أعوام عديدة مقبلة لمصر مع صندوق النقد.. هل يتحمل المواطن ثمن الإصلاحات؟
تاريخ النشر: 16th, April 2024 GMT
في السادس من مارس الماضي، سمح البنك المركزي المصري بانخفاض قيمة الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، لتنفيذ إصلاح اقتصادي طالما طالب به صندوق النقد الدولي القاهرة، منذ الاتفاق على برنامج تمويلي قبل عام ونصف العام تقريبا.
وجاءت خطوة البنك المركزي لتخفيض العملة المحلية إلى نحو 49.5 جنيه للدولار الواحد من مستوى 30.
ونتيجة لذلك، أعلنت الحكومة وصندوق النقد الدولي، توصلهما إلى اتفاق لزيادة حجم التمويل ضمن البرنامج الذي اُتفق عليه في ديسمبر 2022، ليزيد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات.
ويقول صندوق النقد الدولي إن أهم الإصلاحات الاقتصادية ضمن البرنامج، تشمل التحول إلى نظام سعر صرف مرن، وتشديد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، وإبطاء الإنفاق على البنية التحتية للحد من التضخم، والمحافظة على استدامة القدرة على تحمل الديون، مع تعزيز بيئة تمكن القطاع الخاص من ممارسة نشاطه.
ويضيف وفق بيان نشر على موقعه الإلكتروني: "ستساعد هذه السياسات في المحافظة على الاستقرار الاقتصادي الكلي، واستعادة الثقة، كما ستمكن مصر من مواجهة التحديات التي اقترنت بالصدمات الخارجية في الآونة الأخيرة".
ويعتبر خبراء تحدثوا مع موقع "الحرة"، أن الأزمة الاقتصادية بالنسبة لمصر "لم تنته بعد"، وأن هناك المزيد من التحديات والمتغيرات التي قد تؤثر على آفاق الاقتصاد خلال الأشهر المقبلة.
وفي حديثه مع موقع الحرة، يقول الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إن "ما حدث بعد الاتفاق على صفقة رأس الحكمة يشبه ذوبان قمة جبل الثلج. لكن الكثير من الأمور لا تزال غير واضحة".
ويضيف: "الحكومة حتى الآن في مرحلة تمهيدية.. صحيح البعض يتحدث عن نوع من الاستقرار في سوق الصرف، واختفاء المضاربة في السوق السوداء على الدولار، لكن هذه ليس المرة الأولى، فقد حدث هذا الأمر عام 2016 حينما تم تنفيذ إصلاحات مشابهة لسعر الصرف، ثم تجددت الأزمة مرة أخرى قبل عامين".
ويرى عبد المطلب أن "من المبكر الحديث عن انتهاء الأزمة، خصوصا في ظل تعهد الحكومة بالمزيد من التدابير الاقتصادية لإصلاح الخلل في ميزان المدفوعات المصري، ومنظومة الدعم".
ويؤكد هذا أيضا الخبير الاقتصادي، السيد خضر، الذي يقول إن "التحول الاقتصادي يستغرق وقتا وجهودا مستمرة لتحقيق نتائج إيجابية قابلة للقياس"، مشيرا إلى أن "مصر تواجه منذ عقود تحديات كبيرة فيما يتعلق بارتفاع التضخم والبطالة، وتصاعد مستويات الدين العام".
ويتابع لموقع الحرة: "الحكومة المصرية تنفذ برامج إصلاح اقتصادي شامل بهدف تحسين الوضع وتعزيز النمو المستدام، ومع ذلك فإن هذه الإصلاحات قد تواجه عدة عوائق".
ومن بين العوائق المحتملة التي يمكن أن تقف أمام الإصلاحات، "المقاومة السياسية أو الاجتماعية" للتغيير، حسب خضر، مشيرا إلى أنها "قد تحد من تنفيذ الإصلاحات، خاصة المتعلقة بتخفيض الدعم".
على النقيض، يعتقد الباحث الاقتصادي أحمد أبو علي، أنه لا "توجد عوائق فيما يتعلق بتطبيق الإصلاحات. لكن قد يتطلب الأمر آليات تطبيق واضحة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإجراءات التي تمس المواطنين ومنظومة الدعم وأسعار السلع".
ويضيف لموقع الحرة: "شروع مصر في تعويم العملة والاتفاق بعد ذلك مع صندوق النقد على زيادة حجم التمويل، ساهم في استقرار الاقتصاد المصري بشكل نسبي".
ويعتبر أبو علي أن بلاده "ليست الوحيدة" التي تواجه تحديات اقتصادية، ويقول: "العالم أجمع أمام تحديات مستمرة في ظل الأزمات السياسية العالمية المتلاحقة في أوكرانيا وغزة، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم.. ليست هناك دولة واحدة لا تواجه تحديات أو أزمة اقتصادية".
المزيد من الإصلاحات "الصعبة"ويشدد صندوق النقد الدولي على أن دعم أسعار البنزين في مصر "تصب بشكل رئيسي في صالح الأغنياء على حساب الفقراء" الذين لا يملك معظمهم سيارات، وفق وكالة رويترز.
وفي مؤتمر صحفي قبل أسبوعين تقريبا، تحدثت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي إلى مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، عن ضرورة تنفيذ السلطات إصلاحات فيما يتعلق بدعم الوقود، واستبداله بالإنفاق الاجتماعي الموجه للأسر الأكثر احتياجا.
وتظهر بيانات موازنة العام المالي الحالي 2023/2024 أن مصر رفعت الدعم المخصص للطاقة والمواد البترولية والكهرباء بنسبة 150 بالمئة تقريبا، من 48 مليار جنيه (1.01 مليار دولار) إلى 119.4 مليار جنيه (2.52 مليار دولار).
ويؤكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في أكثر من مناسبة، أن الحكومة المصرية تعمل على ترشيد الدعم ضمن خطط تقليل الإنفاق من أجل إصلاح الاقتصاد.
معاناة المواطنويتوقع الخبراء خلال حديثهم مع موقع الحرة، إقدام الحكومة المصرية على المزيد من التدابير الاقتصادية خلال سنوات الاتفاق مع صندوق النقد، من أجل ترشيد الدعم، خاصة فيما يتعلق بالمحروقات والكهرباء وبعض الخدمات الحكومية، مما يؤثر على الأوضاع المعيشية في البلاد.
ويقول عبد المطلب إن "ما تعهدت به مصر من إجراءات صعبة يتوافق مع رؤية صندوق النقد الدولي، خصوصا فيما يتعلق بإلغاء الدعم كليا، بما في ذلك دعم الوقود والكهرباء".
ويتابع: "إلغاء الدعم أو رفع أسعار السلع والخدمات التي تقدمها الدولة أو تحتكرها، من مترو الأنفاق والسكك الحديدية والكهرباء والغاز والمياه، سيزيد بالتبعية من معاناة المواطن المصري".
ويرى عبد المطلب أن "المواطن المصري حاليا يحاسب طبقا للأسعار العالمية ولا يمكن زيادة الأسعار بأي شكل؛ لأنه عند حساب الأسعار التي يدفعها المواطن مقابل الكهرباء أو الوقود أو المواصلات يجب مراعاة القوة الشرائية للجنيه، وما يستطيع أن يدفعه مقابل حصوله على السلع والخدمات".
ويستطرد عبد المطلب: "يتراوح متوسط الأجور في مصر بين 100 و120 دولارا شهريا، لذلك لا يمكن أن يحاسب بالأسعار التي يحاسب بها المواطن في أوروبا، الذي يتقاضى هذا الأجر خلال يوم عمل أو أقل من ذلك".
وبلغ معدل التضخم في مصر، التي يعاني ثلث سكانها تقريبا من الفقر، نحو 33.7 بالمئة في مارس الماضي، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي قبل أيام. فيما يقول البنك الدولي إن مصر من بين البلدان العشر الأكثر تضررا من تضخم الغذاء في العالم.
ورفعت الحكومة المصرية مؤخرا الحد الأدنى للأجور للقطاعين العام والخاص إلى 6000 جنيه شهريا (126.49 دولار)، فيما يشتكي مواطنون يعملون بالقطاع الخاص من رفض بعض الشركات زيادة الحد الأدنى من المستوى السابق عند 3500 جنيه شهريا (73.78 دولار).
بدوره، يتفق خضر مع ما يقول عبد المطلب، ويوضح: "من المهم أن يتم تنفيذ إصلاحات الدعم بشكل تدريجي ومتوازن، مع وضع آليات للتخفيف والحماية الاجتماعية للفئات الأكثر تأثرا".
ويجب أن تراعي الحكومة في مصر الآثار الاجتماعية المحتملة لهذه الإجراءات" حسب خضر، الذي يضيف: "ومن الضروري تعزيز الشفافية والتواصل مع المواطنين لشرح الأسباب والفوائد المرتقبة للإصلاحات".
ويؤكد أبو علي على وجود "إجراءات تقشفية" اتفقت عليها مصر مع صندوق النقد فيما يتعلق بمنظومة الدعم، لكنه يقول إن الحكومة "لديها قدر من الحكمة للتعامل في هذا الملف، لأنه يمس فئة كبيرة من المجتمع، خصوصا أنها رفضت في أكثر من مناسبة توصيات صندوق النقد بشأن إلغاء الدعم بشكل كامل عن المحروقات".
ويستطرد: "حتى لو كانت هناك موافقة على تقليص برامج الدعم العيني، فهي بكل تأكيد ترتبط بالخطط المالية المستقبلية لتحويلها إلى دعم نقدي للأسر الأكثر احتياجا. وما هو قائم قبل اتفاق صندوق النقد الدولي لن يتم المساس به".
ويستبعد أبو علي اتجاه الحكومة المصرية لإلغاء دعم الكهرباء بشكل كامل، لكنه يشير إلى أنه "حتى في الجولات الأخيرة من رفع أسعار الكهرباء أو حتى المحروقات، كان هناك تقبل من الرأي العام لهذه الخطوات، كما هو الحال مع قرار التعويم والاتفاق مع صندوق النقد".
وفي مطلع العام الحالي، قررت مصر رفع أسعار الكهرباء بنسب تتراوح ما بين 16و 26 بالمئة اعتبارا من بداية يناير وحتى نهاية يونيو المقبل.
كما قررت وزارة البترول المصرية قبل نهاية مارس الماضي، زيادة أسعار المحروقات للمرة التاسعة في 3 أعوام، حيث رفعت أسعار البنزين بمختلف أنواعه بنسبة 10 بالمئة، وسعر السولار بنسبة 21 بالمئة إلى 10 جنيهات (0.21 دولار) من 8.25 جنيه (0.17 دولار)، وسعر أسطوانة غاز الطهي بنسبة 33 بالمئة إلى 100 جنيه (2.11 دولار) من 75 جنيها (1.58 دولار).
وفي كل الأحوال "يعاني المواطن المصري"، سواء كان هناك تحرير لأسعار الطاقة أم لا، حسب عبد المطلب، الذي يقول: "الدخل في مصر منخفض للغاية ومهما حاولت الدولة إصلاحه في الوقت الحالي، فإنه سيتراجع مع أول انخفاض في قيمة الجنيه أمام الدولار، وسيفقد كل ما تم من إجراءات زيادة الأجور. وبالتالي يستمر عدد الفقراء في التزايد".
ويتابع: "صحيح أن هناك مؤشرات على تراجع معدلات الفقراء، لكن أعدادهم تتزايد مقارنة بأعداد السكان، لأن معدل الفقر حاليا تقريبا 30 بالمئة، ونحن نتحدث عن 30 مليون فقير مقارنة بنحو 28 مليونا في عام 2017 حينما كان عدد السكان 80 مليون نسمة ونسبة الفقر 35 بالمئة تقريبا".
ومنذ 4 أعوام، لم تنشر السلطات المصرية بيانات الفقر في البلاد. وكان آخر تحديث نشره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتقرير "بحث الدخل والإنفاق" في عام 2020، والذي أظهر تراجع نسبة الفقر إلى 29.7 بالمئة من أعلى مستوى في نحو 18 عاما عند 32.5 بالمئة والمسجل في عام 2018.
وحينها كان خط الفقر للفرد في مصر، وفق "بحث الدخل والإنفاق"، نحو 857 جنيها للفرد شهريا (55 دولارا بأسعار الصرف في نهاية 2020، و18 دولارا بأسعار الصرف الحالية).
شبكة الحماية الاجتماعيةيؤكد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن تقوم مصر بتحويل الدعم العيني للمحروقات والكهرباء إلى دعم نقدي من خلال برامج شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل برنامج تكافل وكرامة وتوسيع نظام التأمين الصحي الشامل، إلى جانب التوسع في السجل الاجتماعي لتوجيه برامج الحماية الاجتماعية لمستحقيها على نحو أدق.
وتعليقا على ذلك يقول عبد المطلب: "هذه الخطوة تهدف إلى تقليل الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي على الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل. لكن التحول إلى الدعم النقدي يجب أن يرافقه دراسات حقيقية وموسعة للتعرف على دخل الأسر، ووجود بيانات متكاملة بشأن معدلات الفقر والفقراء".
ويستطرد: "إذا كان هناك رؤية حقيقة لتحويل الدعم العيني إلى نقدي، يجب أن تكون هناك قاعدة بيانات متكاملة حول الفقراء في مصر، والتي ستسهم بدورها في القضاء على الفساد فيما يتعلق بمنظومة الدعم، فمثلا الأموال المخصصة لدعم السلع التموينية لا يصل منها إلا 20 بالمئة فقط للمستحقين".
فيما يعتبر خضر أن التحول إلى الدعم النقدي سيكون طريقة فعالة لتحسين المعيشة وتعزيز القدرة الشرائية للأسر المستهدفة. لكنه يقول: "إن ذلك يجب أن ينفذ بحذر وبشكل متوازن، مع وضع آليات رصد وتقييم فعالة للتأكد من وصول الدعم النقدي إلى المستحقين الفعليين وتلافي أي تجاوزات أو انحرافات".
ويضيف خلال حديثه: "تجربة (تكافل وكرامة) الحالية تواجه تحديات تنفيذية وتنظيمية، ومن المهم تقييم البرنامج واستخلاص الدروس المستفادة منه لتحسين تنفيذ وتوجيه الدعم في المستقبل".
ومنذ سنوات تقريبا تنفذ مصر برنامج "تكافل وكرامة"، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجا، وفق ما تقول وزارة التضامن الاجتماعي. لكن عدة تقارير محلية تشير إلى "وجود بعض أشكال الفساد والمحسوبية في المحليات، تحول دون وصول الدعم إلى مستحقيه".
التراجع عن الإصلاحات؟اتفق الخبراء خلال حديثهم على صعوبة أن تتراجع الحكومة المصرية عن الإصلاحات والتعهدات التي اتفقت عليها مع صندوق النقد، حيث سيكون لذلك تأثيرات عكسية على الظروف الاقتصادية في البلاد. ويقول عبد المطلب: "إذا لم تتمكن مصر من الوفاء بتعهداتها، فسنعود إلى نفس المشاكل السابقة".
ويضيف: "برنامج مصر مع صندوق النقد يشترط إجراءات تنفذ على الأرض مقابل الإفراج عن الشرائح. وبالتالي مسألة الاكتفاء بالتعهدات لم تعد كافية حتى يقوم صندوق النقد الدولي بتوفير التمويل والإفراج عن الشرائح التمويلية المتفق عليها".
وتسلمت مصر في نهاية مارس الماضي، شريحة من صندوق النقد الدولي بنحو 820 مليون دولار، ومن المقرر أن تتم المراجعة ربع السنوية المقبلة بحلول نهاية يونيو 2024، التي ستحصل بموجبها مصر على شريحة جديدة بنحو 820 مليون دولار.
ويقول خضر لموقع الحرة: "التراجع عن أي إصلاحات يمكن أن يؤثر سلبا على وضع الاقتصاد، حيث إن عكس الإصلاحات بشكل غير مدروس، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الديون العامة وتفاقم الصعوبات الاقتصادية بالبلاد".
بدوره، يعتبر أبو علي أن ليس هناك أي احتمالية لتراجع بلاده عن الإصلاحات، ويقول: "هذا البرنامج وضعته مصر وتم التوافق عليه مع صندوق النقد، بعد مناقشات استمرت لفترات طويلة".
ومن المقرر أن يجري صندوق النقد الدولي، مراجعات كل 6 أشهر مع السلطات المصرية لتقييم التقدم المحرز فيما يتعلق بالإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في البرنامج، على أن تتم المراجعة الأخيرة في خريف عام 2026.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الحکومة المصریة المواطن المصری مع صندوق النقد مارس الماضی فیما یتعلق أبو علی یمکن أن مصر من فی مصر
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد يرفع توقعاته بـ نمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3% في عام 2025 و2026
رفع صندوق النقد الدولي اليوم الثلاثاء، توقعاته للنمو العالمي لعامي 2025 و2026 بشكل طفيف، مدفوعًا بزيادة غير متوقعة في المشتريات قبيل بدء تنفيذ زيادات الرسوم الجمركية الأمريكية في الأول من أغسطس، إلى جانب تراجع معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة إلى 17.3% بدلًا من 24.4%.
ورغم هذا التفاؤل المحدود، حذر الصندوق من أن الاقتصاد العالمي لا يزال يواجه مخاطر كبيرة، من بينها احتمال عودة تصاعد الرسوم الجمركية، واستمرار التوترات الجيوسياسية، وارتفاع العجز المالي في العديد من الدول، ما قد يؤدي إلى زيادة أسعار الفائدة وتشديد الأوضاع المالية على المستوى العالمي.
وقال كبير اقتصادي الصندوق، بيير-أوليفييه جورينشاس: «الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني، وسيواصل المعاناة مع بقاء الرسوم عند هذا المستوى، حتى وإن كانت الأوضاع أفضل مما كان متوقعًا»، بحسب ما نقلته منصة «إنفيستنج» الاقتصادية.
نمو الاقتصاد العالميووفقًا للتقرير، رفع الصندوق توقعاته للنمو العالمي إلى 3.0% في 2025، بزيادة 0.2%، وإلى 3.1% في 2026 بزيادة 0.1%، وهي أرقام لا تزال دون تقديراته السابقة البالغة 3.3% في يناير الماضي، وأقل بكثير من المتوسط التاريخي لفترة ما قبل جائحة كورونا البالغ 3.7%.
وأوضح الصندوق أن التضخم العالمي العام من المتوقع أن يتراجع إلى 4.2% في 2024، ثم إلى 3.6% في 2026، لكنه لفت إلى أن التضخم سيظل فوق المستوى المستهدف في الولايات المتحدة، بفعل انتقال أثر الرسوم الجمركية إلى المستهلكين الأمريكيين في النصف الثاني من العام.
وأشار إلى أن معدل الرسوم الفعلي في الولايات المتحدة، والذي يُقاس كنسبة من إيرادات الجمارك إلى إجمالي الواردات، انخفض منذ أبريل الماضي، لكنه لا يزال أعلى بكثير من مستواه المُقدّر في يناير البالغ 2.5%، أما في بقية دول العالم بلغ المعدل 3.5% مقارنة بـ 4.1% في أبريل.
يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسومًا جمركية شاملة بنسبة 10% على معظم الدول منذ أبريل، مع تهديدات بزيادات أكبر في الرسوم اعتبارًا من يوم الجمعة المقبل، وتم تعليق رسوم الرد بالمثل بين الولايات المتحدة والصين حتى 12 أغسطس، في ظل محادثات جارية في ستوكهولم قد تُفضي إلى تمديد آخر، كما أعلنت الولايات المتحدة فرض رسوم تتراوح بين 25% و50% على السيارات والصلب والمعادن الأخرى، مع رسوم مرتقبة أعلى على الأدوية والأخشاب والرقائق الإلكترونية.
وأكد صندوق النقد الدولي أن التوقعات الحالية لا تتضمن هذه الزيادات المستقبلية المحتملة، والتي قد ترفع معدلات الرسوم الفعلية بشكل أكبر، وتؤدي إلى اختناقات في سلاسل الإمداد، وتفاقم تأثير السياسات الحمائية على الاقتصاد العالمي.
وفيما يتعلق بالولايات المتحدة، رفع الصندوق توقعاته للنمو إلى 1.9% في 2025 (بزيادة 0.1%)، وإلى 2.0% في 2026، لافتًا إلى أن قانون التخفيضات الضريبية والإنفاق الجديد سيزيد العجز المالي الأمريكي بنحو 1.5%، على أن تُعوّض نصفها عائدات الرسوم الجديدة.
صندوق النقد ونمو اقتصاد اليوروكما رفع توقعاته لمنطقة اليورو بـ 0.2% إلى 1.0% في 2025، وأبقاها عند 1.2% في 2026، مشيرًا إلى أن الزيادة ترجع إلى قفزة كبيرة في صادرات الأدوية الإيرلندية إلى الولايات المتحدة، لولاها لكانت الزيادة نصف هذا الحجم فقط.
الصينأما الصين، فقد حظيت بأكبر تعديل إيجابي في التوقعات، بزيادة 0.8%، بسبب الأداء القوي في النصف الأول من العام، وتراجع الرسوم الجمركية بعد هدنة مؤقتة مع الولايات المتحدة.. كما رفع الصندوق توقعاته للنمو الصيني في 2026 بـ 0.2% إلى 4.2%.
وعدل الصندوق توقعاته لنمو التجارة العالمية في 2025 صعودًا بـ 0.9% إلى 2.6%، لكنه خفض توقعاته للعام 2026 بـ 0.6% إلى 1.9%، فيما توقع أن يبلغ معدل النمو في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية 4.1% في 2025 و4.0% في 2026.
ونوه الصندوق عن أن الاتفاقات التجارية الجديدة التي أبرمتها واشنطن مؤخرًا مع الاتحاد الأوروبي واليابان جاءت متأخرة جدًا، بحيث لم تُدرج في تحديث يوليو، مشيرًا إلى أن تطبيق الحد الأقصى من الرسوم المعلنة في أبريل ويوليو قد يؤدي إلى خفض النمو العالمي بنحو 0.2 نقطة مئوية في 2025.
وتسببت هذه الرسوم المتقلبة في خلق حالة من عدم اليقين أثرت على تدفقات الاستثمار، وأبقت الأسواق في حالة توتر، على الرغم من أن الاتفاقين الأخيرين اللذين أبرمتهما واشنطن مع طوكيو وبروكسل بشأن رسوم نسبتها 15% أضافا شيئًا من الوضوح على جزء كبير من التجارة العالمية.
وأكد الصندوق أن الاقتصاد العالمي يُظهر بعض مظاهر الصمود، لكن حالة عدم اليقين لا تزال مرتفعة، لافتا إلى أن نمط النشاط الاقتصادي يعكس «تشوهات ناتجة عن السياسات التجارية، وليس قوة أساسية حقيقية».
وقال جورينشاس إن التوقعات للعام الجاري استفادت من «موجة كبيرة من الشراء المسبق» من قبل الشركات لتجنب الرسوم، لكنها لن تستمر طويلًا، مضيفًا: «هذه الدفعة ستتلاشى، وسيكون لذلك أثر سلبي على النشاط الاقتصادي في النصف الثاني من 2025 وحتى 2026.. هذا أحد المخاطر التي نواجهها».
وتوقع جورينشاس أن تبقى الرسوم عند مستويات مرتفعة، وقال إن هناك مؤشرات على ارتفاع الأسعار على المستهلك الأمريكي بالفعل، مشيرًا إلى أن «الرسوم الحالية أعلى بكثير من مستويات يناير وفبراير، وإذا استقرت عند هذه المستويات، فستُشكّل عبئًا على النمو في المستقبل، ما سيسهم في أداء عالمي باهت».
وذكر أن من العوامل غير المعتادة في هذه الأزمة تراجع قيمة الدولار، على عكس ما حدث في أزمات تجارية سابقة، وهو ما أضاف عبئًا على دول أخرى، لكنه خفف من تشدد الأوضاع المالية في الوقت ذاته.
اقرأ أيضاًأيمن العشري: نسعى لخفض أسعار الحديد لأقل ربحية والإعلان عن قائمة محدثة قريبا
استطلاع لـ «رويترز» يتوقع نمو الاقتصاد المصري 4.6% وتراجع التضخم لـ 7.3%
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في نهاية تعاملات اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025