وعاء من الطعام يتنقل من دار إلى جار لا يُحمل فارغًا، وحقيبة تحمل خيرات الله وتوضع على أعتاب أسرة عفيفة تأبى أن تسأل رغم الحاجة، ومائدة رحمن مطولة فى الشوارع لكل جائع وعابر سبيل لا تطرد أحدًا، هكذا تتسع دوائر الخير وتُنشر نسائمها فى أرجاء المحروسة خلال شهر رمضان، فيأتى ضيف الرحمن محملاً بالنفحات والهبات الربانية فيكون باب رحمة فتح للفقراء والمساكين ودعوة للتكافل الاجتماعى تحتض كل طبقات المجتمع.

 

أطلق النبى صلى الله عليه وسلم على شهر رمضان الكريم اسم شهر المواساة، فيواسى البشر بعضهم البعض، ولا سيما مواساة غنيهم لفقيرهم، والمواساة قد تكون بالمال أو الوقت والمجهود فكل يجود بما أعانه الله عليه، وقد فرض الله علينا الشهر الكريم لتزكية النفس بألوان العبادات، ومن ضمن المقاصد الجليلة لرمضان هو الشعور بالمحتاج الذى لا يرى فارقاً بين الشهر الكريم وغيره، إلا من حيث النية، وخلال شهر رمضان رصدت «الوفد» بعض النماذج المصرية التى تساعد على بناء وتكاتف المجتمع بجهود فردية بسيطة وحس عالٍ بالمسئولية، فتمنح المحتاج وتطعم الجائع، فقد ولدت مصر أيادى يُساق عليها الخير من الله إلى يد المُحتاج دون تفكير أو تردد.

 

أبناء مصر الأخيار

«منى» هى ربة منزل ومدرسة من مدينة حلوان تقوم بالإطعام طول العام والإفطار وشنط رمضانية فى الشهر الكريم، وقالت إنها لا تعتمد أو تتعامل مع جمعيات فيما تقدمه من إطعام طول العام أو فيما يخص شهر رمضان من شنط رمضانية أو إفطار، ولكنها تعتمد بشكل كامل على نفسها فى المنزل بمساعدة والدتها وأخواتها، فهى تقوم بالإطعام مرتين فى الشهر خلال السنة، أما فى رمضان يكون كل أسبوع ويمكن أن أزيد مرة ثالثة تكون عبارة عن بقوليات وحبوب غير مطبوخة، كمان أن زكاة الفطر تُخرجها بقوليات وحبوب أيضاً حسب حاجة الأُسر.

وتمول منى الإطعام ماليًا من خلال معارفها وأصدقائها عبر «فيس بوك» و«جروب واتساب»، حيث تعلن عن بدء إطعام جديد ومن ثم يقوم من يريد المشاركة بإرسال المال أو المواد الغذائية الخام حسب المتاح، ثم تبدأ بالتحضيرات عن طريق شراء المواد الخام من ملاعق وأطباق التوزيع بمختلف أحجامها حسب عدد أفراد من محل جملة بمجمل 100 طبق بحدود 160 جنيها بعد ارتفاع الأسعار الأخير، ثم تبتاع ما يخص المواد الغذائية من أرز ومكرونة ولحوم وخضار، وتقوم بتوزيع نحو 30 وجبة فى كل مرة إطعام.

وعند سؤالها عن كيفية الوصول للأُسر المحتاجة وضحت منى أنها عندما سكنت فى منطقتها الحالية قامت بسؤال السكان القدامى عن الأُسر المحتاجة فى المحيط حولهم، وتواصلت مع شخص كان يعمل فى جمعية خيرية وآخر إمام جامع ومنهم تعرفت على الأسر المستحقة بالإضافة إلى أن الناس تخبر بعضها البعض، وهناك بعض الأسُر تتعرف عليهم بالصدفة فى التعاملات اليومية.

وأشارت «منى» إلى أن عدد الأسُر الفقيرة زاد كثيرًا مؤخرًا بعد الظروف الاقتصادية الصعبة، فبعض الأسر التى كانت مستورة ومتعايشة على القليل أصبحت فى حاجة شديدة، فكانت كثافة المطلوب مرتفعة جدًا مقابل ارتفاع الأسعار والسيولة المالية المتاحة فى رمضان هذا العام، فبما يخص شنط رمضان لم تستطع أن توزع سوى 24 شنطة قبل رمضان و4 شنط خلال رمضان، وهذا بإجمالى ما يزيد عن 10 آلاف جنيه تكلفة، حيث تحتوى الشنطة الواحدة على (كيسين أرز و3 أكياس مكرونة وكيس عدس وكيس لوبيا وكيس شعرية وعلبة صلصة وزجاجة زيت أو زجاجتين على حسب حجم الأسرة وعلبة بلح وكيس سكر إن كان متاحا).

 وقد اشترت كل احتياجاتها جملة من العطارين الجملة على شكل «شكاير» من الأرز والمكرونة والشعرية والعدس وغيرهم من الحبوب، حيث تواصلت مع المحال التجارية قبل رمضان وبحثت فى الأسواق عن أقل التجار فى الأسعار، وكانت أزمة السكر عقبة كبيرة فى شنط رمضان هذا العام، فكانت تتبع الأماكن التى تبيع السكر بحدود 27 بدلًا من 60 و70 جنيها فى الأسواق المعتادة، أو تشترى شنط رمضان من «الهايبر ماركت» والتى تحتوى على سكر ولكن يكون سعرها عالياً ومحتوياتها قليلة، فتكمل محتويات الشنطة بنفسها، وقد اضطرت إلى توزيع بعض الشنط بلا سكر واستبدلته بمنتجات أخرى اقل سعرًا وأكثر توافرًا.

 

المواساة مقدمة على المناجاة

وفى سياق متصل علق الدكتور عطية عبدالموجود لاشين، أستاذ الفقه الإسلامى بجامعة الأزهر، وعضو لجنة الفتوى بالجامع الأزهر وقال إن للزكاة مصارف معينة يتم صرف وتوجيه الزكاة إليها ورد النص عليها فى قول الله عز وجل: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم»، وإن صاحب الثراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمُحْتاجِينَ؛ فيَدْفَع لهم زكاته، ويتصدق عليهم من فضول أمواله، كما أن مواساة المحتاجين من أفضل أبواب الجود فى رمضان، حتى يعيش المسلم فى رمضان شاعر بلذة العبادة وسعيد بأواصر المجتمع المتراحم وذلك هو شأن المؤمنين الذين هم إخوة وأمة واحدة كما وصفهم الله تعالى بذلك حين قال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأنا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} وقوله جل شأنه {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

وقال الدكتور مجدى عاشور مستشار مفتى الجمهورية إن ما فهمه السلف الصالح من مقاصد الشريعة الإسلامية أن مساعدة المحتاجين والمواساة مقدمة على المناجاة، وأن خير الطاعات ما كان فيه نفع للناس وخاصة وقت الأزمات وهى من أعظم القربات، واستشهد بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لأن أمشى مع أخ لى فى حاجة أحب إلى من أن أعتكف فى هذا المسجد - يعنى مسجد المدينة شهراً».

 

فطنة أبناء مصر فى العمل الخيري

قالت دينا وهى فتاة عاملة، 27 عاماً من مدينة القاهرة، إنها تعرف أُسرا محتاجة ومستحقة بعينها هى وأخواتها وأقاربها عن طريق المعارف، ومنهم أسر كانت تتولاهم جمعيات خيرية ثم انقطعت عنهم، ومنهم من تساعدهم منذ زمن إلى أن كبر أولادهم ولم يعودوا فى حاجة بفضل الله ولكن يرشدونها إلى أسر أخرى وكل هؤلاء تقدم لهم شنط رمضان كل عام بالقدر المستطاع. 

ووضحت دينا أن رمضان هذا العام، كان مختلفا عن كل رمضان لأنها كنت فى تخوف من الأزمة الاقتصادية وزيادة الأسعار، وعلى هذا قامت بتجهيزات «شنط رمضان» باكرًا قبل شهرين من بدء الشهر الكريم، وذلك تجنبًا لأى زيادات أخرى فى الأسعار، وعلى هذا الأساس قامت بتجميع تكلفة شنط رمضان المادية قبل رمضان بشهرين كاملين، وكان أحد المتبرعين يملك ثلاجة كبيرة فقامت بشراء اللحوم والمنتجات الغذائية وتم تخزينها فى ثلاجته الخاصة، وقد جمعت الأموال تكون من الاصدقاء والمعارف ومن الإعلان عن بدء التحضيرات عبر «فيس بوك» ووسائل التواصل الاجتماعى المتاحة وهناك من يشارك بمواد غذائية بدلا من المساعدة المادية.

فيما قال حُسام، 22 عاما، طالب فى كلية إعلام إنه كان يسعى إلى الالتحاق بجمعية خيرية يتمكن من خلال من مساعدة المحتاجين بجانب الدراسة، فوجد جمعية خيرية بالقرب من محل سكنه فى الإمام الشافعى، وبالفعل بدأ معهم ووجد أن لديهم مطبخاً ومن هنا بدأ يساعدهم كل رمضان فى موائد الرحمن طول الشهر، ولكن بعد كورونا لم يعد هناك تجمع على الموائد كالعادة، ولكن المطبخ ما زال يعمل ولكن يقوم بتوزيع الوجبات على الناس بدلاً من أن يأكلوا فى المائدة ومن هنا تعرف حُسام على حالات كثير مستحقة ويقوم بعمل كشف حالة لها ويوفر لهم شنط رمضان ووجبات مطبوخة للافطار من خلال المطبخ.

فنجد من كل هذا أن أبناء مصر يتمتعون بحس عالٍ من المسئولية والرحمة والعطاء وإبداع فى التكاتف الاجتماعى، كما حثنا الإسلام على مواساة المحتاج بل وفضله على العبادات، فمن كان له فضل مال من زاد أو نقد أو غيرهما يشعر بأن إخوانه فى الإنسانية لهم إليه حاجة، فيتذكرهم ويؤتيهم من مال الله الذى آتاه، ويواسيهم بالفضل الذى أتاه، ويشعر عندئذ بمنة الله تعالى عليه أن جعله معطياً لا آخذاً، وغنياً لا فقيراً، فإن لم يجد فضل مال يجود به فلا أقل من أن يفطّر صائماً، ولو على مذقة لبن أو تمر، فيكون له ذلك عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه، أو يشبع صائماً فيكون سبباً لمغفرة لذنوبه، ويسقيه الله من حوض نبيه، صلى الله عليه وسلم، شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة، ويكون له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شىءٌ.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التكافل الاجتماعي

إقرأ أيضاً:

محمد رمضان: كلمة ثقة في الله سر نجاحي

استضافت جيهان عبدالله، The Global Icon النجم محمد رمضان، اليوم الخميس، في حلقة خاصة من برنامج «أجمد 7» عبر «نجوم إف.إم"، وتحدث عن كيفية تعزيز ثقته بنفسه، موضحًا: «الأمر ليس تمرينًا، بل إيمان وتصديق كامل بما أفعله، مع النظر للجوانب الإيجابية وعدم السماح للإحباط بالتسلل لنفسي».

واستعرض رؤيته في تقييم النجاح والمخاطرة، موضحًا: «الأمر يشبه العملة الصعبة، فعلى سبيل المثال إذا قدمت مسلسل (جعفر العمدة 2) فهذا مضمون نجاحه بنسبة 200%، لكن تقديم شخصية جديدة قد تحقق نجاحًا بنسبة 80% أنا بالنسبة لي تلك النسبة كالفرق بين الـ80 دولارًا والـ80 جنيهًا فالعائد هنا أصعب، ولا أقصد الفرق في العملة المتداولة، لأن الجنيه المصري فوق أي عملة في العالم».

وأوضح: «العائد في الحالة الثانية (الدولار) أصعب، لأنك استطعت جذب مستمعين ومشاهدات من بلاد مختلفة، وهذا أفيد لنا جميعًا»، مؤكداً على إنه لا يوجد حلم يمثل عقبة، ولا يوجد مستحيل، مستشهدًا بقول الله تعالى (وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا.. فَأَتْبَعَ سَبَبًا)، موضحاً: «هذا يعني أن علينا السير واتخاذ الأسباب، وبالتالي يتلاشى المستحيل، فالبعض يختار الاكتفاء بما قدمه، لكنني أرى أن الإنسان هو أقوى مخلوق على الأرض».

وأوضح: «لا أشعر بغربة خلال وجودي في أمريكا أو فرنسا أو لندن لأنها أرض الله، لكن طبعًا انتمائي الأول والأهم لمسقط رأسي مصر فروحي في تلك البقعة، لكن الأرض كلها ليست ملك أحد، وطالبنا بالسعي، والمتعة في رحلتنا إننا كل سنة نلمس أرض جديدة فتحدث متعة بالحياة».

تابع قائلا: «هناك بعض رجال الأعمال من بينهم ناصف ساويرس المصري الذي يمتلك نادي أستون فيلا في إنجلترا، وهو مصري وأول جنيه عمله من مصر، لكن شال سقف الطموح، فمن يضع حد لطموحه يضع حد لإمكانياته».

محمد رمضان وكلمة ثقة في الله

واختتم حديثه قائلا: «كلمة ثقة في الله هي السر وراء النجاح، فربنا ميزنا وسخر لنا الأرض، فأعرف أنك أقوى شيء على هذا الكوكب كإنسان، وإذا صدقت في نفسك، الكون سيكون خادمك المطيع».

طباعة شارك جيهان عبدالله محمد رمضان أعمال محمد رمضان الفنان محمد رمضان أغاني محمد رمضان

مقالات مشابهة

  • لويس دياز لاعب شهر نوفمبر في بايرن ميونخ
  • ترقّب لنهاية الشهر... إسرائيل تستعدّ لشنّ عمليّة واسعة ضدّ لبنان
  • محمد رمضان يتحدث عن نجاحه في الساحة الغنائية المصرية
  • جامعة محمد الخامس تمنح الباحث اليمني خالد بريك الدكتوراه عن دراسة جمالية القبح في الفن التشكيلي
  • وزير الموارد المائية والري ووزيرة التضامن الاجتماعي يبحثان التعاون في تدوير ورد النيل لإنتاج مشغولات يدوية للأسر الأولى بالرعاية
  • أزهري يوجه رسالة للأسر وطريقة التعامل مع أسئلة الأطفال
  • محمد رمضان: كلمة ثقة في الله سر نجاحي
  • أكثر من (7)ملايين برميل نفط الصادرات العراقية لأمريكا خلال الشهر الماضي
  • علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
  • موعد أول يوم رمضان 2026 فلكيا وعدد ساعات الصيام