الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.


الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في القرآن الكريم قدَّم الله لنا قصةً لحادثةٍ مؤسفة، وقعت في الجيل الأول من المجتمع البشري، من أولاد آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، في مرحلةٍ مبكرةٍ من الوجود الإنساني، ووقعت فيها حادثة سفك الدماء، والقتل بغياً، وعدواناً، وظلماً، وتضمنت القصة كما قدَّمها الله لنا في القرآن الكريم الكثير من الدروس والعبر المهمة، التي نستفيد منها.
وما قبل الدخول في تفاصيل القصة، نتذكر أن آدم وحواء «عَلَيهمَا السَّلَامُ» بعد أن أُخرجا من تلك الجنة التي كانا فيها، نتيجةً للمخالفة في الأكل من الشجرة، بدأا مشوار حياتهما على الأرض، وتحملا أعباء هذه الحياة، وهما يكدان ويتعبان ويعملان؛ لتوفير كل متطلبات حياتهما الضرورية، التي يحتاجان إليها من مأكلٍ، ومن غير ذلك: غذاء، ودواء، وكساء، والمتطلبات الأساسية، والسكن… وغير ذلك، ولنا أن نتخيل كم ستكون فرحتهما وقد بدأا يكونان أسرةً، هي الأسرة البشرية الأولى من بني آدم، الفرحة عندما تحمل حواء في حملها الأول، وهي- كما في الروايات- كانت تحمل توأماً (ذكراً وأنثى)، والفرحة بعد أن تضع حملها الأول، وكذلك بعد المزيد والمزيد من الحمل، ومجيء الأولاد، وأن تكبر الأسرة، ويكثر العدد فيها من الأولاد، وهم ينشأون ويكبرون في ظل رعاية أبويهما آدم وحواء «عَلَيْهِمَا السَّلَامُ».
آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» كان يرعى أولاده من موقع الأبوَّة، ومن موقع النبوَّة، وقد أخذ الدرس الكبير والعظة والعبرة مما حصل له في تلك الجنة، نتيجةً للمخالفة للنهي من الأكل من الشجرة، فبالتأكيد كان يسعى لتربية أولاده تربيةً صالحة، ويخاف على أولاده من مكائد الشيطان، ووساوسه، ونزغاته، ولاسيما والحرب معلنة بينه وبين الشيطان، الشيطان أعلن الحرب والعداء على ذرية آدم، وليس على آدم وحواء فحسب، فهو يهتم بتنشئة وتربية أولاده التربية الصالحة، التربية على الإيمان، على التقوى، وفق التعليمات الإلهية التي يتلقاها من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
عندما كانوا يكبرون، كانوا يبدأون بانتشارهم، هم لا يزالون عدداً محدوداً، وأسرةً واحدة هي الأسرة الأولى من المجتمع البشري، على هذه الأرض الواسعة، الفسيحة جداً؛ ولذلك عندما كانوا يكبرون- كما في الآثار والروايات- كانوا يبدأون بالانتشار في مناطق أخرى، وينتشر البعض منهم في جهة، والبعض منهم في جهةٍ أخرى، وأرض الله واسعةً جداً.
ظروف حياتهم في تلك المرحلة الأولى، وهم لا يزالون عدداً قليلاً، وأسرةً واحدة على كل هذه الأرض، يتاح لهم فيها أن ينتشروا، وأن يتحركوا في شؤون حياتهم، وتكون مسألة الاحتكاكات فيما بينهم مستبعدة، ليس هناك تزاحم على هذه الأرض، على مصالحها، على خيراتها، على متطلبات حياتهم فيها، هم لا يزالون عدداً قليلاً، والأرض فسيحة وواسعة جداً، يستطيع أيٌّ منهم أن ينتشر في أي مساحةٍ يريد، وأن يبدأ مشوار حياته في تكوين أسرته فيها، أو في ترتيب وضعه وأمور حياته فيها؛ ولذلك لم تكن ظروف هذه الحياة ومواردها وإمكاناتها هي التي ستفتح النزاع فيما بينهم؛ ليختلفوا على أراضٍ، أو مزارع، أو مصالح مادية، أو شيءٍ من هذا القبيل.
الإنسان هو في واقعه كائنٌ اجتماعي، هناك اهتمامات ومجالات وأمور تبقى في إطار شخصية الإنسان، وواقعه الشخصي، لكنها محدودةٌ جداً، فكثيرٌ من أمور حياته تكون في إطار علاقاته ومعاملاته مع الآخرين، ويتكون في إطار هذه العلاقات إمَّا مودة، وصحبة، وتفاهم، وتعاون، وجو إيجابي، أو على العكس من ذلك، تتكون في العلاقات ظروف معقدة، مشاكل، في الواقع البشري تنشأ أيضاً وتظهر عداوات، ونزاعات، وخصومات… وغير ذلك.
ولذلك جانبٌ مهمٌ من تعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومن هديه المبارك، يأتي إلى الإنسان في تزكية نفسه أولاً، بما يفيد ويساعد لأن يكون إيجابياً في علاقاته مع الآخرين، ثم يُقدِّم الله لنا أسساً عادلةً، وأسساً مباركةً، صالحةً، تصلح بها حياتنا، وعلاقاتنا، ومعاملاتنا، فهناك جانب يأتي إلى النفس البشرية من هدى الله وتعليماته، لتزكيتها، وتنمية إرادة الخير فيها، وتزكيتها من عناصر الشر، التي تؤثِّر على الإنسان في علاقاته بالآخرين، في تعاملاته معهم أيضاً.
ثم ضبطٌ للمعاملات والعلاقات بتعليمات من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، فيها حلال، وفيها حرام، وفيها ضوابط تُحَرِّم على الإنسان أشياء معينة في تعاملاته، في علاقاته، بما يُهذِّب وَيُنَظِّم العلاقات والمعاملات بين البشر؛ لتكون على أساسٍ صحيح، بدءاً من الوضع الأسري الذي ينشأ فيه الإنسان، تعليمات يتلقاها الإنسان في التعامل مع أسرته، مع والديه، مع إخوته، وأخواته، مع محيطه القريب من أرحامه، وهكذا في علاقته مع الناس من جيرانه إلى مجتمعه، إلى أمته التي هو جزءٌ منها، توجهه في إطار توجهها وهكذا.
والتربية كذلك: يأتي البرنامج التربوي لتزكية النفس، وتهذيبها، وإصلاحها، وتخليصها من نزغات الشر، والعوامل السيئة التي تؤثِّر عليها؛ من أجل أن تكون نفس الإنسان زاكية، فيتجه في هذه الحياة وهو عنصر خيرٍ، يحمل إرادة الخير تجاه الآخرين.
ثم تأتي الالتزامات والمسؤوليات، والاختبار أيضاً يأتي إلى هذا الجانب: إلى جانب علاقة الإنسان، مع أنه في ظروف حياته- وليس فقط على مستوى التعليمات- في ظروف الحياة ما يشد الإنسان لأن يكون إيجابياً في تعامله مع محيطه الأسري، ثم على مستوى ما هو أوسع من ذلك؛ لأن مصالح الإنسان أيضاً، وما يتحقق له من الخير الواسع، وطبيعة ظروف هذه الحياة، بما فيها من تحديات، بما فيها من صعوبات، بما فيها من المخاطر، وما وزَّعه الله من المواهب، والطاقات، والقدرات بين البشر، كل هذا يساعد على تكاملهم، وعلى شعورهم بالحاجة لبعضهم البعض، وعلى ترابطهم في ظروف حياتهم؛ فواقع الحياة، وظروفها، وتحدياتها، ومتطلباتها، ومصالح الإنسان فيها، مع التعليمات الإلهية، مع التربية الإيمانية، مما يساعد الإنسان على أن يكون في واقعه الاجتماعي (في علاقاته، في معاملاته) بدءاً من أسرته، ثم محيطه المجتمعي وأمته، أن يكون إيجابياً وصالحاً، ويتعامل وفق تعليمات الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ولديه ما يشده إلى ذلك من كل الجوانب: الاعتبار النفسي، الاعتبار الإيماني، الاعتبار الاجتماعي، الاعتبار المتعلق بمصالحه وظروف هذه الحياة وتحدياتها وأخطارها.
نأتي إلى القصة كما ذكرها الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم، قال «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: الآية27]، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ}؛ لأن في تلاوتك عليهم لهذه القصة دروس مهمة جداً، وشواهد على نبوَّة رسول الله «صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه»، حتى أمام أهل الكتاب، الذين يعرفون عن هذه القصة في كتبهم، وفيها دروس مهمة تتعلق بواقع الناس بشكلٍ عام، بدءاً من واقعهم الأسري والاجتماعي، ثم الدروس تجاه أيضاً النزعة العدوانية لبني إسرائيل، والتي سيأتي التعقيب بشأنها في آخر القصة.
{نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}، فالقصة تعود إلى ذلك الجيل الأول من بني آدم، في أول جيلٍ منهم، أبناء آدم بشكلٍ مباشر، قبل بقية ذريته، فالحادثة بين اثنين منهما، من أولاد آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» من الجيل الأول، {بِالْحَقِّ}؛ لأن القرآن الكريم يُقدِّم القصة الحقيقية الواقعية، يقدِّمها من دون شوائب وإضافات ليست صحيحةً، ويُقدِّم- كما أشرنا في بداية الحديث عن القصص القرآني ومميزاته- خلفية ما يحصل من أحداث على المستوى النفسي، والحالة النفسية، {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا}، وأيضاً هناك حاجة لمعرفة مثل هذه القصة، هي قُدِّمت بالحق في مضمونها، بسلامتها من كل الشوائب التي ليست صحيحة، وهذه مسألة مهمة، في القصص، في الأخبار، في الروايات، أن يكون هناك حرص على أن يقصَّ الإنسان القصة الحقيقية الواقعية، وألَّا يضيف أشياء غير صحيحة.
{بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ }، يبدأ مشهد القصة وهما يقربان القرابين إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا}، وكان ذلك جزءٌ من عبادتهما، ومما شرعه الله لبني آدم في المراحل والأجيال الأولى، والتقرُّب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو يشمل التقرُّب إلى الله «جَلَّ شَأنُهُ» بالذبائح، والأعمال، وسائر القُرَب التي شرع الله لنا أن نتقرَّب بها إليه «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، كجزءٍ من أعمالنا، ومناسكنا، وما شرعه الله لنا، فهما قربا، كلٌّ منهما قرب قربانه إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، تَقَرَّب إلى الله بشيءٍ معين.
في بعض الروايات تذكر أنَّ أحدهما تَقَرَّب إلى الله بذبيحة، من خير الغنم الذي كان يتوفر له، القرآن لم يركز على التفاصيل فيما يتعلق بماهية ما تقربا إلى الله به، لكن الخلاصة: أنَّ كلاً منهما تقرَّب إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بقربان.
{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ }، في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ البشرية، في الجيل الأول، وربما لأجيال فيما بعد ذلك، كانت مسألة القبول لما يتقرَّب به الإنسان من قربان تظهر بشكلٍ محسوس ومشاهد، فيظهر في الآية القرآنية (في سورة آل عمران): {بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ}[آل عمران: الآية183]، أن هذه كانت تحصل في الأجيال القديمة آنذاك، إذا كان قربان الإنسان مقبولاً، تَقَبَّله الله منه، فمعنى ذلك: أن أعماله الصالحة مقبولة، وهذا يدل على ما هو عليه من التقوى والإيمان، فتأتي نارٌ: إمَّا بشكل نار تنزل، أو صاعقة محرقة تحرق، تختلف الروايات والأخبار في ذلك، لكنها في المحصلة كما في الآية نار- {بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ}- تأكل ذلك القربان الذي هو مقبولٌ، فيكون ذلك علامةً لقبوله، فقد ظهر لهما أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» تَقَبَّل قربان أحدهما، ولكنه لم يقبل قربان الآخر، وهناك سبب يعود إليه هو.
فجأةً، في ذلك الجو العبادي، وهما في حالة عبادة، وتقديم القرابين إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» والتَّقرُّب إلى الله، يتغير الحال، وتنقلب الحالة من حالة عبادة وتقرُّب، إلى حالة مختلفة تماماً عند ذلك الذي لم يقبل الله قربانه منهما؛ فكانت ردة فعله العجيبة والغريبة والمفاجئة تجاه أخيه الذي تقبل الله قربانه: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، ذلك الذي لم يتقبل الله قربانه تحرَّك الحسد في نفسه، وهاج الحسد في نفسه إلى أسوأ مستوى يمكن أن نتخيله، واتجه بردة فعله إلى أسوأ مستوى أيضاً؛ ليوجه إلى أخيه الذي تقبَّل الله قربانه التهديد بالقتل، هكذا دفعةً واحدة، لم يكن قد سبق ذلك أي حادثة قتل، أو نزاعات متأججة فيما بين بني آدم في جيلهم الأول؛ ولذلك كانت حادثة غريبة جداً، {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، هكذا قفزة واحدة إلى أسوأ إجرام، إلى أسوأ مستوى من الحقد والعُقَد.
فماذا كانت ردة أخيه المؤمن المتقي، الذي تَقَبَّل الله قربانه؟ مع أنه من المزعج للإنسان والمستفز له أن يوجَّه إليه تهديدٌ بالقتل، {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، كان جواباً هادئاً، يُعَبِّر عمَّا هو عليه من حالة التقوى، وزكاء النفس، وطهارة القلب، وهو يرشد أخاه إلى ما به قبول العمل؛ لأنه ليس له مشكلة ولا ذنب فيما حصل لأخيه، أن الله لم يقبل قربان أخيه، ليست المشكلة عنده أصلاً، فهو يُنَبِّه أخاه على السبب في أن الله لم يقبل قربانه، وأيضاً يرشده إلى كيف يتقبل الله قربانه، فيقول له: [أنت مشكلتك في نقص التقوى، لست متقياً لله؛ ولذلك لم يقبل الله منك عملك، لم يقبل منك قربانك؛ فاتق الله، والله سيتقبل منك قربانك]، فالتقوى أساسٌ لقبول الأعمال الصالحة.
{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[المائدة: الآية28]، نجد في منطق هذا المؤمن المتقي من أبناء آدم مشاعر الإيمان، والأخوّة، والتقوى، وزكاء النفس، والسلامة من العقد والأحقاد، فهو يخاطب أخاه بهذه اللغة التي كان يفترض لو بقي في أخيه شيءٌ من التقوى، أو زكاء النفس، أو أن يحمل الخير، أن يتأثر بذلك؛ لأن هذا كلام مؤثِّر جداً، فهو يقول له: [بالرغم من أنك هددتني بالقتل، ويظهر منك هذا الحقد تجاهي، إلَّا أني لا أحمل تجاهك هذا الحقد أبداً، ولا أحمل نيَّةً لقتلك، ولن يدفعني تهديدك لي بالقتل، وحتى لو حاولت قتلي فأنا لا نيَّة لي بأن أقتلك]، وذلك لا يعني أنه لن يدافع عن نفسه، أو لن يحاول أن يمنع أخاه من قتله، ولكنه لا يتجه إلى مستوى الفعل نفسه.
مثلاً: في واقع الناس، البعض من الناس لو هدده شخصٌ بأنه سيقتله، وفيما لو أضيف إلى ذلك أن يلحظ منه أن لديه توجه جاد بذلك، البعض من الناس قد يبادر ويقابل التهديد بالتهديد والوعيد، والبعض حتى يدخل في اشتباك وقتل.
أمَّا هو فقد سعى بكل جهد لإقناع أخيه، ونصحه، والتأثير عليه، ومحاولة ثنيه عن الإقدام على تلك الجريمة، ولم يكن من جانبه حتى عندما تقبل الله قربانه، لم يكن من جانبه أي شيءٍ يستفز أخاه، لا استعراض، ولا تباهٍ على أخيه، ولا استفزاز لأخيه بأي طريقة نهائياً، فلم يحصل من جانبه أسلوب استعراضي، يتباهى فيه على أخيه ويستفزه، أو يوبخه، أو يحتقره، أو يسيء إليه، ولا أي شيء؛ بينما كانت عقدة الحسد هي المؤثرة على أخيه: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، وكأنه شعر بغيرة الحسد، ودافع الحسد، أن أخاه أصبح له منزلة عند الله أكبر منه وأهم منه، وشعر بالإهانة تجاه ذلك؛ فتحركت فيه عقدة الحسد.
والحسد حالة خطيرة جداً على الإنسان، عندما تحقد على إنسان لأن الله أنعم عليه نعمةً معينة: (معنوية، أو مادية)، وتتمنى زوالها، وتحرص لو استطعت أن تعمل على أن تفقده تلك النعمة، أو تنقِّص منها، فعندك إرادة الشر تجاهه، تحمل تجاهه إرادة الشر، نتيجة لحقدك عليه، مع حسدك له؛ لأن الله وهبه تلك النعمة، أو حظي بشيءٍ معين، أو نال شيئاً معيناً من الأمور المعنوية أو المادية، فأنت تحسده لذلك، حالة الحسد حالة خطيرة جداً، {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: الآية5].
{إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي}: حتى لو حاولت وبدأت بالاعتداء عليَّ، في محاولةٍ لقتلي، حتى مع ذلك لا أحمل إرادة أن أقتلك، لا أحمل أي نيَّة تجاهك لأقتلك؛ فهو منزَّه عن هذا الحقد، وهذا- كما قلنا- لا يعني أنه سيتجمَّد ويستسلم، ويُمَكِّن أخاه ليقتله هكذا من دون أي محاولةٍ لمنعه، لكنه سيسعى لمنعه من دون توجهٍ لقتله.
{مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، نجد هنا جذور التقوى وأساسها: الخوف من المعصية وعواقبها، الخوف من المخالفة لتوجيهات الله، وما يترتب على ذلك من العقاب الإلهي، والعواقب الوخيمة على الإنسان، {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}، فنجد أهمية التربية الإيمانية على الخوف من عذاب الله، الخوف من العواقب الوخيمة لمخالفة توجيهات الله، كيف يضبط الإنسان.
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}[المائدة: الآية29]، إذا كنت مُصِرّاً على الاعتداء عَلَيَّ وعلى قتلي، فأنت ستتحمل إثم قتلي فيما لو قتلتني، مع آثامك الأخرى، مع ذنوبك الأخرى، التي جعلتك بعيداً عن التقوى، وكانت السبب في أن الله لم يقبل منك قربانك، ولا يتقبل منك أعمالك، فتضيف إثماً على إثم، وجرماً على جرم، وذنباً على ذنب؛ فتكون العاقبة هي جهنم. هو بهذا ينصحه، يحذِّره، يذكِّره بالعواقب الخطيرة التي منها جهنم على مثل ذلك الجرم الفظيع، {وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}؛ لأنك تتحول إلى ظالم باعتدائك وقتلك لي ظلماً وعدواناً.
مع كل هذا المنطق المؤثِّر، الذي فيه العِظة، وفيه التذكير بالعواقب السيئة، بجهنم، فيه أيضاً الكلام الأخوي الناصح، المذكِّر، لم يرد فيه ولا عبارة واحدة مستفزة، تزيد من تأجيج مشاعر أخيه بالحقد، أو الانفعال والغضب، ولا أي شيء، {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}[المائدة: من الآية30].
ما بعد ذلك، أكيد أنهما لم يكونا قد بقيا في ذلك المكان، كانا قد انتقلا من ذلك المكان الذي قدَّما فيه القرابين، فبقي يفكر مع نفسه، ذلك الذي لم يتقبل الله قربانه، وهو يهيج ويغلي بمشاعر الحسد والحقد من جهة، وبالتأكيد تتحرك الجوانب الأخرى: مشاعر الأخوَّة، الضمير الذي يؤنب الإنسان تجاه الإقدام على معصية، على جريمة، ولكنه وهو يفكر أخذت نفسه تُزَيِّن له الإقدام على تلك الجريمة حتى أصبح مهيأً لها، ومات ضميره، وسكتت عنه تلك المشاعر، التي تبقى فيها حالة الأخوّة مؤثِّرة على الإنسان، أو الاعتبارات الإيمانية وغيرها، فحالة التطويع التي حصلت له من جهة نفسه، هو: أنَّها زيَّنت له ارتكاب المعصية في وساوسه وتفكيره الخاطئ والسلبي؛ حتى أصبح جريئاً ومهيأً على الإقدام على تلك الجريمة.
فالإنسان أحياناً ما قبل الإقدام على جرم أو ذنب، يبدأ ضميره يؤنِّبه، يوبِّخه، ولكنه قد يتغلَّب على تأنيب الضمير، ويُسكِت ضميره عن تأنيبه، بما يستحضره، مما يتوافق في تفكيره السلبي مع نزغات نفسه، مع أهواء نفسه، مع الحالة النفسية لديه، إذا كانت حالة حسد؛ يتذكر ما ينسجم مع تلك الحالة السلبية، إذا كانت حالة غضب كذلك، إذا كانت حالة طمع كذلك… وهكذا بقية الأحوال، فتبدأ الحالة النفسية، هي حالة خطيرة جداً، هي الحالة التي تبدأ لدى الإنسان قبل الإقدام على الجرم والذنب، يبدأ يتَّخذ قراره في نفسه، وتبدأ تلك الحالة النفسية، إذا تغلَّب فيها على تأنيب ضميره؛ فهو بالتالي يتوجه إلى الفعل، {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}[المائدة: من الآية30]؛ ولذلك هي مرحلة خطيرة على الإنسان، ومن المهم للإنسان أن يتدارك نفسه أثناءها، قبل الإقدام على الجرم، وقبل الإقدام على الذنب؛ لأن الإنسان يفكر في المسألة، يتحرك ضميره من جهة، تتحرك أهواؤه، وما تتأجج به مشاعره مما يتطابق مع هوى نفسه من جهة، هي مرحلة يمكن للإنسان إذا تذكَّر فيها، أن يضبط نفسه وأن يمنع نفسه، قبل التورط والانزلاقة إلى الجرم أو الذنب.
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ}[المائدة: من الآية30]، أقدم على تلك الجريمة الشنيعة، الفظيعة، وتختلف الأخبار والروايات عن كيفية قتله له، في بعضها: أنه اغتاله أثناء نومه، وألقى على رأسه صخرةً كبيرةً فقتله بها غيلةً، أقدم على تلك الجريمة الشنيعة عدواناً، وبغياً، وظلماً، ومن دون أن يكون قد سبق من أخيه أي شيءٍ إليه يبرر له فعل ذلك، لم يظلمه، ولم يسئ إليه، ولم يعتدِ عليه، ولم يأخذ عليه حقاً، والسبب الذي دفعه لتلك الجريمة، كان هو الحسد؛ لأن الله لم يتقبَّل قربانه، مثلما تقبَّل قربان أخيه، وكانت أول جريمة في واقع بني آدم، ومبكرة للأسف الشديد، الذي ضجَّ منه ملائكة الله بشأن الإنسان: {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}، {أَتَجْعَلُ فِيهَا}: في الأرض يعني، {مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة: من الآية30]، أتى مبكراً من الجيل الأول، ولنا أن نستشعر مدى حزن آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وحواء «عَلَيْهَا السَّلَامُ»، وبقية إخوتهم، بقية إخوة ابني آدم، أولاد آدم، كان له أيضاً المزيد من الأولاد، والكثير من الأولاد، كيف يكون حزنهم على هذه الحادثة المؤسفة، والجريمة الشنيعة الفظيعة، التي أدخلت الحزن والأسى والمحنة إلى تلك الأسرة في بداية الوجود البشري.
{فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة: من الآية30]، بعد قتله أصبح من الخاسرين، لم يفيده شيئاً، ما الذي سيفيده ما أقدم عليه من قتل أخيه في مشكلته، وهو: أنَّ الله لم يقبل منه قربانه، ولا يتقبل منه أعماله؛ لأنه ليس متقياً لله، لديه معاصٍ، لديه ذنوب تبطل أعماله، وتحول دون قبول أعماله، فما الذي سيفيده قتله لأخيه تجاه ذلك؟! هل سيحل له المشكلة، أم أنه أضاف وزراً على وزر، وذنباً كبيراً وفظيعاً على ذنوبه الأخرى، وأصبح بعيداً أكثر عن رحمة الله، وعن التوفيق للتقوى، أبعد نفسه أكثر. فخسارته حين ذاك خسارة كبيرة:
خسر مستقبله مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأصبح مصيره خطيراً عليه، إلى جهنم والعياذ بالله.
خسر علاقته بأسرته، وبالتأكيد يعني موقف آدم، وموقف حواء، وموقف بقية إخوته منه، سيتغير تماماً، لا تبقى له تلك الروابط الأسرية مع والديه وإخوته، خسر أخاه، وكان كأخ هو رصيدٌ مهمٌ بالنسبة له، سندٌ وعونٌ كما هو حال الأخ مع أخيه، سند وعون له، فخسر قيمته الإنسانية، وكرامته الإنسانية، خسارته كبيرة، {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
ولذلك في الأخبار والروايات، أنه بقي هارباً لزمن طويل من والده آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، حتى توفي آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وفي الأخبار والروايات أيضاً التي نستفيد منها فيما كان منها في إطار النص القرآني، وفيما كان شيئاً واضحاً، يعني: مما هو معروف في واقع البشر، في واقع الناس، أنَّ آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» حزن حزناً شديداً جداً، يحزن حزناً مضاعفاً، حزناً لحصول تلك الجريمة في ذريته، في أولاده، في الجيل الأول من أولاده، وهي جريمة شنيعة، يفرح بها الشيطان، يفرح بها إبليس، يحزن لحصول محظور كهذا، جرم كهذا، معصية كهذه، معصية كبيرة جداً في الجيل الأول من أولاده، ويحزن لما حصل من اعتداء على ابنه من ابنه أيضاً، اعتداء بتلك الصورة، بتلك الحالة، التي ليس فيها ما يبرر ذلك الاعتداء أصلاً، فكان أمراً محزناً. أمَّا ذلك القاتل: {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
بعد مشهد الجريمة، وقد أصبح أخوه شهيداً، مظلوماً، باقياً في جثمانه في تلك الحالة، قد قتله، لم يكن قد سبق تلك الحالة وفاة عنده، أو حادثة قتل فيما سبق، ويحصل معها تعامل مع الجثمان، في كيف يكون التعامل مع جثمان الإنسان بعد وفاته أو قتله؛ ولذلك هناك مشكلة التعفن للجسد في بقائه بعد وفاته أو قتله، وهناك مشكلة المخاطر عليه من الهوام، والسباع، والحيوانات، والطيور، التي تأتي لتركز على أكل الجثامين، فهو في تلك الحالة لم يعرف كيف يتعامل مع جثمان أخيه، لم يكن قد حصل حالة سابقة عنده من وفاة أو قتل، وتأتي فيها كيفية التعامل، فبقي محتاراً، لا يعرف كيف يتصرَّف.
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}[المائدة: من الآية31]، في الحالة التي هو فيها متحير، جاهل، ولا يعرف كيف يتصرف مع ذلك، والحالة التي يتعرض لها جثمان أخيه من مخاطر التعفن، والتحلل، ومن مخاطر افتراس الحيوانات، يعني: مهاجمتها له، وسعيها لأكله، في تلك الحالة بعث الله غراباً، اختار الله له من بين الطيور الغراب، هو الأنسب معه يعني، لم يختر له حتى من أحسن الطيور وأجملها؛ ليعلِّمه.
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}، في الأخبار والروايات التي في إطار هذا النص القرآني: أنَّ الغراب أتى ومعه غرابٌ ميت، يحمل غراباً ميتاً، وقام ليحفر له في الأرض حفرةً، ثم دفنه فيها، كان ذلك القاتل يشاهد المنظر بكله، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو الذي بعث ذلك الغراب؛ {لِيُرِيَهُ}: ليعرف كيف يتصرف مع الموقف، وكيف يدفن جثمان أخيه.
{لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}؛ لأن جثمان الإنسان ما بعد الوفاة والقتل يتعفن، يتحلل، يتضرر، ولذلك يعتبر من التكريم: التكريم لأخيه، والتكريم لبني آدم بشكلٍ عام، أن هداهم الله إلى هذه الطريقة في ستر الجثامين بعد الوفاة، وبعد القتل، فالقبر هو من نعم الله التي أنعم بها على الإنسان في إطار التكريم للإنسان، أن يُوارى جثمانه في التراب بتلك الطريقة التي شرعها الله لعباده؛ ليكون ذلك ستراً للجثمان، لجثمان الإنسان، فهذا من التكريم للإنسان.
ولهذا تمنن الله في آياتٍ أخرى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ}[عبس: الآية21]، وهو يعد نعم الله على هذا الإنسان، في سياق تعداد النعم على الإنسان، يقول الله أيضاً: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا}[المرسلات: 25-26]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» كرَّم البشر، وأنعم عليهم بهذه الطريقة، التي هي: القبور لموتاهم، وأن توارى جثامين موتاهم في التراب؛ ليكون ستراً لها، وأصبحت هذه المسألة أيضاً مسألة لها اعتبارها، وحتى في شريعة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» للمقابر حرمتها، حرمتها الكبيرة، وهناك تشريعات إلهية، وتعليمات تتعلق بهذه الحرمة، وكيفية التعامل معها… وما إلى ذلك.
{قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}[المائدة: من الآية31]، شعر وهو في تلك الحالة التي هو فيها خائبٌ وخاسر، شعر بجهله، بعجزه، بأنه فَقَد قيمته الإنسانية، فهو لا يرقى حتى إلى مستوى معرفة الغراب؛ ولذلك هو يوبخ نفسه بهذا التوبيخ: {قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}، أصبحت مشاعره تجاه أخيه بعد الجريمة، يستشعر أنه أذنب، أنه ارتكب جرماً، وإساءةً، وظلماً بحق أخيه، ولكن ليس إلى درجة التوبة إلى الله، والإنابة إلى الله، {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[المائدة: من الآية31]، أصبح يحمل الندم بقية عمره، يشعر بأنه ارتكب جرماً وإساءةً، يوبِّخه ضميره، لا يهنأ بحياته بقية عمره.
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: الآية32]، هذا الدرس في مقدِّمة من يذكَّر به: بنو إسرائيل، الأكثر جرأةً على سفك الدماء، والذين يحملون نفسية ذلك القاتل من أبناء آدم: النفسية الحقودة، المستهترة بحياة الناس، الجريئة على ارتكاب مثل ذلك الجرم الشنيع بدون أي مبرر.

نتحدث عن بعضٍ من الدروس والعبر بشكلٍ سريعٍ ومختصرٍ:
يتضح لنا من القصة الأهمية الكبرى للتقوى في قبول العمل الصالح:
في قبول صلاتك، وصيامك، وبقية أعمالك، لابدَّ لك من التقوى، أن تحذر من الذنوب والمعاصي؛ لأن الإنسان إذا كان مُقدِماً على المعاصي، والذنوب، والجرائم، والكبائر، وهو مع ذلك يعمل بعض الأعمال الصالحة، تلك الأعمال لا تُقبل منه، وهو يستمر على ارتكاب كبائر الذنوب والمعاصي؛ ولهذا يقول الله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، فلا الأعمال الصالحة تُقبل، ولا هي تترك أثرها في تزكية النفس، في المشاعر الإيمانية.

يتضح لنا خطورة الحسد:
الحسد من أسوأ الآفات، وكم يتفرَّع عنه من الجرائم، والمعاصي، والذنوب، وآثاره في حياة الناس فيما يحصل من جرائم، من مظالم، من توتر في علاقاتهم، من إساءات فيما بينهم، آثار خطيرة جداً؛ ولهذا يقول الله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق: الآية5].
يتضح لنا خطورة الحقد، والانسياق وراء عقد النفس وأهوائها:
{فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}، إذا اتَّجه الإنسان للإصغاء لأحقاد نفسه؛ فقد تزيِّن له الإقدام على فظائع الأمور، وعلى الجرائم الكبيرة، وعلى الأمور الرهيبة، التي هي خطيرةٌ جداً على إيمانه، وعلى دينه، وعلى مستقبله عند الله، وخطورة النزعة العدوانية، ليسعَ الإنسان أن يتخلَّص من الأحقاد، إذا تراكمت الأحقاد في نفس الإنسان؛ فهي ستصل به إلى ما لم يكن حتى هو يتوقع أن يصل إليه.

الإنسان في واقعه النفسي:
في واقعه النفسي ليحرص على أن يكون سليماً من النزعة العدوانية تجاه الآخرين، لا تكن عدوانياً، تحمل في نفسك الشر، وأبسط سبب تريد أن تدخل في أي مشكلة مع أي إنسان، فأنت قريبٌ من فعل الشر، ومن الحالة العدوانية تجاه الآخرين لأتفه الأسباب، وأبسط الأسباب.

الواقع الأسري:
واقع الأسرة، الإنسان مع أسرته، مع أولاده، الأخ مع إخوته، الأقارب فيما بينهم، لابدَّ من التربية الصالحة، التي يُأخذ فيها بعين الاعتبار: تعزيز الأواصر والروابط الأسرية، والرحامة، والقرابة، وما في شرع الله ودينه من تعليمات تتعلق بترسيخ هذه الأواصر والعلاقات، مع السعي لتزكية النفوس، والحذر من تراكم هذه السلبيات، من مثل: الحسد، الطمع، العقد، وإلَّا فكم حصل، وكم يحصل في واقع البشر من مظالم ومآسٍ في داخل الأسر نفسها، عدوانٌ من أخٍ على أخيه، عدوانٌ من أخٍ على أخته، انتهابٌ لحقوقها وإرثها، اعتداءٌ على يتيمٍ في حقه، كم يحصل من المظالم، من الحالات السيئة على مستوى الأسرة، مع أنَّ الإسلام، وشرع الله ودينه، قدَّم ما يزكي الإنسان، وما يخلِّصه من الأنانية، الأنانية هي من أخطر الأشياء، إذا تربى الإنسان على الأنانية، لا يريد إلَّا نفسه، إلَّا مصلحته، ولو على حساب التضحية بمصالح الآخرين، بحقوقهم، ولو بأسلوب الاعتداء عليهم، أو الظلم لهم، الأنانية خطيرة جداً، خطيرة جداً، الحسد، ثم ما يترتب على ذلك من الظلم.

فقدان حالة التقوى تساعد على تنامي حالة الشر والآفات في الإنسان:
إذا لم يلتزم الإنسان بالتقوى، فتلقائياً تنمو فيه عناصر الشر في نفسه، الحالات السلبية في نفسه، كل الحالات السلبية: الطمع، الحسد… بقية الحالات السلبية، ويكون عدوانياً، قاسي القلب، مسيئاً، جريئاً على الإساءة إلى الآخرين، ومتسرِّعاً في الإساءة إلى الناس، يعني: تظهر عليه الحالة السيئة، أنَّه إنسانٌ سيءٌ، قاسي القلب، متسرِّع في الإساءة إلى الآخرين، جريئاً على الإساءة إلى الآخرين، هو على الإساءة أقدر منه على الإحسان، الإحسان صعب عليه، ومتعبٌ له، لكنه نشيط، وراغب، وسريع، ومبادر للإساءة، وهي حالة خطيرة جداً.
الحالة النفسية المستهترة، والجريئة، والمنفلتة، التي تتهور بفعل أي شيء، هي كذلك حالة خطيرة جداً.

أيضاً خطورة جريمة القتل عدواناً وظلماً:
باعتبارها من أفظع الجرائم، واعتداءً على الحياة، وهناك وعيدٌ شديدٌ عليها في القرآن الكريم، يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء: الآية93]، هل نريد أكثر من هذا الوعيد؟
البعض من الناس لأتفه الأسباب، لأتفه المشاكل، وأحياناً بدون سبب حقيقي، يقتل، أو يهدد بالقتل. التهديد بالقتل جريمة، التسرُّع أحياناً بما يوصل إلى القتل. البعض يدخل على الفور لأتفه الأسباب في مضاربة، في اشتباك، يريد أن يضرب شخصاً آخر، يتطوَّر الموقف فيصل إلى حالة القتل. البعض يدخل أيضاً في ملاسنة، وكلام مسيء… وهكذا من كلمة إلى ما هي أسوأ وأكثر استفزازاً، وصولاً إلى القتل. البعض لأي خلاف أو نزاع يبادر بالتهديد بالقتل، أو الوقوع في القتل بشكلٍ مباشر. القتل جريمة خطيرة جداً، يرسِّخ الإنسان في نفسه أنها جريمة رهيبة جداً، ووزرٌ كبير، وذنبٌ عظيم، عليه ذلك الوعيد الشديد.
الآثار والنتائج مرتبطة بالجريمة، ومنها: الفتن، والتداعيات السيئة، الإنسان عندما يقتل ظلماً وعدواناً، هو يترك جروحاً غائرة وعميقة في محيط ذلك الشخص الذي اعتدى عليه، وظلمه، وقتله: أسرته، ذريته، إذا كان له أولاد، أيتامه، أرملته، محيطه من أقاربه ومجتمعه، ثم أحياناً قد يحصل مع ذلك تداعيات، البعض يعتدي، ويقتل ظلماً وعدواناً شخصاً من قبيلة أخرى، أو منطقة أخرى، أو من قومٍ هناك، ثم يكون لذلك تداعيات، فيفتح باباً من أبواب الفتن، وكم حصلت من فتن بدايتها جريمة القتل ظلماً وعدواناً، وبدون مبرر، ليس كل شيء يبرر القتل، لا خلافات، ولا مشاكل… وأبسط الأشياء البعض من الناس يقابلها بالتهديد بالقتل، أو بالقتل، الله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}[يس: الآية12]، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أحصى كل شيءٍ في إمامٍ مبين، وكتابٍ مبين، وهو يحصي على الإنسان ما يعمله، والآثار أحياناً أكبر من العمل، أكبر من العمل نفسه، وفي الحديث النبوي: ((لَا تُقتَلُ نَفسٌ ظُلماً، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّل كِفلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّل مَن سَنَّ القَتل))، هذا من الخسارة الكبيرة لابن آدم الذي قَتَل أخاه، كان من خسارته الكبيرة جداً: أنَّه سنَّ القتل، سُنةً سيئة، القتل ظلماً وبغياً وعدواناً، وأصبح شريكاً في كل جريمة قتلٍ تحصل إلى آخر أيام الدنيا، إلى آخر الوجود البشري، وزر رهيب جداً.
مصدر المشاكل والبغي والعدوان هم الأشرار، الذين تلوَّثت أنفسهم بالحسد، والحقد، والطمع، والشوائب الخطيرة السيئة، وهم من يصنعون المأساة، ولا تفيد معهم المواعظ، ولا يفيد معهم التذكير والنصح الأخوي؛ لتفادي شرهم، كما رأينا في قصة ابن آدم مع أخيه، ذكَّره، تخاطب معه بكلامٍ أخوي، نصحه، حذَّره من جهنم، تعامل معه بطريقة أخوية؛ لم ينفع معه كل ذلك {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ}.
هذا النوع من الناس: العدوانيين، الذين يحملون إرادة الشر، ولا تنفع معهم لا مواعظ، ولا تذكير… ولا أي شيء، شرع الله لردعهم، ومنعهم؛ لأنهم إذا تُرِكوا، فهم جريؤون، لا يبالون، وأصبحت حالة متَّسعة في واقع البشر، أصبح هناك فئات كثيرة من الناس تشبه ابن آدم الأول، ذاك الذي قتل أخاه بدون سبب، تحمل حالة الشر، العدوان، النزعة العدوانية، الاستهتار بحياة الناس، فشرع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» ما يحمي مجتمع البشر من أولئك:
شرع الله القصاص؛ ليكون ردعاً، من قَتَلَ إنساناً عدواناً وبغياً وظلماً، شرع الله القصاص، وقال «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}[البقرة: من الآية179]؛ لأن البعض من الناس سيرتدع إذا عرف أنه سَيُقتَل إن قَتَلَ بغيًا وعدوانًا وظلماً، سيردعه ذلك، ويرى الآخرين الذين تورَّطوا في ذلك الجرم، كيف تمَّ الاقتصاص منهم، وتنفيذ حكم الله فيهم.
شرع الله الجهاد أيضاً، الجهاد في سبيل الله؛ لدفع شر الأشرار، لمنعهم؛ لأنهم إن تُرِكوا، استباحوا حياة الناس، استباحوها بشكلٍ كامل، بحاجة إلى ردع.
شرع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» الكثير من التعليمات، التي فيها حمايةٌ لحقِّ الحياة للإنسان، والتي أيضاً تساعد على تزكية النفوس، وإبعادها عن ذلك الجرم.
وغلَّظ الله تلك الجريمة، ونجد في التعقيب لتلك القصة بقول الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}، إلى هذه الدرجة.
غلَّظ الله على بني إسرائيل هذا الجرم: جرم القتل بغياً وعدواناً وظلماً، وجعل المسألة تساوي كما لو قتل الإنسان كل البشر، إذا قَتَلَ إنساناً واحداً ظلماً وبغياً وعدواناً، فكما لو قتل كل البشر، وزر كبير جداً، وزر فظيع، كل البشر بما فيهم من أنبياء، وصالحين، وأطفال، ونساء، وكبار، وصغار؛ ليبين أنَّ ذلك اعتداء على حق الحياة، على الحياة بنفسها.
مع ذلك لم ينفع مع بني إسرائيل، قال عنهم: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: من الآية32]، ونرى إسرافهم في غزة، استباحتهم للحياة البشرية، قتلهم للناس بكل بساطة، بجرأة ووقاحة عجيبة جداً، يتباهون بقتل الأطفال والنساء، والكبار والصغار، يقتلون الناس بكل أشكال القتل، بشكلٍ جماعي، مجازر إبادة جماعية، في الطرقات، في الشوارع، هناك مشاهد مأساوية لمظلومية الشعب الفلسطيني في غزة؛ ولذلك شرع الله الجهاد لمنعهم، منع الأشرار من ارتكاب تلك الجرائم، والجهاد يختلف، الجهاد حالة ردع، حالة منع، حالة تقي بقية المجتمع من أولئك الأشرار، المستهترين بحياة الناس.
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

نص الدرس الرابع لقائد الثورة من حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام

الثورة نت|

نص الدرس الرابع لقائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من حكم أمير المؤمنين علي “عَلَيْهِ السَّلَام” الثلاثاء 5 ذو الحجة 1445هـ/ 11 يونيو 2024م:

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ

بِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

يقول أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في النصوص التي رويت عنه، في سياق كلامٍ له:

((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَايْمُ اللهِ لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً)).

نقف في درس اليوم مع هذا النص فقرة فقرة للاستفادة منه؛ لأهمية ما ورد فيه.

بداية هذا النص قوله “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً))، وهو ينبههم هنا على أهمية الالتزام، والاستجابة، والسمع والطاعة؛ بالنظر إلى موقعه “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في موقع المسؤولية، التي ينبغي من خلال ذلك أن يكونوا مستجيبين له، ومطيعين له، فهم يعرفون أنه جديرٌ بتلك المسؤولية، والتزموا بالبيعة له، والإيمان بقيادته، والالتزام بقيادته، بقناعةٍ تامة، بناءً على إيمانهم بجدارته بتلك المسؤولية، وهو فعلاً جديرٌ بتلك المسؤولية العظيمة، ولو تعاون معه الناس- آنذاك- كما ينبغي، لصحح مسار الأمة، ولغيَّر واقع الأمة، ولاتَّجه بها إلى بر الأمان، إلى الصراط المستقيم، ولكان وجه العالم بخلاف ما هو عليه اليوم.

فهو ينبههم هنا أمام حالات متنوعة، البعض منها حالة ضعف في مستوى الاستجابة، في مستوى الالتزام العملي، في مستوى الطاعة، البعض حالات من التذمر، من إبداء الاستياء… حالات ليست بالشكل المطلوب في التعامل معه في موقعه في القيادة، بما هو جديرٌ به من الالتزام، والسمع، والطاعة له، ما هو جديرٌ بتلك المسؤولية في أعلى مستويات الجدارة.

وأيضاً هو يأمرهم بما فيه رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بما تقتضيه المسؤولية وفق منهج الله وتعليماته، فهو هنا يقول لهم: ((لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً))، يعني: لم أصل بطريقة انتهازية وبدون جدارة إلى موقع المسؤولية، فترون أنِّي لست جديراً بالطاعة، ولا بالاستجابة، ولا بالالتزام، الأمر مختلفٌ، ليس حاله كحال الآخرين، هو في أعلى مستويات الجدارة بكل الاعتبارات، ينبههم أنه كان التزامهم بقيادته مبنياً على قناعة وجدارة، فلماذا، لماذا تلك الحالات غير الطبيعية، غير المناسبة من قلة الطاعة، أو عدم التفاعل، أو عدم الالتزام، أو الاستياء والتذمر؟

تحصل أحياناً مثل تلك الحالات السلبية في أوساط الأعوان والأتباع تجاه القيادة، بالرغم من أن القائد قد يكون- مثل ما هو الحال بالنسبة لأمير المؤمنين “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في أعلى مستويات الجدارة- قد يكون القائد على مستوى الجدارة بالمسؤولية التي هو فيها، ما ينبغي للجميع أن يكونوا عوناً له، ومستجيبين له، وأن تكون انطلاقتهم واستجابتهم بالشكل المطلوب، ولكن أحياناً قد تحصل حالات فيها قصورٌ كبير في مستوى الالتزام، أو الطاعة، أو التفاعل، وحالات فيها تعبير عن الاستياء والتذمر… وهكذا حالات مختلفة ومتنوعة.

البعض من الناس قد تحصل له مثل هذه الحالة: حالة تذمر واستياء وعقد تجاه القيادة، ومنشأها أحياناً الحسابات الشخصية، أمور تتعلق بواقعه الشخصي، لديه طموحات معيَّنة، أو رغبات معيَّنة، على مستوى- مثلاً- منصب معيَّن، يريد أن يحظى بمنصبٍ معيَّن، أو لديه رغبات وطموحات مادية، يريد أن يكون له اعتماد مالي معيَّن، أو يريد أن يكون له موقع معيَّن، أو أن يترك له المجال ليتصرف كيف ما يشاء ويريد، دون محاسبة، ولا مؤاخذة في شيء، حتى لو كان تصرفاً سيئاً، أو ظالماً، أو منحرفاً، فهو يرى أنه يمتلك الحق في أن يتصرف وفق هوى نفسه، ورغبات نفسه، فإذا لم تكن الأمور معه كما يهوى وكما يرغب؛ حينها تتغير نفسيته، تحصل عنده عقدة، والعقدة منشأها ذلك: إمَّا من أجل منصب، أو من أجل مال، أو من أجل موقع، أو من أجل تصرف معيَّن، أو بأن الأمور لم تكن وفق رأيه الشخصي، قضايا معيَّنة، أو أمور معيَّنة، لم تتفق معه القيادة وفق رأيه الشخصي واتِّجاهه الشخصي؛ حينها:

-إمَّا البعض من الناس يصل به الحال إلى المشاقة، وإلى العناد، وإلى اتخاذ موقفٍ سيء.

-البعض من الناس قد تصل به الحالة إلى إبداء التذمر، والتعبير عن حالة الاستياء والسخط.

-البعض من الناس قد يتأثر في مستوى تفاعله العملي، أصبح غاضباً ومستاءً ومعقداً، ويؤثِّر ذلك على مدى تفاعله في أداء المسؤوليات…

وهكذا، يعني: تتفاوت الحالات.

-البعض من الناس قد يتَّجه إلى مستوى سلبي جداً، بالعداء، والكره، والمباينة، والافتراء، والبهتان، ويتعاطى بطريقة سلبية جداً.

فتختلف حالات الناس، وتتفاوت بمستوى ما هم عليه، من تفاعل، من وعي، من إيمان… من غير ذلك، البعض من الناس يفقد كل شيء، ويتغير تماماً.

وهذه حالة سلبية، عندما تكون تجاه القيادة المؤمنة، التي تتجه بالناس في إطار منهج الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتتحرك بهم على أساس هدى الله وتعليماته، لا ينبغي أن يكون المعيار لدى الإنسان أموره الشخصية، أو رأيه الشخصي، أو حساباته الشخصية؛ فتتحول هي إلى معيار وإلى ضابط، يؤثِّر على مدى علاقته بالقيادة، أو موقفه من القيادة، ثم بالتالي على مستوى الالتزام العملي، الواقع… وهكذا.

((وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً، إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، وهذا أحياناً ما يسبب يعني ظهور مثل هذه الحالة والفجوة، ما بين الاتِّجاه الذي عليه الشخص، سواءً كان في موقع مسؤولية، أو كان في إطار الأمة التي تتجه في إطار موقف الحق، شخصاً منها، أحياناً قد تكون الفجوة التي تحدث بين الإنسان، وبين القيادة التي لديها ذلك الاتِّجاه والحق، هي هنا، في هذه النقطة بالذات: ((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، فإذا لم يرى في القائد أنه يلبي له رغباته، أو يحقق له طموحاته الشخصية، أو يُنَفِّذ له آراءه الشخصية، أو يترك له المجال في أمور لا ينبغي أن يسكت له فيها: إمَّا فيها مظالم، أو أخطاء، أو مخالفات… أو غير ذلك؛ حينها تبدأ هذه الفجوة، يشعر بالفجوة ما بينه وبين القيادة؛ لأن ما يضبط علاقته به، وموقفه منه، كان ما يتعلق بأموره الشخصية وحساباته الشخصية.

عندما نتأمل في هذه العبارة: ((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))، هكذا كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” في موقع القيادة للأمة، كل همه وكل سعيه أن يتحرك بها في إطار مرضات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ووفق تعليمات الله، وأن يتَّجه بها إلى الله، إلى ما يرضيه، إلى ما يتطابق مع هديه، وهذا هو الخير للأمة، في ذلك فلاحها، وفوزها، ونجاتها، في الدنيا والآخرة، فيه الخير لها بكل ما تعنيه الكلمة.

وهكذا دائماً هم القادة الأبرار، المؤمنون، المتقون، هم لا يريدون الناس لأنفسهم، ولا من أجل أنفسهم، هم يريدون الناس أن يكونوا متجهين نحو الله، فيما فيه رضا الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، يشدُّون الناس إلى الله، هم عبارة عن طريق إلى الله، وعن دعاة إلى الله، فهم يتجهون بالناس نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفق هديه، وفق تعليماته، فيما يرضيه، وهذا هو الذي فيه الخير الكبير للناس في الدنيا والآخرة؛ ولذلك ينبغي أن تكون العلاقة معهم في هذا السياق نفسه قائمة على أساس الاستجابة، والطاعة، والتفاعل الإيجابي، والالتزام في الجانب العملي، لا تكون المسألة عند الإنسان كما أشرنا سابقاً، لأنهم ليسوا وفق هوى نفسه، ورغبات نفسه، وطموحاته الشخصية، واهتماماته الشخصية، فلديه موقفٌ منهم ويستاء منهم.

((أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))،  يعني: لا أريدكم لنفسي، وهذه النقطة فارقة في الواقع، نقطة فارقة بين القادة الأبرار، المتقين، المؤمنين، وبين غيرهم من الانتهازيين، وأصحاب الأطماع، وعُشَّاق السلطة، الآخرون من عُشَّاق السلطة والانتهازيين والطامعين همهم أنفسهم، وتثبيت سلطانهم، تثبيت سلطتهم، وترسيخ سيطرتهم وهيمنتهم، وهمهم أن يكون الناس متجهين إليهم هم، يقبلون بهم، يعظمونهم، يقدسونهم، يطبلون لهم، يخضعون لهم، يطيعونهم في الباطل، ينتهون عندهم، هم لا يشدون الناس إلى الله، ليسوا طريقاً إلى الله، هم يقفون بالناس عندهم، ويجعلون من أنفسهم المنتهى، منتهى الولاء منتهى الطاعة، منتهى الانقياد، منتهى الارتباط عندهم، الحد هم، وحد الإنسان في الولاء هم، حده في الطاعة عندهم، حده في بقية الأمور عندهم؛ ولذلك ليسوا طريقاً إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لا يتجهون بالناس بناءً على طاعة الله فوق كل شيء، والتوجه وفقه هدى الله وتعليماته، وهذه نقطة فارقة، تبيِّن حال من هم القادة الأبرار، المتقين، المؤمنين، ومن هم الانتهازيون، والذين لديهم رغبة في السلطة وعشق للسلطة، والتمحور حول السلطة وحول أنفسهم، وهم يتمحورون حول أنفسهم، ويريدون الناس لهم، وهم السقف المنخفض الذي لا يريدون للناس أن يتجاوزوه أبداً.

((إِنِّي أُرِيدُكُمْ لِلَّهِ))، يشدُّون الناس إلى الله، يتجهون بهم على أساس هديه، فعلاً كان أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” نعمةً كبرى على المسلمين، لو حظي بالتعاون اللازم- آنذاك- لغيَّر وجه التاريخ، وصحح مسار الأمة، ولكان وجه العالم مختلفاً عمَّا هو عليه اليوم.

فالحالة التي لدى البعض عادةً- حتى في تلك المرحلة- تجاه أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ” من التذمر، أو التخاذل، منشأها الرغبات الشخصية لدى البعض، والأهواء الشخصية، البعض أيضاً لا يريد أن يستقيم في الواقع العملي، سواءً كان في موقع مسؤولية، في منصب معيَّن، أو ضمن الأمة، واحداً من أبناء الأمة، الذين هم في إطار المسؤولية العامة في نهاية المطاف، المسؤولية الإيمانية التي تشمل الجميع، من كان له منصب، ومن ليس له منصب، فالبعض من الناس لا يريد أن يستقيم، وإذا لم يترك على حاله ليعمل ما يشاء ويريد؛ يغضب، يستاء، يتعقد ويسيء ويتذمر، ويتغير موقفه، يتغير موقفه حتى تجاه القيادة، البعض لا يريد أن يلتزم بتعليمات الله في الحلال والحرام، كان البعض منهم يسخطون على أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”؛ لأنه لم يترك لهم المجال ليشربوا الخمر، يريدون أن يشربوا الخمر، فعندما أجرى عليهم الحدود غضبوا، وذهبوا عنه، والتحقوا بأعدائه، البعض من الناس للمسألة المالية… وهكذا.

البعض من الناس قد يتجه إلى مرحلة معيَّنة، متفاعلاً، مستجيباً، معبِّراً عن الولاء للقيادة، ثم تظهر في مرحلة معيَّنة تظهر له رغبات، أو طموحات، أو يواجه مشاكل معيَّنة، أو قضايا معيَّنة، فإذا لم تكن الأمور وفق ما يريد، أو لم يحصل على مبتغاه؛ يتغير، يتغير في نفسه، وتتغير حالته، فالإشكالية هي هنا: ((وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، حين يكون البعض من الأتباع، من الأعوان، من القادة، يريدون القائد أن يكون لأنفسهم، لتحقيق مبتغاهم، أمالهم، متطلباتهم، رغباتهم، أهوائهم… إلى غير ذلك. البعض من الناس حتى في طريقته في العمل، يصبح منطلقاً على هذا الأساس: هو يريد كيف يقنع القائد أن يكون له، ولكن الحالة الصحيحة للجميع بلا استثناء: للقائد، والأعوان، والقادة، وللأمة بشكلٍ عام، الشيء الصحيح الذي يستقيم به الأمر، ويستقيم به واقع الناس، هو: أن تكون الوجهة للجميع إلى الله، أن نريد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن نسعى من أجل رضاه، أن نسعى في طاعته، أن يكون همنا ومبتغانا هو رضوانه “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، أن يرضى عنَّا، عندما تتوحد الإرادة، ويتوحد الهدف والغاية، يستقيم الواقع، يتجه الجميع اتجاهاً واحداً، بانسجام، بتعاون، حتى لو حصل أحيانا التباس، أو سوء فهم، أو إشكالات معيَّنة، تكون معالجتها سهلة، ليست معقَّدة، لكن إذا تمحور الإنسان، سواءً كان في موقع مسؤولية، منصب معيَّن، أو كان واحداً من أبناء الأمَّة، إذا تمحور حول نفسه، وأصبح متجهاً وفق متطلباته، أهوائه، أصبحت هي المعيار، وهي الميزان، وهي الأساس الذي يبني عليه موقفه، هنا تظهر الإشكالات الكثيرة، ويحصل الخلل في الواقع.

((وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لِأَنْفُسِكُمْ))، لتلبية رغباتكم، ترك المجال لكم كما يحلو لكم، البعض من الناس يكون مستقيماً، متفاعلاً، منسجماً، لكن في مرحلة معيَّنة عندما يحصل منه خطأ، أو مخالفة، ثم يكون هناك توجيهٌ له ليستقيم، أو منعٌ له مما هو فيه من الخطأ والمخالفة؛ بسرعة يتغير مزاجه، موقفه، تفاعله، ويتغير تماماً، فكما قلنا: الحل هو في أن يكون اتِّجاه الجميع نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.

((أَيُّهَا النَّاسُ، أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، من واجب الجميع من هم في موقع مسؤولية، في مناصب ومسؤوليات معيَّنة، أو بقية الأمة، من واجب الجميع أن يكونواً عوناً على البر والتقوى، عوناً فيما فيه الخير للأمة، فيما فيه عزَّتها، وصلاحها، وفلاحها، وكرامتها، فيه الخير لها في دينها ودنياها، وأن يكون اتِّجاه الجميع هو كيف يكونوا معينين، ومتعاونين، ومسهمين؛ لأنه إسهامٌ مهم، إسهامٌ يعود على كل شخصٍ من أبناء الأمة بالخير في الدنيا والآخرة، فهذه هي الحالة الإيجابية، التي تدل على وضعٍ صحيٍ على المستوى الإيماني والأخلاقي والقيمي، أنَّ الأمة بخير في إيمانها، في وعيها، في بصيرتها، في استقامتها: عندما يكون الغالب هو هذا الجو: جو التعاون، أن يتَّجه الجميع ليكون معيناً، ومتعاوناً، ومسهماً، ويعطي الله البركة مع ذلك، تتحقق للأمة نتائج كبيرة في درء الخطر عنها، في دفع شر أعدائها، في إنجازات مهمة في داخلها، في تحقيق مصالح كبرى حقيقية لها، كل النتائج الإيجابية مرتبطة بهذا: أن يكون التَّوجُّه الغالب، التَّوجُّه العام، توجهاً قائماً على أساس التعاون؛ ولهذا أتى قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: من الآية2]، فحينما يكون للناس قيادة مؤمنة، لديهم قائد مؤمن، يوجههم إلى ما فيه الخير لهم، ويتَّجه بهم في ما فيه صلاحهم، يوجههم وفق تعليمات الله، وفق هدي الله، ليحرص الجميع على أن يكونوا عوناً في تنفيذ ذلك، بحسب ما يستطيعون، كلٌّ في ما يمكنه أن يساهم فيه، حتى الكلمة الطيِّبة، حتى الأعمال والمواقف العامة، حتى ما يتعلق بالإنسان في نطاق مسؤوليته، على مستوى مسؤوليته هو شخصياً، أو الإسهام العام مع الآخرين، فإذا كان التوجه على هذا الأساس وفق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: من الآية2]، تكون النتائج مهمة جداً.

ثم على مستوى واقع الإنسان، من خلال استقامته هو، واستجابته هو، وإنصافه هو، أن يكون عنصراً خيِّراً في أمته، وفي مجتمعه، منصفاً، مستجيباً، متفاهماً، مستقيماً، هو يعين على نفسه، ويعين بنفسه، لا يجعل من نفسه إشكاليةً، نتيجةً لتصرفاته السيئة ومخالفاته، وما ينتج عنه، ويصدر منه من إساءات، أو إشكالات، أو مخالفات، تترك أثرها السيئة في واقع الناس.

فالحالة الراقية للناس، للجميع، وما ينبغي أن يحرص عليه الإنسان، على مستواه الشخصي، وكما قلنا: سواءً كان في موقع مسؤولية، له منصب معيَّن، أو كان في إطار المسؤولية الإيمانية العامة، واحداً من أبناء الأمة، الشيء المهم: أن يكون عنصراً فاعلاً، خيِّراً، إسهاماته إعانة في الأمور المهمة، في الأمور العامة، في الأمور العظيمة، هو يعين على مستوى التحرك في الجهاد في سبيل الله، في إطار ما يمكن من جانبه، وما يشارك فيه أو يساهم فيه من أعمال، أو مواقف، أو كذلك إسهام عملي، أو إسهام مادي، بحسب ظروف الإنسان وإمكاناته، على مستوى منصبه، على مستوى واقعه الشخصي، على مستوى نطاق مسؤولياته فيما يعنيه، وفيما يستطيع أن يسهم به خارج ذلك في إطار المسؤولية الإيمانية العامة.

أن يكون الناس عوناً، هذا أمر مهم لاستقامة الأمور، الأمة تنهض بذلك، ترتقي بذلك، تحقق الإنجازات الكثيرة بذلك، ثم تتخلص من كثير من الإشكالات والعوائق، إذا غاب هذا الجانب من واقع الأمة، ثم كثرت الحالات المختلفة عمَّا ينبغي أن تكون عليه الأمة، من تعاون على البر والتقوى، فتحوَّلت الحالة إلى حالة إشكالية، فهذا أمر مسيء جداً، ويسبب عناء كبير في واقع الناس، ويمثل إشكالية حتى أمام القائد، والحالة السلبية التي تجعل الإنسان عكساً من هذه الحالة، عكساً من: ((أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، عندما يتحول إلى مصدر إشكال، وحالة إشكالية في الواقع، هي حالة لها جوانب متعددة، منها:

التصرفات والممارسات الخاطئة، الإنسان إذا كان في منصب معيَّن، منصب أمني، أو منصب إداري… في أي مقام، في أي موقع من مواقع المسؤولية، وكانت تصدر منه ممارسات خاطئة، ظالمة، تتعلق إمَّا بمسؤوليته، أو في سلوكه العام، فيتحول هو في واقعه إلى واقع إشكالي، ينتج إشكالات في الواقع، ينتج ممارسات خاطئة، سيئة، ومسيئة، فيتحول إلى مصدر إشكال، مصدر إشكال، إلى عائق، الناس ينشغلون به، بعقده، بمشاكله، بمخالفاته، بما نتج عنها، يصبح هو أيضاً مصدر إزعاج، مصدر قلق، وتأثيراته السيئة كذلك، بدلاً من أن يكون عوناً ومعيناً.

أيضاً من الخطأ عندما يكون البعض بهذا الشكل: مصدر إشكال، بممارسات ظالمة، ممارسات سيئة، ممارسات مخالفة، ويصبح سلوكاً يستمر عليه، لم يعد يجد معه النصح، ولا التذكير، من الخطأ أن يحصل مع ذلك بالحماية، وأن يحظى بالحماية، بالعون، بالتعاطف معه، بالعصبية معه، البعض من باب العصبية، فيعزز ذلك موقفه في أن يستمر على ما هو عليه، أن يستمر على ما هو عليه؛ بينما لو شعر أنَّ الكل ليسوا معه فيما هو عليه من مخالفات، من أخطاء، من ممارسات سيئة، من ممارسات ظالمة، وأنَّ الكل سيقفون مع القيادة في أيِّ إجراء ضده، لمنعه من تلك التصرفات والممارسات السيئة، هذا سيكون عاملاً مساهماً في زجره وردعه.

البعض من الناس أيضاً أداؤه العملي أداء غير سليم، يعني: هو من ناحية- مثلاً- الالتزام الأخلاقي والروحي لديه التزام، لكنه في أدائه العملي أداء معقَّد، ليس أداءً ينطلق فيه بدون عقد، بطريقة سليمة، بطريقة صحيحة، يحرص على أن يؤدِّي مسؤولياته كما ينبغي، بل تدخل التعقيدات، والإشكالات العملية، ذات الطابع العملي، في أسلوبه العملي:

-إمَّا لأنه ينقصه ما يحتاج إليه من معرفة تجاه العمل، من خبرة إدارية… من نحو ذلك.

-وإمَّا لأن لديه عقداً نفسية.

-أو أنَّ لديه طموحات غير واقعية، فيربط الأداء العملي بتلك الطموحات غير الواقعية، غير الممكنة، البعض- مثلاً- يريد متطلبات وإمكانات ليست متاحة، ليست متوفرة، ثم يربط الأمور بها، ويعقِّد الأمور بها، ثم يتحوَّل أداؤهم العملي إلى أداء إشكالي، غير سليم، غير صحيح، غير إيجابي، فيؤثِّر، يؤثِّر على الواقع العملي.

البعض من الناس يحمل روحية الاستهتار، واللامبالاة، واللاشعور بالمسؤولية أمام الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فيكون أداؤه إشكالي من هذا الجانب، ممارساته في موقعه في المسؤولية، في عمله، أو خارج ذلك: في سلوكه العملي والعام.

وعلى العموم، عندما يتحول الإنسان إلى مصدر إشكال: إمَّا لممارسات سلبية وسيئة وظالمة، أو ناتجة عن الاستهتار والتهاون في العمل… وغير ذلك، يتحول الأداء إلى أداء سلبي، أو خارج المنصب بكله، كما قلنا: كواحد من أبناء الأمة، سلوكه، تصرُّفه سيء، والإشكال الأكبر عندما يحظى من هو كذلك بتعاطف، بتضامن، بتعاون مبنيٌ على عصبية أحياناً: إمَّا عصبية مناطقية، أو عصبية عشائرية، أو أسرية، أو حزبية، أو جماعية، نتيجةً لانتمائه لجماعة معينة، فهم يريدون أن يكونوا سنداً له فيما هو عليه من إصرار على ممارسات ظالمة، أو ممارسات خاطئة، أو ممارسات سيئة، أو مخالفات عملية، أو عدم إنصاف؛ فحينها تتحول الحالة إلى حالة إشكالية، وعوائق، وتعقيد للأمور.

فلذلك الحالة الإيجابية هي: أن يكون الإنسان أولاً: حريصاً هو على الاستقامة، على أن يكون أيضاً منصفاً، يعني: يمتلك الإنسان هذا الحرص، إذا كنت في منصب، في أي منصب، في أي مسؤولية، احرص على أن تكون مستقيماً، ومنصفاً، الإنصاف من الإيمان، أن تنصف الآخرين، أي إنسان أخطأت بحقه، أو ظلمته، أن تكون منصفاً له، ومستجيباً في الإنصاف من نفسك، فيما عليك أن تنصف فيه، ومستقيماً، ومستجيباً، ومطيعاً، وعملياً في إطار ما هو رضا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وحق، وخير، أن تكون حريصاً على العدالة، أن تكون من ذوي العدل، من ذوي الاستقامة على العدل، أن تكون عوناً في الحق، ليحرص الإنسان على ذلك، ومستجيباً، ومتفاهماً في ذلك، هنا ستكون عوناً، بهذه الروحية، بهذا التوجُّه الإيماني الصادق: حرص على الاستقامة، حرص على الإنصاف من نفسك، استجابة، تفاهم، هنا أنت ستكون عوناً، تخفف، لا تكون أنت مصدر إشكالات دائماً، مخالفات، إزعاج، تعقيدات، حتى الأعمال الصالحة أنت أمامها عائق، لا تترك لها المجال لتمشي، أنت تمثل عائقاً بأسلوبك، بتعقيداتك للأمور، هذه حالة يجب أن يكون الإنسان متنبِّهاً لها، ((أَعِينُونِي عَلَى أَنْفُسِكُمْ))، والعون للقادة المؤمنين الأتقياء في طاعة الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” له نتائج عظيمة ومهمة.

ثم قال “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((وَايْمُ اللهِ))، وهذا قسم، ((وَايْمُ اللهِ)) تعني: القسم بالله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، اليمين، ((لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ))؛ لأن هذا هو من أهم المسؤوليات في دولة الإسلام، ومن أقدس المسؤوليات فيها، ومن أكبر الوظائف لها: الإنصاف للمظلوم من الظالم، وعلى الأمة أن تكون عوناً في ذلك، بل على الإنسان أن يكون عوناً حتى على نفسه في ذلك، أن يكون هو حريصاً على الإنصاف، مستجيباً، مبادراً، لا يحتاج إلى مشكلة كبيرة ومعقَّدة، البعض من الناس مثلاً يحتاج مشكلة، وجفاء، وعقد، أو يحتاج إلى مشكلة كبيرة، البعض من الناس يصل به عناده إلى أن يفتعل مشكلة أكبر: إمَّا يقاتل، أو يتعنت، ويتحدى، ويصرّ على الظلم، ويصرّ على ما هو عليه من عدم الإنصاف، وهذا ليس شجاعة، وليس شهامة، وليس مروءة، ولا يشرِّف الإنسان، العناد في موقع الإصرار على الظلم، والعناد في حالة الإصرار على باطل، هو عناد يصل بالإنسان إلى جهنم، الله توعَّد في القرآن الكريم كل جبارٍ عنيد، عنيد، أتى هذا التعبير في القرآن الكريم في عدة سور في القرآن الكريم، منها: (سورة إبراهيم)، منها: (سورة ق)، يأتي الوعيد للمعاند العنيد، الإنسان الذي هو عنيد، يصرّ على الظلم، يصرّ على باطل، يصرّ على عدم الإنصاف، يصرّ على الممارسات الخاطئة، ويعاند في ذلك، هذا شيءٌ لا يشرِّف الإنسان.

عندما يصل الإنسان إلى مثل هذه الحالة، ممن هو معاند، ومُصِرّ، مُصِرّ على ما هو عليه من ظلم، مُصِرّ على ما هو عليه من باطل، مُصِرّ على ما هو عليه من عدم إنصاف، يحتاج- لم يعد يجدي معه التذكير، ولا النصح… ولا أي شيء- يحتاج إلى الإرغام، إلى الإرغام له على ذلك. فالحالة إذا كانت حالة استجابة يتحقق الإنصاف للمظلوم من ظالمه، ويكون الناس عوناً في ذلك، بدلاً من عصبيتهم، العصبية مع الظالم هي عصبية جاهلية، سواءً وقفت معه جماعته، أو حزبه، أو قبيلته، وهو ظالم، هي عصبية جاهلية بكل ما تعنيه الكلمة، إذا كانوا حريصين عليه؛ فليدفعوا به إلى الإنصاف، وليساعدوه في الإنصاف، وليكونوا معه في الإنصاف، وفي الحق، لا أن يتعصبوا له ليبقى مصراً على ما هو عليه من ظلم، ومستمراً في ذلك.

((وَايْمُ اللهِ لَأُنْصِفَنَّ المَظْلُومَ مِنْ ظَالِمِهِ، وَلَأَقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً))؛ لأن البعض من الناس لم يعد ينفع معه إلَّا ذلك: أن يقاد بخزامته، الخزامة: حلقة تستخدم في أنف البعير ليقاد بها، حلقة من شعر، كانوا يشكِّلونها ويصنعونها ليقودوا البعير، البعض من الناس بعير، بعير لكن لا يسمع، ولا يفيد فيه نصح، ولا تذكير، ولا موعظة… ولا أي شيء، أسوأ من البعير حتى، لم يعد فيه إنسانية وكرامة، فيبادر إلى الإنصاف، إلى الاستجابة في الحق، يعاند، فيحتاج إلى التعامل معه بهذه الطريقة: أن يقاد رغماً عنه، أن يرغم على الإنصاف، ((حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الحَقِّ))، منهل الحق؛ لأنه خيرٌ له، لأن فيه الإنقاذ له حتى هو، والإخراج له مما هو فيه من الظلم، مع أن عليه أن يتوب إلى الله، يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى الله، أن يحرص على أن يُخرِج نفسه من غضب الله، وسخط الله.

((وَإِنْ كَانَ كَارِهاً))، أحياناً  تصبح هذه الصرامة أمام هذا النوع من الناس، ممن هو متعنت، لا يقبل بمنطق التذكير، بمنطق الأخوّة، بمنطق النصح، ولا تنفع معه، ولا تجدي أي مساعي لتدفعه إلى الإنصاف، فتكون الصرامة الضرورية معه، والتي هي مفيدة للمجتمع؛ لأنها تمثل ردعاً لغيره، يراه الآخرون من نوعيته، فيدركون أنه لا مجال لأن يبقى الوضع منفلتاً، ويتلعب الظالم والمتجبر الذي لا يراعي تقوى، ولا إيمان، ولا حق، ولا إنصاف، ولا عدل، وهمه هوى نفسه، ودوره في المجتمع دور سلبي سيء، يستغل إمَّا منصبه، أو موقعه الاجتماعي، أو نفوذه بأي اعتبارٍ كان، أو يستغل عصبية من يتعصَّبون معه، إمَّا لأنهم حزبه، أو لأنهم قبيلته، أو لأنهم أصحابه، أو لأنهم جماعته، هذه حالة خطيرة جداً، فتصبح الصرامة سبباً لجفوة، واستياء، وعقد، والمفترض أن يتعقَّد الناس من الظالم، ومن المسيء، ومن ذوي التصرفات الظالمة والخاطئة، أن تكون العقدة منهم، وليس على من يسعى إلى أن يتَّجه بالجميع الاتجاه الصحيح، الذي يتحقق فيه العدل والخير، والذي فيه المصلحة للجميع، للناس جميعاً، مثل هذه الأمور يجب أن تكون ثقافة عامة، ثم أن تكون توجهاً لدى الجميع؛ ليكونوا عوناً، وإذا تحقق هذا التعاون- كما قلنا وكررنا- يكون له نتائج عظيمة في الاستقرار الاجتماعي، في الازدهار، في تحقق النتائج المهمة للأمة، ترتقي الأمة في إيمانها ووعيها، تحقق إنجازات كبيرة، تحقق نتائج مهمة في واقعها في كل المجالات، في كل المجالات، تتمكن من النجاح، تتخلص من العوائق، والترسُّبات، والإشكالات، التي إذا كثرت؛ أصبحت عللاً ومرضاً وداءً عُضالاً، ومثَّلت- كذلك- مطبات كبيرة، وعوائق، وحواجز، وموانع تعرقل الأمة في مسيرتها الإيمانية والحضارية، تشتتها، تبعثرها، تغرقها في الإشكالات التي لا تنتهي، كل يوم إشكالات جديدة، ينشغل الناس بها، وقضية لفلان، ونزاع لفلان، وإشكال عند فلان، ومشكلة بين هذه العشيرة وهذه القبيلة، وهذا البيت وهذا البيت، هذه الأسرة وتلك الأسرة، تتعقد المشاكل، تكبر الصغائر، تكثر العلل، يفسد واقع الناس ويسوء، ثم لا يتمكنون أن يكونوا أمةً تحمل راية الحق والإسلام، تنهض بدورٍ عظيم في الواقع، يغرقون كل الغرق أمام كثير من الإشكالات، فتكثر وتكبر من الأمور الصغائر.

نَسْأَلُ اللَّهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإيَّاكُمْ لمِا يُرضِيهِ عَنَّا، وأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبرَارَ، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنصُرنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

مقالات مشابهة

  • الدرس الرابع من دروس حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص+فيديو)
  • قائد الثورة يبارك للشعب اليمني والأجهزة الأمنية تفكيك شبكة التجسس الأمريكية
  • نص الدرس الرابع لقائد الثورة من حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام
  • قائد الثورة يهنئ بتفكيك شبكة التجسس الامريكية (نص+فيديو)
  • بين هيروشيما وغزة… أمريكا تبقى الشيطان الأكبر
  • قائد الثورة: النظام السعودي استجابة لأمريكا يتخذ خطوات عدائية ضد شعبنا
  • في ختام الدورات الصيفية.. مسؤولون لـ”الثورة”:أشبال المراكز الصيفية اكتسبوا العديد من العلوم وتحصنوا بثقافة الأشتر
  • الدرس الثاني من دروس حكم أمير المؤمنين علي عليه السلام للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي (نص+فيديو)
  • اختتام الدورات الصيفية وعرضا كشفيات لطلاب مدرسة الإمام الحسين في دمت بالضالع
  • طفلة في التاسعة تصبح أصغر مرشحة لنيل شهادة البكالوريا في فرنسا