"بدأت أعداد المرضى في الارتفاع وبشكل مثير للقلق"، هكذا وصفت  الدكتورة إي إي خاي، رئيسة الفريق الطبي لأطباء بلا حدود في مستشفى الأم والطفل في تعز الحوبان، تصاعد حالات الإصابة بمرض "الحصبة" الذي بات يهدد حياة الأطفال في المحافظة.

وبحسب تقرير جديد نشرته منظمة أطباء بلا حدود، قبل أيام، سجلت وحدة العزل الخاصة بمرض الحصبة في المستشفى نحو 1,552 حالة إصابة بالحصبة، أغلبهم دون سن الرابعة.

لافتاً إلى أن شهر فبراير الماضي سجل نحو 220 حالة إصابة، في حين استقبلت الوحدة خلال الفترة (أغسطس- ديسمبر 2023) نحو 1,332 طفلاً.

وأكد التقرير أن التوقعات الوبائية لا تبشر بالانخفاض في الوقت القريب. مضيفا إن الأطفال في هذه المنطقة سيعانون من الكثير من الأمراض التي قد تصبح قاتلة إذا لم تُعالج بشكل صحيح في الوقت المناسب.

وتقبع منطقة "الحوبان" والمناطق المجاورة لها، تحت سيطرة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران التي تقوم بمنع حملات التطعيم  وإعطاء لقاحات الوقاية المجانية للأطفال في تلك المناطق. وهذا الأمر ساهم بشكل كبير في تضاعف أعداد الأطفال المصابين في تلك المناطق.

وفقاً لتقرير منظمة أطباء بلا حدود، "الحصبة أصبح مرضا متوطّنا في منطقة الحوبان وما جاورها، وفي السابق كان مستشفى الأم والطفل يقوم بعلاج نحو ما معدله ثمانية مرضى بالحصبة كل شهر. إلا أن هذا النمط تغيّر في يونيو الماضي. وفجأة بدأت الأعداد تتزايد بشكل مقلق، مع وصول أطفال من مختلف مديريات محافظة تعز إلى المستشفى، وهو ما دفع بالمنظمة إلى افتتاح وحدة عزل خاصة بعلاج المرضى أواخر أغسطس 2023".

تقول الدكتورة إي إي خاي، رئيسة الفريق الطبي لأطباء بلا حدود في مستشفى الأم والطفل في تعز الحوبان: "لقد رأيت بنفسي كيف تؤثر الزيادة الحالية في حالات الحصبة على الأطفال في مستشفى أطباء بلا حدود هنا في تعز الحوبان في اليمن. وعلى الرغم من أنّ الحصبة مرض يمكن الوقاية منه، فإنّ نسبة التطعيم بين الأطفال الذين نعالجهم من الحصبة لا تتجاوز 16 في المئة. وبمجرد انتشار الفيروس في المجتمع، يمكن أن ترتفع معدلات الإصابة بالمرض والوفيات، خصوصًا بين الأطفال الصغار".

وبعد مرور ستة أشهر، أكد تقرير المنظمة الدولية: "لا انحسار في طفرة حالات الحصبة، ويبدو أنّ جهودنا لمعالجة العدوى واحتوائها محدودة للغاية".

بحسب تقرير منظمة أطباء بلا حدود أن الافتقار إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية يدفع مرافقي المرضى إلى تأخير إحضار أطفالهم المرضى إلى المستشفى على أمل أن تختفي الأعراض من تلقاء نفسها بمساعدة الأدوية من الصيدلية المحلية، إذا كانت متوفرة. كذلك يتمثل عائق إضافي في المسافات الطويلة التي يتعين على الناس قطعها للوصول إلى هنا، حيث أنّ معظمهم بالكاد يستطيعون تحمل تكاليف النقل.

ويكافح المواطنون في محافظة تعز المحاصرة من قبل الميليشيات الحوثية للحصول على الرعاية الصحية، في ظل انهيار البنية التحتية الصحية، فالكثير من المرافق الصحية إمّا خارجة عن الخدمة أو غير مجهزة لتلبية احتياجات الناس. إضافة إلى ذلك، فالخدمات الصحية الأساسية في مرافق الصحة العامة مكلفة على أغلبية الناس ذوي القدرات المالية المحدودة للغاية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: أطباء بلا حدود

إقرأ أيضاً:

طفلي لا يحب اللعب.. هل هذا طبيعي؟!

 

 

ريتّا دار **

 

في عالمٍ يركُض بسرعةٍ، ويقيس الطّفولة بالصّوت والحركة والحيويّة، هناك أطفالٌ لا يركضون. لا يقفزون على الأرصفة، ولا يتشاجرون على من يبدأ أوّلًا في لعبة الغميضة. هناك أطفالٌ يفضّلون الزّوايا الهادئة، يكتفون بالمُراقبة، أو يصنعون لأنفسهم عالمًا خاصًّا لا يحتاج إلى شركاء. فهل هؤلاء أقلّ "طفوليّة"؟ وهل يجب أن نقلق؟

"طفلي لا يحبّ اللعب"؛ جملةٌ نسمعها كثيرًا من أمّهات وآباء يعبّرون بها عن قلقٍ دفين، أحيانًا يتلوه سؤال بصوت خافت: "هل هو طبيعي؟". وكأنّ اللّعب معيار للصحّة النّفسيّة والاجتماعيّة، وأيّ خروجٍ عنه إشارة خلل.

لكن فلنقف قليلًا عند المعنى الحقيقيّ للّعب.

اللّعب، في جوهره، ليس مجرّد حركة ولا صخب. هو تعبير، هو وسيلة. بعض الأطفال يعبّرون بأجسادهم، آخرون بالكلمات، وغيرهم بالصّمت أو الخيال. لا يمكن أن نُخضع الطّفل لعناوين جاهزة: "منفتح"، "منعزل"، "كسول"، "مختلف". فهل نسينا أنّ الطفل، مثل البالغ، له طبيعته، ومزاجه، وميوله؟

تخيّلوا طفلًا في الخامسة، يجلس في ركن الحديقة يصفّ سياراته بهدوء، بينما يقفز الآخرون من لعبة إلى أخرى. نظنّه منطويًا، بينما هو غارقٌ في حبّ التّرتيب، في رسم سيناريوهات لا نراها. هو لا يتهرّب من العالم، بل يخلق عالمه الخاصّ، على طريقته.

عادل، مثلًا، كان طفلًا هادئًا في صفّه، لا يشارك في الألعاب الجماعية، ولا ينخرط في الجري أو الركض. كانت معلّمته تلاحظ جلوسه في زاوية الصف يكتب أو يرسم أو يُراقب بصمت. أمّه كانت قلقة: "لماذا لا يلعب مثل باقي الأطفال؟". لم تفهم، في البداية، أنّ ابنها لا يرفض اللّعب، بل يبحث عن طريقةٍ يشعر فيها بالأمان.

كان "يلعب"، ولكن بطريقته، وكان يعيش مغامراته في خياله، ويجسّدها بالرّسم أو بالكلام مع نفسه. لم يكن يحتاج ملعبًا؛ بل من يفهم أنّ اللّعب لا يُقاس بالصّخب فقط.

هناك أطفالٌ يجدون في اللّعب الجماعي ضغطًا لا مُتعة. يخافون من الخسارة، من أن يُنتَقدوا، من أن يُدفعوا أرضًا، من أن لا يُحسنوا الرّدّ. وهناك أطفالٌ حذرون، يُجرّبون الحياة خطوةً خطوة، ويحتاجون وقتًا ليشعروا بالأمان. هل نلومهم؟ أم نحتضن بطء خطاهم؟

سارة، على سبيل المثال، كانت تكره لعبة الغُمِّيضة. لم تكن تُجيد الاختباء، وكانت تخاف من أن لا يجدها أحد. عندما بدأت والدتها تُلاحظ خوفها، اقترحت عليها أن تكون من يعدّ، بدلًا من أن تكون من يختبئ؛ فبدأت سارة تضحك معهم، على طريقتها. هكذا فقط، حين نحترم حساسيّة الطّفل، نفتح له بابًا ليفرح دون أن يشعر بالتّهديد.

الدّراسات التربويّة تؤكّد أنّ الأطفال يملكون أساليب تعبير متنوّعة، وأنّ التّصرّف المختلف ليس بالضرورة دليلًا على خلل. بل إنّ فهمنا لنمط كلّ طفل وميله الطبيعيّ، هو ما يساعده على النّمو بسلاسة. كما تشير بعض الأبحاث النّفسيّة إلى أن إجبار الأطفال على اللّعب بأساليب لا تروق لهم قد يُشعرهم بالفشل، ويؤثّر على ثقتهم بأنفسهم.

لذا.. علينا أن نعيد تعريف معنى "الّلعب"، وأن نكفّ عن حصره في الحركة والجري والمنافسة، ونشجّعه أن ينفتح على التّخيل، على التّصميم، على المراقبة، على التّعبير الفنيّ. فالطّفل الذي يفضّل أن يصمّم بيتًا من المكعبات بدلًا من أن يركض في السّاحة، لا يعاني شيئًا، بل يعبّر عن طبيعته.

ليس مطلوبًا من جميع الأطفال أن يحبّوا السّباحة أو الرّكض أو الألعاب الجماعيّة. المطلوب فقط أن يشعروا أن طرقهم في التّفاعل ليست غريبةً ولا مرفوضة. وأن يجدوا فينا نحن الكبار من يقول لهم: "أحبّ طريقتك"، بدلًا من: "ليش ما تلعب مثل الباقين؟".

فإن كان طفلك لا يحبّ اللعب، اقترب منه. اسأله دون حُكم: "كيف تحبّ أن تمضي وقتك؟". راقبه، وافتح له خيارات لا تشبه القوالب الجاهزة. دعه يختر بين الرّسم، القصص، البناء، الحديث مع الحيوانات، أو مجرّد مراقبة النّاس.

في النّهاية، الطّفولة ليست سباقًا، ولا اختبارًا للانفتاح. هي مساحة لاكتشاف الذّات. وبعض الذّوات تنمو في الهدوء. بعضها يحتاج ظلًّا أكثر من ضوء. فلنمنحها ما تحتاج، لا ما نريده نحن.

وأخيرًا.. كلّ طفل، في عمق ذاته، يعرف كيف يفرح. فقط علينا أن نصغي!

** كاتبة سورية

مقالات مشابهة

  • بكاء وصور أجساد تحترق في جلسة مجلس الأمن الدولي
  • أطباء بلا حدود: الأوضاع الإنسانية في خانيونس تشهد تدهورا متسارعا
  • بشكل مفاجئ وبدون الكشف عن الأسباب.. أطباء بلا حدود تنهي أنشطتها في مأرب وتعز
  • طفلي لا يحب اللعب.. هل هذا طبيعي؟!
  • دون ذكر الأسباب.. أطباء بلا حدود تنهي أنشطتها في مأرب وتعز
  • الداخلية تعزز الشراكة مع منظمة «أطباء بلا حدود» لتحسين الرعاية الصحية بالمراكز
  • منظمة أطباء بلا حدود : النساء في دارفور يتعرضن للاغتصاب في وضح النهار
  • نقابة أطباء السودان تستبعد القضاء على الكوليرا في ظل استمرار الحرب .. حمدوك يخاطب العالم… و«أطباء بلا حدود» تحذِّر من ازدياد الإصابات
  • عرمان: نطالب بإعلان حالة الطوارئ و الكوارث الصحية بصورة عاجلة في السودان
  • أطباء بلا حدود : الكوليرا تنتشر بصورة كبيرة في ولاية الخرطوم