منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع لم يترك الاحتلال جريمة نص عليها القانون الدولي إلا وارتكبها، حتى صدم العالم بأرقام الشهداء وبشاعة المجازر التي تُنقل يوميا على الشاشات.

وبالرغم من أن نتنياهو كان واضحا منذ البداية بإعلانه الحرب على كل سكان غزة، ظل المجتمع الدولي والغرب تحديدا يلتمس له الأعذار ويبرر جرائمه، حتى بات شريكا فيها من وجهة نظر الكثيرين.



خلال السنوات الماضية صنف العالم دولة وجماعات فعلت تماما، ما يرتكبه الاحتلال في غزة، على قوائم الإرهاب.

كما فرضت حروب على جهات وعقوبات على دول لم تقتل ربع العدد من المدنيين الذين قتلهم الاحتلال في القطاع.

ومن هنا يبرز السؤال الفخ، أين العالم؟، أين القانون الدولي وحقوق الإنسان التي يتغنى المجتمع الدولي بها مرارا، فوضعت هذه الأسئلة تلك السرديات على المحك، بل القانون الدولي ككل.

واستخدم جيش الاحتلال "الإسرائيلي" في قصف قطاع غزة أكثر من 45 ألف صاروخ وقنبلة زاد وزنها على الـ65 ألف طن من المتفجرات.

وكان قرابة ثلثي القنابل والصواريخ التي ألقتها طائرات الاحتلال على محافظات غزة هي قنابل غير موجهة وغير دقيقة أو ما يطلق عليها اسم "القنابل الغبية".

والقنابل التي رصدها " المكتب الإعلامي الحكومي"، هي: "الخارقة للحصون من أنوع (‏BLU-113‎‏) و (‏BLU-109‎‏) ‏و(‏SDBS‏)، والأمريكية من نوع (‏GBU-28‎‏)، والموجهة بنظام ‏GPS‏ بهدف تدمير البنية التحتية، والفوسفور الأبيض، وغير ‏الموجهة، وجدام الذكية، وأخيرا صواريخ من نوع هالبر".‏

وقال المكتب إن أبرز أعراض الأسلحة المحرمة دوليا التي استخدمها الاحتلال تتمثل في القتل والإصابة بشكل جماعي، وإيقاع أكبر عدد من الضحايا في ثوان معدودة، كما في مناطق الرمال الشمالي، وجباليا، والشجاعية، والبريج، حيث ارتقى المئات من الشهداء دفعة واحدة.



سلسلة جرائم لا تنقطع
حمام دم "المعمداني"
في الأيام الأولى للحرب، ارتكب الاحتلال مجزرة مروعة في مستشفى المعمداني في غزة، حيث قصف باحة المشفى بصواريخ شديدة الانفجار، ما أدى لاستشهاد أكثر من 500 فلسطيني، جلهم من الأطفال والنساء المحتمين أصلا من القصف الوحشي في المشفى.

أدان العالم المجزرة الصادمة، لكن الدول الداعمة للاحتلال تبنت روايته التي فُندت لاحقا، بالحديث عن صاروخ فلسطيني سقط على المعمداني، لتتوالى التحقيقات لاحقا لتثبت مسؤولية طيران الاحتلال عن قتل مئات الفلسطينيين داخل مؤسسة مدنية يحرم القانون الدولي استهدافها.

التحقيق الاستقصائي الذي أعدّته قناة 4 البريطانية بشأن #مجزرة_مستشفى_المعمداني، والذي يظهر زيف الرواية التي قدّمها الاحتلال الصهيوني جملةً وتفصيلا . pic.twitter.com/InDTSNR6I1 — مصدر مسؤول (@fouadkhreiss) October 21, 2023

مجازر جباليا
ارتكب الاحتلال عدة مجازر في جباليا كان أعنفها، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حيث استشهد 120 مدنيا بعد قصف دمر مربعا سكنيا كاملا.

كشف تحقيق لصحيفة وول ستريت جورنال، عن استخدام الاحتلال، اثنتين من أضخم القنابل في ترسانته، في مجزرة مخيم جباليا، والتي زعم فيها اغتياله القيادي في كتائب القسام إبراهيم البياري، في 31 تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن الغارة، تسببت في واحدة من أكبر المجازر الدموية بقطاع غزة، والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 120 شهيدا بعد تدمير مربع سكني بالكامل.

400 شهيد وجريح بجباليا، تم قصف ما يقارب ال40 بيت و جميع الشهداء عبارة عن اشلاء، مجزرة مخيم جباليا لا تقل عن مجزرة مستشفى المعمداني pic.twitter.com/sStxsFSemG — اسامة (@Osa963) October 31, 2023

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي استشهد المئات بعد قصف استهدف مدارس وأماكن لتجمع النازحين في جباليا أيضا، حيث أعلن المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في الثالث من الشهر ذاته، عن استشهاد أكثر من 700 فلسطيني في غزة في مجازر متفرقة خلال 24 ساعة.

قتل النازحين
في تشرين الثاني/نوفمبر أوغلت آلة القتل الإسرائيلية بدماء الفلسطينيين حيث استهدف الطيران قوافل المدنيين النازحين من مناطق شمالي القطاع إلى جنوبه في شارع صلاح الدين وما حوله.

وقال المكتب الحكومي في غزة، إن هناك المئات من جثث الشهداء، من النازحين الفلسطينيين، على طرقات زعم الاحتلال إنها آمنة، لخروج الفلسطينيين باتجاه جنوب قطاع غزة.

وذكر المكتب، "أن أوامر الخروج التي يروجها الاحتلال عبر المنشورات الجوية والاتصالات والإعلانات الممولة على شبكات التواصل الاجتماعي هي دليل إدانة للاحتلال وليس لصالحه".

واتهم جيش الاحتلال، بأنه "يأمر المواطنين بالتوجه إلى جنوب القطاع، ويقصفهم في الطرق ويقطع وصول الإسعافات إليهم".

مجازر الشجاعية
استشهد عشرات الفلسطينيين، في الثالث من كانون الأول/ديسمبر، جراء مجزرة مروعة، بعد استهداف مربع سكني كامل يضم نحو 50 منزلا في حي الشجاعية شرق غزة.

وقدّرت مصادر صحفية عدد الأشخاص الموجودين في هذا المربع بقرابة الألف شخص فيما أعلن الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة عن انتشال وإنقاذ أكثر من 300 مواطن فلسطيني، بينهم قتلى وجرحى، جراء قصف إسرائيلي استهدف الحي.

وقال الدفاع المدني في بيان له إن "طيران الاحتلال يستهدف مربعا سكنيا مأهولا بالسكان في حي الشجاعية، وطواقمنا تعمل على انتشال وإنقاذ أكثر من 300 مواطن ما بين شهيد ومصاب"

مجمع الشفاء
وعقب أيام معدودة ارتكب الاحتلال مجزرة جديدة في مجمع الشفاء الطبي، طالت نازحين وطواقم طبية، بعد أن قصفت مبنى الجراحات العامة، ومدخل المجمع الطبي.

وذكرت المصادر أن آلاف النازحين لجأوا إلى المستشفى خلال الأسابيع الماضية من المناطق الشرقية لمدينة غزة بعد أن توغلت الدبابات الإسرائيلية في أجزاء منها.

مجازر خانيونس
في 22 كانون الثاني/يناير، سقط عشرات الشهداء والجرحى بفعل مجازر ارتكبها الاحتلال بحق آلاف النازحين في مراكز الإيواء غرب خانيونس، جنوب القطاع.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن جيش الاحتلال استهدف خمسة مراكز إيواء تضم 30 ألف نازح بمدينة خانيونس جنوب القطاع، فيما قالت وزارة الصحة إن عشرات الشهداء والجرحى لا تستطيع سيارات الإسعاف الوصول إليهم، بسبب عنف القصف، ومنع الاحتلال عمليات الإجلاء.

وأضاف أن "جيش الاحتلال قصف مراكز إيواء: جامعة الأقصى، والكلية الجامعية، ومدرسة خالدية، ومدرسة المواصي، ومدرسة الصناعة، في خانيونس بشكل مباشر وباستخدام طائرات الاستطلاع والمدفعية".

مجزرة رفح
منتصف الشهر الماضي، استشهد أكثر من 100 فلسطيني وأصيب العشرات، معظمهم نساء وأطفال، في قصف إسرائيلي عنيف على منازل ومساجد في رفح جنوبي قطاع غزة.

واستهدف القصف العنيف وغير المسبوق تركز في المناطق الشمالية لمدينة رفح، وفي محيط مسجد الرحمة بمخيم الشابورة في رفح. كما قصفت الزوارق الحربية شاطئ البحر.

اين الأمة العربية بجميع طوائفها قاتلكم الله بإذن واحد أحد.
إرتقاء 11 شهيدًا بينهم مسعف وممرض وأطفال في مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال قرب المستشفى الإماراتي غربي رفح pic.twitter.com/u4HqLvBLnD — Helenehelene (@Heleneh70792729) March 19, 2024

وتناثرت أشلاء الشهداء في الأماكن المستهدفة من شدة القصف، وملأت سحب الدخان الكثيف أجواء المدينة، بالتزامن مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع والمروحيات.

مجزرة الطحين
في الـ 29 من شباط/فبراير الماضي ارتكب الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة جديدة بحق الفلسطينيين الذين ينتظرون وصول المساعدات الإنسانية في مناطق شمال قطاع غزة، الذي يعاني من أوضاع إنسانية صعبة جراء النقص الحاد في المواد التموينية والغذائية والطبية.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي، إنّ الاحتلال قتل أكثر من 70 فلسطينيًا وأصاب أكثر من 250 في مجزرة مروعة جنوب غربي مدينة غزة.

هذه هي اللحظات الأولى لمجزرة الطحين التي اعترف بها الجيش الإسرائيلي
كان الطيران الإسرائيلي يراقب الحشود وينتظر حتى يتجمعون حول الشاحنات المحملة بالدقيق لقتل أكبر عدد ممكن، اختارت إسرائيل وقت الفجر حتى يصعب توثيق المجزرة، ثم وبعد تجمهر المدنيين في مكان واحد بدأ إطلاق الرصاص بغزارة… pic.twitter.com/4QvoG5GI3u — قتيبة ياسين (@k7ybnd99) February 29, 2024



مجزرة مجمع ناصر
في شباط/ فبراير الماضي، حاصر الاحتلال مجمع ناصر لعدة أيام، حيث ظلت الطواقم الطبية والجرحى والنازحين في بلا طعام لعدة أيام، وسط نقص حاد في أدوية التخدير والعناية المركزة والعمليات الجراحية، بالإضافة إلى النقص في مستلزمات وخيوط العمليات الجراحية.

اقتحم جيش الاحتلال المجمع بعد حصاره وحوله إلى ثكنة عسكرية حيث اعتقل عددا من المرضى والكوادر الطبية، كما توفي ثمانية جرحى بسبب انقطاع الكهرباء عن المجمع.

مجزرة الشفاء الثانية
بدأ الاحتلال عملية عسكرية في مجمع الشفاء في 18 من الشهر الجاري وارتكب عدة مجازر ضد المدنيين المحاصرين في المجمع والمباني المحيطة به.

وكشفت الفلسطينية المحاصرة في محيط مجمع الشفاء جميلة الهسي، أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي اغتصبت نساء وقتلتهم بمحيط المجمع الطبي، كما أجبر 65 عائلة على مغادرة محيط المجمع.

????تحديث حول مجزرة مستشفى الشفاء:

????أكثر من 40 غارة استهدفت مجمع الشفاء الطبي

????عشرات الشهداء والجرحى منذ أن بدأت قوات الاحتلال باقتحام المجمع فجر اليوم

????انفجاران عنيفان داخل المجمع

????قوات الاحتلال اعتدت على الصحفي في قناة الجزيرة إسماعيل الغول وطاقمه واختطفتهم جميعاً.… pic.twitter.com/9dtTdmvOkh — الشؤون العالمية (@mjrdzayr337191) March 18, 2024

وقالت الهسي في تصريحات لشبكة الجزيرة، إن قوات الاحتلال أحرقت وقتلت عائلات بأكملها، وكذلك أحرقت مبنى كانوا يتحصنون بداخله.

وناشدت الصليب الأحمر لتوفير ماء للأطفال والمرضى، قائلة "تقطعت بنا السبل وسط استمرار القصف الإسرائيلي".

وأكدت أنه لا وجود للصليب الأحمر ولا يستطيع توفير ماء لهم، مضيفة أن الأطفال لا يجدون حتى الماء المالح ولا يجدون غذاء أو ماء منذ 6 أيام.

مجازر موثقة
لم يخف الاحتلال الكثير من جرائمه بل وثق جنوده أغلبها بالصوت والصورة من الإعدامات الميدانية وتعذيب المعتقلين وتفجير المباني، وليس انتهاءا بما نشر خلال الأيام الماضية حيث استهدف الاحتلال خمسة شبان فلسطينيين عزل ما أدى لاستشهادهم جميعا.

وتخطت حصيلة شهداء العدوان على غزة 32 ألفا، في أعقاب استمرار المجازر وعمليات القتل الجماعي التي يمارسها جيش الاحتلال بحق المدنيين العزل.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، عن ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 32 ألفا و226، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وأضافت، أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 74 ألفا و518، فيما لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، جراء منع الاحتلال طواقم الإنقاذ من الوصول إليهم.

خلل أخلاقي
يقول د. عبد الرحمن الفرا أستاذ التاريخ والعلوم السياسية والباحث في دراسات الاستخبارات وجماعات الضغط، "هناك حالة من الانشطار في المنظومة الأخلاقية بعد أن ظل الغرب طويلا ينظر للقيم الديمقراطية والمعايير الإنسانية التي تبناها وخاض حروب من أجلها وسوقها على أنها المنظومة القيمية العادلة".

وأضاف في حديث لـ "عربي21”، "الغرب استخدم أدوات قذرة لإدامة حالة من التفرقة في الشرق الأوسط وعموم العالم الإسلامي والإبقاء حالة من السيطرة والتحكم، عندما تلاقت الأهداف الاستعمارية الغربية مع أهداف الحركة الصهيونية والتي تتكلت بإنشاء كيان لها في فلسظين.

وتابع، "بعد 7 أكتوبر سقطت هذه المنظومة التي تشدق بها الغرب بعد أن بان زيفها وأن ذلك التفوق العسكري والتكنلوجي لم يستطع حمايتها، ما حدث في السابع من أكتوبر أظهر حقيقة كل الأطراف، وأن إسرائيل ليست إلا أداة متقدمة للحالة الاستعمارية الغربية وأبرز دليل على ذلك تهافت تلك الدول لدعم الكيان عقب هجوم السابع من اكتوبر".

ازدواجية المعايير
يكمل الفرا، "بأن ازوداجية معايير المجتمع الدولي باتت واضحة لا ينكرها أحد، فكيف لأحد أن يرى إنسانا يقتل على الهواء مباشرة ثم يشكك بهوية القاتل، فجميع سبل الحياة في غزة استهدفت من المشافي حتى الكنائس ويُتداعى للحديث عن لجان تحقيق، وتدقيق بينما من اللحظة الأولى تتهم الفصائل الفلسطينية بالإرهاب".

وأكد، "أن هذا له تداعيات وانعكاسات خطيرة على مستقبل المنطقة فاليوم الشعوب العربية والإسلامية أصبحت أكثر إيمانا بأن تجاوز القيم والمعايير يؤكد أن الحل ليس بيد الغرب وأن مستقبل المنطقة لن يكون واعدا بالركون إلى منظومة القيم والأدوات الغربية التي تسود العالم".

"شيكات" قتل مفتوحة
يرى الفرا، "أن أخطر صور الدعم الغربي لإسرائيل كان السماح لها بكسر كل الخطوط ومنحها شيكات مفتوحة لاستهدف الإنسان والحجر والشجر في قطاع غزة".

وأضاف، "أن ما يحدث في غزة هو تجسيد لحالة الهيمنة الاستعمارية الغربية في المنطقة ويبرز فقدان هذه الحضارة للقيم والأخلاق خصوصا أنها تطبق ما تدعيه داخليا لكن عندما يتعلق الأمر بمنطقتنا فهذه القيم لا معنى لها".

ولفت "إلى أن الخطوات والقرارات التي تسعى الدول الداعمة للاحتلال استحصالها من الأمم المتحدة هي في حقيقتها تهدف لحماية إسرائيل وتجريم أصحاب الأرض والحق".

نظرة استعلاء 
يشير الدكتور الفرا، "إلى حالة العلو التي فرضتها الحضارة الغربية ومنطق الاستعلاء الذي تعاملت به المنظومة الأوزوبية منذ أواخر القرن التاسع عشر، حتى ظهر مصطلح المسألة الشرقية كتعريف للعرب والمسلمين".

وأوضح، "منذ ذلك الوقت بدأ رسم المشهد العالمي الجديد، ودخلت حينها مفاهيم ومصطلحات جديدة لمنطق الصراع ما بين الشرق والغرب".

ومضى قائلا، "إن نظرة الغرب تجاه الشرق والمسلمين خصوصا تعتمد على منطق التفوق والنظرة الدونية، وعلى النقيض من ذلك الإنسان الإوروبي، وهذا لمسه الكاتب الفلسطيني، إدوارد سعيد الذي شاهد عن قرب النظرة الغربية لمن يعيشون في هذه المنطقة".

وتابع، "أن الولايات المتحدة ورثت الحالة الاستعمارية بشكلها المدني عقب الحرب العالمية الثانية وأصبحت هناك توازنات جديدة في العالم، بدءا من التحكم فيه من الدول العظمى 5 + 1".

وأردف، "تعزز لدى الشعوب ضرورة انتزاع حقوقها بالقوة كما أثبتته المقاومة الفلسطينية، خصوصا أن ما حدث لم يضعف الكيان فقط بل هز كل الأنظمة المرتبطة بالحالة الاستعمارية الغربية".

وختم الفرا، "نحن أمام لحظات مصيرية ومستقبل واعد لمزيد من الجهود والتكاتف، فعند لحظة الحقيقة أدرك الجميع أن من يمتلك القوة يستطيع أن يناور في البحر ويستطيع أن يعطل المصالح السياسة والاقتصادية للدول العظمى".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية العدوان غزة ازدواجية المعايير غزة العدوان مجازر الاحتلال ازدواجية المعايير دعم الاحتلال المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاستعماریة الغربیة الإعلامی الحکومی القانون الدولی ارتکب الاحتلال جیش الاحتلال مجمع الشفاء النازحین فی الاحتلال فی فی قطاع غزة pic twitter com أکثر من فی غزة بعد أن

إقرأ أيضاً:

كانديس أوينز.. اليمينية السوداء التي ناصرت فلسطين وعادت الصهيونية

على الأغلب، كان أفراد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتوقّعون أن يهاجمهم اليسار الأميركي، الذي هاجم سلفه الرئيس السابق جو بايدن، على موقفهم الداعم لدولة الاحتلال أثناء حرب الإبادة على قطاع غزة، لكن لعل ما لم يتوقعوه هو الضغط الهائل الذي مارسته مجموعة من أبرز المؤثرين والإعلاميين اليمينيين المحافظين في البلاد ضد ممارسات دولة الاحتلال والانحياز الأميركي الأعمى لها.

وواحدة من أبرز هؤلاء الإعلاميين التي لم تدخِر جُهدا في الهجوم على دولة الاحتلال وعلى السياسة الأميركية تجاهها هي كانديس أوينز، الإعلامية اليمينية المسيحية المحافظة، التي اشتهرت بمقولتها: "الله سينتقم من كل مَن يدافع عن ما ترتكبه إسرائيل في غزة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماركس يغزو نيويورك.. الثروة ملك إيلون ماسك وممداني يملك الشارعlist 2 of 2هل أصبح تيك توك في قبضة إسرائيل بعدما استحوذ عليه الملياردير الغامض؟end of list

إن هذا الاتجاه غير المألوف الذي جسَّدته كانديس وأمثالها في صفوف اليمين الأميركي المحافظ، ومخالفتهم موقف اليمين المُعتاد من دولة الاحتلال، قد مثل ضغطا جديدا من نوعه على الإدارة الأميركية في الفترة الأخيرة من الحرب، خاصة أن الضغط استهدف القاعدة الانتخابية لترامب، وكان مبنيا على حجج مُقنعة للمواطن الأميركي المحافظ المتديّن الذي تعتمد الإدارة الأميركية على صوته.

كان نقد كانديس ورفاقها يرتكز على فكرة أن سياسة ترامب تجاه دولة الاحتلال مناقضة لشعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، فضلا عن أن خطابها يركّز على استثارة النزعة الوطنية الأميركية بالتركيز حول فكرة انصياع الولايات المتحدة الدائم للمصالح الإسرائيلية حتى حين تخالف تلك المصالح الأولويات الأميركية.

وتهاجم كانديس الفكرة القائلة إن الولايات المتحدة تحتاج لدولة الاحتلال، وتؤكد على حقيقة أن الولايات المتحدة كانت موجودة وفاعلة وقوية قبل حتى أن تتأسس دولة الاحتلال بفترة طويلة.

ليس هذا فحسب، بل إن كانديس قد وجَّهت قطاعا من الرأي العام الأميركي اليميني بعد مقتل تشارلي كيرك نحو اتجاه جديد للغاية حين أشعلت الجدل بقولها في برنامجها إن بيل أكمان، وهو من أبرز مؤيدي حملة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وفي الوقت نفسه من أبرز مؤيدي دولة الاحتلال الإسرائيلي، قد هدَّد كيرك بعد أن وجد أنه على وشك تغيير آرائه بشأن ما يحدث في غزة وبشأن تأييده المطلق لدولة الاحتلال في ما سبق.

إعلان

وحسب بليك نيف، وهو الرجل الذي أنتج العديد من أعمال تشارلي كيرك، فإن الهجمات التي شنتها كانديس على اليمينيين من أصدقاء كيرك، الذين اتهمتهم بمحاولة التأثير عليه وتهديده قبل اغتياله، قد عرَّضت هؤلاء الأشخاص لمضايقات جمَّة نظرا لأن قطاعا كبيرا من الجمهور تأثر برواية كانديس عن الأحداث.

ما قصة كانديس أوينز إذن، التي وصفتها صحيفة الإندبندنت بكونها من أخطر النساء وأكثرهن تأثيرا على الإنترنت، والتي تُعَد واحدة من أبرز وأشهر الصحفيين اليمينيين المستقلين في الولايات المتحدة، بعد أن وصلت شهرتها إلى العالمية، ولعبت دورا هاما على المستوى الثقافي في الخندق المُعادي لدولة الاحتلال في الإعلام الغربي مؤخرا؟

لعل أهم ما عزز الصلة بين كانديس وجموع كبيرة من الجمهور الأميركي هو دفاعها عن قِيم الأسرة المسيحية وهجومها العنيف على النسوية (غيتي)الثورة اليمينية السوداء والحبة الحمراء

بدأت حياة كانديس أوينز بداية مختلفة عمَّا وصلت إليه الآن من قناعات، فقد كان سبب شهرتها في البداية مناقضا لقواعد شهرتها الحالية للمفارقة. ففي حين تشتهر كانديس اليوم برفضها عقلية الضحية التي يعيش بها قطاع عريض من أصحاب البشرة السوداء والنساء في الولايات المتحدة من وجهة نظرها، كان سبب شهرتها الأوّلي في الواقع كونها ضحية.

ففي عام 2007، حينما كانت كانديس أوينز طالبة في مدرسة ستامفورد الثانوية وتبلغ من العمر 17 عاما، تحوَّلت إلى حديث الصحف الأميركية بسبب شكواها المتعلقة بتلقيها رسائل صوتية تحتوي على خطاب كراهية عنصرية وتهديدات بالقتل من مجموعة شباب، كان من بينهم ابن رئيس البلدية في المنطقة.

وقد استطاعت عائلة أوينز آنذاك أن تتلقى 37 ألفا و500 دولار من الإدارة التعليمية التي تتبع لها مدرستها للتسوية بعد أن تقدمت العائلة بشكوى للجمعية الوطنية للنهوض بالمُلوَّنين ضد الإدارة التعليمية في ستامفورد بدعوى أنها قصَّرت في حمايتها وفي استجابتها لحالتها بعد تعرُّضها لتلك الحادثة.

بعد أن تركت كانديس دراستها الجامعية وواصلت تعليمها لنفسها، تدرَّبت في مجلة "فوغ"، ثم عملت في شركة استثمار بمدينة نيويورك، وبحلول عام 2015 تمكَّنت كانديس أيضا من إنشاء وكالة تسويق تُدعى "180 درجة"، وقد كانت هناك مُدوَّنة تابعة لتلك الوكالة تكتب فيها كانديس مقالات معادية بشدة لليمين وللأفكار المحافظة، إلى درجة أنها كانت تسخر على نحو جنسي من الرمز اليميني الصاعد آنذاك دونالد ترامب.

حتى هذا التوقيت كانت كانديس على طريقها لتصبح ناشطة في تيار اليسار الليبرالي الديمقراطي، خاصة أنها هي نفسها امرأة سوداء تعرضت لخطاب الكراهية العنصري، ومن ثمَّ عُدَّت قصتها تجسيدا لفكرة "سياسات الضحية" التي كان يُروِّج لها اليسار الليبرالي الأميركي في هذا التوقيت، والتي تعني التركيز على الفئات المستضعفة مثل النساء وأصحاب البشرة السوداء ومحاولة تمكينهم وإعطائهم امتيازات تحصنهم في مجتمع يتعرضون فيه للتهميش والاضطهاد، حسب الخطاب السائد آنذاك.

ولكن بحلول منتصف العقد الثاني من القرن تعرّضت كانديس لحادثة غيَّرت مسار حياتها، فقد أعلنت عن منصة لمكافحة التنمر اسمها "سوشيال أوتوبسي"، كان هدفها فضح المتحرشين والمتنمرين على الإنترنت بجمع منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وربطها بالهويات الحقيقية لمَن كتبها بما في ذلك عناوينهم وأسماؤهم ومدارسهم، لتُفاجأ كانديس آنذاك بسيل من النقد اللاذع من المنتمين للتيار الليبرالي واليساري والنسوي نفسه، الذي رأى قطاع منه في مشروعها استنساخا لتكتيكات المتحرشين والمتنمرين أنفسهم، وأن مثل هده المنصة قد تُعرِّض النساء والمُلوَّنين والمنتمين لمجتمع الميم أنفسهم لأزمات كبيرة.

إعلان

اعتبرت كانديس أن الهجمة على مشروعها كشفت لها حقيقة التيار التقدُّمي، وأنه تيار منافق من وجهة نظرها، كما وصفت ما مرَّت به بعد ذلك قائلة: "لقد أصبحتُ محافظة بين عشية وضحاها، إذ أدركتُ أن الليبراليين هم العنصريون والمتنمرون الحقيقيون".

وفيما بعد، أنشأت كانديس عام 2017 قناة على يوتيوب بعنوان "حبة حمراء سوداء"، وتعبير الحبة الحمراء هو تعبير مُستقى من فيلم "الماتريكس"، ويعني اختيار حبة معرفة الحقيقة المُرَّة التي يخفيها المجتمع. وقد بدأت في نشر مقاطع تُروِّج فيها للأفكار المحافظة، وتقول إن مشاكل السود الحقيقية تكمُن في ثقافتهم وأفعالهم هم، وليس في الاضطهاد الهيكلي المستمر من البيض.

وبدأت كانديس تستخدم الإحصاءات والبيانات لتدلل على ذلك، داعية المجتمع الأسود في الولايات المتحدة الأميركية أن يتخلى عن ثقافة الضحية التي ينشرها بينه الديمقراطيون والتقدُّميون، وأن يتيقَّظ لحقيقة أن الأغلبية المطلقة التي تتجاوز 90% من ضحايا العنف من السود يحدث لهم ذلك في جرائم يرتكبها سود مثلهم، وأن نسب الآباء الذين يتركون أسرهم ويتخلون عن أبنائهم تتعلق بما يفعله السود أنفسهم في بعضهم البعض، وليس لها علاقة باضطهاد البيض لهم، على حد وصفها.

اكتسبت مقاطع كانديس المناهضة للأفكار التقدمية والنسوية وسياسات الهوية والضحية متابعين كُثرا في وقت تمتعت فيه تلك الأفكار بسطوة كبيرة، وكانت مناهضتها فعلا جريئا في حينه ومحفوفا بالمخاطر. ولكن ما أكسب كانديس القدرة على الاستمرارية واجتذاب المزيد من المتابعين هو قدرتها الكبيرة على المناظرة واستخدام البيانات والبراهين لإثبات قوة حُجتها.

بحلول نهاية عام 2017، أصبحت كانديس مديرا للمشاركة الحضارية بمنظمة "نقطة تحوُّل الولايات المتحدة الأميركية"، تلك المنظمة الشهيرة التي ارتبطت باسم مؤسسها تشارلي كيرك وكانت تنظم فعاليات للمحافظين واليمينيين في الولايات المتحدة، ثم أصبحت مديرة الاتصالات بالمنظمة. وفي حين التقى تشارلي كيرك بكانديس للمرة الأولى في مؤتمر لليمينيين المحافظين بفلوريدا في ذلك العام، قال إنه بعد 30 ثانية من رؤيتها على المسرح قال لنفسه إنه لم يرَ موهبة مثلها طوال سنوات عمله في السياسة، ومن ثم سرعان ما وظَّفها.

كانت كانديس تتحول بسرعة رهيبة من فتاة اشتهرت في بداية حياتها بسبب تعرضها لحادثة تنمر عنصري إلى ناشطة ذات جماهيرية واسعة بين المحافظين والأميركيين من أصحاب البشرة البيضاء، ومناهضة لحركة "حياة السود مُهِمة" (Black Lives Matter) بوصفها حركة تُرسِّخ نظرة غير واقعية للسود على أنهم ضحايا.

صارت كانديس أيضا صحفية بارزة ذات علاقة ناشئة قوية بالرئيس الأميركي ترامب الذي اعتبرته أفضل رئيس للسود في الولايات المتحدة، وكان ترامب قد وصفها بأنها امرأة ذكية، ولعل أهم ما عزز الصلة بين كانديس وجموع كبيرة من الجمهور الأميركي هو دفاعها عن قِيم الأسرة المسيحية وهجومها العنيف على النسوية في وقت رأى فيه كثير من الرجال الأميركيين البيض أنفسهم مظلومين ولا صوت لهم في الخطاب الإعلامي السائد.

منذ بداية حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وقفت كانديس أوينز بوضوح إلى جانب غزة (الفرنسية)

باختصار، وفي وقت التف فيه مجتمع السود حول الأفكار التقدمية والديمقراطية، حاولت كانديس أن تقود ثورة سوداء في المجتمع الأسود نفسه، بقولها إن اليسار يحاول دوما أن يُقنِع السود بأكاذيب من وجهة نظرها، وهي أكاذيب تؤدي في النهاية إلى ترسيخ عقلية الضحية واختلاق الأعذار بدلا من الفعل والمبادرة لتغيير الواقع، فبدلا من أن يبدأ الرجل الأسود والمرأة السوداء في محاولة استغلال إمكاناتهم للوصول للنجاح وللأسرة المستقرة، يغرقون دوما في فخ التفكير في الماضي والعنصرية المُمنهَجة وما إلى ذلك، وحينها يتوقف السود عن النظر للمشاكل المتعلقة بالثقافة السائدة بينهم التي تؤدي لاستمرار الفقر.

إعلان

بدأت كانديس تتبنى أيضا خطابا مثيرا للجدل بقولها إنه إن كانت هناك عنصرية، فهي ضد البيض وليس السود، فإذا قال أي أبيض شيئا، حتى لو كان عاديا، لكن يمكن أن يُشم منه رائحة العنصرية، فحينها سيتعرض لثقافة الإلغاء ويتم إقصاؤه، في حين أن الشخص الأسود يمتلك حرية أكبر خلال هذا العصر في التعبير عن نفسه وعن آرائه.

باختصار بَنَت كانديس أفكارها، ليس بإنكار وجود حالات عنصرية على المستوى الفردي ضد السود في الولايات المتحدة، ولكن بإنكارها أن يكون هناك حجاب غير مرئي يمنع السود من النجاح الفردي كما يدعي اليسار من وجهة نظرها، وأنه لربما كان حقيقيا في الماضي، لكنه منذ سنوات طويلة لم يعد كذلك، وأن المجتمع الأسود يجب أن يتبنَّى الآن فكرة المسؤولية الشخصية والتحلّي بأخلاقيات عمل أفضل واتباع نهج أكثر انضباطا في الحياة والتمسُّك بقِيم الأسرة وعدم إنجاب أطفال قبل الزواج، كي يُغيِّر واقعه الاقتصادي والاجتماعي دون الدخول في ماراثون الاضطهاد الذي يريد اليسار أن يُدخِل فيه الجميع، وأن يلعب فيه أفراد المجتمع دور الضحية إلى ما لا نهاية.

يقول الكثيرون من منتقدي كانديس أيضا إنها كانت تروّج لنظريات المؤامرة، وحسب صحيفة لوموند الفرنسية فإنها "مؤيدة قوية لبعضٍ من أغرب نظريات المؤامرة" مثل تشكيكها في وصول الأميركيين إلى القمر، وتشكيكها في أرقام الوفيات الناجمة عن جائحة كورونا عام 2020، فضلا عن رفضها للقاحات والتطعيم، واتهامها النشطاء من أقصى اليسار الراديكالي بمهاجمة شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي الأميركي برسائل مفخخة في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وهو أمر ثبت بعد ذلك من تحقيقات الشرطة أنه كان بفعل عضو من الحزب الجمهوري نفسه ومؤيد لترامب.

يُضاف إلى ذلك العاصفة العالمية التي أثارتها مؤخرا بسلسلة حلقاتها التي حاولت أن تبرهن فيها على أن زوجة الرئيس الفرنسي ماكرون رجل بيولوجيا وليست امرأة، وقد راهنت بتاريخها الصحافي كله وفق كلماتها على أن تلك هي الحقيقة التي لا يستطيع ماكرون الرد على أدلتها. ونتيجة لذلك رفع إيمانويل وبريجيت ماكرون في يوليو/تموز 2025 دعوى تشهير في ولاية ديلاوير الأميركية تحتوي على 22 تهمة ضد كانديس، والتهمة الرئيسية كانت أن كانديس قد نشرت عمدا بيانات "كاذبة وتشهيرية" ضدهما لتحقيق الربح.

ورغم وصفها المتكرر بأنها مُروِّجة لنظريات المؤامرة، فإن كانديس ترد على ذلك دائما بأنها تسائل الرواية الرسمية، وأن هذا حقها كصحافية ما دامت تقوم بذلك من خلال المنهج العلمي وباتباع الأدلة، والواقع أنه سواء كانت كانديس بالنسبة للبعض مُروِّجة لنظريات المؤامرة أم لا فهي لا تفعل ذلك على النحو التقليدي لهذه الكلمة، وإنما ما تفعله عادة هو تتبع النواقص والفجوات في الرواية الرسمية ومحاولة إبراز تلك الفجوات.

فلسطين مفترق طرق

منذ اندلاع طوفان الأقصى ومن بعده بداية حرب الإبادة التي شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اتخذت كانديس أوينز موقفا مناقضا لموقف الأغلبية الساحقة من اليمين الأميركي خصوصا، والغربي عموما، إذ وقفت بوضوح إلى جانب غزة وانتقدت دولة الاحتلال بنبرة جريئة وغير معهودة حتى على اليسار الأميركي.

نتيجة لذلك، خسرت كانديس وظيفتها بموقع "ديلي واير"، إذ أعلن جيريمي بورينغ، الرئيس التنفيذي للموقع، على منصة "إكس" بعد مرور أشهر على حرب الإبادة الإسرائيلية أن "ديلي واير" وأوينز قد أنهيا علاقتهما، وسرعان ما أكدت كانديس الأمر نفسه، وقد حدث ذلك في أعقاب الخلافات الكبيرة بينها وبين الناشط اليميني الأشهر في الولايات المتحدة بن شابيرو في ما يخص تأييد دولة الاحتلال، وهو أيضا من مؤسسي "ديلي واير"، وهي خلافات وصلت إلى حد النزاع العلني على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مواقف كانديس المؤيدة لفلسطين والمنتقدة بشدة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

باعتبارها مسيحية مُتديِّنة وذات صوت مسموع لدى المسيحيين المحافظين الأميركيين، فقد لعبت كانديس دورا كبيرا في تفكيك المقولات المسيحية الصهيونية والهجوم على الأفكار التي تقول إن المسيحيين مأمورون من الكتاب المقدس بدعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تدخر كانديس جهدا في التأكيد على أن الموقف المسيحي الحقيقي ينبغي ألا يكون داعما لانتهاكات دولة الاحتلال التي تقتل الأطفال وترتكب أفعالا شيطانية مند نشأتها، على حد وصفها.

إعلان

كانت كانديس من أول مَن لفتوا الانتباه في الإعلام الأميركي إلى حقيقة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يهجم على الكنائس في فلسطين ويقتل المسيحيين في غزة تماما مثلما يقتل المسلمين والأطفال في القطاع، كما أنها من أوائل مَن وصفوا ما يحدث في القطاع بالهولوكوست، وأكدت أنها مع هذا الكم من جثث الأطفال المحترقة التي تراها يوميا فإنها تعتقد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ترتكب هولوكوست عن عمد.

إن هجوم كانديس أوينز المستمر على دولة الاحتلال منذ بداية حرب الإبادة لم يتسبَّب فقط في فقدانها عملَها، لكنّه منحها لقب المعادية للسامية من قِبل إعلام دولة الاحتلال ومؤيديها، وفي عام 2024 منحت منظمة "أوقفوا معاداة السامية"، وهي منظمة يهودية ممولة من القطاع الخاص، لقب "مُعادِية السامية للعام" لكانديس.

ولكن من جهة أخرى، اكتسبت كانديس شعبية كبيرة سواء في الولايات المتحدة والعالم الغربي بسبب موقفها الراسخ منذ انطلاق حرب الإبادة المتعلق بانتقاد وفضح انتهاكات دولة الاحتلال ومُساءلة السلطة الأميركية وانتقادها اللاذع، وقد شدَّدت كانديس على كشف التناقض بين خطاب السلطة الذي يرفع شعار "أميركا أولا"، وعلى المواقف الحقيقية التي انتهجتها إدارة ترامب، التي فضَّلت -من وجهة نظرها- المصالح الإسرائيلية على المصالح الأميركية ذاتها.

ويكفي القول إنه منذ انفصالها عن منصة دايلي واير وصناعة مشروعها الخاص المتمثل في البودكاست الذي يحمل اسمها، كان نجاحها مذهلا، حسب وصف صحيفة الإندبندنت البريطانية، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2025، تصدَّر برنامجها قائمة البرامج الأكثر مشاهدة على مختلف المنصات من حيث عدد مرات التحميل والمشاهدات لكل حلقة، بمتوسط ​​3.5 ملايين تحميل تقريبا لكل حلقة.

وحسب منصة فورتشن الأميركية، فإن نجاح كل حلقة من حلقات كانديس كان استثنائيا، وتضم قناتها حاليا على يوتيوب 5.58 ملايين مشترك، وحصدت أكثر من 1.1 مليار مشاهدة، بمعدل يتراوح بين 500 ألف ومليوني مشاهدة لكل مقطع.

وفي هذا العام وحده حصدت كانديس مشاهدات تصل إلى 617 مليون مشاهدة، بينما يتابع كانديس حوالي 7 ملايين شخص على منصة "إكس"، وأكثر من 5 ملايين على منصة إنستغرام، ويحظى برنامج كانديس بأعلى كثافة إعلانية بين 8 محطات إذاعية محافظة رئيسية في الولايات المتحدة، وقد احتوت أكثر من 90% من حلقات برنامجها على إعلانات تتلوها، ولديها نحو 60 راعيا متناوبا، من بينهم أسماء بارزة في عالم الإعلانات.

من مُلهمة لإرهابي يُهاجِم المسلمين إلى مدافعة عنهم

في 15 مارس/آذار 2019 خرج الشاب الأسترالي برينتون تارانت من منزله وهو ينوي قتل أكبر عدد يستطيع أن يقتله من المسلمين، ومن ثم حمل معه بنادق نصف آلية عسكرية الطراز، وذهب إلى مسجدين في مدينة كرايست تشيرش بنيوزيلاند، واقتحمهما وقتل 51 شخصا، وهي مذبحة هزَّت العالم آنذاك، خاصة أن الإرهابي بثَّ الحادث بأكمله على موقع فيسبوك مباشرة عبر كاميرا مثبَّتة على قبعة يرتديها، كما نشر الشاب الأسترالي بيانا مطولا من 74 صفحة يُشجع فيه على الإرهاب ضد المسلمين.

كان هذا الحادث أسوء حادث إطلاق نار جماعي في تاريخ نيوزيلاندا، ومع ذلك فإن القاضي الذي حاكم برينتون تارانت لاحظ أنه لم يظهر أي ندم أو تأنيب ضمير تجاه ما فعله.

وللمفارقة فإن السبب الكبير في ثبات الإرهابي وقتها، واقتناعه بأن ما اقترفه صواب، كان تأثره بأفكار المعلقة المحافظة الأميركية كانديس أوينز كما أوَّلها، إذ قال إن أفكارها كانت مذهلة بالنسبة له وإنها دفعته للجنوح نحو استخدام العنف بدلا من الخنوع والاستسلام أمام مدِّ الأفكار التقدُّمية من جهة وتزايد أعداد المسلمين في الغرب من جهة أخرى.

توجَّهت سهام النقد بشدة تجاه كانديس بعدئذ، وهُوجم محتواها الذي ألهم مُنفّذ العمل الإرهابي، لكن كانديس دافعت عن نفسها حينها قائلة إن ربط اسمها بمنفذ العملية أمر مضحك ومجرد هراء لأنها لم تكتب أي محتوى عن الإسلام. لكن حسب موقع بيزنس إنسايدر، فإن كانديس كانت بالفعل قد كتبت قبل الحادثة تغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي تعبّر فيها عن الخوف من أن أوروبا ستصبح قارة مسلمة بحلول منتصف القرن الحالي وفقا لمعدل المواليد القائم الآن، ومن ثم سيُطبِّق المسلمون فيها الشريعة الإسلامية.

ورغم أن أوينز حينها لم تكن قد كتبت كثيرا عن الإسلام والمسلمين بالفعل حتى ذلك الوقت، فإنها ألهمت مُنفِّذ العملية على الأرجح من خلال فلسفة خطابها التي تنطلق من فكرة أن الأغلبية البيضاء المسيحية في الغرب مُهدَّدة بالمؤامرات كي تتضاءل، وأنها تعاني من مظلمة حقيقية.

بيد أن الصورة اختلفت على مدار السنوات اللاحقة، إذ بدأت كانديس تكتسب شعبية متصاعدة بين المسلمين، ليس فقط بسبب موقفها الحاسم من القضية الفلسطينية، وإنما أيضا بسبب تعليقاتها حول الإسلام والمسلمين.

في لقائها مع المؤثر الأميركي البريطاني الشهير المحسوب على اليمين أندرو تيت بعد إشهار إسلامه، ورغم أن كانديس قد عبَّرت عن حزنها من أن أندرو لم يتمسك بالمسيحية، تحدَّثت كانديس بأدب شديد واحترمت اختياره، كما أكدت على كونها لا تعرف شيئا عن الإسلام يؤهلها كي تجادله في اختياره.

وكانت تلك اللهجة "المتواضعة" في الحديث عن الإسلام غير شائعة بين أبناء أقصى اليمين، الذين عادة ما يسارعون لإلقاء الاتهامات للإسلام ولا يعترفون بأنهم يفتقرون للمعرفة الكافية حوله.

في حوار لها في بداية العام الماضي استخدمت كانديس لهجة تجاه المسلمين يندر للغاية أن يستخدمها من ينتمي لليمين في الدول الغربية، فقد أرادت أن تضرب مثالا حول التحكُّم في عقول الأميركيين بواسطة البروباغندا، ولم تجد أفضل مما حدث بالولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، التي جعلت الناس آنذاك تشعر بالخوف من المسلمين.

وقالت كانديس إنها لا تتخيل كيف كانت حياة مسلمي الولايات المتحدة في هذا التوقيت حين كانت كل وسائل الإعلام والنظام التعليمي يضخان في عقول الأميركيين أن كل مسلم إرهابي، ثم عقَّبت كانديس بقولها إنها تريد قبل كل شيء أن تتأسَّف بالنيابة عن الولايات المتحدة لكل المسلمين الذين نشؤوا في تلك الفترة داخل الولايات المتحدة، على الطريقة التي عُوملوا بها حينها.

وأكدت كانديس في هذا الحوار أيضا على أن غسيل المخ تجاه المسلمين الذي جرى على نطاق واسع في مطلع الألفية، كان يهدف إلى التغطية على الجرائم التي ارتُكبت بعد ذلك في حق المسلمين، حيث قتلت الولايات المتحدة مليون مدني عراقي بعد أن ادعت كذبا وجود أسلحة دمار شامل في العراق.

وتقول كانديس إن تلك البروباغندا التي وُجِّهَت ضد الإسلام والمسلمين حينئذٍ كانت محاولة لتمهيد العقل الأميركي كي يُطبِّع مع فكرة قصف المسلمين وقتلهم، وأن يتمرن على ألا يشعر بأي شيء تجاه المسلمين حين يموتون. وقد أبدت كانديس انزعاجها الشديد، باعتبارها امرأة مسيحية متدينة، من أنها سمحت للبروباغندا وللنظام التعليمي في الولايات المتحدة أن يُعلِّمها ألا تهتم بحياة الإنسان المسلم.

مقالات مشابهة

  • لجان المقاومة تِهنئ حماس بذكرى انطلاقتها الـ38
  • كانديس أوينز.. اليمينية السوداء التي ناصرت فلسطين وعادت الصهيونية
  • 7 شهداء في عدوان إسرائيل على قطاع غزة اليوم
  • أكثر من 1.5 مليون نازح في غزة وسط تدهور حاد بالخدمات الأساسية
  • غارات إسرائيل على لبنان استهدفت مناطق مفتوحة ولم تُسجل خسائر بشرية
  • مسلحون يقتلون والد ضحايا مجزرة البو دور في صلاح الدين
  • الأدلة الجنائية في غزة:انتشال جثامين الشهداء من المقابر المؤقتة وتوثيقها
  • جهود في غزة لانتشال وتوثيق جثامين الشهداء وتمكين الأهالي من التعرف على ذويهم
  • عميد قصر العيني: أعمال التطوير تواكب المعايير العالمية
  • ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 70 ألفًا و373 شهيدًا