درافور.. الخلافات تعرقل المساعدات الإنسانية وأزمة الجوع تتفاقم
تاريخ النشر: 2nd, April 2024 GMT
لا تزال مسارات إيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور في السودان محل خلاف مستمر تارة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأخرى بين الحكومة السودانية والمنظمات الدولية التي تحذر من تفاقم انتشار الوفيات على نطاق واسع، والانهيار الكامل لسبل العيش، وتصاعد أزمة الجوع.
وجهت وزارة الخارجية السودانية اتهامات إلى قوات الدعم السريع بـ”احتجاز” عدد من الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف”، والتي كانت في طريقها إلى الفاشر في شمال دارفور للمساهمة في تخفيف الأزمة الغذائية والصحية في معسكرات النازحين.
وأشارت الوزارة إلى أن قوات الدعم السريع بدأت في تنفيذ تهديداتها بمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية عبر مسار الدبة-مليط-الفاشر، حيث جمعت أعداداً من مرتزقتها بالقرب من مليط لقطع الطريق على القوافل والاستيلاء على المساعدات.
تحتضن مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور التي تحولت إلى معسكر نازحين كبير أكثر من 40 مركز إيواء جديداً و3 معسكرات نزوح تُعتبر الأكبر في إقليم دارفور.
وصرح عبدالحفيظ الغالي، عضو في “غرف الطوارئ بالفاشر”، وهي جمعيات أهلية شكلها سكان المدينة لمواجهة تداعيات الحرب، أن مئات الأطفال يعانون من سوء التغذية، وتتواصل وفيات الأمهات بسبب ضعف خدمات الرعاية الأولية، بينما يعاني الإقليم من نقص في الدواء والغذاء.
ووصف عماد الدين بدوي محمد، مدير عام وزارة الصحة بولاية شمال دارفور الوضع بـ”الصعب جداً”، وقال لـ”الشرق”، إن “أدوية الطوارئ والأطفال أقل من 5 سنوات، وأدوية غسيل الكلى والسرطان شبه معدومة، إلى جانب تكدس كبير للسكان، يرافقه ضعف في الخدمات كنتيجة النقص في الدواء”.
ولفت إلى أنه “منذ سبتمبر الماضي، لم تصلنا شحنة دواء جديدة، ونحتاج إلى الأدوية المنقذة للحياة، وأدوية الطوارئ الخاصة بالعمليات الجراحية، إذ أننا نعالج جرحى الحرب، وننادي بضرورة إيصال الدواء سريعاً”.
وأوضح أن ولاية شمال دارفور “الوحيدة التي تقدم الخدمات الأساسية في إقليم دارفور، حيث لا توجد إمكانية لتحويل المرضى لأي مكان آخر، كما أن مركز غسيل الكلى سيتوقف تماماً خلال أسبوعين إذا لم تصل الأدوية”.
ومنذ نوفمبر الماضي، توقفت قوات مشتركة مكونة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام عام 2020، مع الحكومة المركزية عن إقليم دارفور، عن تأمين إيصال المساعدات الإنسانية والقوافل التجارية للإقليم.
وأوكلت لهذه القوة المشتركة حينها تتبع مسار يبدأ من شرق السودان إلى غربه، إذ تنطلق من بورتسودان مروراً بمدينة الأبيض شمال كردفان، وصولاً إلى مدن الإقليم المختلفة.
وأقرت الحكومة السودانية، مسارات جديدة لإيصال المساعدات الإنسانية، وأهمها (الطينة تشاد -الفاشر شمال دارفور)، لإيصال المساعدات بطريقة مباشرة للإقليم.
إلى جانب هذه المسارات، أعلن حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الأسبوع الماضي، تنشيط مسار جديد من بورتسودان إلى الدبة في الولاية الشمالية، ومنها إلى الفاشر، وهو الأمر الذي أثار حفيظة قوات الدعم السريع.
وأعربت قوات الدعم السريع عن رفضها للمسار الجديد، ورفضت أي مجهودات تقوم بها حكومة إقليم دارفور، معللة ذلك بأن المسار سينقل أسلحة ومعدات حربية لقوات الجيش بمدينة الفاشر، وليس المساعدات الإنسانية.
ونشطت المواجهات العسكرية مع إعلان توجه شاحنات المساعدات الإنسانية بالمسار الجديد.
وأفادت مصادر محلية لـ”الشرق”، بـ”رفع الدعم السريع من جاهزية قواتها في حدود مدينة الفاشر، وحشد المئات منهم في شمال وشرق المدينة، بينما حاول الجيش قطع خطة الحصار التي تحاول القوات فرضها على المدينة”.
وأشارت المصادر إلى أن “سلاح الجو نفذ غارات جوية استهدفت مواقع الدعم السريع وارتكازاته في شمال وشرق المدينة لأكثر من مرة”.
وذكرت غرفة الطوارئ بالفاشر أن هذه الغارات “لم يسلم منها المدنيين”، متهمة الدعم السريع بالاحتماء بالمدنيين أثناء غارة جوية، ما أوقع خسائر بينهم، في حين أصبحت الفاشر ساحة لتصفية الحسابات العسكرية على حساب المساعدات الإنسانية.
وأكد عبد الباقي محمد حامد مدير الرعاية الاجتماعية، وعضو اللجنة العليا لإدارة الأزمة في إقليم دارفور لـ”الشرق”، أن “مسار بورتسودان-الدبة-الفاشر مهم للغاية في هذا التوقيت، عقب توقف مسار بورتسودان-كوستي الأبيض، حيث قمنا بتدشين العمل عبر المسار الجديد وصولاً إلى إقليم دارفور”.
وأضاف: “الآن هناك 69 شاحنة محملة بالدواء والغذاء ومجهزة ليتم توزيعها، كما أن معبر الطينة الذي يسمح للمساعدات بالدخول من تشاد يعمل أيضاً، ويستقبل شحنات المساعدات، حيث يتم التوزيع من الفاشر إلى بقية مدن الإقليم”.
ولفت إلى أنه “لا تزال الأوضاع الإنسانية تتطلب مواصلة الجهود من كل الشركاء لتوفير الدعم العاجل لتلبية الاحتياجات الضرورية المنقذة للحياة لأكثر من 4.4 مليون نازح داخلي بالإقليم”.
وتحولت مدن الإقليم إلى معسكرات للنازحين الفارين من القتال، حيث امتلأت المدارس بالنازحين، وازدحمت المنازل بالأسر النازحة التي تمت استضافتها من قبل المجتمعات لدرجة أن هذه المجتمعات المستضيفة والأسر النازحة أصبحت في درجة واحدة من المعاناة في نقص الغذاء والاحتياجات الأساسية، بحسب عضو اللجنة العليا لإدارة الأزمة في إقليم دارفور.
وأوضح حامد أنه “في ظل هذه التحديات والصعوبات تعمل اللجنة العليا لإدارة الأزمة بالإقليم لمعالجة الأوضاع الإنسانية، مستثمرة كل الفرص الممكنة للتدخل والاستجابة لدعم حوالي 4.4 مليون فرد بزيادة أكثر من 173 ألفاً عن العام الماضي”.
والمستهدفون بالمساعدات الإنسانية الطارئة للعام الجاري، هم عبارة عن نازحي الحرب بعد 15 أبريل الماضي، إلى جانب النازحين قبل العام 2023 الذين يتواجدون في مراكز الإيواء، ومدن الإقليم خاصة مدينتي الفاشر والضعين.
المتحدثة الرسمية باسم برنامج الغذاء العالمي في السودان ليني كينزلي قالت لـ”الشرق”: “بخصوص المسار الجديد في الوقت الحالي، نحتاج إلى الوصول عبر أكبر عدد ممكن من النقاط لتجنب كارثة الجوع التي تلوح في الأفق، فكل نقطة عبور من داخل السودان وخارجه عبر ممرات عبر الحدود أمر بالغ الأهمية”.
من جهتها، ذكرت منظمة يونيسيف لـ”الشرق”، أنه “منذ بدء النزاع قامت (اليونيسف) بتسليم 1.6 ألف طن متري من الإمدادات من خلال العمليات عبر الحدود عن طريق منطقة أدري التشادية”، لافتةً إلى أنه “يجري الآن تقييم المسار الجديد من قبل الحكومة والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة”.
وبيّنت المنظمة، أنه “سيتم تحديد إمكانية الوصول عبر هذا المسار عند الوصول الآمن للإمدادات، ولكن من المهم ملاحظة أن الطريق طويل (حوالي 7 أيام)، وخطير لأنه يمر عبر الخطوط المتقاطعة والصحراء”.
وأضافت: “رغم ذلك تظل (اليونيسف) ملتزمة بتزويد الأطفال في دارفور بالإمدادات المنقذة للحياة، وسنستمر في الدعوة إلى التعجيل بذلك دون عوائق”.
وعلى الرغم من اعتراضها على الخطوة لم تُدل قوات الدعم السريع بتصريح بشأن بدء العمل بمسار بورتسودان-الدبة-الفاشر على الرغم من تكرار “الشرق” استفسارات حول الخطوة.
إلى جانب ذلك لم تتلق “الشرق” رداً من الهادي إدريس رئيس حركة تحرير السودان-المجلس الانتقالي، بشأن إمكانية عودة قواته للعمل ضمن القوة المشتركة في تأمين إيصال المساعدات الإنسانية عبر المسار الجديد.
الشرق للأخبار
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: إیصال المساعدات الإنسانیة قوات الدعم السریع فی إقلیم دارفور المسار الجدید شمال دارفور لـ الشرق إلى جانب إلى أن
إقرأ أيضاً:
حرب السودان تخرج عن السيطرة
يبدو السودان اليوم كأنه يقف عند مفترق طرق خطير بعد التطورات التى شهدتها مدينة الفاشر هذا الأسبوع، فاستيلاء ميليشيا الدعم السريع على عاصمة شمال دارفور لم يكن مجرد انتصار ميدانى، بل تحول إلى مؤشر صادم على دخول البلاد مرحلة جديدة، تعيد إلى الأذهان السيناريو الليبى الذى تجمد سياسياً وعسكرياً طوال خمسة أعوام، وهكذا يجد السودان نفسه منقسماً فعلياً إلى كيانين، شرق يحتفظ بالمدن التاريخية الكبرى تحت سيطرة الجيش، وغرب واسع يضم دارفور وكردفان ويقع بالكامل تحت قبضة ميليشيا باتت تتحكم فى معظم إنتاج الذهب وما تبقى من النفط.
سقوط الفاشر المدينة التى كان يقطنها نحو مليون ونصف المليون إنسان، جاء بعد حصار تجاوز الـ500 يوم، وبسقوطها انتهى وجود الدولة السودانية عملياً فى دارفور، المدينة تعرضت خلال تلك الفترة لعزلة خانقة، منظمات الإغاثة منعت من دخول مخيمات النازحين مثل نيفاشا وزمزم تركت لمصيرها وشهدت الأحياء عمليات قتل وإعدامات ميدانية ودفناً جماعياً، كما طالت الاعتداءات المستشفيات وبيوت العبادة فى مشاهد وثقتها مجموعات تابعة للميليشيا نفسها.
هذه الانتهاكات لم تكن مجرد فوضى حرب بل عكست طبيعة مشروع عسكرى يتوسع بثبات ويستند إلى دعم إقليمى واضح، فسيطرة الميليشيا على غرب السودان لا تقتصر على الجغرافيا بل تمتد إلى ثروات حيوية من معادن وبترول، وتشمل إقليما يلتقى مع حدود جنوب السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد، وهى مناطق تجرى فيها صراعات نفوذ معقدة، وتشير المعطيات إلى أن تشاد باتت منصة لاستقبال الدعم العسكرى الخارجى، بينما وفرت إحدى الدول الإقليمية أسلحة متقدمة ومقاتلين أجانب لتعزيز قدرات هذه الميليشيا وجاء إعلان قائد الدعم السريع فى أبريل الماضى عن تشكيل حكومة موازية بعد مشاورات استضافتها كينيا ليضيف بعداً سياسياً صريحاً لما يجرى، فالحديث لم يعد عن ميليشيا تتحرك داخل حدود الدولة بل عن كيان يسعى لبناء سلطة موازية تمتلك السلاح والموارد والعلاقات الإقليمية، فى ظروف تعجز فيها الدولة المركزية عن استعادة زمام المبادرة.
وفى ظل هذا المشهد تبدو فرص الحسم العسكرى ضئيلة، وهو ما يدفع البلاد نحو حالة شبيهة بالوضع الليبى، واقع منقسم، وحدود رخوة وهدوء مضطرب يستند إلى موازين قوى وليس إلى حل سياسى، غير أن ما يزيد الصورة تعقيداً هو الطموح الأثيوبى فى استغلال هشاشة السودان بحثاً عن منفذ له على البحر الأحمر، وهو ما قد يجر أطرافاً إقليمية إضافية إلى الصراع، ويحول الوضع السودانى من حرب داخلية إلى مواجهة تتجاوز حدود الدولة.
خلاصة المشهد أن السودان يعيش لحظة إعادة هيكلة، ليس فى الخريطة فحسب بل فى توازنات القوى وعلاقات الإقليم، وبينما تتقدم الميليشيات وتتراجع الدولة يبقى المواطن السودانى هو الطرف الأكثر خسارة، يدفع ثمن حرب تدار فوق أرضه ومن حوله بينما يغيب أفق الحل وتتعاظم المخاطر يوماً بعد يوم.
اللهم احفظ مصر والسودان وليبيا