قوى مدنية سودانية تطالب القاهرة بالتدخل لوقف الحرب
تاريخ النشر: 27th, July 2023 GMT
طالبت قوى مدنية سودانية القاهرة بالتدخل للوقف الفورى للحرب فى السودان، موجهين الشكر لقيادة وحكومة مصر وشعبها على جهودهم الإيجابية فى مساعدة السودان فى حل الأزمة، وذلك بينما تتواصل الاشتباكات العنيفة بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع فى العاصمة الخرطوم وبعض المناطق فى إقليم دارفور.
أخبار متعلقة
السودان.
«الدعم السريع» ترحب بمخرجات قمة دول جوار السودان وتدعو لتوحيد مبادرات وقف الحرب
مباحثات مصرية- نرويجية لوقف الحرب فى السودان
وأكد الناطق الرسمى باسم القوات المسلحة السودانية أن الموقف العملياتى مستقر فى جميع أنحاء البلاد، مشيرًا إلى استمرار الجيش فى عمليات التمشيط فى العاصمة، واتهم قوات الدعم السريع بأنها تقوم بمحاولات تهجير بعض المواطنين من منازلهم فى مناطق جبرة والكلاكلة بالخرطوم، واستهداف بعض المناطق السكنية بالمدفعية الثقيلة ما أدى إلى استشهاد اثنين من المواطنين المدنيين وإصابة آخرين.
وأكد قادة قوى الحرية والتغيير «الكتلة الديمقراطية»، على هامش اجتماعهم بالقاهرة، أن حل الأزمة السودانية لن يكون إلا بجهود أبناء السودان وحدهم، معلنين فشل كل الجهود الدولية والإقليمية التى استمرت لمدة أربع سنوات فى حل الأزمة فى السودان، وذلك بسبب انحيازها وعدم حيادها وتفضيلها لطرف على آخر، وشددوا على تضامنهم مع الجيش باعتباره ممثلاً لسيادة السودان وقادراً على إعادة البلاد إلى بر الأمان.
وقال رئيس الكتلة الديمقراطية فى المجلس المركزى القيادى لقوى الحرية والتغيير السودانية، جعفر الصادق الميرغنى - خلال مؤتمر صحفى لقوى الحرية والتغيير، الثلاثاء عُقد تحت عنوان «نحو حل وطنى شامل وبشراكة حقيقية» لإعلان خارطة طريق لحل المشكلة السودانية- إن الأوضاع الحالية فى السودان وصلت إلى مرحلة صعبة للغاية، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
ودعا الميرغنى إلى توحيد الجبهة المدنية السودانية، عبر الدخول فى مباحثات جادة تنقل البلاد من حالة اللادولة إلى الدولة المستقرة الآمنة، وطالب بوقف فورى لإطلاق النار بشكل كامل، وتكوين حكومة تصريف أعمال، تدير الدول فى هذه الظروف الصعبة، ورفع المعاناة عن أبناء الوطن، لافتًا إلى أنه ينبغى على جميع الجهود الدولية والإقليمية أن تعترف بالسيادة الكاملة للسودان، واعتبار النزاع شأنا داخليا، والمساعدة على عدم التفكك، والعمل على جمع السودانيين حول مائدة حوار يتفقون فيها على المرحلة المقبلة، بعيدًا عن الاستقطابات الخارجية.
من جهته، قال رئيس الحراك الوطنى فى قوى الحرية والتغيير، الدكتور التيجانى السيسى، إن «قوى الحرية والتغيير السودانية عقدت فى القاهرة ورشة عمل قبل أشهر قليلة، تناولت فيها قضايا الوطن، وقد توافقنا خلالها على خارطة طريق، ووثيقة لإنقاذ الوطن».
ووجّه الدكتور تيجان السيسى، رئيس الحراك الوطنى السودانى، خالص الشكر إلى مصر وحكومتها على استضافتها لجموع السودانيين الذين هربوا من آثار الحرب فى بلادهم، كما قدّم الشكر لدولة تشاد التى استضافت النازحين من إقليم دارفور، وأشار إلى أن الهدف الرئيسى من هذه المبادرة هو بناء إطار وطنى لقيادة القوى السياسية لعقد حوار وطنى شفاف.
وأكد أنه تم عقد ورشة عمل فى القاهرة، لمناقشة قضايا الوطن السودانى والتحديات التى واجهته منذ استقلاله، وتم التوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق ووثيقة لإنقاذ الوطن والتعامل مع التحديات الراهنة.
وفيما يتعلق بالأحداث المروعة والدمار الذى يجتاح البنية التحتية فى السودان، أعرب عن قلقه العميق إزاء تلك الفظائع، وقال: «لقد شهدت البلاد جرائم قتل مروعة واحتلالًا للمنازل، وشهدت أيضًا نزوحًا كبيرًا للسكان داخل البلاد وخارجها»، وشدد على أن الوضع فى السودان بعد الحرب لن يعود كما كان، حيث أدت الحرب إلى تغييرات جذرية فى البلاد، وأكد ضرورة الاعتراف ببعض القضايا الحساسة من أجل التوصل إلى حل سياسى للأزمة السودانية، وتتمثل هذه القضايا فى الاعتراف والإيمان بمبدأ أن السودان هو وطن يسع الجميع، وأيضًا الاعتراف بأن الانتقال إلى الحكم المدنى الديمقراطى لن يتحقق إلا من خلال حل شامل للأزمة.
وأشار إلى أنه فى حال عدم تحقيق حل شامل، فإن المجموعات التى لم تكن ضمن هذا الحل ستشكل عقبة أمام تنفيذ أى اتفاق يتم التوصل إليه، وشدد على أهمية التوافق الوطنى والاعتراف بالقضايا الحساسة كخطوات أساسية نحو إيقاف الحرب فى السودان وتحقيق الاستقرار السياسى، وقال إن التحديات التى يواجهها السودان، تشكل تهديدًا لأمن واستقرار ووحدة السودان.
وأكد تيجان ضرورة أن يكون الحل للأزمة السودانية من صنع السودانيين أنفسهم، بإرادة وإدارة سودانية وأن أى مبادرة للحل إذا لم تستند إلى إرادة وإدارة سودانية، فلن تتمكن من تحقيق النجاح المطلوب، معربًا عن رفضه لأى مساهمة إقليمية أو دولية يمكن أن تنتهك سيادة السودان وقراره الوطنى، مؤكدا تأييده لحل شامل للقضية السودانية، والذى لا يستثنى أحدًا، حيث يكمن فى ذلك استقرار السودان.
فى السياق نفسه، أكد نائب رئيس مجلس الأمة السودانى، عضو قوى الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية محمد عبدالكريم، ضرورة التخلى عن الحيادية فى الحرب الدائرة فى السودان، واستطرد قائلا: «لا حيادية فى هذه الحرب، وعلى الجميع أن يقفوا مع القوات المسلحة، لأنها إن انكسرت فلن يكون هناك شىء اسمه السودان».
وشدد عبد الكريم على أنه «لا يصح أن نساوى بين طرفى الصراع، لأن هناك طرفا بدأ الحرب وتمرد، وطرفا قام للدفاع عن الوطن»، مشيرًا إلى أن «وضوح المواقف إزاء الصراع فى السودان من شأنه أن يقود إلى الحل، أما المواقف الرمادية تنتج واقعا رماديا»، وطالب الجميع بإدانة ما قام به الدعم السريع، وما تلا ذلك من انتهاكات جسيمة»، لافتا إلى أن الجميع مع إيقاف الحرب، ولكن على المتحدثين عن وقف الحرب ينبغى أن يحددوا متى تقف، وكيف تقف تلك الحرب.
ودعا عبدالكريم إلى «تكوين حكومة كفاءات، وتوحيد كل القوى السياسية، وأن تنخرط فى حوار جاد، حتى نفوت الفرصة على المتربصين، وحتى لا تذهب الأوضاع إلى ما هو أسوأ».
وفى إشارة إلى الدعم الذى قدمته مصر للشعب السودانى، فى ظل المحنة الكبيرة التى يواجهها، أعرب نائب رئيس حزب الأمة السودانى، محمد عوض كريم، عن تقديره لقيادة وحكومة مصر وشعبها على جهودهم الإيجابية فى مساعدة السودان فى حلحلة هذه المشكلة.
من جهتها قالت قوى الحرية والتغيير، جناح المجلس المركزى القيادى بالسودان، إن الحرب فى السودان بكل خسائرها المادية والبشرية فرضت على الشعب السودانى واقعا جديدا، وأكد عضو المكتب التنفيذى لقوى الحرية والتغيير ورئيس حزب المؤتمر السودانى عمر الدقير فى مؤتمر صحفى عقب ختام اجتماعات لهم فى القاهرة، أنه «يجب إنهاء الحرب الآن».
وأضاف عمر الدقير «أنَّ الحرب القائمة فى السودان جاءت نتيجة تراكمات تاريخية منذ استقلاله»، داعيًا إلى «توحيد القوى العسكرية فى جيش قومى واحد»، مؤكدا أن قوى الحرية والتغيير طرحت «منذ ما قبل الحرب إطلاق عملية للتوصل للعدالة الانتقالية».
وأكد القيادى فى قوى الحرية والتغيير السودانية أنَّ الحكم الفيدرالى والاعتراف بحق الأقاليم أمر مهم ضمن المرحلة الانتقالية، لافتًا إلى الانفتاح على كل المجموعات السياسية والذهاب إلى حوار شامل، وشدد على ضرورة وجود مشروع وطنى نهضوى يهدف إلى إحلال السلام وحل النزاعات، مؤكدًا الحاجة إلى العودة لنظام ديمقراطى تجرى فيه انتخابات يشارك فيها كل السودانيين.
وأصدرت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى القيادى بيانا فى ختام اجتماعاتها فى القاهرة تحت عنوان «رؤية لإنهاء الحرب وتأسيس وإعادة بناء الدولة السودانية الجديدة»، وجهت فيه الشكر لمصر على كل المجهودات والمساعدات التى قُدمت لبنات وأبناء السودان قبل الحرب وبعدها فى الاستضافة واستقبال القادمين من جحيم الحرب، ولجهودهم من أجل إنهائها وترحيبهم بانعقاد هذا الاجتماع فى أرض مصر.
وأوضح البيان، أن الاجتماع أجاز الرؤية السياسية لإنهاء الحروب وتأسيس الدولة السودانية الجديدة عبر مشروع نهضوى جديد يحقق السلام المستدام ويقيم نظاماً مدنياً ديمقراطياً يحترم التنوع السودانى ويحسن إدارته ويبنى جيشاً مهنياً قومياً واحداً ينأى عن السياسة ويخضع للسلطة المدنية.
وشدد الاجتماع على ضرورة إطلاق عملية سياسية تؤدى لوقف الحرب فوراً والاستجابة الفاعلة لحل الكارثة الإنسانية التى نتجت عن الحرب، وحماية المدنيين وفق القانون الإنسانى الدولى والكشف والمحاسبة وجبر الضرر عن جميع الانتهاكات الفادحة التى ارتكبتها الأطراف المتقاتلة، وأن تتم بمشاركة واسعة للقوى المدنية السودانية الداعمة لوقف الحرب والانتقال المدنى الديمقراطى بصورة شاملة.
وفى أول رد فعل من قيادة الجيش السودانى على اجتماع قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى القيادى، اتهم مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن ياسر العطا، قوى «الحرية والتغيير» بـ«التحالف» مع الدعم السريع، وقال فى مقطع فيديو تم نشره على صفحات التواصل الاجتماعى التابعة للقوات المسلحة السودانية، موجهاً حديثه للمجلس المركزى: «اختصروا على أنفسكم وأقنعوا حلفاءكم الميليشيات (فى إشارة إلى الدعم السريع) بالتوجه إلى معسكراتهم وتسليم أسلحتهم الثقيلة».
الحرب فى السودان الأزمة السودانية قوات الدعم السريعالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين الحرب فى السودان الأزمة السودانية قوات الدعم السريع زي النهاردة قوى الحریة والتغییر الدعم السریع لوقف الحرب فى القاهرة إلى أن
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن