لماذا دعا البخاري على نفسه بالموت قبله بأيام؟.. علي جمعة: لـ5 أسباب
تاريخ النشر: 17th, April 2024 GMT
لعل حقيقة استفهام لماذا دعا البخاري على نفسه بالموت قبله بأيام؟ ، تفتح أحد بوابات الأسرار الخفية عن الإمام البخاري - رضي الله تعالى عنه- ، بل إن السر في لماذا دعا البخاري على نفسه بالموت قبله بأيام؟، يعد من أغرب وأعجب الحقائق عن أحد أشهر علماء الحديث ، فورائه قصة وسر لا يعرفه كثيرون عن هذا الإمام - رضي الله تعالى عنه- ، الذي جمع الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمصداقية وأمانة كبيرة، فصار اسم الإمام البخاري على أي نص نبوي مصدرًا للثقة، كل هذا يزيد من الحيرة والعجب ويطرح سؤال: لماذا دعا البخاري على نفسه بالموت قبله بأيام؟.
قال الدكتور علي جمعة ، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن عرفت البشرية على مر عصورها تصرفا سلبيا وهو [ذبح العلماء].
وأوضح «جمعة » في مسألة: (لماذا دعا البخاري على نفسه بالموت قبله بأيام؟ )، ولم تختص أمة بذلك، بل كانت سمة جعلت الناس ينشئون الأمثال السارية كنوع من أنواع التعبير عن الحكمة التي تتصل بالحياة، وقبل ذلك قتلوا النبيين، والمرسلين، ولكن الله سبحانه وتعالى نصرهم، وأيد هؤلاء العلماء، ونفع بهم البشرية عبر العصور.
و استشهد بما قال تعالى : ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾، وعن ابن عباس قال : «ذكر خالد بن سنان للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : ذاك نبي ضيعه قومه» [رواه الطبراني في الكبير].
وأفاد بأن لدينا في التاريخ الإسلامي نماذج كثيرة في هذا المعنى، فقد ورد أن الإمام البخاري صاحب الصحيح الذي وصف بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله من حيث الضبط والنقل والتوثيق، قد دعا على نفسه قبل أن يموت بأيام، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، في نزاع بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي ؛ حيث كانت قد اشتدت الخصومة بينهما، مما سبب له ترك المدينة.
وتابع: ولم يكن البخاري رحمه الله تعالى معتادا على ذلك، فلم يتحمل لشفافيته ورقة قلبه هذا النوع من الصدام، وانسحب تاركا وراءه جهده الرصين الجبار الذي استمر هذه السنين الطوال مرجعا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ومثالا لتطبيق المنهج العلمي، وللنية الخالصة، وللهمة العالية، وأثر ذلك في بقاء الأعمال، ونفعها لأفراد الناس وجماعاتهم، ومجتمعاتهم.
وأضاف أنه في القرن السادس الهجري كان الشيخ عبد القادر الجيلاني تنسب إليه بعض القصص الجديرة بالاعتبار –وإن كنا لم نحقق توثيقها له في ذاتها- منها أنه كان يحضر له نحو أربعين ألفا لسماع موعظته الحسنة التي خالطت القلوب، ورفع بعض الواشين أمره إلى الحاكم بأن عبد القادر أصبح خطرا على الناس، فإنه يأتمر بأمره أربعون ألفا.
واستطرد: ولما استدعاه الخليفة في بغداد، وكلمه في ذلك ضحك الشيخ، وقال : أنا أظن أن معي واحدا ونصفا، ولنختبر ذلك مولاي فارسل غدا الشرطة أثناء الدرس بعد العصر تطلبني أمام الناس، فأرسل الخليفة رجال شرطته، وطلبوا الشيخ بطريقة عنيفة، فر معها أكثر الحاضرين، وأصر اثنان على أن يصحبا الشيخ، حتى إذا ما جاءوا إلى قصر الخليفة تخلف أحدهم ينتظر الشيخ عند الباب، ودخل آخر.
وواصل: فقال له الخليفة : ماذا حدث ؟ قال : لم يبق معي إلا كما قلت لك واحد ونصف، هذا واحد معي، والآخر خاف من الدخول فانتظر عند الباب، وذهب الواشون وذهب عصرهم لا نعرف أسماءهم وبقي الشيخ عبد القادر عبر القرون قد أذن الله أن يجعل كلماته نبراسا يستضاء به، وهداية في الطريق إلى الله. بقي عبد القادر وفنى خصومه.
الإمام البخاريورد أن الإمام البُخاريّ هو مُحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة الجعفيّ البُخاريّ، ويُكنى بأبي عبد الله، وسُميّ الجعفي بذلك؛ لأن جده المُغيرة كان مجوسياً وأسلم على يد شخص يُسمى اليمان وكان جُعفياً فانتسب إليه، وتوفي سنة مئتين وستةٍ وخمسين، وكان عُمُره يقارب الاثنتين وستين سنة، ولم يترُك أولاداً ذُكوراً بعده.
يُنسب الإمام البُخاريّ إلى إسماعيل بن إبراهيم بن بَردِزبة، وكان بَردِزبة فارسياً، ثُمّ أسلم على يد المُغيرة، وأتى على بُخارى فَنُسب إليها؛ لأنهم كانوا ينسبون الشخص إلى من أسلم على يده بسبب الولاء، أما جده إبراهيم فلا توجد عنه معلومات، وأمّا والدُه إسماعيل فكان من رواة الحديث، وقد تعرض له ابن حبان في مصنفه المسمى بالثِقات، واشتهر بحرصه على المال الحلال حتى نُقِل أنه لا يُعلم في ماله شيئاً من الحرام أو فيه شُبهة، ولمّا توفي كان ابنه مُحمد صغيراً.
نشأة الإمام البخاريوُلد البُخاريّ في يوم الجُمعة الثالث عشر من شهر شوال في السنة مئة وأربعة وتسعين.حج البخاري مع أُمّه وأخيه، وأقام بمكة المكرمة؛ لِطلب العلم، وكانت نشأة الإمام البُخاريّ في أُسرةٍ مُتديِّنة، غنيّة، وكانت أُمّه من أهل الكرامة والولاية، وروي أن مُحمداً ابنها فقد بصره وهو صغير، فدعت الله -تعالى- بإن يُرجع له بصره، فاستجاب الله -تعالى- لها.
رحلة البخاريرحل في طلب العلم وهو ابن العاشرة إلى جميع الأمصار، أُلهم طلب الحديث وحفظه وهو لا يزال صغيراً في الكُتّاب، وكان يصحّحُ لبعض أهل الحديث وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل في طلب العلم إلى الشام، ومصر، والجزيرة العربيّة، والبصرة، والحِجاز، والكوفة، وبغداد.
أثنى على الإمام البُخاريّ الكثير من المُحدثين ومن أئمة الإسلام، واعترفوا له بالفضل في علم الرجال وعلم علل الحديث، فقد قال عنه عمرو بن علي الفلاس: حديثٌ لا يعرفُه مُحمد بن إسماعيل فليس بِحديث، وأرشد إسحاق بن راهويه تلامذته للكتابةِ عن البخاري، وكان عُلماءُ مكة يصفونه بإنه إمامُهم وفقيهُهُم.
سيرة الإمام البخارياتصف الإمام البخاري بعدد من الصفات منها:
جمع بين الحديث والفقه، والورع والصلاح، والعلم والعبادة؛ فهو كثير التلاوة والصلاة.كان يختم في رمضان القُرآن مرةً كُل نهار، ويختمه في الليل كُل ثلاثِ ليالٍ في قيامه بعد التراويح.كان إذا عَرَض له شيءٌ في الصلاة لا يقطعها حتى يُتمَّها.لشدة وَرَعه كان يقول: "أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغْتبتُ أحداً".كان مُستجاب الدعوة، فدعا أن يموت بعد أن ضاقت عليه الأرض، فمات بعدها بشهر.اشتُهر بالكرم وكثرة الإنفاق على الفُقراء والمساكين.عُرِف بعزة نفسه، وعفة يده.كان مُرهف الحس.كان عفيف اللسان.كان زاهداً.كان دائِم التعليم بالنهار.كان كثير التهجُد بالليل.كان يكتسب المال عن طريق المُضاربة بما ورثه عن أبيه من مال؛ كي يتفرغ لتعلُّم الحديث والسُنة.كان بعيداً عن حُبِّ المال.اتّصّفَ بالإيثار.كان كثير التمسُّك بِالسُنّة.كان بعيداً عن مُجالسة الأُمراء، وقال عنه قُتيبة بن سعيد: أنه كعُمر بن الخطاب في الصحابة.قوة حفظ البخاري للأحاديثسمع منه الحديث أكثر من تسعين ألف شخص، وكان عند كتابته للحديث يُصلي ركعتين، ثُمّ يضعُهُ في كتابه، وبلغ عدد الأحاديث في صحيح البخاري أكثر من ستة آلاف حديث، وكان حافِظاً، وذكروا أمامَه لاختباره مئة حديثٍ مقلوبة السند، فأعادها صحيحةً بأسانيدها التي ذُكرت بها.
كان الإمام البُخاريّ مُشتهراً بِالذكاء بين الناس، وامتُحن بمئة من الأحاديث مقلوبة السند، وأعادها بأسانيدها الصحيحة، وعلَّق الحافظ ابن حجر على ذلك: وذلك لحفظه، فقد حفظ الأسانيد بأخطائِها، ثُمّ أعادها بالصحيح، وتناول العُلماء كتابه صحيح البخاري بالشرح والتعليق، الذي كان المجال العلميّ الذي يظهر فيه الاهتمام بالكُتب في تلك العُصور، وعلامةُ نجاحٍ له، وخاصةً بعد أن اعترفوا أنه أصح الكتب بعد القُرآن الكريم، وقد بلغت الشُروحات والتعليقات عليه قُرابة المائة والثلاثين كتاباً وأكثر.
صحيح البخاريكان من أشهر الشُروحات على كتابه، كتاب فتح الباريّ للحافظ ابن حجر العسقلانيّ، وكتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري لمحمد الخضر الشنقيطي، وعوْن الباري شرح التجريد الصريح مؤلفه صديق حسن خان، وكتاب أعلام السنن للخطابي، وفي ذلك دليلٌ على جُهد الأُمة المبذول في خدمة كتاب صحيح البخاري وحرصهم على العلم، والفِكر، وحُب الأمة لنبيها وآثاره، وكشفت مصنفات البخاري ومن أهمها الصحيح عن فقهه وعمل على استنتاج الفوائد من الأحاديث ورتب الأحاديث بناءً على هذه الفوائد، ونوّع في ذكر الحديث الواحد في أبواب مختلفة بناء على المواضيع التي يشير إليها الحديث الواحد.
مصنفات الإمام البخاريمن مُصنّفات الإمام البُخاريّ غير كتابه الجامع الصحيح كلاً من الكتب الآتية: الأدب المُفرد، ورفع اليدين في الصلاة، والقراءة خلف الإمام، والتاريخ الكبير والصغير والأوسط، والضعفاء الصغير، والمسند والتفسير والجامع الكبير، وخلق أفعال العباد، والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل، وبر الوالدين، وأسماء الصحابة، والوحدان، والهبة، والمبسوط، والعلل، والكنى، والفوائد، والاعتقاد أو السنة، والسنن في الفقه، وأخبار الصفات، وقضايا الصحابة والتابعين، والأشربة.
الإمام البخاري هو محمد بن إسماعيل من مدينة بُخارى، طلب العلم وهو صغير وارتحل لجمع الأحاديث في كل الأمصار، جمع أحاديث النبي الصحيحة في كتابه صحيح البخاري، وقد اعتنت الأمة بهذا الكتاب شرحاً وحفظاً، وله عدد من المصنفات الأخرى مثل كتاب الأدب المفرد وكتاب خلق أفعال العباد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الإمام البخاري البخاري صحيح البخاري الإمام البخاری صحیح البخاری عبد القادر طلب العلم
إقرأ أيضاً:
حوار الوفد مع العشماوي عن وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام
وظيفة الرؤى والكرامات في الإسلام! ذكر الدكتور محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف فى حواره مع الوفد وقال سيد الطائفة، الإمام الجنيد البغدادي رضي الله عنه: "الحكايات جند من جنود الله، يقوِّي بها قلوب المريدين!".
وقال سيدنا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: "الحكايات عن العلماء والصالحين؛ أحبُّ إليَّ من كثيرٍ من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم!".
إن الرؤى والكرامات عبارة عن حكايات، يحكيها المرء عن نفسه، أو يحكيها غيره عنه، وهي أوقع في النفوس من العلم المجرد، ومن الوعظ المباشر؛ ولهذا قال الجنيد: "إنها تقوِّي قلوب المريدين!".
أي: تثبِّت اعتقادهم، وتقوِّي يقينهم!
ولهذا لا تعجب إذا وجدتَ تراجِم علماء الإسلام - في كتب التراجِم والتواريخ والطبقات - محشوَّة بذكر الرؤى والكرامات، فهي من أهم عناصر الترجمة؛ لدلالتها على فضله وصلاحه، بل يذكرها علماء الحديث في تراجِم الرواة، كالدليل على عدالتهم!
ونحن نتساءل: من أين عرف المؤرخون والمترجِمون هذه الرؤى والكرامات؟!
والجواب الضروري لهذا السؤال؛ أن الرائي حكاها عن نفسه أو عن غيره؛ لأنه لا سبيل إلى معرفة الرؤيا المنامية إلا من الرائي!
فلماذا حكاها إذن؟! أليس هذا تزكية للنفس؟!
والجواب: أن لهم في حكايتها مقاصد لا تخفى على بصير، وهي تختلف باختلافهم، فمنهم من يحكيها دفعًا للتهمة عن نفسه، أو ترغيبا للناس في الأخذ عنه، أو في فعل الخيرات وترك المنكرات، أو لغرس محبة الصالحين في قلوبهم، وتقوية الجانب الروحي عندهم. وغير ذلك من المقاصد الصالحة!
أما الرؤيا الصالحة نفسها فهي جزء من النبوة، كما صرح به المعصوم - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في [صحيحه]، وسماها (مبشرات)، فبين بذلك بعض وظائفها، وهي أنها تبشر صاحبها بأنه على خير!
والقول في الكرامات كالقول في الرؤى والمنامات، غير أن الكرامة قد يشاهدها كثير من الناس، فتكون حكايتها من الناس لا من صاحبها!
ويكفي لكي تعلم مكانة الرؤيا أن الله تعالى ذكرها في غير موضع من القرآن، محتفيا بها، سواء وقعت لأنبياء أو لغيرهم!
كما احتفى بها أهل الحديث، فترجم البخاري في صحيحه كتابًا، وسماه كتاب [التعبير]، وأورد فيه كثيرا من المرائي!
وصنف الحافط ابن أبي الدنيا كتاب [المنامات]، وأورد فيه كثيرا من الرؤى المنامية!
وذكر الفقيه ابن أبي جمرة في مقدمة [شرحه على البخاري] عشرات الرؤى المنامية، التي ساقها للاستبشار بها، وللدلالة على فضل كتابه!
ووقفت على رؤيا للقرطبي حكاها عن نفسه، في [شرحه على صحيح مسلم]، في موضع لا يحضرني ذكره الآن!
هذا جانب من احتفاء القرآن والسنة وأهل العلم بهما، بمسألة الرؤى والمنامات!
على أنه لا ينبغي أن نبني عليها أحكاما شرعية، ولا أن تتوقف حياتنا عندها، وإن كان يستحب العمل بما وافق الشريعة منها، وقد ذكر ابن القيم في كتابه [الروح] عمل بعض السلف بالرؤى المنامية الصادقة!
وأما الكرامات فليس أدل على احتفاء القرآن بها؛ من ذكرها في مواضع مختلفة، كما وقع لسيدتنا مريم، ولأهل الكهف، ولصاحب موسى!
وترجم لها الإمام النووي في [رياض الصالحين] بباب [كرامات الأولياء]، وصنف الشيخ يوسف النبهاني كتابًا ضخما سماه [جامع كرامات الأولياء]!
ومما يدل على أهميتها؛ ذكرها في كتب العقائد الإسلامية، لاتصالها بمعجزات الأنبياء، بل قالوا: "كل ما كان معجزة لنبي؛ جاز أن يكون كرامة لولي، إلا ما اختص به الأنبياء!".
وأنشد الشيخ اللقاني في منظومته المباركة [جوهرة التوحيد]:
وأثبتنْ للأوليا الكرامةْ
ومن نفاها فانبذنْ كلامهْ!
هذه سطور كتبتها - على عجَل - جوابًا على سؤال مَن سأل: لماذا تذكر الرؤى المنامية الصالحة التي رأيتَها أو رؤيت لك؟!