الجزيرة:
2025-07-12@06:26:19 GMT

إسرائيل والكمين

تاريخ النشر: 10th, April 2024 GMT

إسرائيل والكمين

كنت أتابعُ قناة الجزيرة أمسِ وهي تبثّ مشاهدَ من كمين محكم أعدته المقاومة واستهدفت به جنود الاحتلال، في منطقة الزنة بخان يونس، حيث تميّز بالدقة والاستهداف المباشر والتنوع في شكل المواجهة ما بين الرصاص والقذائف والعبوات، وما بين المستهدَف من حيث المشاة والآليات.

تنوّع ودقّة

وأردت أن أسجّل بعض الملاحظات على ما تم بثّه ودلالاتها:
أولًا: الهدوء والإعداد الدقيق والمتقن، فالمقاومة كانت تعمل وتخطط لهدفها بدقة وأعصاب هادئة بعيدة عن الانفعال، وهو تخطيط حرب استنزاف؛ لإدراك المقاومة أنّ هذه الحرب سوف تطول، ونهايتها ليست قريبة، وهي الرسالة التي اختتم بها قائد المجموعة الفيديو بقوله:" إنه ما زال في جعبة القسام الكثير".

ثانيًا: لم يخلُ إبداع المقاومة من الرمزيات، حيث إن الكتاب الذي كان حاضرًا في مشهد الإعداد هو " رسائل من القرآن الكريم "، والمؤشر الذي يستخدمه القائد هو السواك برمزيّته الدينية، خاصة في شهر رمضان المبارك، ولعل هذا يتزامن بعد أيام من حملة " الوعد المفعول" لتحفيظ القرآن في شمال القطاع، فالقرآن هو المرشد والدليل، وعنوان الجهاد، وعنوان الصبر والصمود والثبات، فالقرآن هو المنهج وأنه والبندقية صنوان في هذه المعركة.

ثالثًا: التنوع والوضوح: ربما هذا الكمين هو الأكثر وضوحًا منذ بدء الحرب، والأكثر شمولًا في المشاهد ونوعية السلاح وأنماط الاستهداف، والأكثر اكتمالًا من حيث الصورة، بشكل يوضح مدى الدقة واكتمال الصورة ووضوح الهدف والثبات والأعصاب الفولاذية التي تمتع بها المقاوم، وأنه صاحب الكلمة الفصل منذ اللحظة الأولى إلى الأخيرة، يضرب ويواصل الضرب حتى يحقق أهدافه كاملة.

جيش مهزوز

رابعًا: سلوك الاحتلال في الكمين: لم يطلق جنود الاحتلال طلقة واحدة، وكان سلوكهم الجماعي بالهرب والنجاة بأنفسهم، كما هو دليل أن ما كان يبثّه الاحتلال من مشاهد لجنوده يطلقون النار، إنما هي مشاهد تمثيلية غير حقيقية لمناطق فارغة، وأنهم عاجزون في المواجهة الحقيقية مع المقاومة.

وبعيدًا عن التحليل العسكري الذي يمكن أن يقال فيه الكثير حول هذا الكمين وتقييمه، إلا أنني وجدت الكثير من المماثلة بين الرسائل أعلاه، ودولة الاحتلال، ككل فهي " دولة كاملة في كمين "، دولة عاجزة عن مواجهة المقاومة، وسقطت أمامها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكانت صورة جنودها إما قتيلًا أو هاربًا أو جريحًا، وسقطت مواقعها الواحد تلو الآخر أمام مقاومة خططت جيدًا، وأقبل مقاتلوها رابطي الجأش مقاديم، يستخدمون أنماطًا مختلفة وبسيطة من الأسلحة، وقد عجز جنود الاحتلال عن مجابهتهم كالرجال.

وأراد قادة دولة الاحتلال تغيير هذه الصورة الجديدة التي صنعتها المقاومة، فاستعانت بدول كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركيّة وبعض الدول الغربية ببوارجها وحاملات طائراتها، وجنّدت مئات الآلاف، واستخدمت طائرات "إف 35″، وأحدث الآليات والمدرّعات، وقتلت 33 ألفًا من المدنيين، وهدمت المنازل على مَن فيها، ودمرت البنى التحتية؛ كي تعيد الاعتبار لصورتها وجنودها وجيشها الذي لا يقهر.

 انهيار الردع

ولكن من جديد خططت المقاومة ونفّذت وأعادت صورة المقاتل الفلسطيني المقبل، وصورة الجندي الصهيوني الذي يجرّه زميله قتيلًا، وصورة جنود الاحتلال يفرّون من موت إلى موت، ومن كمين إلى كمين، والأرض تتفجر من تحتهم، لم ينجح القتل والتدمير في الردع، وبقيت المقاومة ثابتة عصية على كل أشكال وأنماط الاقتلاع بل تسجل النقاط والإنجاز رغم كل ما أصاب غزة وقطاعها.

نعم المماثلة قائمة، دولة سنّت قانونَ يهوديتها في الأعوام الأخيرة؛ لتعلن أنها دولة قائمة على أساس الدين وعنوانها التوراة، فإذا في هذه الحرب رجال التوراة يهربون من التجنيد، وتضطر أن تسن قانونًا جديدًا لتجنيدهم، فيكاد ينفرط عقدها وتختلف قلوب رجالها.

في المقابل ترفع المقاومة القرآن عنوانًا في كل معاركها وحربها فكانت صفوة الحفاظ قبل المعركة، وكانت همم القرآن الوعد المفعول في أثنائها.
دولة خرجت للحرب بدون أهداف معقولة واضحة إلا الحفاظ على كراسيّ قادتها الذين بدوا عاجزين عن القيام بشيء إلا القتل والإبادة الجماعية والتدمير الشامل، مستخدمين ما جاد به الأميركي من قنابل وأدوات موت، فيما الفلسطيني يخرج من تحت الأنقاض ومن بين الركام فاقدًا أهله وذويه، وكل ما يملك، لكنه لم يفقد في لحظة من اللحظات هدفه وأمله بالتحرير والنصر، والعودة ليس إلى بيته في غزة فقط، ولكن إلى بيته في يافا والكرمل وحيفا وصفد.

نصر قريب

أخيرًا؛ في ختام هذه الكلمات، أهم ما لفت نظري أن الأرض كانت تقاتل مع أصحابها، فقد رأينا رشاقة المقاومين وسرعة تحركهم بين الأنقاض ووسط الركام، فهم على دراية بالمنطقة التي وُلدوا فيها، فكان الواحد منهم يتقافز كالفهد المتحفز للانقضاض على طريدته، فالأرض أرضه والمكان مكانه، يحفظه عن ظهر قلب، يشعر فيه بالطمأنينة، وإن كان حوله عشرات الجنود والآليات.

أما جنود الاحتلال فكانوا يسيرون ببطء الخائف من كل شيء من الحجر والشجر والحطام الذي دمرته أيديهم وآلتهم العسكرية، ويعرفون أن كل ما حولهم يكنّ لهم العداء، ويحمل لهم نذر الموت، فهم طارئون في هذه الأرض، يعرفون أن مصيرهم إما قتيلًا أو جريحًا أو هاربًا هنا في غزة أو هناك، حيث كل بقعة مغتصبة من أرض فلسطين لها أصحاب يعرفون دروبها ومسالكها يعشقون ويعشقهم ترابها، أقسموا إما العيش أحرارًا فوقه أو كرامًا تحته.

وهكذا هي دولة الاحتلال طارئة، خائفة تدرك أنها قامت على أنقاض شعب حي وحضارة كامنة تملك كل مقومات العودة والانتصار، وأبناء هذه الأرض يروون ثمرة العودة بدمائهم؛ لجني نصر قد اقترب أوانه وحصاده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات جنود الاحتلال

إقرأ أيضاً:

كمائن غزة ومفاوضات الدوحة

لاحظنا خلال الأشهر الماضية، وقبل عودة «إسرائيل» للمفاوضات  التي نقضتها سابقا بأن جيشها كثّف من عملياته العسكرية العشوائية ضد المدنيين العزل في غزة سعيا منها لكسر المقاومة في الميدان، ولكنها عجزت عن ذلك، ولهذا اضطرّت للعودة للتفاوض مع الفلسطينيين.وحقيقة لا يوجد في القانون الدولي ما يمنع أي جيش أو مقاومة من تصعيد العمليات العسكرية خلال المفاوضات، ولكنها، وفقا لبعض المنظرين، تعتبر خرقا لنيّة السلام، ومع ذلك فهي شائعة في غالبية الصراعات والحروب والمواجهات.

وتَستخدم غالبية الدول أسلوب تكثيف العمليات العسكرية خلال المفاوضات لتقوية موقعها على طاولة المفاوضات، وفرض شروطها عبر القصف المكثّف، والتركيز على تصفية القيادات الميدانية، وتهشيم البنية التحتية للمقابل لدفعه لقبول الواقع وقبول شروط الطرف الضاغط، وهذا ما سعت تل أبيب لتحقيقه خلال الأشهر الماضية وحتى الآن!.

ومع الإصرار «الإسرائيلي» على التصعيد العسكري خلال المفاوضات الحالية وجدنا أن المقاومة الفلسطينية لم تقف مكتوفة الأيدي بل قلبت المعادلة، وجعلت الجيش «الإسرائيلي» وقادة الاحتلال في مواقف هزيلة، وإحراجات ساحقة ميدانيا وسياسيا واجتماعيا.

ومن أبرز ثمار الإصرار الفلسطيني العمليات والكمائن النوعية للمقاومة، وبالذات الأخيرة منها، كونها أحرجت الكابينة الحكومية «الإسرائيلية»، والقيادة الميدانية للجيش التي فشلت بعد عشرات الوعود في إنهاء المقاومة، وبالمحصّلة إشعال الغضب الشعبي الصهيوني ضد الحكومة والحرب.
وسنذكر هنا أبرز الكمائن التي وقع فيها الجيش «الإسرائيلي» منذ نهاية عام 2023 وحتى الآن:

- كمين الشجاعية يوم 12 كانون الأول/‏ ديسمبر 2023، وأسفر عن مقتل نحو 10 جنود وضبّاط من لواء غولاني.
- كمين المغازي يوم 22 كانون الثاني/‏ يناير 2024، وأسفر عن مقتل 21 جندياً وضابطاً.
- كمين الزنة في خان يونس يوم 6 نيسان/‏ أبريل 2024 وقُتل فيه أربعة جنود، بينهم ضابط.
- كمين تل السلطان منتصف حزيران/‏ يونيو 2024 في رفح، وأوقع 8 قتلى.
- كمين مركب في خان يونس يوم 24 حزيران/‏ يونيو 2024، وقتل فيه أربعة جنود وجرح 17 آخرون!
- كمين «كسر السيف» ببيت حانون شمالي غزة، حيث استهدفت المقاومة يوم 19 نيسان/‏ أبريل 2025 جيبا عسكريا للاحتلال وأوقعوا أفرادها ما بين قتيل وجريح.
- كمين «الفرقة 98» في الشجاعية، يوم 3/‏7/‏2025، والتي وجدت نفسها أمام ثلاث عمليات فدائية أوقعت قتيلا و8 مصابين من وحدة «إيغوز» النخبوية، بينهم 3 في حالة خطرة.
- كمين بيت حانون شمالي غزة يوم 7/‏7/‏2025 وتسبب بمقتل 6 جنود، وأسر اثنين، واصابة 19 آخرين.
والكمائن الأخيرة في الشجاعية وبيت حانون نُفّذَت خلال مفاوضات الدوحة، وكمين بيت حانون أفقد الجيش الصهيوني السيطرة على العمليات الأرضية، خصوصا بعد تأكيد الإعلام «الإسرائيلي» أن «مقاتلي القسام دخلوا بالكمين بلباس جنودنا ولم يَتعرّفوا عليهم».

والكمين الأخير نُفّذ بدقة متناهية بحيث إن المقاومة زرعت الألغام عند كافة المداخل، ونفّذت خطّتها على الدبابة الواقعة بالكمين، ثم هاجمت القوة المساندة، ثم أطاحت بقوتي الانقاذ الأولى والثانية، وأخيرا فجّرت الموقع المزروع بعشرات الألغام المضادّة للدبابات، وتلاها عملية فتح النيران على الموقع.

وذكرت بعض الوكالات أن عدد الأحداث الخطيرة ضد الجيش «الإسرائيلي» يصعب حصرها بدقّة، ولكنها أكثر من 200 حادث أمني نوعي منذ نهاية 2023 ولغاية منتصف 2025.

وهكذا فإن ضربات المقاومة النوعية أربكت المفاوض «الإسرائيلي» وجعلته يتردّد في اتخاذ القرار الصائب خصوصا بعد أن وضعته تلك الضربات أمام معادلة جديدة لا يمكنه معها فرض شروطه على المفاوض الفلسطيني.

التناغم الفلسطيني، الميداني في غزة ، سيُجبر «إسرائيل» على النزول من برجها العاجي والقبول بالكثير من شروط المقاومة الفلسطينية رغما عن إرادتها.

الشروق القطرية

مقالات مشابهة

  • كمائن غزة ومفاوضات الدوحة
  • خبير عسكري: محاولة أسر جنود بغزة خطط مدروسة وليست مصادفة
  • القسام تبث مشاهد محاولة أسر جندي إسرائيلي في كمين مركب
  • “مرغنا أنف الاحتلال في وحل غزة”.. قيادي قسامي يتوعد بعمليات أسر قريبا
  • فيديو إسرائيلي يوثق كمين القسام المركب في بيت حانون
  • مرغنا أنف الاحتلال في وحل غزة.. قيادي قسامي يتوعد بعمليات أسر قريبا
  • أحمد جبريل الـذي أرعـــب إســـرائيل
  • فضيحة جديدة تهزّ إسرائيل..اعتداء جنسي داخل جيش الاحتلال
  • طوارئ في جيش الاحتلال بعد ضربة موجعة في خانيونس.. سقوط جنود بين قتيل وجريح
  • مشاهد لسرايا القدس توثق استهداف جنود وآليات للاحتلال بخان يونس