الجزائر ـ "العُمانية": يندرجُ كتاب "سيفار.. المدينة الضائعة" لمؤلفه كراك يعقوب في ما يُصطلح عليه "أدب الرحلة"، وهو نوعٌ من الأدب الذي يُصوّر فيه الكاتب ما جرى له من أحداث وما صادفه من أمور أثناء رحلة قام بها لإحدى البلدان أو المناطق؛ إذ يُصوّر هذا الكتاب مدينة سيفار اللُّغز التي دارت حولها القصص والأساطير، ووُصفت بأغرب الأوصاف والنعوت كـ "مدينة الجن" و"أعجوبة العالم الثامنة"، و"أطلنطس الضائعة"، وذهب آخرون إلى وصفها "مدينة الفضائيّين".

لهذا وذاك، جاء هذا الكتاب ليكشف بعض الغطاء واللّثام عن هذه الزاوية المخفيّة، والمتاهة التي أسالت الكثير من الحبر بخصوص ماهيتها وأسرارها.

وتحدث الكاتب في البداية عن مفهوم السفر وفوائده الواسعة من ترويح واكتشاف وإثراء المعرفة بكلّ جوانبها، وهذا دأبُ الأوّلين في ما أوصلوه لنا من اكتشافات وثقافات شعوب متعدّدة وغيرها، ثم طرح الكاتب سؤالا عريضا جاء فيه (لماذا سيفار؟) وأجاب عن السؤال أنّ الرغبة والفضول هو ما دفعه للمخاطرة وزيارة هذه المدينة لاكتشافها بالرغم من مشقة هذه المأمورية واستحالتها في بعض جوانبها، خاصّة أنّ ما نعرفه عن هذه المدينة هو بعض الكتابات الأجنبيّة فقط، ولم تحظ بذلك الاهتمام المحلي، سواء على المستوى الرسمي أو الفردي، ولهذا أخذ الكاتب المبادرة لكشف بعض أسرار هذه الأعجوبة وما تحمله من رسومات وكهوف وآثار ضاربة في التاريخ، إذ يقول "اكتُشفتْ هذه المدينة الأسطورية من طرف أحد السكان المحليّين (الطوارق)، ويُدعى جبرين محمد أق أبو بكر الذي وُلد بمنطقة (تامغيت) بالقرب من سيفار، وزوّر هذا الاكتشاف العسكري الفرنسي الرقيب هنري أليوت عندما نسبه لنفسه سنة 1956؛ إذ استغلّ معرفة جبرين بخبايا الطاسيلي وطرقه ودرايته الدقيقة بكهوف سيفار، واستفاد من عدم قدرته على نشر المعلومات لمحدودية إمكانياته المادية والعلمية".

ويؤكّد مؤلّف الكتاب على أنه "عند ذكر سيفار لابدّ أن نقرنها بمدينة جانت لأنّ سيفار تابعة لها جغرافيا، ولأنّها العاصمة الفعلية للحضيرة الوطنية للطاسيلي ناجر، ومعناها (هضبة الثور)، وجانت هي واحة كبرى في قلب الصحراء تبعد بـ 2300 كلم جنوب العاصمة الجزائر، و100 كلم عن الحدود اللّيبيّة، و200 كلم عن النيجر. وتُعتبر من أهمّ معاقل الطوارق، وتشتهر بثلاثة قصور ضاربة في التاريخ". بدأت رحلة الكاتب من جانت أين كان في استقباله من طرف مرشده التارقي (عمي العيد)، وهو رجلٌ خمسينيٌّ يحفظ الصحراء، وملمٌّ بخبايا الطاسيلي ناجر، كان قد أعدّ العُدّة للدخول الى سيفار، ويساعده ابنُه الذي كان مسؤولا عن الحمير التي تُعتبر الوسيلة الوحيدة التي يُمكن التنقُّل عبرها لدخول سيفار، إذ تمّ تحضير الغذاء والأفرشة والحقائب ومختلف ما يُستعمل في هذه الرحلة، ثم ينتقل الكاتب لتوصيف الطريق المؤدّي إلى سيفار لكي يعيش معه القارئ هذه التجربة بكلّ جوارحه، وأوّل الطريق هي منطقة تفلالت، وهناك يُقام أوّل مخيم ومبيت استعدادا للمسير، وبها مركز تابع لحضيرة الطاسيلي ودوره مراقبة السياح وجمع التراخيص، لأنّ الدخول إلى سيفار لا يتمُّ إلا عبر ترخيص من السلطات هناك نظرا لصعوبة الطريق، ثم تتقدّم القافلة وصولا الى مرتفع (تنزيرهال)، وهو أوّل العقبات في الطريق، مرتفع شديد الانعراج ولا يمكن اختراقه إلا بعد اللّف حوله مباشرة، ثم يأتي أمامه مرتفع (تنزغراف) الشاهق، وصولا إلى قمة (تاكبلانفوس)؛ وهي كلمة تارقية معناها "انقطاع النفس"، في إيحاء إلى صعوبة التنفس التي تواجه الصاعد عليها. ويستمرُّ المسير في أحضان الطاسيلي، وصولا إلى منطقة (تامغيت) أين تُنصب الخيام وتُشعل النيران، ثم تواصل القافلة رحلتها صباحا مرورا بمنطقة (وانقوفا)، وهي آخر محطة قبل الدخول إلى مدينة سيفار. ويواصل الكاتبُ وصف الطريق والتضاريس والرسومات التي تواجهه حتى يصل إلى بوابة صخرية طبيعية يلج منها الداخل إلى المدينة الأسطورية، ثم يغوص في كهوف ومتاهات سيفار العجيبة مُتنقّلا بين أزقتها وساحتها التي شكلتها الطبيعة عبر ملايين السنين، ولاشك أنّ أهمّ معلم في هذه المدينة هي لوحة الإله الأكبر أو (القرانديا) كما يُسمّيها الطوارق، وهي جدارية عملاقة تُجسّد الحياة الدينية آنذاك وعلاقة الإنسان الذي عاش هناك بآلهته التي كان يعبدها، ويُصوّر الإله هنا ككائن فضائي رأسه مستدير، ممّا جعل التكهنات تدور حول هذه المدينة بأنّها كانت موطنًا للفضائيّين. وتنقسمُ سيفار إلى جزأين (سيفار السوداء وسيفار البيضاء)، نظرا للون الصخور المتواجدة بكلّ منطقة، ثم يواصل الكاتب وصف الجداريات المتواجدة هناك، ويحاول فكّ بعض ألغازها المعقّدة مثل لوحة الصيّاد ولوحة المرأة الوالدة وغيرها. ثم تأتي رحلة العودة وهي عبارة عن مسار مختلف عن مسار الذهاب في تضاريسه وجغرافيته، إلى غاية العودة إلى مدينة جانت، لتنتهي هذه المغامرة بالتعرُّف على مسار وطرق الوصول إلى المدينة وما تحويه من ألغاز ومشاهد مازلت غامضة إلى يومنا هذا، في انتظار من يكشف عنها ذلك الغموض.

يُشار إلى أنّ يعقوب كراك، مؤلّف الكتاب، وُلد عام 1988 بمدينة السوقر بولاية تيارت (غرب الجزائر)، وهو حاصلٌ على شهادة جامعيّة في تخصُّص العلوم الفلاحية من جامعة ابن خلدون بولاية تيارت.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المدینة

إقرأ أيضاً:

كتاب يبرز أهمية الطحالب في الطب والتغذية

أبوظبي: ميثا الانسي
نشر باحثون من جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا في أبوظبي، كتاباً بعنوان: «التكنولوجيا الحيوية للطحالب في التطبيقات الطبية الحيوية والغذائية»، ويتحدّث الكتاب عن التطوّرات في التطبيقات الطبية الحيوية والغذائية، حيث سلّطوا الضوء على الدور المهم الذي قامت به هذه التطوّرات في الإسهام في تحقيق ثلاثة من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
ويغطّي كتاب الدكتور أشفق أحمد، عالِم بحثي، والدكتور سيد سلمان أشرف، أستاذ ورئيس قسم العلوم الحيوية بجامعة خليفة، البحوث الأساسية والتطبيقية المعنيّة بتوسيع نطاق المواد الكيميائية الحيوية المصنوعة من الطحالب والصالحة للاستخدام التجاري، كما يناقش الفوائد الصحية غير المُستكشفة وغير المُستغلة للمواد الكيميائية التي نحصل عليها من المصادر البحرية.
ويتطرّق الكتاب إلى التكامل في مجالي التكنولوجيا الحيوية والهندسة فيما يتعلّق بالطحالب للتصدّي للقضايا الطبية الحيوية وإيجاد حلول لها، ما يُسهم في توفير خطّة للتطبيقات المحتملة فيما يتعلّق بالمكمّلات الغذائية والمنتجات الطبية الحيوية.
وأوضح الباحثون أن الأغذية الوظيفية القائمة على الطحالب، تتميّز بفوائد صحية محتملة، وتعتمد قيمتها التجارية على استخدامها في القطاعات الصناعية الغذائية والغذائية العلاجية.
ويتطرّق الكتاب أيضاً إلى جوانب مختلفة من التكنولوجيا الحيوية للطحالب، التي تشمل الأساسيات والزراعة والحصاد والتصنيع على نطاق واسع، لمجموعة متنوعة من المنتجات الحيوية عالية القيمة، وتركز مواضيع مختلفة على المواد الحيوية للطحالب والأطعمة الطبية للطحالب وإنتاج الطحالب للاستخدام في الطب الحيوي وتطبيقات المنتجات الحيوية الصيدلانية والغذائية وذات القيمة المضافة.
وقال البروفيسور سيد سلمان: «يتعمّق هذا الكتاب في أهمية الطحالب من حيث تطبيقاتها في قطاعي الطب الحيوي والتغذية، ويُتوقع أن يسد هذا النقاش فجوة معرفية في تكامل مجالي التكنولوجيا الحيوية والهندسة فيما يتعلّق بالطحالب، حيث يُعتبر مصدراً شاملاً يسلّط الضوء على قدرة التكنولوجيا الحيوية للطحالب على دفع عجلة التنمية المستدامة وتحسين النتائج الصحية والبيئية العالمية».

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد: كتاب الله.. أعظم رسائل السماء للبشر (فيديو)
  • كتاب يبرز أهمية الطحالب في الطب والتغذية
  • نسخة عربية من كتاب «الشيخ التنفيذي»
  • “الوطنية للصحافة” تنعي الكاتب الكبير محمود صدقي التهامي
  • الوطنية للصحافة تنعى الكاتب الصحفي الكبير محمود صدقي التهامي
  • القوة المشتركة: إستعادة العطرون يمهد الطريق للسير الى المالحة، وفك حصار مدينة الفاشر
  • تضامن واسع مع الكاتب "المياحي" عقب أول جلسة محاكمة علنية في جزائية صنعاء
  • الرئيس تبون يستقبل الكاتب والروائي ياسمينة خضرا
  • مناقشة جوانب التعاون والتنسيق بين وزارتي الداخلية والإدارة المحلية
  • وزارة الأوقاف تصدر كتابًا مبسطًا يشرح مناسك الحج