يواصل الرئيس الأميركي جو بايدن تعزيز إستراتيجية فصل إسرائيل -كدولة- عن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لكي يخفف من وطأة ما يجري في قطاع غزة على صورة تل أبيب عالميا من جهة، ويحسّن وضعه هو الانتخابي من جهة أخرى، كما يقول خبراء.

فقد انتقد بايدن مؤخرا سلوك نتنياهو في الحرب وقال إنه لا يتفق مع مقاربته في الحرب، وإن الوقت قد حان لهدنة مؤقتة وإدخال مزيد من المساعدات، مؤكدا أنه لا يوجد ما يمنع ذلك.

ووفقا للباحث في الشؤون الدولية، ستيفن هيز، فإن اللهجة الأميركية التي أصبحت أكثر صرامة تجاه الحرب "لا تعني تغيرا فعليا في الموقف الأميركي منها، وإنما تعكس نفاد صبر واشنطن على نتنياهو".

فصل نتنياهو عن إسرائيل

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال هيز، إن بايدن يحاول فصل نتنياهو كشخص عن إسرائيل كدولة، لأنه لا يملك فعل الكثير خلال الفترة الحالية.

ويرى هيز أن إستراتيجية الفصل بين إسرائيل ورئيس وزرائها أصبحت معتمدة في دوائر السياسة الأميركية خصوصا بعدما تعمد نتنياهو إهانة بايدن أكثر من مرة خلال هذه الحرب.

ووفقا للمتحدث، فإن الرئيس الأميركي "ما زال قادرا على الحد من بيع الأسلحة وممارسة بعض الضغوط على إسرائيل، وبذل مزيد من الجهود من أجل التوصل لاتفاق ولو قصير الأمد بين طرفي النزاع".

الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات السياسية الدكتور لقاء مكي، يتفق مع حديث هيز، لكنه يرى أن الحرب الحالية كشفت عن عمق المتغيرات التي تعيشها الولايات المتحدة خصوصا على مستوى الحزب الديمقراطي.

فعلى الرغم من دعمه الراسخ لإسرائيل، فإن التيار التقدمي داخل الحزب الديمقراطي الذي يقوده النائب بيرني ساندرز، اكتسب مزيدا من الزخم والقوة وأصبح مؤثرا في القرارات الانتخابية بطريقة تؤثر في قرارات الإدارة الأميركية، كما يقول مكي.

كما أن انتقادات زعيم اللوبي الصهيوني في واشنطن العلنية لنتنياهو، "منحت بايدن حرية مطلقة في توجيه الانتقادات لرئيس الوزراء الإسرائيلي"، حسب مكي، الذي أكد أن الصراع بين بايدن ونتنياهو شخصي في جزء كبير منه.

إسقاط نتنياهو لا يزال بعيدا

ومع اعترافه بأهمية هذا التحول في الخطاب الأميركي، إلا أن الباحث في الشأن الإسرائيلي مهند مصطفى يرى أن إسقاط حكومة نتنياهو لا يزال بعيدا ليس فقط لأنه يمتلك أغلبية متماسكة داخل الكنيست وإنما أيضا لأن غالبية الإسرائيليين يدعمون السلوك اليميني تجاه غزة.

إلى جانب ذلك، فإن الإسرائيليين يدعمون سياسة نتنياهو ولا يدعمون شخصه، حسب مصطفى الذي يؤكد أن المتطرفين في إسرائيل "وصلوا إلى حد وصف واشنطن بأنها عدو لإسرائيل لمجرد أن بايدن أبدى بعض التحفظات".

بالإضافة إلى ما سبق، فإن 64% من اليمين الإسرائيلي يرون أن على إسرائيل التحرك باستقلالية بغض النظر عما تريده أو تقوله الولايات المتحدة، وهو ما يعكس غياب وعي هذا التيار -الداعم لنتنياهو- بطبيعة العلاقات بين الجانبين، برأي مصطفى.

بالتالي، فإن ما يقوم به بايدن ضد نتنياهو قد يكون جيدا من الناحية الدعائية لكنه لا يعني إسقاط حكومته في المدى القريب على الأقل، من وجهة نظر مصطفى الذي يؤكد مثلا أن عملية اجتياح رفح أصبحت محسومة إسرائيليا سواء وافقت واشنطن أم لم توافق.

وفي هذه النقطة تحديدا -نقطة رفح- يقول مصطفى إن إسرائيل "أصبحت تربط الانتصار في الحرب بدخول رفح، بما في ذلك بيني غانتس الذي يمثل أخطر خصوم نتنياهو، والذي أبلغ الأميركيين بأن دخول رفح قادم لا محالة".

كما أن غانتس نفسه ليس شخصا يمكنه تغيير الأوضاع في حالة ورث نتنياهو لأنه لا يملك رؤية واضحة لما بعد الحرب، فضلا عن أنه لا يملك شجاعة مواجهة رئيس الوزراء بشكل كامل، حسب مصطفى.

في الأخير، يقول هيز إنه لا يعرف إن كانت سياسة فصل نتنياهو عن إسرائيل ستحقق نتائج لصالح وقف الحرب أم لا، لكنه يرى أن فتح النقاش بشأن دعم إسرائيل "يعتبر أمرا جيدا لأن هذه المسألة لم تكن محل نقاش في السابق".

ويرى هيز أيضا أن بايدن سيواصل التركيز على خصوم نتنياهو السياسيين وسيحاول الاستفادة من حالة عدم التوافق الموجودة داخل مجلس الحرب، دون أن يوقف دعمه لإسرائيل في مسعى منه لترضية ناخبين عرب لن يصوتوا له في ولايات مهمة مثل ميتشغان، وهو ما سيؤثر على سير الحرب بشكل أو بآخر، وفق قوله.

صفقة خطيرة

وبعيدا عن محاولات إضعاف نتنياهو، فإن مكي يخشى أن يستغل رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه الهجمة الأميركية لصالحه إذا ما رفضت حركة المقاومة الإسلامية حماس التوصل لاتفاق بشأن الأسرى.

ويرى مكي أن نتنياهو ربما يحمِّل بايدن مسؤولية منح حماس ثقلا سياسيا في حال رفضت الأخيرة التوصل لاتفاق، وهو أمر يفرض على الحركة التصرف بدقة شديدة خلال المفاوضات "لأن واشنطن تريد استدراجها للموافقة على حل لا يضمن وقفا مشرفا للقتال".

وختم مكي بالقول إن "أي وقف للقتال حاليا هو لصالح إسرائيل؛ إذ هي متورطة في غزة رغم معاناة الفلسطينيين"، مشيرا إلى أن فترة الهدنة المقترحة والتي قد يتم تمديدها "ستمنح إسرائيل فرصة إعادة تنظيم نفسها سياسيا وعسكريا وأخلاقيا لدى الغرب".

لذلك، فإن الأمر "يحمل خطورة كبيرة لأنهم ربما يطيلون أمد الهدنة لمنح إسرائيل هذه الفرصة مع عدم وضع رؤية لوقف الحرب نهائيا وإعادة إعمار القطاع".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات

إقرأ أيضاً:

من هو بيني غانتس .. ولماذا مثلت استقالته ضربة لنتنياهو ؟

سرايا - في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر على إسرائيل ومع انضمام مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى القتال ضد حركة حماس، قال القائد العسكري السابق بيني غانتس إنه شعر أن "الواجب يحتم عليه الانضمام إلى المجهود الحربي".

وقال غانتس الذي ينتمي لتيار الوسط لمجموعة من الصحفيين بعد وقت قصير من موافقته على الانضمام إلى حكومة حرب طارئة، شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "هذه ليست شراكة سياسية أخوض غمارها، لكنه القدر".

لكن بعد مرور 8 أشهر على الحرب، وبعد خلافات متكررة مع نتنياهو والأحزاب الدينية القومية المتطرفة في الائتلاف الحاكم، أعلن غانتس استقالته بعد 3 أسابيع من منحه رئيس الوزراء مهلة من أجل التوصل إلى إستراتيجية واضحة لما بعد الحرب في غزة.

وباستقالة غانتس، سوف تفقد حكومة الطوارئ أحد أعضائها القلائل الذين لا يزالون يحظون بثقة الإدارة الأميركية، التي أصبح خلافها مع نتنياهو أمرا جليا مع استمرار الحرب.

وحتى قبل انقضاء المهلة، عبر غانتس عن استيائه في أكثر من مناسبة من أداء الحكومة، وأثار جدلا حول عدد من القضايا مثل قيادة الجيش وضرورة فتح المجال للتوصل لاتفاق بشأن حل الدولتين مع الفلسطينيين.

وفي أبريل، دعا غانتس إلى إجراء انتخابات جديدة في سبتمبر، لكن دعوته قوبلت بالرفض، وبعد أن كان يتقدم هو وتيار الوسط على نتنياهو بفارق مريح في استطلاعات الرأي في البداية، تقلص هذا الفارق وبات مستقبله السياسي غير واضح مع احتفاظ الائتلاف الحاكم بالأغلبية في الكنيست.

كان غانتس جنديا في سلاح المظلات وقاد وحدة القوات الخاصة المعروفة باسم "شالداغ"، وهو ابن أحد الناجين من المحرقة وقضى معظم حياته المهنية في الجيش.

وعندما شغل منصب رئيس هيئة أركان الجيش في 2012، أشرف على عملية استمرت 8 أيام في قطاع غزة بدأت بقتل قائد الجناح العسكري لحركة حماس في غزة.

وشغل غانتس منصب وزير الدفاع في الحكومة السابقة، وأسهمت خلفيته العسكرية المتشددة ومعارضته لحملة نتنياهو الرامية إلى تقليص صلاحيات السلطة القضائية العام الماضي، في المطالبة باختياره لقيادة حكومة في المستقبل.

وكان غانتس منفتحا بشكل ملحوظ على فكرة التوصل لتسوية سياسية مع الفلسطينيين أكثر من نتنياهو وحلفائه اليمينيين، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الوطني إيتمار بن غفير، الذين يرون أن إقامة دولة فلسطينية أمر مستحيل.

ورغم عدم ثقته في عدد كبير من القادة الفلسطينيين، بدا غانتس دائما أكثر استعدادا لقبول حقيقة أنه يتعين على الإسرائيليين والفلسطينيين في نهاية المطاف أن يتعلموا العيش في منطقة واحدة، وقال: "لن يذهب أحد إلى أي مكان".

ومع وصول العلاقات بين واشنطن وتل أبيب إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات بسبب سير الحرب وتزايد عدد القتلى في غزة، كان غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت من بين قلائل في الحكومة يحظون بثقة الإدارة الأميركية.

وفي وقت سابق من هذا العام، زار غانتس واشنطن مما أثار غضب حلفاء نتنياهو الذي لم يتلق حتى الآن دعوة لزيارة البيت الأبيض.

ويعتقد كثيرون في اليسار أن غانتس وشركاءه الوسطيين كان عليهم مغادرة الحكومة في وقت مبكر عن ذلك.

لكن آخرين، مثل إيناف تسينجوكار والدة أحد الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا في غزة، توسلوا إليه للبقاء في الحكومة ومحاولة تمرير اتفاق لإعادة الرهائن، إلا أن رحيله بات واقعا في النهاية.
 
إقرأ أيضاً : 5 مجازر في خلال 24 ساعة لليوم 248 على العدوانإقرأ أيضاً : ارتفاع مبيعات الأسلحة الصربية لـ"إسرائيل"إقرأ أيضاً : ابوزيد: المقاومة جردت الاحتلال من محاولة رسم اي انتصار


مقالات مشابهة

  • ما احتمالية التوصل لوقف إطلاق نار في غزة بعد قرار مجلس الأمن؟
  • بلينكن يؤكد لنتنياهو أهمية "خطة ما بعد الحرب" ودعم واشنطن المستمر لتل أبيب
  • من هو بيني غانتس؟ ولماذا مثلت استقالته ضربة لنتنياهو؟
  • من هو بيني غانتس .. ولماذا مثلت استقالته ضربة لنتنياهو ؟
  • حماس تطالب واشنطن بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب
  • المشكلة ليست نتنياهو وبايدن… بل أمريكا وإسرائيل!
  • البرغوثي للجزيرة: استقالة غانتس ضربة لنتنياهو وحكومة إسرائيل ستصبح أكثر خطورة
  • عاجل - آيزنكوت يوجه رسالة شديدة اللهجة لـ نتنياهو بعد استقالته
  • هل سيلتقي بايدن نتنياهو؟ .. واشنطن تتهرب من الإجابة
  • البيت الأبيض يرفض الإفصاح عن إمكانية مقابلة بايدن لنتنياهو في واشنطن شهر يوليو المقبل