قال الأستاذ الدكتور شوقي علَّام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن فتح مكة نصرٌ عظيمٌ وانتصارٌ مبينٌ للإسلام والمسلمين، يجب أن تُستخلص منه الدروس المستفادة التي تؤسِّس لكيفية مجاهدة النفس، والنظر للمآلات، مع الخبرة والحكمة في إدارة الأزمات، وبكل ذلك يكون التقدم والرقيُّ والدعوة إلى الله تعالى والوقوف على مقاصد الشرع من الخلق.

جاء ذلك خلال لقائه الرمضاني اليومي في برنامج "اسأل المفتي" مع الإعلامي حمدي رزق، الذي عُرض على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن رحمته صلى الله عليه وسلم، شملت أهله وأصحابه والأمة قاطبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأمته وخيرهم لأهله، فلم يسبق غضبُه يومًا رحمتَه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح.

وقد أثنى مفتي الجمهورية وبشدَّة على صُلح الحديبية قائلًا: صُلح الحديبية في غاية البراعة، لأنه أرسى مبدأً أصيلًا هو أنَّ لوليِّ الأمر أو الدولة أن تتصرَّف بما تُمليه المصلحة، وقد تكون المصلحةُ غائبةً عن البعض، إذ ليس عندهم المعلومات الكافية، وهو ما أُتيح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، فعَلِم ما ستئول إليه الأمور في المستقبل. والناظر لحال الصحابة عند خروجهم لهذا الصلح يرى أنهم لم يكونوا مجيَّشين أو مسلحين، بل ذهبوا لأداء العمرة، وبرغم أنهم عاهدوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عندما بايعوه تحت الشجرة على بذل النفس في الدفاع عن الدين، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم ينتقم، بل كان أول المتشوفين إلى تجنُّب إراقة الدماء وعصمتها وهو ما حدث.

واستعرض المفتي بعض النماذج التي وقعت أثناء فتح مكة وعززت مبدأ الرحمة والسماحة والعفو، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْيوم يوم المرحمة» ردًّا على قول أحد الصحابة: "الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ".

وأوضح مفتي الجمهورية كيف تعامل صلى الله عليه وسلم مع من آذَوه وأخرجوه وظاهروا على إخراجه وإيذائه، فلم ينكِّل بأهل مكة عندما فتحها، فقط سألهم: «ما ترون أني فاعل بكم؟» فأجابوه: "خيرًا، أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم"، فقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء»، فهذا هو قمة العفو مع المقدرة، لم يعتب ولم يمنَّ عليهم بالعفو، بل عفا وسامح ودعا بالرحمة والمغفرة، ليكون مثالًا لمن يأتي بعده، لأن أفعاله وأقواله أصبحت تشريعًا ودستورًا للمسلمين وغيرهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وأضاف المفتي أن رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت في كل أمور حياته، ولعلَّ من أبرزها ما قاله عن أهل مكة الذين آذَوه وعذبوا أصحابه، ومع ذلك لم يدع عليهم، بل كان قارئًا للمستقبل ومستبصرًا النور القادم، فقال لسيدنا جبريل: "بل أرجو أن يُخرج اللهُ من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".

وعن اللغط الدائر حول حكم أخذ المرأة مقابلًا ماديًّا من زوجها مقابل خدمته وخدمة أولادهما قال فضيلته: من يطالب بذلك لم يقرأ الواقع المصري جيدًا، فالزوجة المصرية في أغلب الحالات داعمة لزوجها وأسرتها في كل شئون الحياة، ومحافظة على كيان الأسرة، وهو أمر تتميَّز به المرأة المصرية.

واختتم مفتي الجمهورية حواره بالرد على سؤال يقول: هل مسامحة الأم للابن العاق يعفيه من العقاب والذنب في الدنيا والآخرة؟ قائلًا: نرجو من الله أن يسامح الجميع ولكننا بالفعل نحتاج إلى وقفة صادقة في شهر رمضان لنعيد حساباتنا في مسألة صلة الأرحام، ونحتاج وقفة شجاعة لترتيب الأوراق لإنهاء الخصام والقطيعة، وعلينا الاستفادة من نفحات هذا الشهر الكريم لنعالج أي جفاء أو قطيعة موجودة.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية شهر رمضان المفتي الإعلامي حمدي رزق فتح مكة صلة الأرحام لقاء رمضاني الزوجة المصرية صلى الله علیه وسلم مفتی الجمهوریة

إقرأ أيضاً:

مصر لن تضام أبدا

إن شاء الله تعالى مصر لن تضام أبدا، فانظروا الى البلاد من حولنا، لقد قامت عندنا ثورة 25 يناير، كما قامت عندهم ثورات، بل حجم ثوراتهم لايساوى شيئا بالنسبة لثورتنا، وتلت ثورة 25 يناير ثورة 30 يونيو، التى صححت المسار وأنقذت البلاد والعباد من براثن جماعة فاشية إرهابية، وهذا فضل الله على مصر والمصريين، ورغم كل الصدمات والتوترات العالمية التى مرت علينا، مازالت مصر تقف صامدة بفضل الله أولا، ثم بفضل الشعب المصرى العظيم الذى تحمل ومازال يتحمل الإصلاحات الاقتصادية وتبعاتها العنيفة، وكلنا أمل فى أن تنجح الوزارة الجديدة فى تخفيف الأعباء عن المصريين، وتبحث عن مصادر أخرى تعظم بها مواردها، غير فرض المزيد من الأعباء على المواطنين، وتجتهد فى تحقيق حماية اجتماعية حقيقية للشريحة الأكثر فقرا، وأصحاب المعاشات.

ولن تضام مصر إن شاء الله تعالى، وفيها الأزهر الشريف بعلمائه الأفاضل المجتهدين المخلصين لله أولا، ثم لهذا الوطن الحبيب، فالأستاذية هنا فى مصر، والعلم الشرعي هنا، والقرآن الكريم الذى نزل على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى الجزيرة العربية، يتلى حق تلاوته هنا فى مصر، من أجل ذلك سيحفظ الله مصر.

وإن شاء الله تعالى الفقير فى مصر لن يضام أبدا، فمن باب التكافل والتراحم والصلة والمودة والألفة يحرص المصريون على ذبح الأضاحى فى هذا الموسم العظيم، مشاركة لحجاج بيت الله بالتقرب إلى الله تعالى، فهم فى حجهم لهم الهدى، ونحن فى مصرنا وفى كل الأمصار العربية والإسلامية، وللمسلمين جميعا على وجه البسيطة لنا الأضحية، فالمضحى يذبح أضحيته فيوسع على نفسه وأهل بيته ويهدى منها لأقاربه وأصدقائه، ويتصدق كذلك على الفقراء والمساكين إغناء لهم عن السؤال فى هذا اليوم، وقد أشار القرآن الكريم الى وجوب التعاون فى مثل هذه الأعمال، قال تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

كذلك بالنظر فى حكمة المشرع الكريم سبحانه وتعالى، نجد أنه يراعى الأبعاد الاجتماعية والنفسية والاقتصادية بين أفراد المجتمع، فقد شرع الله الأضحية للقادر عليها توسعة وإغناء، بقوله تعالى فى سورة الكوثر: "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر".

ويوضح النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مدى أفضلية الأضحية، فقد جاء فى حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ما عمل ابن آدم عملا يوم النحر أحب إلى الله من هراقة الدم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فطيبوا بها نفسا".

لذا فإننا نشد على أيدي القادرين الذين يضحون ويذبحون بأنفسهم أو يوكلون غيرهم بشراء صك الأضحية، مساهمة فى التكافل الاجتماعي وتوسعة على الفقراء والمساكين وإغناء لهم عن السؤال فى يوم العيد، فإن من أعطى وأغنى الفقراء فالله يعطيه ويغنيه، وهو الجواد الكريم سبحانه وتعالى.

فلا يبخل الغنى على الفقراء فى مثل هذه الأيام الصعبة، بل عليه أن يزيد من عطائه، والله سيخلف عليه أضعافا مضاعفة، فإن كان معتادا على تقسيم أضحيته ثلاثا: ثلث لنفسه وثلث للفقراء وثلث للأقارب والأصدقاء، فعليه أن يتحرى الفقراء فى أهله وجيرانه وأصدقائه ويعطيهم الجزء الأكبر من الأضحية، ولا يدخر لنفسه إلا القليل، فما عند الله خير وابقى.

اللهم احفظ مصرنا، وأدم أمننا، واجمع على الحق شملنا، اللهم آمين.. وكل عام أنتم بخير.

[email protected]

مقالات مشابهة

  • يوافق أول أيام عيد الأضحى.. ما حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة؟
  • رئاسة الشؤون الدينية تطلق مبادرة " بالتي هي أحسن " لتكريس التسامح والاعتدال في موسم الحج
  • أهمية يوم عرفة " يوم استجابة الدعاء"
  • تعرف على فضل الدعاء في يوم عرفة
  • فضل صيام يوم عرفة 1445.. صيغة الأدعية المأثورة فيه كما وردت عن النبي
  • مصر لن تضام أبدا
  • تعرف على الأضحية وأحكامها الشرعية في الإسلام
  • المفتى: الحج من العبادات التي بها مشقة والإسلام جعل مبناها التيسير
  • مفتي الجمهورية: التيسير في الدين ينشأ عن رسوخٍ في العلم
  • عقاباً لخيانته.. عراقية تنهي الحياة الجنسية لزوجها الضابط ببتر عضوه