبة إلكترونية ومكتبة موسيقية، وتحتوي أقسامًا لتعليم المبادئ الأساسية لأنواع عدة من الفنون؛ مثل: الرسم، تستضيف الساقية الندوات وورش العمل في قاعاتها وهذا على المستويين الأدبي والعلمي، إضافة إلى تقديم العروض المسرحية، يقوم المركز بتنظيم المسابقات في المجال المسرحي.